21‏/05‏/2012

منهج الزيدية في أصول الدين


منهج الزيدية في أصول الدين

أما في أصول الدين (علم الكلام) فهم من أئمة الكلام وهم من أرباب الحق فيه.
ولقد نشأت كما قلت أولاً فترات في التاريخ كان لأولي السلطة والدولة أن يعلنوا مخالفتهم للزيدية ويضللوا عليهم، وربما وجدوا من يعينهم على ذلك من أرباب الجهل، أو من العلماء المتعصبين معهم.
والنظريات الحقة التي تميزت بها الزيدية ومعهم علماء الصدر الأول من الصحابة وجمهور من العلماء التابعين في أصول الدين ربما يكون أهمُّها نظريتين نلخصهما فيما يأتي:
أولاً: العدل، والتوحيد: فصارت الزيدية تعرف بهذا الاسم (أهل العدل والتوحيد) وهي مجموعة يطلق عليها مسائل أصول الدين.
ومن أهم [ما في هاتين] النظريتين ما يجب أن نورد منه شيئاً في هذه الرسالة، كمثل من موجبات الخلاف والحق فيها مع واحد.
أولاً: حرية العمل، فالزيدية يقولون: إن الله سبحانه جعل الإنسان حراً في تصرفاته ولم يجبره عليها، ولم يسيره الله سبحانه إلى شيء منها، فهو فاعل مختار لما عمله؛ لأنه مخلوق في أحسن تقويم ومفروض عليه أن يعمل بعقله الذي يتميز له به الحسن وحسنه، والقبح وقبحه، وأنه إذا خالف التصرف الحكيم فيما أمره الله به وفيما نهاه عنه، فقد خالفه متبعاً لشيطانه الذي أقسم بغوايته، وجند جنده لإضلاله، وأجلب عليه بخيله ورجله.
وإن الحق هو ما أوضح الله في كتابه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].
ويتبع هذا أن الزيدية ما داموا يخضعون للحق في ذلك فهم لا يألون جهداً في:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف، وفي موالاة من أطاع الله ورسوله، ومعاداة من خالف أمر الله ورسوله.
2- تقديم ما وافق كتاب الله واشتراط موافقة الرواية في الحديث لما في كتاب الله تعالى عملاً بقوله   ((ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله…)) إلخ الحديث.
أما النظرية الثانية فهي في ما يقرره الزيدية وأئمتهم آل رسول الله من وجوب نصب إمام للدولة من أشرف قريش نسباً، وأعلاهم قدراً، جامعاً للشروط المقررة حسب الأدلة والأحاديث الواردة بذلك، ومن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب الخروج على الظلمة وأرباب الفسوق من الولاة.
ولعل في رأي بعض علماء المذاهب الأخرى عدم وجوب الخروج على السلطان ولو كان ظالماً، والتزام الصبر عليه وإن كان طاغياً، معتمدين أن إساءته إنما تخص نفسه، ورووا لذلك أدلة مطعونة لم تصح بمتنها ولا سندها ولا رواتها عن الزيدية.
إذاً فمع النظريتين هاتين لا يمكن أن يستقر بال السلطان الظالم ولا أن يرتاح له بال؛ لأنه لا يقدر أن ينفذ طلباته الاستعبادية ولا يحصل على ملذاته النفسية بدون معرفة حكمها من حلال أو حرام، ما دامت الزيدية وعلماء الزيدية ورجال الزيدية يوجبون نهيه عن ذلك والخروج عليه إذا لم يتب عنها.
أما بعض الفرق فإنه ربما كان لعلمائهم فتوى أن عمل السلطان الظالم إنما هو تسليط من الله، وأنه يجب عليهم الصبر والرجوع إلى الله بالدعاء فقط لإزالته بأمر سماوي، وأن الخروج عليه محرم إذا كان ذلك سيؤدي إلى سفك الدماء.
والذي يراه المنصف من العلماء المحققين هو أن رأي علماء بعض المذاهب في وجوب الصبر والرجوع إلى الله صواب، ولكن الرجوع إلى الله لا يمكن إلا بالرجوع إلى أوامره وأوامر رسوله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على قدر قوة المؤمنين .. باليد، أو باللسان، أو بالقلب، وأدلة ذلك ظاهرة شاهرة وليس هذا محل إيرادها.
هذا كله من الأسباب التي جعلت المذهب الزيدي معتمداً على الشريعة المطهرة بقوة إيمان في البلاد التي تحكمها الزيدية وغيرها.
إذا عرفت هذا وعرفت أن الزيدية هم أوفى المسلمين في المحافظة على التمسك بالنصوص القرآنية، والسنة النبوية وهم حريصون على العمل بالمبادئ الإسلامية، والتقاليد الدينية، والشريعة النبوية.
وهم من الذين عناهم الرسول بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يغلبهم من ناواهم حتى تقوم الساعة)).
وهم من الشيعة في حب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفي تفضيله والإيمان بسبقه إلى الإسلام وسابقته في الجهاد والاجتهاد.
وهم مع السنة يعترفون للخلفاء من الصحابة الراشدين رضوان الله عليهم بمزاياهم وسابقتهم في الصحبة الشريفة والجهاد في سبيل الله.
وإن يكن لهم من يكرهون فإنما يكرهون أعداء الله وأعداء رسول الله  وهم:
أولاً: المنافقون على عهد رسول الله  ويعرفونهم ببغض علي كرم الله وجهه، بدليل قوله [لعلي]: (([يا علي] لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) رواه الأئمة من آل رسول الله ورواه الإمام مسلم وغيره.
ثانياً: أهل الردة بعد موت رسول الله والذين ماتوا على ردتهم فإنهم كفار ولو سبقت لهم صحبة.
ثالثاً: من وصفهم الرسول بالفئة الباغية التي تدعو عماراً رضي الله عنه إلى النار ويدعوهم إلى الجنة .
وكذلك من وصفهم  بالناكثين، والمارقين.
وكل هؤلاء الذين لم يتوبوا من المارقين والناكثين لعهد رسول الله لا يطلق عليهم اسم الصحابة أصلاً؛ لأنهم عارضوا ما أنزل الله، فلا يعترف المنصفون لأحد منهم أن له عدالة أو صحبة لرسول الله   .
وتعريف الصحابي عند الزيدية هو: من آمن بالله ورسوله، وطالت مجالسته لرسول الله   ، ولازم شريعته ومات متبعاً له.
وتوضيح ذلك أن هؤلاء الخارجين عن الصحبة هم من عناهم قوله تعالى: {وَمِمَّنْحَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}[التوبة:101]، وقوله تعالى في المتخلفين: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}[الفتح:15]، وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1]، وقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:144].
فكيف يصح أن يقال أن كل الصحابة عدول مع هذا يا ترى؟
ولقد أحدث هؤلاء المنافقون ما أحدثوه وكانوا هم السبب في ظهور اختلاف الروايات عما كان عليه رسول الله   .
وأعجب من هذا أن الاختلاف كثر حتى تناول ألفاظ الأذان للصلاة فلم يتفق على صفته، وقد كان يؤذن المؤذن على عهد رسول الله جهراً في كل يوم خمس مرات، وهذا الاختلاف وإن لم يكن على شيء من أصوله  والحمد لله لكنه يعطي الدليل الواضح في وقوع الاختلاف في الرواية.
لذلك وجب العمل بأمر رسول الله بالعرض على القرآن، روى رزين العبدري في مقدمة جامعه عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ((يا معاذ اعرض كل كلام على القرآن ولا تعرض القرآن على شيء من الكلام، واعرض جميع الأخلاق على الإسلام ولا تعرض الإسلام على شيء من الأخلاق)).
وقال العبدري: وقد روي أن رسول الله  أمر أن يعرض ما جاء من الحديث على القرآن فما وافق من ذلك قُبل وما خالفه ترك، وقد تبين ذلك بحديث آخر، قال  : ((وما لرسول الله أن يقول ما يخالف القرآن وبالقرآن هداه الله…))إلخ كلامه.
نعـم فالذي ذهبت إليه الزيدية في ذلك هو ما كان معمولاً به في عهد الراشدين، فقد كانوا ينبذون من شذ منهم وينأون عنه ويقاتلونه عند تفاقم أمره، ولذلك قامت حروب الردة وقامت حرب الجمل وحرب صفين وغيرها، وغني عن البيان أن الصحابة ما قاتلوا إلا من أبى شرف الصحبة وعمل ضد المؤمنين عملاً بقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9].
لما ذكرنا من الأدلة وغيرها يقول [علماء] المذهب الزيدي: الصحابة كلهم عدول إلا من أبى، ومن أبى ليس بصحابي إلا من تاب.
ومفهوم الصحابي هو المفهوم الذي كان يعمل به أئمة المذاهب الأربعة منهم الإمام الشافعي رضوان الله عليه.
ومفهوم من أبى الصحبة هو مفهوم حديث الحوض الذي رواه أئمة الحديث .
وعلى هذا فالصحابة الأسوة والتابعون القدوة هم الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله  وليس هم الذين عملوا ضد الرسالة المحمدية.
ومع ذلك فلا يمكن حصر الفكر الإسلامي في المذاهب الأربعة، ولا يمكن تحريم النظر فيما هو الأصل والمرجع الأول، أعني كتاب الله وسنة رسول الله   .
بل يحسن نبذ الجمود ولا سيما في هذا العصر، أعني عصر التقريب بين المذاهب، وقد وجدنا والحمد لله كثيراً من العلماء سارع في الاتجاه إلى الدليل وترك التقليد، كما فطن الكثيرون إلى نبذ الجمود الذي كان مراداً منهم، أي الجمود على مذهب إمام معين، أو بعبارة أخرى تحريم النظر والاجتهاد.
وعرفنا أن منهم من قد آثر الاجتهاد وعدم التقليد، مثل الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والإمام حسن البنا، والسيد محمد رشيد، والسيد قطب، والأستاذ محمد عمارة، والأستاذ عبد الكريم عثمان، والأستاذ عفيف عبد الفتاح طبارة، والأستاذ محمد أبو زهرة، وغيرهم من علماء القرن العشرين الميلادي.
راجع إن شئت مؤلفاتهم تجد أن رجوعهم إلى مذهب الزيدية في جواز الاجتهاد للمجتهد يوحي أن الزيدية هم من العلماء العاملين مع صفوة السنة والشيعة المحبين وقادة الفكر الإسلامي في منهج الكتاب والسنة النبوية، وسننقل فيما بعد شيئاً مما قاله العلماء في الفرقة الزيدية خصوصاً والشيعة عموماً.

______________

المصدر :  
http://al-majalis.maktoobblog.com/979281/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-3-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84/