29‏/04‏/2013

هل الحجاب فرض أم عادة ؟

هل وردت فرضية (غطاء الرأس للمرأة) في القرآن الكريم؟


وكيف تم استيراد حكم غطاء رأس المرأة من المسيحية، والنقاب من اليهودية، وإقحامه في الأحكام الإسلامية؟


نقاط البحث:

 1- تم التركيز في الآيات القرآنية عند ذكر لباس المرأة على الجانب الوجداني والمعنوي ومراقبة الله عز وجل. وقبل الكلام على اللباس جاء الأمر الإلهي المباشر للمؤمنين والمؤمنات على حد سواء بالغض من البصر وحفظ الفروج.

 2-
عند التكلم على لباس المرأة لم يرد الأمر صراحة بوجوب تغطية الرأس في القرآن الكريم. فلا يوجد أمر مثل (ولغطين رؤوسهن) أو (ولا يبدين شعرهن) أو (لا تظهر وجوههن)، وما إلى ذلك.

 3-
كان الخمار (غطاء الرأس) هو لباس المرأة العربية في الجاهلية بحكم العادة والبيئة الصحراوية، وغير ملزم لكل النساء فلم تلتزم كلهن به. ولا يوجد تحديد لصفات الخمار (غطاء الرأس) وحدوده، فهل كان يغطي كامل الشعر أم بعضه؟ وهل يشترط أن يغطي النحر؟ وقد جاء الخمار (غطاء الرأس) كوسيلة لستر الجيوب، فالغاية هي ستر فتحات اللباس التي تظهر الجسد، والخمار (غطاء الرأس) المتدلي للخلف كوسيلة لذلك، بحكم العادة والعرف في ذلك الزمان.

4-
 جاء النهي عن إبداء الزينة، مع استثناء ما ظهر منها فهو معفو عنه، ولم تحدد الزينة؟ ولا ما هو معفو عنه، فهو متروك للعرف.

 5-
جاء الأمر بإسبال جلابيب النساء ولفها على الجسد، لستر ما يظهر من الأرجل عند المشي، كما جاء الأمر قبله بضرب الخمار على الجيوب لستر ما يظهر من الصدر والأيدي عند الحركة.

6-
تعلق أمر اللباس بالنية، فإبداء الزينة مبني على قصد ونية بغرض الإثارة، والضرب بالأرجل وكشف أجزاء من الجسد كذلك، فكان هذا الأمر محرماً، مع وجود ضوابط في اللباس مرتبطة بتحقيق الغاية منه.

 7-
الحكم في اللباس يرجع الأعراف وإلى تقدير المفسدة التي تحددها الأعراف في كل بلد، بما يحقق مقاصد القرآن الكريم الكبرى.

8-
 الحكم الصريح الوارد في كتب اليهود والنصارى بوجوب تغطية المرأة لرأسها ووجهها وجسدها تحت طائلة العقوبة الدنيوية فضلاً عن الأخروية، فكيف دخل هذا الحكم إلى الأحكام الإسلامية؟ 

 9-
عدم وجود روايات صحيحة يأمر بها الرسول عليه الصلاة والسلام ويحدد بها لباس المرأة.

 10-
وجود إشكالية في استدلال الفقهاء على حكمهم في عورة الأمة المسلمة بأنها (كعورة الرجل)، والتفريق بينها وبين عورة الحرة، بدون إقامة الدليل، وعلى ذلك يسقط الاستدلالان معاً.


هل وردت فرضية (غطاء الرأس للمرأة) في القرآن الكريم؟

وكيف تم استيراد حكم غطاء رأس المرأة من المسيحية، والنقاب من اليهودية، وإقحامه في الأحكام الإسلامية؟

تمهيد:
إن من أهم مميزات القرآن الكريم، أن الله تعالى أنزله وجعل فيه صلاح البشرية في كل زمان ومكان، ولذلك كانت ألفاظ القرآن الكريم واضحة وسهلة، ومعانيه ميسرة للفهم والتدبر، فنجد تراكيبه تراعي جميع مستويات المخاطبين، وإن اختلفوا في ثقافاتهم وعلومهم وأزمنتهم عن زمان نزول القرآن الكريم.

الآيات المحكمة والمتشابهة:

والقارئ المتدبر للقرآن الكريم يستطيع أن يفرق بين الآيات المحكمة والآيات المتشابهة فيه، كما أخبر المولى عز وجل، فالآيات المحكمة هي الآيات واضحة المعنى، من خلال دقة في استخدام الكلمات الواضحة المدلول، ودقة في انتقاء الألفاظ التي لا تحتمل أكثر من معنى، وذلك لتحديد المعنى المراد بوضوح دون الحاجة لجهد في التأويل أو التفسير، مثل آيات: ((وأحل الله البيع وحرم الربا))، ((وأقيموا الصلاة))، ((لا يحل لك النساء من بعد))، ((ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين))، ففي الآية الأخيرة ذكر الله تعالى تفاصيل الوضوء مع تحديد الأركان وحدود غسل الأيدي ((إلى المرافق)) والأرجل ((إلى الكعبين)) مما لا يدع مجالاً للخلاف حولها، وأي حكم تشريعي يريده الله تعالى يفصله في كتابه على هذا النحو وهو قادر على ذلك.

ويلاحظ المتدبر لكتاب الله تعالى أيضاً وجود آيات وردت بألفاظ جامعة تحتمل أكثر من معنى، أو أنها ذكرت حكماً دون تفصيل فيه، وتركها الرسول عليه الصلاة والسلام دون تفسير إلا ما سئل عنه، وبدأ الناس بالاختلاف في معانيها من بعده وتأويلها كل حسب فهمه وظروف بيئته وثقافته. وهذا الأمر مقصود من رب العالمين تبارك وتعالى، فكما وضّح كثيراً من المعاني والأحكام بكلمات وألفاظ واضحة المعنى قطعية الدلالة، جعل كذلك بعض الأحكام بكلمات وألفاظ واسعة المعنى تحتمل أكثر من تأويل أو سكت عن بعض تفاصيلها، وهذا كله مقصود بلا شك، مع قدرته سبحانه وتعالى على أن يجعلها بألفاظ واضحة وصريحة المعنى، ولكنها لحكمته لم يفعل ذلك، وبما أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوضح المعنى بصراحة ودقة، علمنا أن الأمر توقيفي من الله تعالى، وأن مراده سبحانه هو التيسير على عباده، كما ورد في الآيات المباركات: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))، ((ما جعل عليكم في الدين من حرج)) وعلى ذلك يجتهد أولو الفهم في تنزيل هذه الآيات على الواقع بما يتناسب مع حكمة الله تعالى في دينه وتشريعه وبما يتوافق مع المقاصد القرآنية الكبرى، التي تأمر بالعدل والإحسان والتقوى والإصلاح وعمل الخير، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وعمل السوء، وبناء على ذلك تكون دلالات جميع القضايا المذكورة في القرآن الكريم وحتى المسكوت عنها تدور على تحقيق هذه المقاصد الكبرى، فما توافق من اجتهاد وفهم للآيات مع تلك المقاصد فيكون هو الأقرب للصواب ولحكمة الله تعالى من التشريع، وما تخالف وتعارض معها فيكون عكس ذلك.

مقصد التشريع:

وإن من أعظم مقاصد التشريع بين الناس ليقوموا بالقسط، قال تعالى: ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط))، فقيام القسط والعدل بين الناس وتحريم الظلم والبغي والتعدي هو المقصد من التشريعات، وإذا أردنا تفعيل هذا المقصد في موضوع العلاقات الاجتماعية فلا بد لنا من النظر في أصل تكوين العلاقات بين الأحياء في هذا الكون، والتي تطورت كثيراً عبر الأزمان ولكنها لم تخرج عن ضوابط السنن الكونية الحاكمة عليها والقوانين الطبيعية المنظمة لها، وقانون التكاثر هو قانون كوني طبيعي للبقاء والمحافظة على الوجود، بدءاً من تكاثر الخلايا وصولاً إلى تكاثر الحيوانات والبشر، وتكاثر الأخيرين يحتاج إلى تزاوج (تواصل جنسي) بين الذكر والأنثى، وبما أن الغرائز الحيوانية هي نفسها عند الإنسان نستعرض جوانب التواصل الجنسي عند الحيوان أولاً، فتقوم الأنثى بإظهار الرغبة في التزاوج في فترة التبويض حيث تنشط إفرازات الغدد للهرمونات الجنسية، فتبدأ بإبراز حركات بأعضائها لتثير الشهوة عند الذكر، وتكون هذه العلامة إشارة له بسماحها له بالتزاوج معها وإشباع رغبته الجنسية معها، فيلبي الذكر دعوة غريزته الجنسية التي استثارتها الأنثى ويتم التزاوج
.

وأما فيما يخص الإنسان فإن الله تعالى قد أكرمه بالعقل وبه فضُل على باقي الحيوانات، وشرّع له ضوابط يتم من خلالها الزواج بطريقة شرعية، وحرّم عليه إشباع غريزته الجنسية خارج هذه الضوابط، وعندما بدأ يؤسس لحضارته الراقية باستخدام ذلك العقل، كانت أول نقلة هي حجب أعضاء التناسل عن النظر، والسبب في ذلك أنه يملك عقلاً واعياً لديه القدرة على التخيل والتصوّر، وهي ميزة تولد الصراعات والشرور فيما يخص بإشباع الغريزة الجنسية بشتى الطرق والوسائل غير الشرعية، ولتجنب الشرور والصراعات بين بني البشر، كان لا بد من وضع ضوابط تنظم العلاقات الاجتماعية بين البشر فبدأت فكرة ستر وتغطية السوءات، كما أخبر المولى عز وجل فقال: ((بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة))، ((فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ))، فكان ستر هذه السوءات سلوكاً طبيعياً مصدره العقل البشري، ولم يذكر القرآن الكريم العورات صراحة ولم يحددها لأن مرد تحديد ذلك إلى العقل والعرف الاجتماعي، كما أنه أمر نسبي (فالإنسان وحده أو مع زوجه لا وجود لعورة، ومع الأقارب تختلف عن الأجانب وهكذا ..)، وجاء بعدها الخطاب الإلهي يبين لهم سبيل ستر السوءات باللباس والريش وكان هذا أول عهد للإنسان باللباس ((يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير))، فلم يأت الأمر الإلهي باللباس لأن هذا أمر فطري ولكنه احتاج إلى توجيهات، وبما أن المجتمعات البشرية والشعوب تحتاج للتعارف فكان اللباس لستر ما يسوء الآخرين النظرَ إليه، ولذلك حدد الله تعالى ما يجب ستره بتحديد الحد الأدنى (السوءات) الذي يمنع حصول الفاحشة بين البشر والتي تؤدي إلى الفساد والإفساد، وجاء النهي الصريح عن نزع ذلك اللباس وإبداء السوءات وجعلها مباحة للنظر العام، لما فيه من التعدي على حقوق الآخر، ((يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما))، فنزع اللباس مرتبط بالفاحشة لذلك قال تعالى بعدها: ((وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون))، فإن الله لم يذكر تفاصيل اللباس لهم، فافتروا عليه بأنه يأمرهم بالفاحشة وجاء الرد الإلهي عليهم ((إن الله لا يأمر بالفحشاء)) وأعقبها بتبيان مقصد عظيم من غاية التشريعات فيقول الله عز وجل بعدها: ((قل أمر ربي بالقسط)) فربط النهي عن نزع اللباس بالقسط في تنظيم العلاقات الاجتماعية، فما يحقق هذه الغاية فقد وافق شرع الله، وما كان مخالفاً لها فلا.

وبالعودة إلى العقل البشري وبناء الحضارة، نجد أن من علامات التقدم والرقي في الحضارة الإنسانية، الاهتمام باللباس والاعتناء به، واتخاذه للزينة والجمال زيادة عن الغاية الأساسية فيه وهي الستر، وهذا أيضاً يوافق شرع الله تعالى حيث يقول تبارك وتعالى: ((يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)) ويعود ليؤكد هذا الحق للناس بقول جل جلاله: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق))، فلا مانع من اتخاذ اللباس وسيلة للزينة، ولكن دون الخروج عن الغاية الأساسية له، وهي للستر المؤدي إلى القسط في العلاقات الإنسانية وإيقاف البغي والتعدي المؤدي إلى الفواحش، ولتحقيق هذه الغايات من اللباس وجب (عقلاً) أن تكون له شروط ومواصفات تتناسب مع إظهار الحشمة والعفة، وتليق بالآداب والأخلاق والذوق الراقي، ولما كانت الأنثى (بحكم الطبيعة الكونية) هي الفاعل في تحريك الغرائز الجنسية لدى الذكر، توجّب (عقلاً) أن يتميز لباسها بضوابط تراعي الحكمة والغاية منه، وأهمها بلا شك أن يكون ساتراً وحاجباً لا يشف ولا يصف ولا يبرز مواضع تثير الغريزة وتحرك الشهوة، وذلك ليكون وجودها في المجتمع لائقاً من غير استفزاز للمشاعر واستثارة للغرائز، الذي يسبب خللاً واضطراباً في تعاطي العلاقات الجنسية خارج ضوابطها الشرعية، والتي تؤدي إلى الفواحش والمفاسد المنهي عنها (عقلاً وشرعاً)، وحتى في العلاقة الجنسية الشرعية نجد أحكاماً تفصيلية في القرآن الكريم تخص آداب الاستئذان والدخول إلى البيوت و تضع ضوابط للتنقل بين الغرف في أوقات محددة، فقال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم، وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم)) وما ذلك التفصيل إلا حرصاً على ستر هذه العلاقة حتى عن من يعيشون معهم في نفس البيت. فتأمل.

مناقشة الأدلة ((الآيات القرآنية)):
ولكي نستخلص ضوابط لباس المرأة بما يتناسب مع الغايات والمقاصد الكبرى للتشريع الإلهي، لا بد لنا من النظر في المصدر التشريعي اليقيني الذي لا شك في قطعية ثبوته عن الله تبارك وتعالى وهو كلامه المنزل على نبيه المرسل محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام القرآن الكريم، فلقد جاءت أحكام لباس المرأة في عدة آيات كريمات، وتزخر هذه الآيات القرآنية بالتأكيد على الجانب النفسي والمعنوي والمراقبة الوجدانية عند تناولها هذا الموضوع، وتعطي هذا الجانب الأولوية على الجانب المادي التفصيلي والوسائل المستخدمة في تطبيق الحكم، وإذا استعرضنا الآيات القرآنية بتدبر نجد أن الله تعالى قد ذكر أحكاماً للباس المرأة في الآية الحادية والثلاثين من سورة النور، وجاءت هذه الآية بعد آيات ثلاث تؤكد ما ذهبنا إليه من إبراز الجانب المقاصدي للحكم، وأولوية تحقيقه للجوانب المعنوية قبل المادية، لتتحقق الغاية من الحكم الشرعي، فقال سبحانه وتعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم، ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون))، فهنا جاء النهي عن دخول بيوت الغير بلا استئذان، حفظاً للخصوصية الشخصية، ومنعاً من التسبب في النظر إلى شيء من العورات المحرمة، ولو عن غير قصد، وحين أباح الدخول إلى بيوت غير مسكونة فيها متاع للشخص أكّد على الجانب المعنوي، ومراقبة الله عز وجل، فختم الآية بقوله تعالى: ((والله يعلم ما تبدون وما تكتمون))، ثم توجه بالخطاب إلى ذكور الأمة بالأمر بالغض من البصر، في حال وقع نظرهم على ما يستثير الشهوة بعمد أو غير عمد، فقال عز وجل: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)) فالغض هو الكف وخفض النظر، وإذا لاحظنا استخدام كلمة ((أبصارهم)) ولم يقل (نظرهم)، فالبصر غير النظر، وهنا ملمح خفي يؤكد أهمية تفعيل الجانب الوجداني في الإنسان ليحكم على تصرفاته، فكلمة البصر تحتوي معنى زائداً عن النظر، بدليل قول الله تعالى: ((وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)) وقوله تعالى: ((ولهم أعين لا يبصرون بها)) وقوله تعالى: ((ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا)) فالغض من البصر لا يعني عدم النظر مطلقاً، وإنما خفض الطرف، وعدم مد النظر بشهوة وغرض خفي، والحكَم في ذلك هو النفسُ الساعية للتزكي، واستحضارُ مراقبة الله تعالى وخُبرِه بما في النفوس، ولذلك ختم الآية بقوله سبحانه وتعالى: ((ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون)).

ثم ينتقل الخطاب الإلهي (في الآية موطن الاستدلال) متوجهاً إلى الإناث بقوله عز وجل: ((وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون))، بدأت الآية بأمر الإناث بالغض من البصر عطفاً على أمر الذكور بذلك قبل التكلم عن لباسهن، ثم جاء النهي عن إبداء الزينة ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) وهنا تبرز لنا الأسئلة:
ما دلالة ومعنى الإبداء في قوله تعالى: ((ولا يبدين))؟
ولماذا لم يقل (ولا يظهرن) أو (ولا يكشفن)؟
وما المقصود بالزينة هنا؟
وما هي حدود الزينة المنهي عن إبدائها؟
وهي الزينة المستثناة بجواز ظهورها؟

الإبداء: مصدر من أبدى الشيء: أي أظهره وأبانه، وزيادة الألف تفيد تعمد الإظهار.
ولم يقل (ولا يظهرن) أو (ولا يكشفن) أو غيرها من الكلمات لدلالة في معنى الإبداء وهي أن الزينة ليست شيئاً موجوداً في الأصل وهن أظهرنه أو كشفنه، وإنما احتاج التزين لتحضير وتجهيز فهو زائد عن حسن المرأة وجمالها الطبيعي، فجاء النهي عن تعمد إظهار هذا التزين على الخصوص إلا باستثناءات، فكأن المقصود: (ولا يبدين تزينهن) ولكنه استخدم ((زينتهن)) لتشمل الحسن والجمال الموجود في أصل جسد المرأة من الأعضاء المثيرة للغريزة الجنسية. ولو قال: (ولا يظهرن زينتهن) أو (ولا يكشفن زينتهن) لفهمنا أن الزينة موجودة أصلاً في كل الحالات وهن قمن بإظهارها أو كشفها، وأما لفظ الإبداء ففيه معنى التعمد في إظهار الزينة التي أضافت حسناً وجمالاً زائدين للمرأة، فإذا تزينت المرأة فهي مأمورة بعدم إبداء هذه الزينة إلا بالاستثناءات المحددة. والدليل على أن الزينة هي خارج جسد المرأة، أنه سمح بإبداء الزينة للمحارم والبعل وباقي الأصناف، فلو كانت الزينة شيئاً في أصل حسن وجمال المرأة لكان الاستثناء لا معنى له، لأنها ليست بحاجة لآية وحكم قرآني يخبرها بذلك، وحاشا لكلام الله عز وجل أن يكون كذلك.

وأما لفظ الزينة فله عدة معانٍ، ويهمنا هنا زينة النساء حصراً، وهي تحتمل أيضاً أكثر من معنى، وبالإجمال هي كل ما تتزيّن به المرأة من لباس وحلي (ذهب وغيره) وما تجمل به جسدها ووجهها وشعرها، فزينة النساء ليست الجسد بحد ذاته وإنما شيء مضاف إليه لتحسينه وتجميله، وقد تكون الزينة الأعضاء الأنثوية المثيرة لشهوة الرجل، وقد تكون حسناً وجمالاً في وجه وجسد المرأة، إذا فاقت وتميزت به عن النساء بوضوح ملفت للنظر وفاتن للناظرين، والآية الكريمة لم تضع حدوداً واضحة للزينة، ولا مواصفات محددة لها، ولا قرينة تعيننا على الترجيح بين المعاني، إلا استثناء ما ظهر من الزينة، وفي هذا إشارة إلى إحالة معنى ((ما ظهر منها)) إلى العرف والله تعالى أعلم، وإذا نظرنا إلى الواقع الذي تنزل فيه القرآن الكريم، تنكشف لنا بعض المعاني التي رافقت تطبيق هذه الآية وغيرها من ما أقره الرسول عليه الصلاة والسلام في عهد،ه فيما يخص لباس المرأة وتؤيد فهمنا للآيات، منها: أن وجه المرأة لم يكن من الزينة المنهي عن إبدائها، ومصداق ذلك قوله تعالى: ((ولو أعجبك حسنهن)) فالحسن يكون في الوجه وهو مكشوف حتى رآه النبي عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)) فإذا غطت المرأة جميع جسدها فعن ماذا سيكون غض البصر، وبما أن البصر غير النظر كما فصلنا، وأن النهي للنظر بشهوة، فمعناه وجود ما ينظر إليه بشهوة وأقله وجه المرأة، عدا عن الأخبار العديدة الواردة في السير والروايات التي تؤكد وتبين أن مجتمع المدينة كان لا يرى في الاختلاط في الأماكن العامة أي مخالفة لأوامر الله تعالى، ودليل ذلك أن النساء كانت تصلي خلف الرجال في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام دون ساتر أو حجاب يفصل بينهم، والمرأة تصلي كاشفة عن وجهها، وكانت النساء تخرج في الحروب مع الرجال وتنظر إليهم، ونظرت عائشة إلى رقص الحبشة، فلو كان الأمر بالغض من البصر أي منع مطلق النظر، لمنعت النساء من النظر إلى الرجال أيضاً، لا ولكن المقصود النظر بشهوة، وجاء الأمر الإلهي لكلا الجنسين بالغض من البصر وللنساء بالنهي عن إبداء الزينة والتبرج، وتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام والأمر على ذلك.

وحدود الزينة المنهي عن إبدائها، جاءت في هذه الآية مطلقة، ولكن مما يدخل فيها على وجه اليقين: الذهب والحلي ولباس التباهي والتفاخر، واللباس المزين كثيراً، والضيق الكاشف لمعالم الجسد، والشفاف الذي يكشف ما تحته، والشعر والوجه إذا زينتهما، أو كانت ذا حسن وجمال فاتن يثير الشهوة ولم يكن موجوداً في غيرها من النساء، وكل موضع زينته كالنحر وأعلى الصدر في حال تزيينه بقلادة مثلاً، والأذنين بقرط، والساعدين بالسوار، والساقين مع القدمين بخلخال، فإبداء مواضع هذه الزينة في حال وجود الزينة فيها منهي عنه، وباقي الجسم طبعاً، وتقيدها أيضاً مقاصد القرآن الكبرى، وأهمها بلا شك أن يكون اللباس ساتراً وحاجباً لا يشف ولا يصف ولا يبرز مواضع تثير الغريزة وتحرك الشهوة ولا يلفت الانتباه والنظر، والعُرْفُ مُحَكّم في ذلك.

والزينة المستثناة جاءت مطلقة أيضاً ويدخل فيها: الشعر والوجه في حال خلوهما من الزينة، والنحر، واليدان إلى أنصاف الذراعين، وأنصاف الساقين مع القدمين في حال خلو جميع هذه المواضع من الزينة وما يبعث على الإثارة، واشتراط أن لا تكون مما يلفت الانتباه والنظر إليها كأن يكون خارجاً عن عرف البلد، أو تتميز به المرأة عن نساء محيطها، والمسموح أيضاً كل لباس أو زي يراعى فيه أن يكون ساتراً وحاجباً لا يشف ولا يصف ولا يبرز مواضع تثير الغريزة وتحرك الشهوة ولا يلفت الانتباه والنظر حسب عرف البلد، وكل ما تسمح به العادة والعرف، بما يتوافق مع المقاصد القرآنية الكبرى، والحكمة من تشريع هذا الحكم.

قال بعدها سبحانه وتعالى: ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) والخمار في اللغة: هو الساتر، وخمار المرأة عند أهل اللغة والتأويل والفقه جميعاً: هو ما تغطي المرأة رأسها، فالأمر في الآية هو ضرب خمار المرأة أي غطاء رأسها على جيوبها، وهنا تبرز أسئلة:
ما معنى الضرب؟

الضرب له معان كثيرة، وبعضها مستخدم في القرآن الكريم. مثل قوله تعالى: ((وَآخرونَ يَضْرِبُونَ في الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ الله))، وقوله تعالى: ((وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ))، وقوله تعالى: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فاَضْربْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ))، وقوله تعالى: ((وَضُرِبَتْ عَلَيْهمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ))، وهنا جاءت بمعنى: الإحاطة والتضييق، أي تضييق هذه الجيوب حتى لا تكشف ما تحتها من جسد المرأة.

وإذا رجعنا إلى الواقع المعاصر لنزول القرآن الكريم فمن المعلوم أن بعض النساء كن يغطين رؤوسهن بحكم العادة في ذلك الزمن، ولطبيعة الصحراء وشدة الحرارة يغطي الرجل والمرأة رؤوسهم وإلى يومنا هذا، بل قد يغطون وجوههم أيضاً عند هبوب الرياح المحملة بالرمال والغبار، فالمسلمات وغيرهن في المدينة يلبسن نفس الزي، وهو عبارة عن غطاء للرأس تسدله المرأة على كتفيها وظهرها، وباقي اللباس يغطي الجسد، فجاء الأمر بإسدال الخمار (غطاء الرأس) على الجيوب لتصحيح خطأ شائع في اللباس وهو التهاون بما يظهر من جسد المرأة من خلال تلك الجيوب، والجيوب: هي فتحات في اللباس وشقوق مفتوحة فيه، وجَيْبُ القَمِيص: ما يُدْخَلُ منه الرأْس عند لُبْسِه، فجاء الأمر بتغطية هذه الجيوب التي قد تكشف أجزاء من الجسد، وترك أمر الخمار (غطاء الرأس) على ما هو عليه في الجاهلية ولم يتعرض له بتاتاً، وقد كانت بعض النساء لا تختمر (لا تغطي رأسها)، كما جاء في رواية صحيح البخاري وغيره (أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ ، فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا)، أي غطين رؤوسهن (وكانت مكشوفة) وأسدلوه على الجيوب الكاشفة للصدر، فالخمار (غطاء الرأس) وسيلة لتغطية الجيوب التي تبدي بعض الجسد. وهنا يأتي السؤال إذا غطت المرأة جسدها بغير الخمار (غطاء الرأس)، هل يجب عليها تغطية رأسها وشعرها ونحرها؟ فالجواب: أن الآية لم تذكر ذلك صراحة، وإنما ذكرت تغطية الجيوب بواسطة غطاء الرأس، ولا يوجد لدينا مواصفات لغطاء الرأس هذا، هل كان يغطي كامل الرأس؟ وهل كان يغطي كامل الشعر فلا يظهر منه شيء؟ وهل كان يغطي النحر (الرقبة)؟ فمن المرجح أنه لم يكن يغطي كامل الشعر ولا النحر، ولم يردنا في الأخبار الصحيحة ذلك، ولم تأمر الآية صراحة بتغطيته، فهو مما سُكت عنه، وراجع لتحقيق المقصد الأكبر من التشريع، والعُرف في ذلك محكّم.

ثم تفصل الآية الأصناف التي يسمح للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم، وهم: بعولتهن و آبائهن و آباء بعولتهن و أبنائهن و أبناء بعولتهن و إخوانهن و بني إخوانهن و بني أخواتهن و نسائهن و ما ملكت أيمانهن و التابعين غير أولي الإربة من الرجال و الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ونلاحظ هنا أن لفظ النهي تكرر بحروفه ذاتها، وهذا يدل على تطابق معاني الكلمات، فالإبداء والزينة كما شرحناهما سابقاً ينطبقان في المعنى في هذا الموضع لعدم اختلاف السياق، وتبقى الغاية من فصل النهيين، فأول غاية هي: للتفريق بين النهي الأول وهو تحريم ملزم، أما الثاني فهو لبيان الإباحة في إبداء الزينة للأصناف المحددة، والغاية الثانية أنه عندما فصل بينهما بقوله تعالى: ((وليضربن بخمرهن على جيوبهن)) تبين لنا أن الزينة المستثناة من النهي الأول ((إلا ما ظهر منها)) تختلف عن الزينة المستثناة من النهي الثاني ((زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء))، فما تظهره الجيوب قد يسمح بإبدائه لهذه الأصناف مثل اليدين والساقين وأعلى الصدر، أما الرأس من (وجه وشعر ونحر) قد بينا أنه مما سُكت عنه، وهو في الحالتين راجع لتحقيق المقصد الأكبر من التشريع، والعرف في ذلك محكّم، ولا بد من التنبيه هنا أن استثناء الزينة هنا واقع لكافة الأصناف على حد سواء، فيجب على المرأة تغطية جسدها من أعلى الصدر إلى الركبة أمام جميع هذه الأصناف، بلباس ساتر وحاجب لا يشف ولا يصف ولا يبرز مواضع تثير الغريزة وتحرك الشهوة، ولا بد من توضيح معنى البعل هنا: وهو من عقد على المرأة ولم تزف إليه بعرس معلن بعد حتى يدخل بها، فلا يجوز لها إبداء غير هذه الزينة له، وبالتالي لا يسمح لهما بالممارسة الجنسية.

ومن تدبُّرِ الآيات الكريمات، نجد أن مَردَّ تحقيق هذه الأحكام وتقييم التفاصيل المسكوت عنها هو تقوى وخشيةُ الله تعالى، ومراقبتُه في جميع الأحوال، وقوله تعالى: ((ولباس التقوى ذلك خير)) أكبر دليل على أن التقوى هي الباعث والرقيب على الالتزام بالأحكام والأوامر الإلهية، ولذلك ختم الله تعالى الآية بخطاب جامع للمؤمنين رجالاً ونساءً فقال تعالى: ((وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)) أمرَهم بالتوبة، وذكرهم بالغاية الكبرى وهي الفلاح.

ولا يقتصر القرآن العظيم على بيان هذه الأحكام، دون تبيينٍ واضح لواجبات المجتمع، وتأكيدٍ على ضرورة الالتزام بالقوانين الطبيعية، واحترام حاجة الإنسان لإشباع غريزته الجنسية، وذلك من خلال تسهيل سبل الزواج الشرعي فقال تعالى بعدها مباشرة: ((وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم))، ثم يتوجه بالخطاب والتوجيه إلى الذكور والإناث من المجتمع الغير قادرين على تحمل تكاليف الزواج، بعدم البغي والتعدي إلى علاقة جنسية غير شرعية فيقول عز وجل: ((وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله))، وكم فيها من المواساة وجبر لخواطرهم حين نبأهم أنه عالم بحالهم وبمأساتهم وحزنهم، وجاء التوجيه لهم بأن أحال أمرهم إليه سبحانه وتعالى ((حتى يغنيهم الله من فضله))، بعد أن أمرهم بالاستعفاف (أي حمل النفس على العفة) مع ما فيه من مشقة وصعوبة بالغة على النفس.

وعندما نتدبر الآية الآخرى التي ذكرت لباس المرأة فهي قوله تعالى: (( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)) وهي الآية التاسعة والخمسون من سورة الأحزاب، وبغض النظر عما يروى في سبب نزول هذه الآية، والتي من المرجح أنها تخص واقعاً مخصوصاً بعينه، وجاءت لتصحيح واقع معاش وأخطاء مجتمعية قد يقاس عليها وقد لا، فإن مدلول كلمة ((يدنين)) من أدنى الشيء، أي: قربه، وأدنى الثوب، أي: أرخاه، والجلباب: هو لباس فوق الخمار (غطاء الرأس)، أي لباس خارجي ويعتبر من الزينة، وفي الآية إقرار لإباحته، وفي كلا المعنيين لكلمة ((يدنين)) يكون المعنى إما: يقربن أطراف الجلباب من بعضها حتى لا يصف بعض الجسد الذي لم يغطيه الخمار (غطاء الرأس) كأن تلف الرداء عليها لفاً، أو إرخاء الجلباب بحيث يغطي الساقين، ويرد هنا سؤال: هل يجب تغطية الساقين؟ وهما مما سكتت عنهما الآيات، فالأرجح أنهما ملحقان بحكم الرأس والشعر، لورود رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في مسند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه أنه قَالَ فِي ذُيُولِ النِّسَاءِ : " شِبْرًا " , فَقَالَتْ : عَائِشَةُ : إِذًا تَخْرُجَ سُوقُهُنَّ , قَالَ : " فَذِرَاعٌ)) فالحكم في إطالة لباس المرأة هو: شبر، وإن انكشف ساقيها فلا بأس، والرخصة: ذراع ولا يجوز الزيادة على ذلك.

وأما الآية الثالثة: فهي قوله تعالى: (( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما))، والاستدلال هنا بقوله تعالى: ((وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب)) فلا يخفى على القارئ المتدبر للقرآن الكريم، ومن سياق الآيات، أنه حكم يتعلق بالاختلاط والتنقل داخل بيوت النبي عليه الصلاة والسلام والبيوت بشكل عام لغير المحارم، ولا علاقة له بلباس المرأة وليست خطاباً لها أساساً، فالخطاب للداخلين إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أرادوا أن يسألوا زوجات النبي عليه الصلاة والسلام متاعاً فليكن من وراء حجاب وهو الساتر الفاصل للرؤية بينهم، واستثنى من هذا الحكم بعض الأصناف كالمحارم وغيرهم في قوله تعالى: ((لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا)).

مناقشة الرويات:
أما الروايات عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يصلنا من طريق صحيح يقيني الثبوت عنه عليه الصلاة والسلام بأنه أمر بلباس معين للمرأة، أو أنه حدد مواصفاته وتفصيلاته، أو أي نص يأمر فيه نساء الأمة بأي نوع من أنواع اللباس، وهذا يتوافق مع حكمة الله في التشريع، وخصوصاً في أمور العادة، إذ المرد فيها إلى العرف وتختلف باختلاف الثقافات، ولذلك يبقى الأمر القرآني على ما هو ظاهر من معناه وحكمه.

استشكال حول عورة الأمة المسلمة:
ولا بد هنا أن نعرّج على حكم فقهي فيه استشكال كبير، وهو تحديد عورة الأمة المسلمة بأنها كعورة الرجل، أي ما بين السرة والركبة، ويجوز لها أن تكشف رأسها وشعرها وصدرها ويديها في الصلاة والخدمة والعمل ولو في حضور رجال أجانب، وتكاد أقوال الفقهاء جميعاً تتفق على هذا الحكم، باستثناء أفراد معدودين منهم، وتكاد الروايات الواردة عن زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن بعده تتفق على إقرار هذا الواقع، وقد كثرت الروايات في ذلك حتى أنها تصل لحد الشهرة مما لا يدع مجالاً للشك أن العمل كان عليه، وهنا يبرز لنا تساؤل: من أين أتى هذا الحكم؟ وعلى ماذا بنى الفقهاء حكمهم واستدلالهم؟ فالتشريع الإلهي يخاطب الذكر والأنثى والحر والعبد بدون استثناء، وخصوصاً في العبادات، وإن كانوا قد ذكروا بعض الفروق في الحدود فهذا لا ينطبق على العبادات، فمن أين حصل هذا الخلل؟ وهل شعر الحرة زينة وشعر الأمة ليس كذلك؟ فإن كان الحكم صحيح بكشف رأس الأمة، فالحرة كذلك، وإن كان يوجد تفصيل فيهما فأين الدليل عليه؟ وبما أن الفقهاء أفتوا بإباحة كشف الرأس للأمة بلا دليل، فأيضاً حكمهم بوجوب تغطية رأس الحرة يكون بلا دليل أيضاً فيسقط الاستدلالان، وإن وجد الدليل الصحيح الصريح ولم يصلنا فلسنا مكلفين بما لم يبلغنا، وإن وصلنا بطريق ظني الثبوت فلسنا ملزمين إلا بالقطعي الذي يفيد العلم اليقين، ويبقى الحكم كما جاءنا في القرآن الكريم وكما بيناه، والله تعالى أعلم.

المقارنة مع التشريعات السماوية الأخرى:
وعند العودة إلى التشريعات السماوية السابقة فقد نستشف من أين دخل حكم وجوب الحجاب (غطاء الرأس) والنقاب (غطاء الوجه) إلى آراء فقهاء المسلمين.

فعند المسيحية نجد ذكر وجوب تغطية رأس المرأة وخصوصاً في الصلاة، ففي رِسَالَةُ بُولُسَ الْرَّسُولِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ كورونثوس / اَلأَصْحَاحُ الْحَادِي عَشَر ((وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً فَتَشِينُ رَأْسَهَا لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. إِذِ الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ لاَتَتَغَطَّى فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ فَلْتَتَغَطَّ.))، وغيرها من النصوص التي تفيد تغطيها كامل جسد المرأة ومنها: ((لا تتشبهن بهؤلاء النساء أيتها المسيحيات إذا أردتن ان تكن مؤمنات. اهتمي بزوجك لترضيه وحده. وإذا مشيت في الطريق فغطي رأسك بردائك فإنك إذا تغطيت بعفة تُصانين عن نظر الأشرار))، و ((يكون مشيك ووجهك ينظر إلى اسفل وأنت مطرقة مغطاة من كل ناحية. ابعد من كل حميم غير لائق يكون في حمام مع ذكور. كثيرة هي اشراك الفسقة. لا تستحم امراة مؤمنة مع ذكور. واذا غطت وجهها فتغطيه بفزع من نظر رجال غرباء. وإلا فكيف تدخل إلى حمام وهي مكشوفة مع ذكور)).

وأما في اليهودية فورد ذكر نقاب المرأة صراحة، ووردت النصوص في رواية ذلك، منها ((ولَمَّا كانَت مُبَرقَعَة، أَمَرَ هذانِ الفاجِرانِ أَن يُكشَفَ وَجهُها، لِيَشبَعا من جَمالِها. وكانَ أَهلُها وجَميعُ الَّذينَ يَعرفونَها يَبْكون)) من سفر دانيال أصحاح 13
وفي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين العدد 63 : ( وَخَرَجَ إِسْحَاقُ لِيَتَأَمَّلَ فِي الْحَقْلِ عِنْدَ إِقْبَالِ الْمَسَاءِ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا جِمَالٌ مُقْبِلَةٌ. وَرَفَعَتْ رِفْقَةُ عَيْنَيْهَا فَرَأَتْ إِسْحَاقَ فَنَزَلَتْ عَنِ الْجَمَلِ. وَقَالَتْ لِلْعَبْدِ: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» فَقَالَ الْعَبْدُ: هُوَ سَيِّدِي. فَأَخَذَتِ الْبُرْقُعَ وَتَغَطَّتْ )) . 
وفي سِفْرُ إِشَعْيَاءَ / اَلأَصْحَاحُ السَّابِعُ وَالأَرْبَعُون ((خُذِي الرَّحَى وَاطْحَنِي دَقِيقاً. اكْشِفِي نُقَابَكِ.)
وفي سِفْرُ نَشِيدُ الأَنَاشِيدِ / اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ (( هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ)).

وبما أن الشريعة الإلهية الخاتمة المتمثلة في القرآن الكريم ناسخة لكل الشرائع السابقة، وأحكامها هي الثابتة والباقية، فمن غير المستساغ تبديل ما ورد في القرآن الكريم، أو إضافة ما تم السكوت عنه في التنزيل الحكيم، ونسبته إلى الأوامر الإلهية المقدسة، فيجب الالتزام بكل ما ورد صراحة في القرآن الكريم، وأما ما سكت عنه فيدخل في دائرة المباح، بما يتوافق مع مقاصد القرآن الكبرى، ومنها (التيسير على الناس) ومنها ذكرناه في المقدمة.

خلاصة الحكم:
ولباس الرجل والمرأة يدخل ضمن أحكام العادات والأعراف، بما يتوافق مع مقاصد وغايات القرآن العظمى، مع الالتزام بالنصوص الصحيحة الصريحة الواردة في ذلك. (كما فصلناه في هذا البحث).

بيان الحكمة من التفريق بين عورة الذكر والأنثى:
ولا بد لنا في الختام أن نبين الحكمة من ستر مفاتن المرأة والتشديد عليها بخلاف الرجل، فنعود لنذكر ما أوردناه في بداية بحثنا، عندما بينا أن الأنثى عند الحيوانات إذا أظهرت مفاتنها للذكر فهذه تعني دعوة صريحة منها وإشارة إلى قبولها التزاوج وإشباع الغريزة الجنسية لديه معها، فيستجيب الذكر لهذا الإغواء بحكم الغريزة الفطرية والطبيعة الحيوانية، وإن ذلك ينطبق بشكل جزئي على البشر، فالشهوة الجنسية غريزة حيوانية مركبة في طبيعة الإنسان، وما إن تستثار حتى يخفت صوت العقل وتستيقظ الغريزة الحيوانية، وفي غياب للتقوى ومراقبة الله عز وجل يلبي الرجل هذه الدعوة، ولذلك جاء الأمر الإلهي ابتداء للرجال: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)) بمعزل عن لباس المرأة وتحركاتها وإغراءاتها، فمنع مد نظر الرجل إلى المرأة بشهوة، والذي يؤدي إلى الرغبة في إشباع الغريزة الجنسية مع من لا يحق له ذلك، وعلى التوازي جاء الأمر أيضاً للنساء مع الأخذ بالاعتبار جانب غريزة الإغراء وإبراز المفاتن التي تميز المرأة عن الرجل وتغريه بها بحكم الفطرة والطبيعة لكل منهما، فكان الأمر بالنهي عن إبداء الزينة، 
والالتزام بالضوابط الموضحة في صريح ألفاظ الآية الكريمة، فعندما تقوم المرأة بإغراء الرجل فهي تتعدى عليه باستثارة هذه الغريزة، ولذلك كان الأمر لها بعدم إبراز زينتها إلا لمن يحق لها إشباع غريزتها الجنسية معه وهو الزوج، أو أمام المحرمين أبدياً كالمحارم، وباقي الأصناف المذكورة في الآية.
الخاتمة:
وبذلك يتم حفظ كيان المجتمع بالالتزام بالعدل وعدم التعدي وعدم البغي على الآخر سواء كان ذكراً أو أنثى، وهو ما يتناسب مع الآية الكريمة التي بينت الغرض من إرسال الرسل وتشريع الشرائع: ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)) فتحقيق الغاية هو المطلوب وإن اختلفت الوسائل، والغاية هي وصول الناس إلى القيام بالقسط والعدل المجتمعي فيما بينهم بحيث يراعي كل طرف حقوق الآخر ولا يعتدي عليها، وبذلك نكون قد قمنا بالقسط بعدما حققنا الحكمة والغاية من التشريع الإلهي في التنزيل الحكيم.


اشتهر عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى أمة مسلمة مرتدية الحجاب في محاولة منها للتشبه بالحرائر من النساء المسملمات فإنه كان ينزع عنها خمارها حتى يظهر شعرها ويدها ورأسها


وكان الفقهاء القدماء يستندون إلى واقعة سيدنا عمر للتدليل على صحة هذا التفريق بين الحرائر والإماء لأنه - أي سيدنا عمر بن الخطاب - فهم المقصد الأصلي من تشريع الحجاب، وهي ضرورة التمييز بين الحرة والأمة لعلة اجتماعية فرضتها الظروف الاجتماعية والحضارية وقتها، وليس لانه شعيرة دينية، ولو كان شعيرة دينية لما اجترأ صحابي مثل سيدنا عمر على فرض من فروض الله !!!!!

والجدير بالذكر أن واقعة سيدنا عمر مع نزع حجاب الإماء نجدها مذكورة سواء في تفاسير القرآن، أو في كتب الحديث، أو في كتب الفقه على اختلاف مذاهبها، ولم ينكر أحد على سيدنا عمر ما كان يفعله، والسؤال المطروح، هل كان هؤلاء الفقهاء القدماء هم ايضا جاهلون بأن
الحجاب فريضة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!!

وهذه بعض المصادر التي تذكر ما كان يقوم به سيدنا عمر بن الخطاب من نزع حجاب الإماء إن ارتدينه في محاولة منهن للتشبه بالحرائر

*********************************************

أولا: في كتب تفاسير القرآن



وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا رَأَى أَمَة قَدْ تَقَنَّعَتْ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ، مُحَافَظَة عَلَى زِيّ الْحَرَائِر

تفسير القرطبي سورة الأحزاب آية 59

=============================================

باء

وقوله تعالى : { ذلك أدنى أن يعرفن } أي على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء ، فإذا عرفن لم يُقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي ، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها الدرة محافظة على زي الحرائر ، وباقي الآية ترجية ولطف وحض على التوبة وتطميع في رحمة الله تعالى. اهـ

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ـ ج13/ 99 ، 100: تأليف أبي محمد عبدالحق بن غالب ابن عطية الأندلسي الغرناطي الحافظ القاضي، المتوفي 546 هـ

**********************************************
ثانيا: من كتب الحديث

أولا: عن أنس بن مالك قال : كنا إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن يضرب ثديهن

الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البيهقي - المصدر: السنن الكبرى للبيهقي، الجزء الثاني، صفحة 227

=============================================


ثانيا: دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها عتقت قالت لا قال فما بال الجلباب ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب بها رأسها حتى ألقته عن رأسها 

الراوي:أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدر:إرواء الغليل- الصفحة أو الرقم:6/204
خلاصة حكم المحدث:صحيح على شرط مسلم 

=============================================

ثالثا: رأى عمر أمة عليها جلباب فقال : عتقت ؟ قالت : لا ، قال ضعيه عن رأسك ، إنما الجلباب على الحرائر ، فتلكأت فقام إليها بالدرة ، فضرب رأسها حتى ألقته

الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: الدراية - الصفحة أو الرقم: 1/124

=============================================

رابعا: خرجت امرأة مختمرة متجلببة ، فقال عمر رضي الله عنه : من هذه المرأة ؟ فقيل له : هذه جارية لفلان رجل من بنيه ، فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها ، فقال : ما حملك على أن تخمري هذه الأمة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات ، حتى هممت أن أقع بها لا أحسبها من المحصنات ، لا تشبهوا الإماء بالمحصنات 
الراوي: صفية بنت أبي عبيد المحدث: البيهقي - المصدر: السنن الكبرى للبيهقي - الصفحة أو الرقم: 2/226
خلاصة حكم المحدث: صحيح

=============================================

خامسا: اخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، أنبأ على بن محمد الزبير الكوفي، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا زيد بن الحباب، عن حماد بن سلمة قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن جده أنس بن مالك قال: كن إماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضرب ثديهن

قال الشيخ : والآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك صحيحة، وأنها تدل على أن رأسها ورقبتها وما يظهر منها في حال المحنة ليس بعورة (السنن الكبرى للبيهقي ... ج 2 - ص 321 (تحقيق محمد عبد القادر عطا - دار الكتب العلمية بيروت لبنان


*******************************************

ثالثا: من كتب الفقه

ألف

من كتاب "الاختيار لتعليل المختار" (وهو أحد أهم كتب المذهب الحنفي) ، تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الجزء الرابع صفحة 156

.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا كان رأي أمة مختمرة ألقى خمارها وقال لها: يا لكاع لا تتشبيهين بالحرائر

=============================================

باء

والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها

مجموع فتاوى ابن تيمية » الآداب والتصوف » تفسير سورة النور الجزء الخامس عشر ص 372

=============================================

اقوال أصحاب المذاهب الأربعة في عورة الحرة والأمة في الصلاة:

الحنفية: قال المرغيناني صاحب الهداية (مجلد 1 ص 269): و ما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة و بطنها و ظهرها غورة و ما سوى ذلك من بدنها ليس بعورة.

المالكية: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ وَشَعْرُهَا بَادٍ أَوْ صَدْرُهَا أَوْ ظَهْرُهَا أَوْ ظُهُورُ قَدَمَيْهَا فَلْتُعِدْ الصَّلَاةَ مَا دَامَتْ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمَةِ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ سُنَّتُهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمعْتق بَعْضُهَا المدونة ج 1 ص 185

الشافعية: أمّا الحرة فجملة بدنها في حكم الصلاة عورة من قرنها إلى قدمها، إلا الوجه والكفان وأما الأمَة، فما بين سرتها وركبتها عورة، كالرجل. نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني ج 2 ص 191 وقال أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (جزء 1 ص 93): وأما الأمة ففيها وجهان و الثاني هو المذهب, فإن عورتها ما بين السرة و الركبة. و قال شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (حزء 1 ص 351): ...و عورة الرجل ما بين سرته و ركبته و كذا الأمة في الاصح إلحاقا لها بالرجل بجامع أن رأس كل منهما ليس بعورة.

الحنابلة: قَالَ ابن قدامة في المغني: "وَصلَاة الْأَمة مَكْشُوفة الرَّأْسِ جائِزة هَذَا قَوْل عَامَّة أَهْل الْعِلْم. لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا إلَّا الْحَسَن، فَإِنَّهُ مِنْ بَيْن أَهْل الْعِلْم أَوْجَب عَلَيْها الْخمَار إذَا تَزَوّجَت، أَوْ اتَّخَذَها الرَّجُل لِنَفْسِه، وَاسْتَحَب لَهَا عَطَاء أَنْ تُقَنِّع إذَا صَلَّت، وَلَم يُوجِبْهُ"

ولنا أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة ، وقال: اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر . وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا بين الصحابة لا ينكر ، حتى أنكر عمر مخالفته كان ينهى الإماء عن التقنع .

قال أبو قلابة : إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تقنع في خلافته، وقال : إنما القناع للحرائر (المغني لابن قدامة مجلد 1 صفحة 432)