25‏/05‏/2014

إعلام الحروب أو الإعلام الحربي

تعريف إعلام الحروب :
هو فرع من وسائل إعلام الدولة وأحد أدواته وليس منفصلا عنه , ويكاد أن يكون قائماً بذاته في مجال الحروب ( كالحروب الإقتصادية و العسكرية .. إلخ ) ، فهو يمثل مرحلة التمهيد والتحشيد للقوى المؤيدة واستمالة الأطراف المحايدة , أو التي لم تحسم مواقفها بعد , وتلعب دوراً أسياسياً في إدارة الصراع والأزمات .
أهمية دراسة إعلام الحروب :
1- التأمل في الأحداث اليومية وتقديم نظرة عامة وشاملة ومفسرة حول الأحداث العالمية .
2- إن الحقل الإعلامي يلفت إنتباه النخبة السياسية والعامة , لا سيما بعد إنتشار شبكات التواصل الإجتماعي .
3- توعية الأفراد لتجنب الأخبار المغلوطة التي تؤدي إلى إثارة الحقد والضغينة بين الشعوب , مما يؤدي إلى سفك الدماء.
إعلام الحروب والإتصال الجماهيري :

-        بداية القرن العشرين بدأ الحديث عن وسائل الاتصال الجماهيري، مثلا  كتاب هارولد لاسوال يعد أوّل كتاب يتحدث عن هذا: Propaganda Technical in World War(وهو أمريكي مختص في الاتصال و الميديا 1902-1978). قدم هذا الكتاب قراءة لحرب 1914- 1918. أظهرت هذه الحرب أن وسائل الاتصال قد غدت أدوات ضرورية في إدارة الرأي العام من قبل الحكومات. وفي هذه الفترة قفزت التلفزة والسينما والإذاعة قفزات هائلة لم تعرفها من قبل. وهنا بدأ الحديث عن الدعاية: الدعاية تمثل الوسيلة الوحيدة في خلق الانتماء والولاء لدى الجماهير، ويمكن استخدامها في أهداف مشروعة وغير مشروعة. فقد اعتبر أن العمل الدعائي للحلفاء كان سببا في هزيمة الجيوش الألمانية.
وسائل الإعلام قبل الحرب :
قال الأديب الإنجليزي صامئيل هيرام جونسون : " إن القتيل الأول حينما تقدم الحرب هو الحقيقة " , فقبل إطلاق النيران والصواريخ , فإن شرارة الكذب والخداع والتضليل تهيمن على الأحداث السياسية وتمهد لتجييش وإستمالة عواطف الناس من أجل إغتنام المكاسب السياسية , فلا يمكن للشعب أن يرفع سلاحه إلا إذا زرعت فيه الحماس والإثارة من قبل السلطات السياسية عبر إعلامهم . فإن الصحفيين لازالوا يلعبون على تحشيد الرأي للحرب بواسطة " إعلاء الحس بخطر وشيك الحدوث " , فيحرضون على العنف بحجة الدفاع عن النفس وعن القيم والأخلاق .
دور الإعلام الحربي في التحريض على العنف :
المجازر التي أرتكبت في رواندا عام 1994 من قبل قبيلة الهوتو لمواطنين من قبيلة التوتسي التي أسفرت عن مقتل 800,000 - 1000,000 قتيل ساهمت في صنع التاريخ وعن خطورة الإعلام الحربي الذي تحول إلى آلة لإبادة عرقية , حيث قامت المحكمة الجنائية الدولية عام 2003 بإتهام فريديناند ناهيمان وجان بوسكو وحسان نيجز بتهمة الإبادة الجماعية عن طريق التحريض المباشر والعلني على إرتكاب الإبادة العرقية وجرائم ضد الإنسانية .
وبالرغم أن هؤلاء الثلاثة المتهمين لم يباشروا في سفك الدماء بشك مباشر وصريح , إلا أن بسبب التحريض وبث الكراهية والتجييش القبلي عن طريق الإعلام هو الذي أوصلهم إلى هذه الأحداث الدامية , فالإعلام إستغل هذا الحقد التاريخي المكبوت منذ مئات السنين , وإن وسائل الإعلام الجماهيري هو الذي فجر إراقة الدماء بين القبيلتين , بدليل أن راديو RTLM  التابعة بقبيلة الهوتو كان يبث في نفوس الهوتيين الشعور بالخطر الوشيك من الأعداء ( قبيلة التوتسي ) , فيصفونهم بالكلاب والأفاعي والصراصير وأنه يجب دعسهم بالأقدام , فهذا النوع من الخطاب العنيف منتشر بين الديكتاتوريين والطغاة , فنجد أن هتلر قد وظف الإعلام النازي العنصري بمساعدة جوزيف غوبلز الذي كان وزير الدعاية والسياسية قد أنتجوا فلماً ضد اليهود إسمه " اليهودي الأبدي " The Eternal Jew  ووصف اليهود بأنهم فئران وأفاعي ويجب إستئصالهم كي لا ينشروا الأمراض الخبيثة في العالم , ونجد أيضاً هذا الخطاب في معمر القذاقي عندما قال عن الثوار بأنهم جرذان , وللأسف الشديد يجب أن نعترف أن هذا الخطاب منتشر بين العرب ( بين السنة والشيعة على وجه الخصوص ) , فقد أعدت قناة البي بي سي العربية برنامجاً إسمه " أثير الكراهية " وبينت آثار الخطاب التحريضي على الشعب العراقي , ولهذا نحن ندرس إعلام الحروب كي نوعي الناس ونحد من سفك الدماء الذي هو ليس في مصلحة البشرية , فلا نريد هذا الحقد المكبوت أن ينفجر في باقي الدول العربية كالبحرين و السعودية ومصر وغيرها من الدول .
ومن الضروري أن نعلم أن الإعلام الحربي دائماً يصور الجزاريين بأنهم مظلمون ومضطهدون , فهذه المظلومية غذت الحقد المكبوت بشكل أكبر عندما حوّلوا التاريخ إلى مظلومية , حيث إستغل الإستعمار البلجيكي هذه الأحقاد ليطبق المثل الإنجليزي المشهور " فرق تسد " , كما أن الإعلام النازي صور الأمم الأخرى على أنهم أعداء للأمة الألمانية الآرية وأن الألمان هم ضحايا مضطهدة من الأمم الأخرى وهم سبب إنهزام الإمبراطورية الألمانية العظمى نتيجة التمويل اليهودي لدول التحالف , ومنذ هذه اللحظة إشتد تطرف الإعلام النازي ضد اليهود وألصق بهم أبشع التهم . فإستغلال المظلومية يشكل قنبلة مميتة وخطرة على أمن الوطن العربي بشكل خاص وعلى البشرية بشكل عام , فنحن نواجه هذه المظلوميات عند جيراننا الفرس , لأننا يتهمون العرب بأنهم دمروا إمبراطوريتهم الفارسية ويجب على الفرس الإنتقام من العرب لإستعادة إمبراطورتهم , فبعد الثورة الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979 , غلفت هذه المظلومية بغطاء المذهب الشيعي الإثنى عشري , وها نحن نرى آثارها على العراق واليمن والبحرين و الآن سوريا وإذا إستمر الجهل قد يصل إلى الكويت و السعودية وغيرها من الدول إن لم يتدركوا هذه القنابل الموقوتة .

دور ( صحافة الإثارة ) في إثارة غضب الناس :
الإعلام الحربي وظف مهندسي العنف لخدمة الأجندات السياسية , فهم غالباً يفضلون قصص  (الأسر الأنثوي) مختلقة أو مبالغة بها, لأنه من الشائع بين الناس أن المرأة كجنس غير قادرة على حماية نفسها , فهي ضعيفة ومسكينة , وبريئة سياسياً وأنها أكثر إستحقاقاً للغضب من أجلهن مقارنةً مع الرجال , فبالتالي ؛ إن ردات فعل الجماهيير ستكون أكثر عنفاً وأكثر إستعداداً لمعاقبة هؤلاء المجرمين , فهو خطاب موجه للجمهور الذكوري بالأخص الذي بيده السلطات السياسية والعسكرية , فإثارة الغيرة عند الرجال غاية ووسيلة سياسية لما يتمتع بهم الرجال من صفة الشهامة والفروسية .
ومن أشهر هذه القصص , قصة " زهرة كوبا " التي أختلقت من قبل إعلام الإعلام الأمريكي بواسطة حملة هيرست الشرسة التي قادت إلى الحرب الأمريكية الأسبانية عام 1898 , فهذه الآنسة الكوبية (ايفا انجلينا سنسيروس) الشابة التي تبلغ من العمر 17 عاماً أصبحت معرضة للخطر وجعلوها شعاراً خادعاً للوطنية الكوبية بعد أن أتهموها بمحاولة إغتيال كولونيل , مما جعل جعل يستغل تعاطف الرأي العام كي تتدخل القوات الأمريكية لإنقاذ سكان كوبا من الوحوش على حد زعمهم . فهيرست ركز جهودة على قصص الأسر وهو نمط شعبي شائع منذ ولادة هذه الدولة الحديثة , حيث قد صوروا الهنود الحمر في أفلامهم من قبل على أنهم نهابين وبرابرة وأنهم يقتلون المسيحيين المؤمنين البيض بأبشع الطرق  كي يحفزوا البيض على كراهية الهنود وإبادتهم .
ومن أسهل الطريق أيضاً لإحياء غضب الناس هي طريقة "الهتلرة" أي تشبيه الأشخاص بإيدولف هتلر الذي يعتد من أكبر رموز الديكتاتورية عبر التاريخ الحديث , حيث أنه تم هتلرة الراحل صدام حسين منذ 1990 حتى إعدامه عام 2006 , ومن ثم ؛ قامت إدارة بوش بتقديم فتاة كويتية مراهقة أم لجنة استماع لحقوق الإنسان في الكونغرس الأمريكي للإستماع إلى شهاداتها حول المجازر المزعومة التي أرتكبت من قبلل الجيش العراقي . بالإضافة إلى قصة "جيسيكا لينش" عام 2003 إبان الغزو الأمريكي على العراق , فهي التي كانت مختصة بالتمويل والنقل في الجيش الأمريكي , ولكن سرعان ما أن إنتشر في الإعلام الأمريكية عن عملية إختطاف هذه الفتاة البريئة !! وتم تحريرها من قبل القوات الأمريكية في أقل من أسبوع , ولكن ؛ عندما حضرت جيسيكا جلسات الكونغرس الأمريكي إعترفت بأن هذه الأخبار إدعاءات فارغة لكسب أغراض سياسية , وهذه السياسات لا زالت مستمرة فهم يعلنون الحرب على الدول العربية بحجة الدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان والديمقراطية , وفي الحقيقة أنهم يبكون على اللبن المسكوب بعد ثورات الربيع العربي 2011 , فهم يدعمون الديكتاتورية ويساعدون الطغاة في تثبيت حكمهم وتزوير الإنتخابات وقمع الناس وإضطهادهم , فلم يسلم منهم الطفل ولا المرأة ولا حتى الحيوانات , حيث أنهم يدافعون عن حقوق الحيوانات أكثر من حقوق البشر للأسف , فيجب علينا أن نحذر منهم وأن نوعي الناس من هذه الحروب الإعلامي التي هدفها الإحتلال والتوسع الإمبيريالي .

دور الإعلام الحربي في كبح الجدل وإقناع الشعب في الإتجاه نحو الحرب :

هذه من أهم مهام الإعلام الحربي التي تهدف إلى تحشيد وتجييش الناس نحو الصراع السياسي , فعلى سبيل المثال نجد أن الولايات المتحدة قامت بالتصعيد الإعلامي ضد صدام حسين منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 حتى 2003 , وحاولت بالطرق الدبلماسية لأخذ ضمانات من الأمم المتحدة , فتم هتلرة صدام ثم إتهامه بإحتواء أسلحة الدمار الشامل ليستخدمها ضد حليفها إسرائيل وضد الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة القنوات الإخبارية الأمريكية التي ساهمت في زيادة الاقتناع الشعبي لضرورة تدخل أمريكا عسكرياً لضرب العراق , كما أنهم إتهموا صدام بمسؤوليته عن أحداث 11 سبتمبر مع أن صدام له ميول علمانية و كان يحارب القاعدة وطردهم من العراق , وبالرغم من هذا التجييش إلا أن الإستبيان الذي أجري في 24 أيلول 2001 أبدى 6% فقط منهم بإتهام صدام و 50% كانوا لا يزالون يعتقدون أن بن لادن هو المسؤول,  , وبعد 3 سنوات قررت لجنة (9-11) بنفي هذه الإدعائات عن وجود صلة بين صدام والقاعدة , وبسبب التعتيم الإعلامي المكثف نحو المعارضين لشن الحرب ضد العراق تغير الرأي العام مما أدى إلى ظهور 8 ملايين شخص في المسيرات التي تطالب بالتدخل العسكري قبل حوالي شهر من إندلاع الحرب في العراق , مما أدى إلى إستغلال الإدارة الأمريكية على الشرعية الدولية للهجوم على العراق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق