24‏/05‏/2012

مسند الربيع بن حبيب والخوارج

رقم الحديث: 38 الكتاب » مسند الربيع بن حبيب » بَابٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ

(حديث مرفوع) أَبُو عُبَيْدَةَ ، عَنْ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، تَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلا تَرَى شَيْئًا ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلا تَرَى شَيْئًا ، ثُمَّ تَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلا تَرَى شَيْئًا ، وَتَتَمَارَى فِي الْفُوقِ " . قَالَ الرَّبِيعُ : النَّصْلُ : حَدِيدَةُ السَّهْمِ ، وَالْقِدْحُ : السَّهْمُ الَّذِي فِيهِ الْحَدِيدَةُ ، وَرِيشُ السَّهْمِ : الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْوَتَرُ وَيُرْوَى أَيْضًا : " وَتَنْظُرُ إِلَى الْقَدِيدَةِ فَلا تَرَى شَيْئًا " وَالْقَدِيدَةُ : رَأْسُ السَّهْمِ .


__________________________________________________ _________________________________________

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، وعبد الرحمن، عن سفيان، عن الأعمش بن خيثمة، عن سويد بن غفلة قال: قال علي: إذا حدثتكم عن رسول الله فَلَأن أَخِرَّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله يقول:

« يخرج قوم من أمتي في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم - قال عبد الرحمن: لا يجاوز إيمانهم حناجرهم - يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قاتلهم عند الله يوم القيامة ».

وأخرجاه في الصحيحين من طرق عن الأعمش به.

___________

طريق أخرى

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، ثنا الوليد بن القاسم الهمداني، ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن طارق بن زياد قال: سار علي إلى النهروان.
قال الوليد في روايته: وخرجنا معه قتل الخوارج.

فقال: اطلبوا المخدج فإن رسول الله قال: « سيجيء قوم يتكلمون بكلمة الحق لا تجاوز حلوقهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم أو فيهم رجل أسود مخدج اليد في يده شعرات سود، إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس، وإن لم يكن فيهم فقد قتلتم خير الناس.

قال الوليد، في روايته: فبكينا قال: إنا وجدنا المخدج فخررنا سجودا وخرّ علي ساجدا معنا ».

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

_____________

طريق أخرى

رواه عبد الله بن شداد عن علي كما تقدم قريبا إيراده بطوله.
_____________

طريق أخرى عن علي

قال مسلم: حدثني أبو الطاهر ويونس بن عبد الأعلى، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بشر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله: أن الحرورية لما خرجت - وهو مع علي بن أبي طالب - قالوا: لا حكم إلا لله.

قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله وعليه سلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون: الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي ».

فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا.

فقال: ارجعوا فانظروا، فوالله ما كَذَبْتُ ولا كُذِبتُ -مرتين أو ثلاثا - فوجدوه في خربة فأتوا به عليا حتى وضعوه بين يديه.

قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي فيهم.

زاد يونس في روايته: قال بكير: وحدثني رجل عن ابن حنين أنه قال: رأيت ذلك الأسود.

تفرد به مسلم.

_____________

طريق أخرى

قال أحمد: حدثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن محمد، عن عبيدة، عن علي قال: ذكرت الخوارج عند علي فقال: فيهم مخدج اليد أو مثدون اليد؟- أو قال: مودن اليد - ولولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد .

قال: قلت: أنت سمعته من محمد؟

قال: إي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة.


وقال أحمد: ثنا وكيع، ثنا جرير بن حازم، وأبو عمرو بن العلاء، عن ابن سيرين سمعاه عن عبيدة، عن علي قال: قال رسول الله : « يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيه ».

قال عبيدة: قلت لعلي: أنت سمعته من رسول الله ؟

قال: أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة.


وقال أحمد: ثنا يزيد، ثنا هشام، عن محمد، عن عبيدة قال: قال علي لأهل النهروان: فيهم رجل مثدون اليد أو مخدوج اليد، ولولا أن تبطروا لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه لمن قتلهم.

قال عبيدة: فقلت لعلي: أنت سمعته؟

قال: إي ورب الكعبة، يحلف عليها ثلاثا.

وقال أحمد: ثنا ابن أبي عدي، عن أبي بن عون، عن محمد قال: قال عبيدة: لا أحدثك إلا ما سمعت منه.

قال محمد: فحلف لنا عبيدة ثلاث مرات، وحلف له علي قال قال: لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد .

قال: قلت: أنت سمعته؟

قال: أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة، فيهم رجل مخدج اليد أو مثدون اليد أحسبه قال: أو مودن اليد.

وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد، كلاهما عن أيوب، وعن محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي، عن ابن عون، كلاهما عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي، وقد ذكرناه من طرق متعددة تفيد القطع عند كثيرين عن محمد بن سيرين.

وقد حلف علي أنه سمعه من عبيدة وحلف عبيدة أنه سمعه من علي أنه سمعه من رسول الله .

وقد قال علي: لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أكذب على رسول الله .

_____________

طريق أخرى

قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: حدثني إسماعيل أبو معمر، ثنا عبد الله بن إدريس، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه قال: كنت جالسا عند علي إذ دخل رجل عليه ثياب السفر، فاستأذن على علي وهو يكلم الناس فشغل عنه.

فقال علي: إني دخلت على رسول الله وعنده عائشة فقال: « كيف أنت ويوم كذا وكذا؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.


قال: فقال: قوم يخرجون من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فيهم رجل مخدج اليد كأن يديه يدي حبشية، أنشدكم بالله هل أخبرتكم أنه فيهم »، فذكر الحديث بطوله.

ثم رواه عبد الله بن أحمد، عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن القاسم بن مالك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه عن علي.

فذكر نحوه إسناد جيد.

_____________

طريق أخرى

قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو القاسم الأزهري، أنا علي بن عبد الرحمن الكناني أنا محمد بن عبد الله بن عطاء، عن سليمان الحضرمي، أنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، أنا خالد بن عبيد الله، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة قال: قال أبو جحيفة:

قال علي حين فرغنا من الحرب: إن فيهم رجلا ليس في عضده عظم ثم عضده كحلمة الثدي عليها شعرات طوال عقف، فالتمسوه فلم يجدوه.

قال: فما رأيت عليا جزع جزعا أشد من جزعه يومئذ.

فقالوا: ما نجده يا أمير المؤمنين.

فقال: ويلكم ما اسم هذا المكان؟

قالوا: النهروان.

قال: كذبتم إنه لفيهم، فثورنا القتلى فلم نجده فعدنا إليه فقلنا: يا أمير المؤمنين ما نجده.

قال: ما اسم هذا المكان؟

قلنا: النهروان.

قال: صدق الله ورسوله وكذبتم، إنه لفيهم فالتمسوه فالتمسناه فوجدناه في ساقيه فجئنا به فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم، وعليها كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف.

_____________

طريق أخرى

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا إسماعيل بن مسلم العبدي، ثنا أبو كثير مولى الأنصار قال:

كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب حيث قتل أهل النهروان، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم.

فقال علي: يا أيها الناس إن رسول الله :

« قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون فيه أبدا حتى يرجع السهم على فوقه، وإن آية ذلك إن فيهم رجلا أسود مخدج اليد إحدى يديه كثدي المرأة، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات فالتمسوه فإني أراه فيهم، فالتمسوه فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى فأخرجوه فكبر علي، فقال: الله أكبر! صدق الله ورسوله.

وإنه لمتقلد قوسا له عربية فأخذها بيده فجعل يطعن بها في مخدجته، ويقول: صدق الله ورسوله، وكبر الناس حين رأوه واستبشروا، وذهب عنهم ما كانوا يجدون ».
تفرد به أحمد.

_____________


طريق أخرى

قال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبو خيثمة، ثنا شبابة بن سوار، حدثني نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم، ثنا علي بن أبي طالب:

أن رسول الله قال: « إن قوما يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم رجل مخدج ».

وقال أبو داود في (سننه): حدثنا بشر بن خالد، ثنا شبابة بن سوار، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم قال: إن كان ذاك المخدج لمعنا يومئذٍ في المسجد نجالسه الليل والنهار، وكان فقيرا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس وقد كسوته برنسا لي.

قال أبو مريم: وكان المخدج يسمى: نافعا ذا الثدية، ودان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعرات مثل سبالة السنور.

_____________

طريق أخرى

قال الحافظ أبو بكر البيهقي في (الدلائل): أخبرنا أبو علي الروزباري، أنا أبو محمد عبد الله بن عمرو بن شوذب المقري الواسطي بها، ثنا شعيب بن أيوب، ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان - هو الثوري - عن محمد بن قيس، عن أبي موسى رجل من قومه قال:

كنت مع علي فجعل يقول: التمسوا المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه.

قال: فأخذ يعرق ويقول: والله ما كَذَبتُ ولا كُذبتُ، فوجدوه في نهرٍ أو داليةٍ فسجد.

_____________

طريق أخرى

قال أبو بكر البزار: حدثني محمد بن مثنى ومحمد بن معمر، ثنا عبد الصمد، ثنا سويد بن عبيد العجلي، ثنا أبو مؤمن، قال: شهدت علي بن أبي طالب يوم قتل الحرورية وأنا مع مولاي.

فقال: انظروا فإن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة، وأخبرني النبي أني صاحبه، فقلبوا القتلى فلم يجدوه، وقالوا: سبعة نفر تحت النخلة لم نقلبهم بعد.
قال: ويلكم انظروا.

قال أبو مؤمن: فرأيت في رجليه حبلين يجرونه بهما حتى ألقوه بين يديه فخر علي ساجدا وقال: أبشروا قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.

ثم قال البزار: لا نعلم روى أبو موسى عن علي غير هذا الحديث.

_____________

طريق أخرى

قال البزار: حدثنا يوسف بن موسى، ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، سمعت أبا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: قلت لشقيق بن سلمة - يعني أبا وائل - حدثني عن ذي الثدية.

قال: لما قاتلناهم قال علي: اطلبوا رجلا علامته كذا وكذا، فطلبناه فلم نجده، فبكى وقال: اطلبوه، فوالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ.

قال: فطلبناه فلم نجده فبكى.

وقال: اطلبوه فوالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ.

قال: فطلبناه فلم نجده.

قال: وركب بغلته الشهباء فطلبناه فوجدناه تحت بردى فلما رآه سجد.

ثم قال البزار: لا نعلم روى حبيب، عن شقيق، عن علي إلا هذا الحديث.

_____________

طريق أخرى

قال عبد الله بن أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر والقواريري، ثنا حماد بن زيد، ثنا جميل بن مرة، عن أبي الوضي قال: شهدت عليا حين قتل أهل النهروان قال: التمسوا المخدج فطلبوه في القتلى فقالوا: ليس نجده.

فقال: ارجعوا فالتمسوه فوالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ.

فرجعوا فطلبوه فردد ذلك مرارا، كل ذلك يحلف بالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ، فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين، فاستخرجوه فجيء به.

قال أبو الوضي: فكأني أنظر إليه حبشي عليه ثدي قد طبق، إحدى يديه مثل ثدي المرأة، عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع.

_____________

وقد رواه أبو داود، عن محمد بن عبيد بن حساب، عن حماد بن زيد، ثنا جميل بن مرة، ثنا أبو الوضي - واسمه عباد بن نسيب - ولكنه اختصره.

وقال عبد الله بن أحمد أيضا: حدثنا حجاج بن يوسف الشاعر، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا يزيد بن أبي صالح: أن أبا الوضي عبادا حدثه أنه قال: كنا عائدين إلى الكوفة مع علي بن أبي طالب.

فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاثا من حروراء شذّ منا ناس كثيرون فذكرنا ذلك لعلي فقال: لا يهولنّكم أمرهم فإنهم سيرجعون فذكر الحديث بطوله.

قال: فحمد الله علي بن أبي طالب وقال: إن خليلي أخبرني: أن قائد هؤلاء رجل مخدج اليد على حلمة ثديه شعرات كأنهن ذنب اليربوع، فالتمسوه فلم يجدوه فأتيناه فقلنا:

إنا لم نجده، فجعل يقول: اقلبوا ذا، اقلبوا ذا؟ حتى جاء رجل من أهل الكوفة فقال: هو هذا؟

فقال علي: الله أكبر، لا يأتيكم أحد يخبركم من أبوه، فجعل الناس يقولون: هذا مالك، هذا مالك.

فقال علي: ابن من؟

_____________

وقال عبد الله بن أحمد أيضا: حدثني حجاج بن الشاعر، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا يزيد بن أبي صالح: أن أبا الوضي عبادا حدثه قال: كنا عائدين إلى الكوفة مع علي فذكر حديث المخدج قال علي:

فوالله ما كَذبتُ ولا كُذبتُ ثلاثا، ثم قال علي: أما أن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف.

وهذا السياق فيه غرابة جدا.

وقد يمكن أن يكون ذو الثدية من الجن؟

بل هو من الشياطين إما شياطين الأنس أو شياطين الجن، إن صح هذا السياق والله تعالى أعلم.

والمقصود أن هذه طرق متواترة عن علي إذ قد روي من طرق متعددة عن جماعة متباينة لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فأصل القصة محفوظ وإن كان بعض الألفاظ وقع فيها اختلاف بين الرواة ولكن معناها وأصلها الذي تواطأت الروايات عليه صحيح لا يشك فيه عن علي أنه رواه عن رسول الله ، أنه أخبر عن صفة الخوارج وذي الثدية الذي هو علامة عليهم.

وقد روي ذلك من طريق جماعة من الصحابة غير علي كما تراها بأسانيدها وألفاظها وبالله المستعان.

وقد رواه جماعة من الصحابة منهم: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، ورافع بن عمرو الغفاري، وسعد بن أبي وقاص، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، وسهل بن حنيف، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعلي، وأبو ذر، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.

وقد قدمنا حديث علي بطرقه لأنه أحد الخلفاء الأربعة وأحد العشرة، وصاحب القصة.

_____________

ولنذكر بعده حديث ابن مسعود لتقدم وفاته على وقعة الخوارج.

الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن ذر، عن عبد الله قال: قال رسول الله : « يخرج قوم في آخر الزمان سفهاء الأحلام، أحداث - أو حدثاء - الأسنان، يقولون من خير قول الناس يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجر عظيما عند الله لمن قتلهم ».

وقد رواه الترمذي عن أبي كريب، وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن عامر بن زرارة، ثلاثتهم عن أبي بكر بن عياش به.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ابن مسعود مات قبل ظهور الخوارج بنحو من خمس سنين، فخبره في ذلك من أقوى الأسانيد.

_____________

الحديث الثالث عن أنس بن مالك

قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، ثنا سليمان التميمي، ثنا أنس قال: ذكر لي أن نبي الله قال - ولم أسمعه منه -: « إن فيكم فرقة يتعبدون ويدينون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».

_____________

طريق أخرى

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، حدثني قتادة، عن أنس بن مالك، وأبي سعيد، قال أحمد: وقد حدثنا أبو المغيرة فقال: عن أنس، عن أبي سعيد، ثم رجع أن النبي قال:

« سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم.

قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟

قال: التحليق ».

_____________


وقد رواه أبو داود في (سننه) عن نصر بن عاصم الأنطاكي، عن الوليد بن مسلم، وقيس بن إسماعيل الحلبي كلاهما عن الأوزاعي، عن قتادة، وأبي سعيد، عن أنس به.
وأخرجه أبو داود، وابن ماجه من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس وحده.

وقد روى البزار من طريق أبي سفيان، وأبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي كلاهما عن أنس بن مالك حديثا في الخوارج قريبا من حديث أبي سعيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

_____________

الحديث الرابع عن جابر بن عبد الله

قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، ثنا ابن شهاب، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: كنت مع رسول الله عام الجعرانة وهو يقسم فضة في ثوب بلال للناس، فقال رجل: يا رسول الله اعدل.

فقال: « ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبتُ إن لم أكن أعدل ».

فقال عمر: يا رسول الله دعني أقتل هذا المنافق.

فقال: « معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، أو تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ».
وقال أحمد: حدثنا علي بن عياش، ثنا إسماعيل بن عياش، حدثني يحيى بن سعيد، أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابرا يقول: بصر عيني وسمع أذني رسول الله بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة ورسول الله يقبضها للناس يعطيهم، فقال رجل: اعدل.

فقال: « ويلك من يعدل إذا لم أكن أعدل؟ ».

فقال عمر بن الخطاب: دعني أقتل هذا المنافق الخبيث.

فقال رسول الله : « معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».
ثم رواه أحمد، عن أبي المغيرة، عن معاذ بن رفاعة، ثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: لما قسم رسول الله غنائم هوازن بالجعرانة قام رجل من بني تميم فقال: اعدل يا محمد.

فقال: « ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل ».

قال: فقال عمر: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟

قال: « معاذ الله أن يتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه ».

ثم قال رسول الله : « إن هذا وأصحابا له يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».

قال معاذ: فقال لي أبو الزبير: فعرضت هذا الحديث على الزهري فما خالفني فيه إلا أنه قال: النضو، وقلت: القدح، قال: ألست رجلا عربيا؟

وقد رواه مسلم: عن محمد بن رمح، عن الليث، وعن محمد بن مثنى، عن عبد الوهاب الثقفي.

_____________

وأخرجه النسائي من حديث الليث ومالك بن أنس كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري به بنحوه حديث رافع بن عمرو الأنصاري مع حديث أبي ذر رضي الله عنهما.
الحديث الخامس عن سعد بن أبي وقاص

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا الحميدي، ثنا سفيان - هو ابن عيينة - حدثني العلاء بن أبي عياش أنه سمع أبا الطفيل يحدث عن بكر بن قرواش، عن سعد بن أبي وقاص قال: ذكر رسول الله ذا الثدية فقال: « شيطان الردهة كراعي الخيل يحتذره رجل من بجيلة يقال له: الأشهب أو ابن الأشهب علابة في قوم ظلمة ».

قال سفيان: فأخبرني عمار الذهبي أنه جاء رجل يقال له: الأشهب.

وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد، عن سفيان بن عيينة به مختصرا، ولفظه: « شيطان الردهة يحتذره رجل من بجيلة »، تفرد به أحمد.

وحكى البخاري عن علي بن المديني قال: لم أسمع بذكر بكر بن قرواش إلا في هذا الحديث.

وروى يعقوب بن سفيان، عن عبد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حامد الهمداني قال: سمعت سعيد بن أبي وقاص يقول: قتل علي شيطان الردهة.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي: يريد والله أعلم قتله أصحاب علي بأمره.

وقال الهيثم بن عدي: حدثنا إسرائيل بن يونس، عن جده أبي إسحاق السبيعي، عن رجل قال: بلغ سعد بن أبي وقاص أن عليا بن أبي طالب قتل الخوارج، فقال: قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة.

_____________


الحديث السادس عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الأنصاري

وله طرق عنه

الطريقة الأولى منها:

قال الإمام أحمد: حدثنا بكر بن عيسى، ثنا جامع بن قطر الحبطي، ثنا أبو روية شداد بن عمر العنسي، عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي.

فقال له رسول الله : « اذهب إليه فاقتله ».

قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله، فجاء إلى رسول الله فقال النبي لعمر: « اذهب إليه فاقتله ».

قال: فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر فكره أن يقتله فرجع.

فقال: يا رسول الله، إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله.

قال: « يا علي اذهب فاقتله ».

فذهب علي فلم يره فرجع.

فقال: يا رسول الله إني لم أره.

فقال رسول الله : « هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية ».

تفرد به أحمد.

وقد روى البزار في (مسنده) من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك، وأبو يعلى، عن أبي خيثمة، عن عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، وعن يزيد الرقاشي، عن أنس من هذه القصة وأطول منها، وفيها زيادات أخرى.

_____________


الطريق الثاني

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الضحاك المشرقي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي في حديث: « ذكر قوما يخرجون على فرقة من الناس مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق ».

أخرجاه في الصحيحين كما سيأتي في ترجمة أبي سلمة عن أبي سعيد.

_____________


الطريق الثالث

قال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا عاصم بن شميخ، عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله إذا حلف فاجتهد في اليمين، قال: « والذي نفس أبي القاسم بيده ليخرجن قوم من أمتي تحقرون أعمالكم عند أعمالهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ».

قالوا: فهل من علامة يعرفون بها؟

قال: « فيهم رجل ذو يدية أو ثدية محلقي رؤوسهم ».

قال أبو سعيد: فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب النبي : أن عليا ولي قتلهم قال: فرأيت أبا سعيد بعد ما كبر ويديه ترتعش ويقول: قتالهم عندي من أَحلّ من قتال عدتهم من الترك.

وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل به.

_____________


الطريق الرابع

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا سفيان، عن أبيه، عن ابن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي وهو باليمن إلى رسول الله بذهيبة في تربتها، فقسمها رسول الله بين الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين علقمة بن علاثة، أو عامر بن الطفيل أحد بني كلاب، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان.

قال: فغضبت قريش والأنصار قالوا: تعطي صناديد أهل نجد وتدعنا؟

قال: إنما أتألفهم.

قال: فأقبل رجل غائر العينين ناتئ الجبين كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس.

فقال: يا محمد اتق الله.

فقال: « من يطيع الله إذا عصيته؟ يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني ».

قال: فسأل رجل من القوم قتله النبي - أراه خالد بن الوليد - فمنعه، فلما ولي قال: « إن من ضئضئ هذا قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ».

رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به.

ثم رواه أحمد، عن محمد بن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن عبد الرحمن بن أبي نُعم، عن أبي سعيد وفيه الجزم بأن خالدا سأل أن يقتل ذلك الرجل، ولا ينافي سؤال عمر بن الخطاب.

وهو في (الصحيحين) من حديث عمارة بن القعقاع من سيرته: وقال فيه إنه سيخرج من صلبه ونسله، لأن الخوارج الذين ذكرنا لم يكونوا من سلالة هذا، بل ولا أعلم أحدا منهم من نسله وإنما أراد من ضئضئ هذا أي من شكله وعلى صفته فالله أعلم.

وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي وسماه بعضهم حرقوصا، فالله أعلم.

_____________

الطريق الخامس

قال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا مهدي بن ميمون، ثنا محمد بن سيرين، عن معبد بن سيرين، عن أبي سعيد عن النبي قال: « يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم على فوقه ».

قيل: ما سيماهم؟

قال: « سيماهم التحليق أو التسبيد ».

ورواه البخاري: عن أبي النعمان محمد بن الفضل، عن مهدي بن ميمون به.

_____________


الطريق السادس

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، ثنا سويد بن نجيح، عن يزيد الفقير قال: قلت لأبي سعيد: إن منا رجالاهم أقرؤنا للقرآن، وأكثرنا صلاة، وأوصلنا للرحم، وأكثرنا صوما، خرجوا علينا بأسيافهم.

فقال أبو سعيد: سمعت النبي يقول: « يخرج قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».

تفرد به أحمد ولم يخرجوه في الكتب الستة ولا واحد منهم، وإسناده لا بأس به رجاله كلهم ثقات، وسويد بن نجيح هذا مستور.

_____________

الطريق السابع

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد قال: بينا رسول الله يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله.

فقال: « ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ ».

فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟

فقال: « دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قذذه فلا يوجد في شيء، ثم ينظر في نضبه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فترة من الناس ».

فنزلت فيه: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ } الآية [التوبة: 58] .

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله .

ورواه البخاري: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن هشام بن يوسف، عن معمر.

ورواه البخاري من حديث شعبة.
ومسلم من حديث يونس بن يزيد، عن الزهري به.

لكن في رواية مسلم عن حرملة، وأحمد بن عبد الرحمن، كلاهما عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، والضحاك الهمداني، عن أبي سعيد به.

ثم رواه أحمد: عن محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة والضحاك المشرقي، عن أبي سعيد فذكر نحو ما تقدم من هذا السياق.

وفيه: أن عمر هو استأذن في قتله.

وفيه: يخرجون على حين فرقة من الناس يقتلهم أولى الطائفتين بالله.

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله ، وأني شهدت عليا حين قتلهم، فالتمس في القتلى فوجد على النعت الذي نعته رسول الله .
ورواه البخاري: عن دحيم، عن الوليد، عن الأوزاعي كذلك.

وقال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد أنه قال: سمعت رسول الله يقول: « يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئا، ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئا، ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئا ويتمارى في الفوق ».
قال عبد الرحمن: حدثنا به مالك - يعني: هذا الحديث -.


ورواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك به.

ورواه البخاري ومسلم، عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، وعطاء بن يسار، عن أبي سعيد به.
وقال أحمد: حدثنا يزيد، أنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة قال: جاء رجل إلى أبي سعيد فقال: هل سمعت رسول الله يذكر في الحرورية شيئا؟
فقال: سمعته يذكر قوما يتعمقون في الدين يحقر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصومه عند صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية أخذ سهمه فينظر في نصله فلم ير شيئا ثم ينظر في رصافه فلم ير شيئا، ثم ينظر في القذذ فيماري هل يرى شيئا أم لا.

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون به.
_____________

الطريق الثامن

قال الإمام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أن رسول الله « ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق، ثم هم شر الخلق، ومن شر الخلق تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.

قال: فضرب النبي لهم مثلا - أو قال قولا - الرجل يرمي الرمية - أو قال الغرض - فينظر في النصل فلا يرى بصيرة وينظر في النضى فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة ».

فقال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.

وقد رواه عن محمد بن المثنى، عن محمد بن أبي عدي، عن سليمان - وهو ابن طرخان التيمي - عن أبي نضرة واسمه المنذر بن مالك بن قطعة، عن أبي سعيد الخدري بنحوه.

الحديث الثامن عن سلمان الفارسي
قال الهيثم بن عدي: ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: جاء رجل إلى قوم فقال: لمن هذه الخباء؟
قالوا: لسلمان الفارسي.
قال: أفلا تنطلقون معي فيحدثنا ونسمع منه؟
فانطلق معه بعض القوم فقال: يا أبا عبد الله، لو أدنيت خباك، وكنت منا قريبا فحدثتنا وسمعنا منك؟
فقال: ومن أنت؟
قال: فلان بن فلان.
قال سلمان: قد بلغني عنك معروف.
بلغني أنك تخف في سبيل الله، وتقاتل العدو، وتخدم أصحاب رسول الله ، فإن أخطأتك واحدة أن تكون من هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله .
قالوا: فوجد ذلك الرجل قتيلا في أصحاب النهروان.
الحديث التاسع عن سهل بن حنيف الأنصاري
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا حزام بن إسماعيل العامري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن بسر بن عمرو قال: دخلت على سهل بن حنيف فقلت: حدثني ما سمعت من رسول الله ، قال: في الحرورية.
قال: أحدثك ما سمعت من النبي لا أزيدك عليه شيئا، سمعت رسول الله : « يذكر قوما يخرجون من هاهنا - وأشار بيده نحو العراق - يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».
قال: قلت هل ذكر لهم علامة؟
قال: هذا ما سمعت لا أزيدك عليه.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الواحد بن زياد.
ومسلم من حديث علي بن مسهر، والعوام بن حوشب.
والنسائي من حديث محمد بن فضيل، كلهم عن أبي إسحاق الشيباني به.
وقد رواه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن الشيباني، عن بسر بن عمرو قال: سألت سهل بن حنيف، سمعت رسول الله يذكر الخوارج؟
فقال: سمعته - وأشار بيده نحو المشرق - قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
حدثناه أبو كامل، ثنا عبد الواحد، ثنا سليمان الشيباني بهذا الإسناد، وقال: يخرج منه أقوام.


حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق جميعا، عن يزيد قال أبو بكر: حدثنا يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن بسر بن عمرو، عن سهل بن حنيف، عن النبي قال: « فتنة قوم قبل المشرق محلقة رؤوسهم ».

_____________


الحديث العاشر عن ابن عباس

قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا يوسف بن موسى، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله : « يقرأ القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ».

ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، كلاهما عن أبي الأحوص بإسناده مثله.

_____________


الحديث الحادي عشر عن ابن عمر
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا أبو حساب يحيى بن أبي حبة، عن شهر بن حوشب قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: لقد سمعت رسول الله يقول: « يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ».

قال يزيد: لا أعلمه إلا قال: « يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم، فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله ».

فردد ذلك رسول الله عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع.

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقد ثبت من حديث سالم ونافع، عن ابن عمر أن رسول الله قال: « الفتنة من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان - وأشار بيده نحو المشرق - ».
الحديث الثاني عشر عن عبد الله بن عمرو

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي، فجئته فجاء رجل فانتبذ الناس عليه خميصة فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال عبد الله سمعت: رسول الله يقول: « إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضهم، تقذرهم نفس الرحمن، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف ».

قال: وسمعت رسول الله يقول: « سيخرج ناس من أمتي قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع حتى عدها زيادة على عشر مرات، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم ».

وقد روى أبو داود أوله في كتاب الجهاد من (سننه) عن القواريري، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة.

وقد تقدم حديث عبد الله بن مسعود وحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

الحديث الثالث عشر عن أبي ذر

قال مسلم بن الحجاج: حدثنا شيبان بن فروخ، ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حبيب بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله : « إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، لا يعودون في شر الخلق والخليقة ».
قال ابن الصامت: فلقيت زلفع بن عمرو الغفاري أخا الحاكم الغفاري قال: ما حديث سمعت من أبي ذر كذا كذا؟

فقال: وأنا سمعته من رسول الله .

لم يروه البخاري.

_____________

الحديث الرابع عشر عن أم المؤمنين عائشة

قال الحافظ البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا السري، عن يحيى، ثنا أحمد بن يونس، ثنا علي بن عياش، عن حبيب بن مسلمة قال: قال علي: لقد علمت عائشة أن جيش المروة، وأهل النهروان، وأن ملعونون على لسان محمد .

قال ابن عياش: جيش المشرق قتله عثمان رضي الله عنه.

وقال الهيثم بن عدي: حدثني إسرائيل، عن يونس، عن جده أبي إسحاق السبيعي، عن رجل، عن عائشة قال: بلغها قتل علي الخوارج فقالت: قتل علي بن أبي طالب شيطان الردهة - تعني: المخدج -.

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح، ثنا سهل بن عامر البجلي، ثنا أبو خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: ذكر رسول الله الخوارج فقال: « شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي ».

قال: وحدثناه إبراهيم بن سعيد، ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قرم، ثنا عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي فذكر نحوه.
قال: فرأيت عليا قتلهم وهم أصحاب النهروان.

ثم قال البزار: لا نعلم رُوي عن عطاء، عن أبي الضحى، عن مسروق إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن عطاء إلا سليمان بن قرم وسليمان بن قرم قد تكلموا فيه، لكن الإسناد الأول يشهد لهذا كما أن هذا يشهد للأول فيها متعاضدان، وهو غريب من حديث أم المؤمنين.

وقد تقدم في حديث عبد الله بن شهاب، عن علي ما يدل على أن عائشة استغربت حديث الخوارج ولا سيما خبر ذي الثدية كما تقدم، وإنما أوردنا هذه الطرق كلها ليعلم الواقف عليها أن ذلك حق وصدق، وهو من أكبر دلالات النبوة، كما ذكره غير واحد من الأئمة فيها والله تعالى أعلم.

وقال: سألت عائشة رضي الله عنها بعد ذلك عن خبر ذي الثدية فتيقنته من طرق متعددة.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في (الدلائل): أنا أبو عبد الله، أنا الحسين بن الحسن بن عامر الكندي بالكوفة من أصل سماعه، ثنا محمد بن صدقة الكاتب، حدثني أحمد بن أبان فقرأت فيه، حدثني الحسن بن عيينة، وعبد الله بن أبي السفر بن عامر الشعبي، عن مسروق، قالت عائشة: عندك علم عن ذي الثدية الذي أصابه علي في الحرورية؟

قلت: لا.

قالت: فاكتب لي بشهادة من شهدهم، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع، فكتبت شهادة عشرة من كل سبع، ثم أتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها.

قالت: أكلُّ هؤلاء عاينوه؟

قلت: لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه.

فقالت: لعن الله فلانا، فإنه كتب إلي أنه أصابهم بليل مصر، ثم أرخت عينيها فبكت، فلما سكنت عبرتها، قالت: رحم الله عليا لقد كان على الحق، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة و أحمائها.

_____________

حديث آخر عن رجلين من الصحابة

قال الهيثم بن عدي في كتاب (الخوارج): حدثني سليمان بن المغيرة، عن حبيب بن هلال قال: أقبل رجلان من أهل الحجاز حتى قدما العراق، فقيل لهما: ما أقدمكما العراق؟

قالا: رجونا أن ندرك هؤلاء القوم الذين ذكرهم لنا رسول الله ، فوجدنا علي بن أبي طالب قد سبقنا إليهم - يعنيان: أهل النهروان -.

_____________


حديث في مدح علي رضي الله عنه على قتال الخوارج

قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، ثنا فطر، عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي، عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد يقول: كنا جلوسا ننتظر رسول الله فخرج علينا من بيوت بعض نسائه قال: فقمنا معه، فانقطعت نعله فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ».

فاستشرف لها وفيهم أبو بكر وعمر.

فقال: « لا ولكنه خاصف النعل ».

قال: فجئنا نبشره.

قال: فكأنه قد سمعه.
_____________

ورواه أحمد: عن وكيع وأبي أسامة، عن فطر بن خليفة، فأما الحديث الذي قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسماعيل بن موسى، ثنا الربيع بن سهل، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليا على منبركم هذا يقول: عهد إلى النبي أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وقد رواه أبو بكر بن المقرئ، عن الجد بن عبادة البصري، عن يعقوب بن عباد، عن الربيع بن سهل الفزاري به، فإنه حديث غريب ومنكر، على أنه قد روي من طرق عن علي وعن غيره ولا تخلو واحدة منها عن ضعف.

والمراد بالناكثين يعني: أهل الجمل، وبالقاسطين أهل الشام، وأما المارقون فالخوارج لأنهم مرقوا من الدين.

وقد رواه الحافظ أبو أحمد بن عدي في (كامله): عن أحمد بن حفص البغدادي، عن سليمان بن يوسف، عن عبيد الله بن موسى، عن فطر، عن حكيم بن جبير، عن إبراهيم، عن علقمة، عن علي قال: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: أخبرني الأزهري، ثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال: وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت، ثنا شعيب بن الحسن السلمي، عن جعفر الأحمر، عن يونس بن الأرقم، عن أبان، عن خليد المصري قال:

سمعت عليا أمير المؤمنين يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وقد رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث محمد بن فرج الجنديسابوري، أنا هارون بن إسحاق، ثنا أبو غسان، عن جعفر - أحسبه الأحمر - عن عبد الجبار الهمداني، عن أنس بن عمرو، عن أبيه، عن علي قال: أمرت بقتال ثلاثة المارقين والقاسطين والناكثين.

وقال الحاكم أو عبد الله: أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن غنم الحنظلي بقنطرة بردان، ثنا محمد الحسن بن عطية بن سعد العوفي، حدثني أبي، حدثني عمي، عن عمرو بن عطية بن سعد، عن أخيه الحسن بن عطية، حدثني جدي بن جنادة، عن علي رضي الله عنه قال: أمرت بقتال ثلاثة؛ القاسطين والناكثين والمارقين.

فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني: الحرورية -.

وقال الحافظ ابن عساكر: أنا أبو القسم زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الأديب، أنا السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين، ثنا محمد بن أحمد الصوفي، ثنا محمد بن عمرو الباهلي، ثنا كثير بن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن أبي الجارود، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: أمرني رسول الله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.
_____________

حديث ابن مسعود في ذلك

قال الحافظ: حدثنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن الفقيه، أنا الحسن بن علي، ثنا زكريا بن يحيى الخراز المقرئ، ثنا إسماعيل بن عباد المقرىء، ثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: خرج رسول الله فأتى منزل أم سلمة فجاء علي، فقال رسول الله : « يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ».

حديث أبي سعيد في ذلك

قال الحاكم: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، ثنا الحسين بن الحكم الحيري، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

فقلت: يا رسول الله! أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟
فقال: « مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر ».

_____________

حديث أبي أيوب في ذلك

قال الحاكم: أنا أبو الحسن علي بن حماد المعدل، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا محمد بن كثير، عن الحرث بن خضيرة، عن أبي صادق، عن مخنف بن سليمان قال: أتينا أبا أيوب فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله ، ثم جئت تقاتل المسلمين؟

فقال: أمرني رسول الله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

قال الحاكم: وحدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري، ثنا محمد بن حميد، ثنا سلمة بن الفضل، حدثني أبو زيد الأموي، عن عتاب بن ثعلبة في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمرني رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب.

وقال الخطيب البغدادي: حدثنا الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا محمد بن جعفر المطيري، ثنا أحمد بن عبد الله المؤدب بسر من رأى، ثنا المعلى بن عبد الرحمن ببغداد، ثنا شريك، عن سليمان بن مهران، عن الأعمش، عن علقمة والأسود قالا:

أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب! إن الله أكرمك بنزول محمد وبمجيء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حين أناخت ببابك دون الناس.

ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله؟

فقال: يا هذا، إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي، بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

فأما الناكثون: فقد قاتلناهم وهم أهل الجمل، طلحة والزبير، وأما القاسطون: فهذا منصرفنا من عندهم - يعني: معاوية وعمرا - وأما المارقون: فهم أهل الطرقات، وأهل السعيفات، وأهل النخيلات، وأهل النهروان، والله ما أدري أين هم ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله.

21‏/05‏/2012

منهج الزيدية في أصول الدين


منهج الزيدية في أصول الدين

أما في أصول الدين (علم الكلام) فهم من أئمة الكلام وهم من أرباب الحق فيه.
ولقد نشأت كما قلت أولاً فترات في التاريخ كان لأولي السلطة والدولة أن يعلنوا مخالفتهم للزيدية ويضللوا عليهم، وربما وجدوا من يعينهم على ذلك من أرباب الجهل، أو من العلماء المتعصبين معهم.
والنظريات الحقة التي تميزت بها الزيدية ومعهم علماء الصدر الأول من الصحابة وجمهور من العلماء التابعين في أصول الدين ربما يكون أهمُّها نظريتين نلخصهما فيما يأتي:
أولاً: العدل، والتوحيد: فصارت الزيدية تعرف بهذا الاسم (أهل العدل والتوحيد) وهي مجموعة يطلق عليها مسائل أصول الدين.
ومن أهم [ما في هاتين] النظريتين ما يجب أن نورد منه شيئاً في هذه الرسالة، كمثل من موجبات الخلاف والحق فيها مع واحد.
أولاً: حرية العمل، فالزيدية يقولون: إن الله سبحانه جعل الإنسان حراً في تصرفاته ولم يجبره عليها، ولم يسيره الله سبحانه إلى شيء منها، فهو فاعل مختار لما عمله؛ لأنه مخلوق في أحسن تقويم ومفروض عليه أن يعمل بعقله الذي يتميز له به الحسن وحسنه، والقبح وقبحه، وأنه إذا خالف التصرف الحكيم فيما أمره الله به وفيما نهاه عنه، فقد خالفه متبعاً لشيطانه الذي أقسم بغوايته، وجند جنده لإضلاله، وأجلب عليه بخيله ورجله.
وإن الحق هو ما أوضح الله في كتابه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].
ويتبع هذا أن الزيدية ما داموا يخضعون للحق في ذلك فهم لا يألون جهداً في:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف، وفي موالاة من أطاع الله ورسوله، ومعاداة من خالف أمر الله ورسوله.
2- تقديم ما وافق كتاب الله واشتراط موافقة الرواية في الحديث لما في كتاب الله تعالى عملاً بقوله   ((ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله…)) إلخ الحديث.
أما النظرية الثانية فهي في ما يقرره الزيدية وأئمتهم آل رسول الله من وجوب نصب إمام للدولة من أشرف قريش نسباً، وأعلاهم قدراً، جامعاً للشروط المقررة حسب الأدلة والأحاديث الواردة بذلك، ومن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب الخروج على الظلمة وأرباب الفسوق من الولاة.
ولعل في رأي بعض علماء المذاهب الأخرى عدم وجوب الخروج على السلطان ولو كان ظالماً، والتزام الصبر عليه وإن كان طاغياً، معتمدين أن إساءته إنما تخص نفسه، ورووا لذلك أدلة مطعونة لم تصح بمتنها ولا سندها ولا رواتها عن الزيدية.
إذاً فمع النظريتين هاتين لا يمكن أن يستقر بال السلطان الظالم ولا أن يرتاح له بال؛ لأنه لا يقدر أن ينفذ طلباته الاستعبادية ولا يحصل على ملذاته النفسية بدون معرفة حكمها من حلال أو حرام، ما دامت الزيدية وعلماء الزيدية ورجال الزيدية يوجبون نهيه عن ذلك والخروج عليه إذا لم يتب عنها.
أما بعض الفرق فإنه ربما كان لعلمائهم فتوى أن عمل السلطان الظالم إنما هو تسليط من الله، وأنه يجب عليهم الصبر والرجوع إلى الله بالدعاء فقط لإزالته بأمر سماوي، وأن الخروج عليه محرم إذا كان ذلك سيؤدي إلى سفك الدماء.
والذي يراه المنصف من العلماء المحققين هو أن رأي علماء بعض المذاهب في وجوب الصبر والرجوع إلى الله صواب، ولكن الرجوع إلى الله لا يمكن إلا بالرجوع إلى أوامره وأوامر رسوله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على قدر قوة المؤمنين .. باليد، أو باللسان، أو بالقلب، وأدلة ذلك ظاهرة شاهرة وليس هذا محل إيرادها.
هذا كله من الأسباب التي جعلت المذهب الزيدي معتمداً على الشريعة المطهرة بقوة إيمان في البلاد التي تحكمها الزيدية وغيرها.
إذا عرفت هذا وعرفت أن الزيدية هم أوفى المسلمين في المحافظة على التمسك بالنصوص القرآنية، والسنة النبوية وهم حريصون على العمل بالمبادئ الإسلامية، والتقاليد الدينية، والشريعة النبوية.
وهم من الذين عناهم الرسول بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يغلبهم من ناواهم حتى تقوم الساعة)).
وهم من الشيعة في حب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفي تفضيله والإيمان بسبقه إلى الإسلام وسابقته في الجهاد والاجتهاد.
وهم مع السنة يعترفون للخلفاء من الصحابة الراشدين رضوان الله عليهم بمزاياهم وسابقتهم في الصحبة الشريفة والجهاد في سبيل الله.
وإن يكن لهم من يكرهون فإنما يكرهون أعداء الله وأعداء رسول الله  وهم:
أولاً: المنافقون على عهد رسول الله  ويعرفونهم ببغض علي كرم الله وجهه، بدليل قوله [لعلي]: (([يا علي] لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) رواه الأئمة من آل رسول الله ورواه الإمام مسلم وغيره.
ثانياً: أهل الردة بعد موت رسول الله والذين ماتوا على ردتهم فإنهم كفار ولو سبقت لهم صحبة.
ثالثاً: من وصفهم الرسول بالفئة الباغية التي تدعو عماراً رضي الله عنه إلى النار ويدعوهم إلى الجنة .
وكذلك من وصفهم  بالناكثين، والمارقين.
وكل هؤلاء الذين لم يتوبوا من المارقين والناكثين لعهد رسول الله لا يطلق عليهم اسم الصحابة أصلاً؛ لأنهم عارضوا ما أنزل الله، فلا يعترف المنصفون لأحد منهم أن له عدالة أو صحبة لرسول الله   .
وتعريف الصحابي عند الزيدية هو: من آمن بالله ورسوله، وطالت مجالسته لرسول الله   ، ولازم شريعته ومات متبعاً له.
وتوضيح ذلك أن هؤلاء الخارجين عن الصحبة هم من عناهم قوله تعالى: {وَمِمَّنْحَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}[التوبة:101]، وقوله تعالى في المتخلفين: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}[الفتح:15]، وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1]، وقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:144].
فكيف يصح أن يقال أن كل الصحابة عدول مع هذا يا ترى؟
ولقد أحدث هؤلاء المنافقون ما أحدثوه وكانوا هم السبب في ظهور اختلاف الروايات عما كان عليه رسول الله   .
وأعجب من هذا أن الاختلاف كثر حتى تناول ألفاظ الأذان للصلاة فلم يتفق على صفته، وقد كان يؤذن المؤذن على عهد رسول الله جهراً في كل يوم خمس مرات، وهذا الاختلاف وإن لم يكن على شيء من أصوله  والحمد لله لكنه يعطي الدليل الواضح في وقوع الاختلاف في الرواية.
لذلك وجب العمل بأمر رسول الله بالعرض على القرآن، روى رزين العبدري في مقدمة جامعه عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ((يا معاذ اعرض كل كلام على القرآن ولا تعرض القرآن على شيء من الكلام، واعرض جميع الأخلاق على الإسلام ولا تعرض الإسلام على شيء من الأخلاق)).
وقال العبدري: وقد روي أن رسول الله  أمر أن يعرض ما جاء من الحديث على القرآن فما وافق من ذلك قُبل وما خالفه ترك، وقد تبين ذلك بحديث آخر، قال  : ((وما لرسول الله أن يقول ما يخالف القرآن وبالقرآن هداه الله…))إلخ كلامه.
نعـم فالذي ذهبت إليه الزيدية في ذلك هو ما كان معمولاً به في عهد الراشدين، فقد كانوا ينبذون من شذ منهم وينأون عنه ويقاتلونه عند تفاقم أمره، ولذلك قامت حروب الردة وقامت حرب الجمل وحرب صفين وغيرها، وغني عن البيان أن الصحابة ما قاتلوا إلا من أبى شرف الصحبة وعمل ضد المؤمنين عملاً بقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9].
لما ذكرنا من الأدلة وغيرها يقول [علماء] المذهب الزيدي: الصحابة كلهم عدول إلا من أبى، ومن أبى ليس بصحابي إلا من تاب.
ومفهوم الصحابي هو المفهوم الذي كان يعمل به أئمة المذاهب الأربعة منهم الإمام الشافعي رضوان الله عليه.
ومفهوم من أبى الصحبة هو مفهوم حديث الحوض الذي رواه أئمة الحديث .
وعلى هذا فالصحابة الأسوة والتابعون القدوة هم الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله  وليس هم الذين عملوا ضد الرسالة المحمدية.
ومع ذلك فلا يمكن حصر الفكر الإسلامي في المذاهب الأربعة، ولا يمكن تحريم النظر فيما هو الأصل والمرجع الأول، أعني كتاب الله وسنة رسول الله   .
بل يحسن نبذ الجمود ولا سيما في هذا العصر، أعني عصر التقريب بين المذاهب، وقد وجدنا والحمد لله كثيراً من العلماء سارع في الاتجاه إلى الدليل وترك التقليد، كما فطن الكثيرون إلى نبذ الجمود الذي كان مراداً منهم، أي الجمود على مذهب إمام معين، أو بعبارة أخرى تحريم النظر والاجتهاد.
وعرفنا أن منهم من قد آثر الاجتهاد وعدم التقليد، مثل الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والإمام حسن البنا، والسيد محمد رشيد، والسيد قطب، والأستاذ محمد عمارة، والأستاذ عبد الكريم عثمان، والأستاذ عفيف عبد الفتاح طبارة، والأستاذ محمد أبو زهرة، وغيرهم من علماء القرن العشرين الميلادي.
راجع إن شئت مؤلفاتهم تجد أن رجوعهم إلى مذهب الزيدية في جواز الاجتهاد للمجتهد يوحي أن الزيدية هم من العلماء العاملين مع صفوة السنة والشيعة المحبين وقادة الفكر الإسلامي في منهج الكتاب والسنة النبوية، وسننقل فيما بعد شيئاً مما قاله العلماء في الفرقة الزيدية خصوصاً والشيعة عموماً.

______________

المصدر :  
http://al-majalis.maktoobblog.com/979281/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-3-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84/

17‏/05‏/2012

أعلام أهل البيت

نسبه الشريف : 

الإمام زيد الشهيد بن علي زين العابدين لن الحسين السبط بن علي أمير المؤمنين بن أبي طالب ناصر رسول رب العالمين عليه وعلى آبائه السلام . 

الإخبار بمقتله وصلبه قبل مولده : 

[ على لسان جده رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ] 

وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وآلله وسلم نظر يوماً إلى زيد بن حارثة فبكى وقال: « المقتول في اللّه المصلوب من أمتي المظلوم من أهل بيتي سمي هذا » وأشار إلى زيد بن حارثة، ثم قال: « أدن مني يا زيد زادك اسمك عندي حباً فإنك سمي الحبيب من ولدي (زيد) » . 

ورُوي عن أبي جعفر محمد بن علي، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، أنه قال للحسين: « يخرج من صلبك رجل يقال له: زيد، يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجلين، يدخلون الجنة أجمعين بغير حساب » . 

[ على لسان أبيه زين العابدين بن الحسين السبط عليهما السلام ] 

دَخَلَ أبو حمزة الثمالي ذات يوم على زين العابدين فقال له زين العابدين: يا أبا حمزة ألا أخبرك عن رؤيا رأيتها؟ قال: بلى يا ابن رسول اللّه. قال: رأيت كَأَنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أدخلني جنةً وزوجني بحورية لم أر أحسن منها، ثم قال لي: « يا علي بن الحسين، سَمّ المولود زيداً، فيهنيك زيدٌ » . 


عندما بُشّرَ بولادة ابنٍ له من الجارية السندية ( جيدا ) : 

وحين قرعت البشرى سمع زين العابدين بولادة ابنٍ له من الجارية السندية قام فصلى ركعتين شكراً لله، ثم أخذ المصحف مستفتحاً لاختيار اسم مولوده، فخرج في أول السطر قول اللّه تعالى: ﴿ وَفَضَّلَ اللّه المُجَاهِدِيْنَ عَلَى القَاعِدِيْنَ أَجْراً عَظِيْماً ﴾[النساء:95]، فأطبق المصحف، ثم قام وصلى ركعات، ثم فتح المصحف، فخرج في أول السطر: ﴿وَلاَتَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللّه أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُوْنَ ﴾ [آل عمران: 169]، ثم قام وركع، ثم أخذ المصحف وفتحه فخرج في أول سطر: ﴿ إِنَّ اللّه اشْتَرَى مِنْ المُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللّه فَيَقْتُلُوْنَ وَيُقْتَلُوْنَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِيْ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّه فَاسْتَبْشِرُوْا بِبَيْعِكُمُ الَّذِيْ بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيْمُ ﴾ [التوبة:111]. 

وبعد ذلك أطبق زين العابدين المصحف وضرب بإحدى يديه على الأخرى، وقال: « إنا لله وإنا إليه راجعون، عُزِّيت في هذا المولود، إنه (زيد) ..أما واللـه ما أجد من ولد الحسين في يوم القيامة أعظم منه وسيلة، ولا أصحاباً آثر عند اللّه من أصحابه » . 

وقامَ عليه السلام بالتأذين في أذنه اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى ، وعوَّذه بالله من الشيطان الرجيم . 

قال أبو حمزة: فحججت عاماً آخر فأتيت عليَّ بن الحسين فلما دخلت عليه وجدته حاملا لطفل صغير وهو يقول: يا أبا حمزة ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا!! 

[ علمُ ومنزلة الإمام زيد بن علي عليه السلام ] 

نشأ الإمام زيد بن علي في أحضان والد زين العابدينم وأخيه الأكبر محمد الباقر ودرس على يديهما العقيدة المحمدية ، فكانَ الإمام زيد مضرب المثل في العلم بشهادة أخيه الأكبر محمد الباقر عليه السلام فقد ذكر الرواة أنه طلب من أخيه محمد الباقر كتاباً كان لجده علي عليه السلام ، فنسي أبو جعفر مدة من الزمن، ثم تذكر فأخرجه إليه، فقال له زيد: قد وجدت ما أردت منه في القرآن !! فأراد أبو جعفر أن يختبره وقال له: فأسألك؟ قال زيد: نعم، سلني عما أحببت. ففتح أبو جعفر الكتاب وجعل يسأل، وزيد يجيب كما في الكتاب. فقال أبو جعفر: « بأبي أنت وأمي يا أخي أنت والله نَسِيْج وحدك، بركةُ اللّه على أم ولدتك، لقد أنجبت حين أتت بك شبيه آبائك » . 

- قال الإمام زيد: « واللـه لاتأتونني بحديث تصدقون فيه إلا أتيتكم به من كتاب اللّه » . 

- قال الإمام زيد : « من جاءك عني بأمر أنكره قَلَبُك، وكان مبايناً لما عهدته مِنِّي، ولم تفقهه عَنِّي، ولم تره في كتاب اللّه عز وجل جائزاً، فأنا منه برئ، وإن رأيت ذلك في كتاب اللّه عز وجل جائزاً، وللحق مُمَاثِلاً، وعهدت مثله ونظيره مني، ورأيته أشبه بما عهدته عني، وكان أولى بي في التحقيق، فأقبله فأن الحق من أهله ابتدأ وإلى أهله يرجع» . 

- شهادة أخيه الأكبر ومعلمه الفَذِّ الإمام محمد الباقر عليه السلام، الذي قال في حقه: « لقد أوتي زيدٌ علما لَدُنِيّاً فاسألوه فإنه يعلم مالانعلم » . 

- وقال الإمام الباقر عليه السلام لمن سأله عنه: « سألتني عن رجل مُلىء إيماناً وعلماً من أطراف شعره إلى قدميه، وهو سيد أهل بيته » . 

- وشهـادة ابن أخيه ورفيق نشـأته ودراسته الإمام جعفر الصادق عليه السلام وذلك حيث يقول: « كان واللـه أقرأنا لكتاب اللّه وأفقهنا لدين اللّه » . 

- وشهادة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت كبير أئمة المذاهب السُّنِّـيَّة، حيث يقول: « ما رأيت في زمنه أفقه منه ولاأعلم ولا أسرع جواباً ولا أبين قولاً، لقدكان منقطع القرين » . 

- وشهادة المحدث الكبير سليمان بن مهران الأعمش حيث يقول: « مارأيت فيهم ـ يعني أهل البيت ـ أفضل منه ولا أفصح ولا أعلم » . 

[ عبادة الإمام زيد بن علي عليه السلام ] 

- وقال أبو الجارود: دخلت المدينة وكلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذلك حليف القرآن . 

- قال الإمام يحيى بن زيد عليه السلام واصفاً عبادة والده : « رحم اللّه أبي كان أحد المتعبدين، قائم ليله صائم نهاره، كان يصلي في نهاره ما شاء اللّه فإذا جن الليل عليه نام نومة خفيفة، ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء اللّه، ثم يقوم قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر سجد سجدة، ثم يصلي الفجر، ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار، ثم يذهب لقضاء حوائجه، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاه واشتغل بالتسبيح والتحميد للرب المجيد، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس، ثم يصلي العصر، ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة، فإذا غربت الشمس صلى المغرب والعشاء » . 

[ زهد وورع الإمام زيد بن علي عليه السلام ] 

- قال الإمام زيد عليه السلام : « اللَهُـمَّ إني أسألك سُلُوّاً عن الدنيا، وبغضاً لها ولأهلها، فإنَّ خَـيْـرَها زَهِيْدٌ، وشرَّها عتيدٌ، وجَمْعَها يَنْفَدُ، وصَفْوَها يَرْنَقُ ، وجديدَها يَخْلَقُ، وخيرَها يَنْكَدُ، ومافات منها حَسْرَةٌ، وما أُصِيْبَ منها فِتْنَةٌ، إلا من نالته منك عِصْمَةٌ، أسألك اللَهُـمَّ العِصْمَةَ منها، ولاتجعلنا ممن رضي بها، واطمأن إليها، فإِنها مَنْ أمنها خانَتْهُ، ومن اطمأن إليها فَجَعَتْهُ، فلم يُقِمْ في الذي كان فيه منها، ولم يَظْعَنْ به عنها » . 

- قال الإمام زيد عليه السلام: « واللـه ماكذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله مَحْرَماً منذ عرفت أن اللّه يعاقب عليه » 

- قال الإمام زيد بن علي عليه السلام : « أوصيكم أن تتخذوا كتاب اللّه قائداً وإماماً، وأن تكونوا له تبعاً فيما أحببتم وكرهتم، وأن تتهموا أنفسكم ورأيكم في مالايوافق القرآن، فإن القرآن شفاء لمن استشفى به، ونور لمن اهتدى به، ونجاة لمن تبعه، من عمل به رَشَد، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فَلَج، ومن خالفه كفر، فيه نبأ من قبلكم، وخبر معادكم، وإليه منتهى أمركم » . 

- قال الإمام زيد لأصحابه : « أيها الناس، أفضل العبادة الورع، وأكرم الزاد التقوى، فتورعوا في دنياكم، وتزودوا لآخرتكم » . 

[ دعوة الإمام زيد بن علي الناس لإمامته والخروج معه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] 

- قال الإمام زيد في رسالته التي وجهها إلى علماء الأمة : « فوالذي بإذنه دَعَوْتُكم، وبأمره نصحتُ لكم، ما ألتمس أَثَرَةً على مؤمن، ولا ظلماً لِمُعَاهِد، ولوددت أني قد حميتكم مَرَاتع الهَلَكَة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوْقِدُ ناراً فأقذفُ بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط اللّه، زهداً في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والمَوْفُوْرين حظاً ونصيباً » . 

- ومن أقواله المشهورة: « واللـه لو علمت أن رضاء اللّه عز وجل في أن أقدح ناراً بيدي حتى إذا اضطرمت رميت بنفسي فيها لفعلت؟ » . 

- قال الإمام زيد في رسالته إلى علماء الأمة :« أنما تصلح الأمور على أيدي العلماء، وتفسد بهم إذا باعوا أمر اللّه تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين » . 

- وأيضاً مما قاله الإمام زيد بن علي عليه السلام مُخاطباً علماء الأمة : « أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم. 
فيا علماء السوء، محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ واللـه نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد » . 

وأيضاً مما قاله الإمام زيد بن علي عليه السلام مُخاطباً علماء الأمة يحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : « قد ميزكم اللّه تعالى حق تمييز، ووسمكم سِمَة لاتخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ﴿وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ باِلمعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُوْنَ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾، فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده ... واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هينها وشديدها » . 

- ومما رواه الإمام زيد عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :« إن أفضل الشهداء رجل قام إلى إمام جائر فأمره بتقوى اللّه ونهاه عن معصية اللّه، وجاهده مقبلا غير مدبر، فقتل وهو كذلك » . 

[ تجاوب كبراء الأمة مع دعوة الإمام زيد بن علي عليه السلام ] 

- بعث الإمام زيد الفضلَ بن الزبير وأبا الجارود إلى أبي حنيفة النعمان، فوصلا إليه وهو مريض، فدعياه إلى نصرته، فقال: « هو واللـه صاحب حق، وهو أعلم مَنْ نعرف في هذا الزمان، فاقرئاه مني السلام وأخبراه أن مرضاً يمنعني من الخروج معه » . ثم أرسل معهما بثلاثين ألف درهم للإمام زيد يستعين بها على جهاده، وقال: « لئن شفيت لأخرجن معه » . وقال أيضا: « إن خروجه ضاها خروج رسول اللّه يوم بدر » . 

- وبعثَ الإمام زيد عليه السلام الحافظ الكبير والمحدث الشهير منصور بن المعتمر السلمي إلى العلماء، فكان يدخل عليهم وهو يعصر عينيه ويبكي ويقول: « أجيبوا ابن رسول اللّه » . 

- وبعثَ الإمام زيد عليه السلام إلى الأعمش ومن يتردد عليه من العلماء عثمانَ بن عمير الفقيه، فلما وصل إليه وعرض عليه رسالة الإمام زيد قال: « ما أعرفني بفضله أقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك الأعمش: لست أثق لك ـ جعلت فداك ـ بالناس، ولو أنا وجدنا لك ثلاثمائة رجل نثق بهم لعَفَّرْنا لك حواجبنا » . 
وقال شعبة: سمعت الأعمش يقول: « واللـه لولا ضُرة بي لخرجت معه، واللـه ليُسْلِمُنَّه كما فعلوا بجده وعمه » . 

- وكذلكَ خرجَ الإمام محمد النفس الزكية بن عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن مع عمه زيد بن علي عليه السلام . 

- وأما ابن أخيه الإمام جعفر الصادق، فقد أراد الخروج معه لَمَّا خرج المرة الأخيرة من المدينة إلى الكوفة، وقال له: « أنا معك يا عم » . فقال له الإمام زيد: « أما علمت يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا، وأن قاعدنا لقائمنا، فإذا خرجتُ أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا؟ ». فتخلف جعفر بأمر عمه زيد، ودفع بولديه عبد اللّه ومحمد معه . وقال: « من قُتِل مع عمي زيد كمَنْ قتل مع الحسين، ومن قتل مع الحسين كمن قتل مع علي بن أبي طالب، ومن قتل مع علي كمن قتل مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم » . 

[ عدّة المُبايعين للإمام زيد ، ومروق الرافضة من بيعته ] 

- قال سليمان الرازي: « لم أرَ يوما كان أبهى ولا أكثر جموعاً ولا أوفر سلاحاً ولا أشد رجالاً ولا أكثر قرآناً وفقهاً من أصحاب زيد بن علي » . 

- قيلَ أنّه اجتمع عنده عليه السلام في ديوان المُبايعين خمسة عشر ألفاً من المقاتلين . 

خرج نفرٌ من الشيعة ممن كان قد بايعَ الإمام زيد ، بعد أن سمعوا بطلب الخليفة الأموي هشام للمُبايعين للإمام زيد ، فخافوى لظى القنا وحرَّ السيوف ، فأرادو التخلّص من البيعة والخروج منها ، فالتمسوا المخارج والأعذار فقالوا بالوصية فيما بين الأئمة ، فقالوا له:يا زيد لست الإمام، قال ويلكم فمن الإمام؟ قالوا: ابن أخيك جعفر بن محمد، قال : إن قال هو الإمام فهو صادقٌ. قالوا: الطريق خائف ولا نتوصل إليه إلاَّ بأربعين ديناراً. قال: هذه أربعون ديناراً. قالوا: إنه لا يظهر ذلك تقية منك وخوفاً. قال: ويلكم إمامٌ تأخذه في الله لومة لائم إذهبوا فأنتم الرافضة . ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي، على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه. 

[ تجيش الجيوش وتكتيب الكتائب وتجهيز العدة للمواجهة ] 

- وحين خفقت رايات الجهاد على رأس الإمام زيد عليه السلام قال: « الحمدلله الذي أكمل لي ديني، فواللّه مايسرني أني لقيت محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنههم عن منكر » . 

- ثم قال الإمام زيد لن علي لأصحابه : « واللـه ما أبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنة نبيه أن تأجج لي نار ثم قُذفت فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه، واللـه لاينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.. يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتاب اللّه، ونقسم بينكم فيئكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم عن كل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني، واللـه ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ولا انتهكت محرماً منذ أن عرفت أن اللّه يؤاخذني به » . ثم قال: « اللـهم لك خرجت، وإياك أردت، ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ولدينك ولكتابك ولنبيك ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين، اللـهم هذا الجهد مني وأنت المستعان » . 


[ المواجهة الكُبرى ونكث أهل الكوفة لبيعة الإمام زيد ] 

- بعث يوسف بن عمر القائد الأموي بعض رجاله إلى شوارع الكوفة لإثارة الرعب في قلوب الأهالي، ودعوة الناس إلى الاجتماع في المسجد الأعظم، وحظر التجول وحمل السلاح، وبث الإشاعات عن الجيش القادم من الشام. 

ولكن الإمام زيد توجه مع أنصاره لرفع الحصار عن أهل المسجد وطمأنة أهل الكوفة، وفي طريقه إلى المسجد وقعت بينه وبين جند الأمويين مواجهة عنيفة كان النصر فيها حليفه، ولما وصل إلى جوار المسجد نادى أصحابه بشعاره ( يا منصور أمت ) وأدخلوا الرايات من نوافذ المسجد، وكان نصر بن خزيمة رحمه اللّه ينادي: « يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ومن الضلال إلى الهدى اخرجوا إلى خير الدنيا والآخرة فإنكم لستم على واحد منها » ، ولكنهم حنوا إلى طبعهم القديم (الغدر والخيانة)، واعتذروا بالحصار الموهوم. 

وانتشر أصحاب الإمام زيد في الكوفة وأمرهم الإمام زيد أن ينادوا: من ألقى سلاحه فهو آمن. وأخذ يطارد بقايا جند الأمويين في محاولة لتطهير الكوفة منهم، وفجأة ظهر جنود الأمويين القادمون من الحِيْرة؛ فاشتبك أصحاب الإمام معهم واستبسلوا وقاتلوا قتالا شديداً حتى ردوهم على أعقابهم ، ثم جمع الإمام زيد أصحابه ونادى فيهم: «انصروني على أهل الشام فواللـه لاينصرني رجل عليهم إلا أخذت بيده حتى ادخله الجنة، ثم قال: واللـه لو علمت عملا هو أرضى لله من قتال أهل الشام لفعلته، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبراً ولاتجهزوا على جريح ولاتفتحوا باباً مغلقاً، وإني سمعتهم يسبون علي بن أبي طالب فاقتلوهم من كل وجه » . 

واستمرت المواجهة بين المعسكرين، وكان جنود الأمويين يتزايدون بينما كان جند الإمام زيد ينقصون، والتفت الإمام زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني اللّه فداك أما أنا فواللـه لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!! 


استبسل الإمام زيد وأصحابه وقاتلوا قتال المستميت فلم يجرؤ أحد على مواجهتهم أو مبارزتهم، وحين شعر الأمويون أنه لاقدرة لهم على المواجهة تحصنوا خلف الكثب والجدران، وأخذوا يمطرون الإمام زيد وأصحابه بوابل من السهام. 

وأخذت الشمس في الأفق تميل نحو الغروب، وأخذت تميل معها شمس التضحية والفداء، وألقى الليل بظلامه على التلال، ونشر أجنحته على السهول والجبال، وخرست الألسن ونطقت الأسنة وحمحم الموت، وباتت الكوفة كئيبة حزينة حين لطخها أهلها من جديد بعار الخيانة والغدر. 

وأثناء ذلك الصمت الرهيب سُمِع ـ في مقدمة الجيش ـ صوت الإمام زيد يرتفع قائلا: الشهادة.. الشهادة.. الحمدلله الذي رزقنيها! فهرعوا إلى مكان الصوت، فإذا بالإمام العظيم مُضَرَّجاً بدمه، قد أصيب بسهم في جبهته، ولما أحس بلذع السهم القاسي ارتفع صوته بتلك الكلمات الخالدة التي ترسم لنا بوضوح أهداف وآمال ذلك الرجل العظيم. 

[ وصية الإمام زيد بن علي والسهم في جبينه إلى ابنه الإمام يحيى بن زيد ] 

جاء يحيى بن زيد إلى أبيه وهو يبكي وأكب عليه والدماء تنزل منه، والسهم نابت في جبينه، فجمع يحيى قميصه في يده ومسح به الدم من وجه أبيه، ثم قال له: ابشر يا ابن رسول اللّه، ترد على رسول اللّه وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون. 
قال الإمام: صدقت يابني، فأي شيء تريد أن تصنع؟ 
قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر. 
قال: نعم يابني، جاهدهم، فواللـه إنك لعلى الحق، وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة، وقتلاهم في النار . 

تلك هي وصية الإمام، وذلك هو ميراثه إحياء شرع اللّه .. التصدي للظالمين .. حب الخير للناس.. التضحية في سبيل ذلك. 

ثم فاضت الروح المقدسة وودعت إلى بارئها لتتقاضى الثمن الموعود به ﴿ إِنَّ اللّه اشْتَرَى مِنْ المُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللّه فَيَقْتُلُوْنَ وَيُقْتَلُوْنَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِيْ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيْلِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّه فَاسْتَبْشِرُوْا بِبَيْعِكُمُ الَّذِيْ بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيْمُ ﴾ 

[ الجسد الشريف بعد القتل ] 

- أراد أتباع الإمام زيد أن يُخفوا جسده الشريف حتى لا يصل إليه الأمويون فعملوا تحت جنح الظلام وحجزوا الماء في الساقية في بستان وحفروا القبر ثم واروا الجثمان العظيم وأجروا عليه الماء، وتفرقوا قبل طلوع الفجر. 

وفي اليوم التالي أُعلِنَ في الشوارع والأسواق عن جائزة مغرية لمن يدل على المكان الذي دفن فيه، فدلهم بعض ضعفاء النفوس على موضع قبره، فنبشوه واستخرجوا منه الجثمان العظيم. فَحُمل الجثمان على جمل وألقي به أمام قصر الإمارة، وهنالك فُصِل الرأس الشريف عن الجسد. 

فأما الرأس فبعث به يوسف بن عمر الثقفي إلى الشام، وبعد أن وضع بين يدي هشام أمر أن يطاف به في البلدان، لنشر الرعب والذعر في نفوس الجماهير وقتل الحماس في النفوس الأبية، ومر الرأس ببلدان كثيرة حتى وصل إلى المدينة المنورة، وأمام قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وفي تحدٍّ سافر ونكران لفضل الإسلام نُصب الرأس الشريف، وطُلب أهل المدينة للحضور إلى المسجد وإعلان البراءة من علي بن أبي طالب وزيد بن علي ، ثم أخذ إلى مصر ونصب في الجامع الأعظم أياماً ومنه أخذ سراً ودفن هنالك. 

وأما الجسد فصلب في كُنَاسة الكوفة عارياً، فجاءت العنكبوت تنسج الخيوط على عورته لتسترها، وكانوا كلما أزاحوا تلك الخيوط جاءت لتنسج غيرها. 

- فكانَ منظر الجسد الشريف أمام الناس ، يزوّد الإيمان وحب أهل البيت في قلوبهم ، على عكس ما كان بنو أمية يبتغون ، فعملوا على التخلص من الجسد الشريف فعملوا على إنزاله وإحراقه ، وذرّ رماده في الفرات ، وقد قال يوسف بن عمر الثقفي كافاه الله مقولته الشمهورة : " والله يا أهل الكوفة لأدعنكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم " !! 

لم يكفهم قتله حتى تعاقبه ****** نبش وصلب وإحراق وتغريق 

الإمام زيد ثورة لاتنتهي 

كانت حركة الإمام زيد أول شرارة لانفجار شعبي أطاح بالحكم الأموي الجائر، وقضى على معالم زهوه واستبداده، وهتك أقنعة الزيف التي كان يستتر وراءها، ورغم استشهاد الإمام زيد فإن حركته لم تنته باستشهاده، ولم تمت بموته، بل تحولت كل قطرة دم إلى شعلة نار تحرق أعداء اللّه وتضئ على درب الرسالي، وما زالت أصداء كلماته ترن في أذن التاريخ. 

كما أنّ الثورات العلوية الفاطمية تتابعت إثر خروج زيد بن علي على ولاة الجور والظلم ، وأولّها ثورة ابنه يحيى بن زيد عليه السلام . 

تراثه الإمام زيد بن علي الفكري المجيد 

1 ـ مجموع الإمام زيد ويشتمل على المجموع الفقهي والحديثي ( مسند الإمام زيد ) . 
2 ـ تفسير غريب القرآن. 
3 ـ مناسك الحج والعمرة، طبع في بغداد. 
4 ـ مجموع رسائل وكتب الإمام زيد. ويحتوي على: 
(1) رسالة الإيمان، وتشتمل على شرح لمعنى الإيمان والكلام على عصاة أهل القبلة. 
(2) رسالة الصفوة، وتشتمل على تعريف صفوة اللّه من خلقه والكلام عن أهل البيت وأن اللّه اصطفاهم لهداية الناس. 
(3) رسالة مدح القلة وذم الكثرة، وتشتمل على مناظرة جرت بينه وبين أهل الشام في القلة والكثرة، وجمع فيها كثيراً من آيات القرآن الدالة على مدح القلة وذم الكثرة. 
(4) رسالة تثبيت الوصية، وتتضمن استدلالات على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أوصى لعلي عليه السلام بالخلافة من بعده. 
(5) رسالة تثبيت الإمامة، وتتضمن استدلالات على أن علياً عليه السلام كان أولى الناس بالخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم. 
(6) رسالة إلى علماء الأمة، وهي الرسالة التي وجهها إلى العلماء يدعوهم فيها إلى القيام بمسئولياتهم وتأييده في ثورته. 
(7) رسالة الرد على المجبرة، وهي عبارة عن بضع صفحات أوضح فيها موقفه من القدر، وضمنها رداً على غلاة المجبرة. 
(8) رسالة الحقوق، وهي عبارة عن نصائح وتعاليم خُلُقِيَّة وجهها إلى أصحابه ومن بلغته من المسلمين. 
(9) مناظرة لأهل الشام في مقتل عثمان والقلة والكثرة. 
(10) الرسالة المدنية، وهي عبارة عن جوابات أسئلة وردت إليه من المدينة. 
(11) مُجَمَّع يشتمل على بعض مناظراته وأجوبته وخطبه وأشعاره ورسائله وكلماته القصيرة. 
(12) الرسالة الشامية، وتتضمن إجابات على استفسارات لأحد أصحاب الإمام زيد بعث بها من الشام. 
(13) جواب على واصل بن عطاء في الإمامة. 
(14) مجموعة من الأشعار المنسوبة إليه. 
(15) مجموعة من الأدعية المروية عنه. 
(16) تفسير سورة الفاتحة. 
(17) تأويل بعض مشكل القرآن. 
(18) كتاب مناسك الحج والعمرة. 


[ سنة استشهاده ] 

استشهد الإمام زيد بن علي عليه السلام عام 122 هـ ، فسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم يموتُ ويومَ يُبعثُ حياً 

==== 

المصادر : الإمام زيد بن علي شعلة في ليل الإستبداد لمحمد يحيى سالم عزان.

http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=897&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d

_____________________________________________

الإمام الحسين بن علي بن الحسن ابن رسول الله
 (ص) : 

نسبه : 

هُو الإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . 

لقبه : 

الفخي ، نسبةً إلى أرض فخ من مكة المكرمة ، الأرض التي استُشهِدَ وأهلُ بيتهِ فيها . 

مولده : 

وُلدَ (ع) سنة 128 للهجرة تقريباً . 

والدُه : 

هُو علي بن الحسن المثلث (ع) ، ويُلقّب بالعابد لكثرة عبادته ، وكذلك يُلقّب بالأغر . 

وهُو أحد أولئك النفر من أهل البيت (ع) الذينَ حَبسهُم أبو جعفر المنصور في المطبق ، وكان أعمامهُ وبنو عمومتهِ لا يَعرفونَ أوقاتَ الصلاة في سجنهِم المُظلِم إلاَّ بوظائفه من العبادَة وقراءة القرآن . 

وممّا يُؤثرُ عنه (ع) ، أنّه كان وأبناء عمومته في السجن العباسي ، مُقيّدين بقيودٍ ثقيلة ، فكانوا إذا أحسّوا الأمان من الجنود العباسية ، خلعوا تلك القيود ، وإذا أحسّوا بقُربِهِم أعادوها ، إلاّ عابد أهل البيت علي بن الحسن (ع) ، فإنّه لَم يَكُن يخلعها ! ، فقال له عمّه شيخ آل الرسول وكاملهم عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) : (( مَالَكَ لا تَحلُّ قيدَك ؟ فقال علي العابد (ع) : لا أفعَل ! حتّى ألقى الله عزّ وجل فأقول : رَبِّ سَلْ أبا جَعفر لِمَ قَيَّدَني ؟! )) ، فضجرَ كاملُ أهل البيت (ع) ، وقال : (( يا بن أخي ، ادعُ على أبي جَعفر . فقال علي العابد (ع) : يا عَمّ ، إنَّ لأبي جعفَر منزلةً في النّار لا يَصِلُهُا إلاَّ بِما يصلُ إلينا من الأذى ، وإنَّ لَنا منزلةً في الجنة ، لا نَصِلُ إليها ، إلاَّ بالصّبر على ما لَحِقَنا في حقّ الله تعالى مِن أبي جعفر ، فإن شئتَ أن أدعُوَ الله تعالى بأن يَضَعَ من مَنزلتنا في الجنّة ، وأن يُخفّفَ على أبي جعفر من منزلته في النار فَعَلت . فقال عبدالله المحض (ع) : بَل نَصبِر )) . 

استُشهِد (ع) مسموماً في السجن العباسي ما بين سنة 142 إلى 145 هـ . وفيه قُتِلَ جماعُة أهل بيته (ع) ومنهُم عمّه عبدالله المحض (ع) . 


أمه : 

وهِيَ زينب بنت عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . أختُ الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية ، والإمام إبراهيم النفس الرضيّة ، لأمهّم وأبيهم ، وأمّهم هند بنت أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة بن الأسود رضي الله عنها ، وإلى ذلك تشير زينب رحمها الله ، وهي تُلاعبُ وتُرقص ابنها الحسين (ع) – صاحب الترجمة – وهُو صغير فتقول : 

تعلَمْ يابن زينب وهند*************** كَم لكَ بالبطحاء في معد
******من خالِ صدق ماجد وجد *******
 

كانَت زينب رحمها الله ، وزوجها علي العابد (ع) ، يُسمّونَ بالزوج الصالح ، وممّا يؤثرُ عنهما ، أنّه في ليلة زواجهما ، قال العابد (ع) لها : ما رأيك أن نحيي الليل بالصلاة ، شكراً لله أنْ جَمعنا ، فما زالا ليلهما يُصلّيان ، فلمّا جاء من الغد ، قال لها : ما رأيُكَ أن نحيي النهار بالصيام ، شكراً لله أنْ جَمعنا ، فما زالا على هذه الحال فترةً من الزمان ، إلى أنْ أتى إليه عمّه عبدالله المحض (ع) وقال له : أَرَغبتَ عن سُنّة جدّك ؟! ، أقسمتُ عليكَ إلاّ تَركَت ! ، وكأنّ الإمام المحض (ع) ، يُريدُ منه التخفيف من العبادة بهذه الطريقة ، قيام الليل وصيام النهار ، تتابعاً . 

أيضاً ممّا يُؤثرُ عن أم الحسين زينب بنت عبدالله رحمها الله ، أنّه لمّا قرَع مسمَعهَا ، سمّ أبي جعفر المنصور لزوجها العابد ، وقتلهُ لأبيها المحض ، وقتلهُ لأخويها محمد وإبراهيم ، كانَت تندُبهُم وتبكي حتّى يُغشى عليها ! ، وهِيَ معَ ذلكَ لا تَذكرُ أبو جعفرٍ بسوء ! ، وكانت لا تَزيدُ على قول : (( يا فَاطِرَ السماوات والأرض ، يا عَالِمَ الغيبِ والشّهادَة ، والحاكمُ بينَ عِبادِه ، احكُم بيننَا وبينَ قَومِنا بالحق )) . 

نشأة الإمام الحسين الفخي (ع) : 

نشأَ الإمام الحسين الفخي (ع) في المدينة المنورة ، في حِجرِ والديه ، وعَليهِما تعلَّم علوم أهل البيت (ع) ، ثمَّ ما لَبِثَ إلاَّ وقَد أُخِذ والدُه وجدّه عبدالله المحض إلى السجون العباسيّة ، وأيضاً ما لَبِثَ إلاَّ وَقرَعت مسامعهُ أنباء استشهادهِم ، وكذلكَ استشهادُ خاليه محمد النفس الزكية وإبراهيم النّفس الرضيّة ، فَبَقيَ (ع) مَع أمّه وأبناء عمومته وأخواله يحيى النفس التقية ، وإدريس ، وسليمان ، وموسى الجون ، أبناء عبدالله المحض عليه وعليهم السلام ، وكانَ علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، قد قامَ في تلكَ الفترة على الخليفة العباسي ، في بغداد ، فأخذه المهدي العباسي وسجنه ، فتوجهَ إليه الإمام الحسين الفخي (ع) ، واستوهبهُ منه ، فوهَبهُ إياه ، بعد أن دسَّ إليه السمّ سراً ، وما إن لبثَ علي بن العباس في المدينة ثلاثة أيام في المدينة المنورة حتّى تفسّخَ لحمهُ ، وبها مات رحمه الله . 


كَرم الإمام الحسين الفخي (ع) : 

رَوى أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل : أنَّ الحسين بن علي الفخي (ع) ، باعَ حائطاً لهُ بأربعينَ ألفَ دينار ، فوقفَ بها على بابِ دار ، وصارَ يُفرّقُها على أهل الحاجات ، كفّاً كفّاً ، وحفناً حفناً . 

وممّا يؤثرُ عنه (ع) أنّه قال : (( والذي نَفسي بيدِه ، إنّي أخافُ ألا تُقبَلَ مِنّي – نفقاته وصدقاته - ، لأنَّ الذهب والتّراب قدْ أصبحَ عندي بمنزلةٍ واحدَة )) ، يُريدُ (ع) أنّ الله تعالى قال : (( % )) ، والذّهب والمال ، لَيست ممّا يحبّه ، وليسَت بذي بالٍ عندَه . 

بينَ العُمري والي المدينة ، والإمام الحسين الفخي (ع) في المدينة المنورة : 

كانَ أميرُ المدينة المنورة في عهد الخليفة الهادي موسى بن محمد العبّاسي ، هُو عمُر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب " العُمَري " ، وكانَ قَد شدَّدَ على آل علي بن أبي طالب (ع) ، حتّى أنّه كانَ يَطلُبُهُم للعرضِ عليهِ يومياً ، ويَجعلُ بعضَهُم يكفلُ بعضاً ، حتَّى يَضمنَ عدمَ تَغيُّبِهِم ، فتغيَّبَ الحسن بن محمد بن عبدالله المحض(ع) ، قيلَ بسبب خلافٍ وقعَ بينهُ وبينَ شخصٍ عُمريٍّ ، وَكَزهُ الحسن فشجّه فغاب ، فغضِبَ الأمير العُمري لغياب الحسن بن محمد ، فأرسَلَ في طَلَب الإمام الحسين الفخي (ع) ، فَجيءَ به (ع) مُتعتعاً مُلبّباً – مشدوداً من ثيابه التي على صدره – حتّى أُدخِل على العُمَري ، فقالَ له العُمَري : (( إيتني بالحسن بن محمد ، وإلاَّ واللهِ مَلأتُ ظَهرَك وبَطنَكَ ضرباً )) ، فقال الإمام الحسين (ع) : (( إن الحسن بسويقة ، وأنا مُقيمٌ بالمدينة ، ولستُ أقدرُ عليه ، وهُوَ رَجُلٌ حُرٌّ لا يمكنني اقتضابه ، ومَا أنَا لهُ بكفيل )) . فقالَ لهُ العُمري : (( مَا يُصنعُ بهذا الكلام ! ، والله لتأتيني به ، وإلاَّ مَلأت ظهرَك وبَطنكَ ضرباً )) ، فقال الإمام الحسين (ع) : (( إنَّ بيني وبينَهُ ستة وثلاثين ميلاً ، فأمهلني إذاً ، وافتَحْ لي ، حتّى أخرُجَ إليه ، وأجيئُكَ به )) ، ثمَّ استحلفَ وتوعّدَ العُمري الحسين (ع) ، وأمهلهُ إلى الغدِ قبلَ الزّوال . 

الإمام الحسين الفخي (ع) في سويقة مع بني عبدالله المحض (ع) : 

رَكِبَ الإمام الحسين (ع) ، ووصلَ سويقة ، وهُناك بعثَ إلى الحسن بن محمد ، واجتمعَ إليه آل عبدالله بن الحسن ، يحيى وإدريس وسليمان ، ثمّ قال الإمام الحسين (ع) مُخاطباً الحسن بن محمد : (( قَد بَلَغَكَ يا بن عمّ ما كانَ بيني وبينَ هذا الفاسق )) ، فقالَ الحسن بن محمد : (( فامضِ جُعلتُ فداك لِما أحبَبْت ، إن أحببتَ جئتُ مَعكَ ، حتّى أضعَ يدي في يَدِه السّاعَة )) ، فقالَ له الإمام الحسين (ع) : (( ما كانَ الله ، لِيَطّلِعَ على أن يكونَ محمّدٌ (ص) حجيجي في دَمِك ، ولكنّي أقيكَ بنفسي )) . 

فكانَ اجتماعُ هؤلاء السّادة ، إضافةً إلى الظّلم الذي يتعرّضونَ إليه ، وما يُصيبُ أمّة الإسلام في ذلك الزّمان ، من إذلالٍ للأولياء ، وتكريمٍ للظلمة الجُفاة ، والإعانة على الظّلم والفساد ، واندراسٍ للكتاب والسنّة المحمديّة الصحيحة ، حتى تُأوّلٍ على غيرر تأويلِه ، وفُسِّرَ على غير تفسيرِه ، كانَ كُلّ هذا حافزاً لهؤلاء النّفر من بني الحسن على القيام بفريضة الله على العباد بأعلى مراتبها ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد ، فاجتمعَت كلمةُ بني الحسن على مُبايعَة ابن أختهم الحسين الفخي (ع) إماماً لهُم ، فقال الحسين الفخي (ع) : (( نشاورُ القوم )) ، يعني أبناء عمومتهم ، لأنّ أهل البيت في ذلك الزّمان ، كانوا أقربُ إلى بعضهم ، وكانوا ثقلُ الله الأصغر في الأرض ، لَم تفشو المذهبية والعنصرية والقبليّة بينهم ، كما حدث في الأعصار المُتأخّرة ، ومعَ ذلكَ فسيبقى منهم طائفةٌ يُمثّلون خطّ أهل البيت السابقين (ع) ، فلا تيأس من إيجاد الثِقَل الأصغر لمجرّد علمِكَ بتمذهب جماعاتهم بمذاهبَ شتّى ، نعم ! فَبَعثَ الإمام الحسين (ع) إلى الإمام موسى الكاظم (ع) ، وإلى عبدالله الأفطس بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين ،فاجتمعُوا جميعاً على أن لا يُعطُوا بأيديهم ، وأن يُبلوا عُذراً في جِهادِهم . 

إلاَّ أنَّ الإمام موسى الكاظم (ع) اعتذرَ من الإمام الحسين الفخي (ع) في عدم المشاركة في الخروج ، لِثِقَلِ ظَهرِهِ ، وكَثرةِ ما يَعولُ من الأبناء ، وقد كانَ (ع) خافَ عليهم القَتل بعده على حَداثَة أعمارَهم ، وأمّا البيعَة فقَد أعطاها الإمام الحسين الفخي (ع) ، عندما سكتَ على إجماعِ مَن حَضر على مُبايعَة الحسين (ع) ، ويؤكّد بيعتهُ ورضاهُ بإمامة الحسين (ع) هُو تأييدهُ الواضح الظّاهرُ لهذا الخروج ، وذلكَ عندما قال : (( يا بني عمّي أجهدُوا أنفُسَكُم في قتالِهِم ، وأنَا شَريكُكُم في دمائهم ، فإنَّ القومَ فُسّاق ، يُسِرّونَ كُفراً ، ويُظهرونَ إيماناً )) ، وهُنا تأمّل قول الكاظم (ع) : ((وأنَا شَريكُكُم في دمائهم )) ، لأنَّ البعض يرَى أن تخلّفَ الإمام الكاظم (ع) عن المشاركة في المعركة ، كانَ لعدَم رضاهُ عنها ، أو لأنّه لا يَرى الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، وهذا باطلٌ قطعاً ، فإنَّ اعتقادَ أئمة أهل البيت (ع) ، أتباع الإمام زيد بن علي (ع) في قعودِ الكاظم عن الخروج أنّه إنّما كانَ للعذرِ الذي اعتذرَ به ، وأنّهُ حريصٌ على تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر ، إن لَم يَكن باليد فباللسان والقلب ، وكذلكَ كانَ حالُ والده الإمام جعفر الصادق (ع) مع النفس الزكية ، وما احتجنا إلى التنبيه على هذه المسألة ، إلا لما رأينا من غلطَ الجعفرية من الشيعة على نسبةِ عدمِ المُبايعَة من الكاظم للفخي ، وذلك فيما رواه الكليني في الكافي ، وسننبّه عليه عندَ الكلام عن ماهيّة البيعة باسم الرضا من آل محمد ، شعارُ أهل البيت (ع) . 

نعم ! ومّمن بايع الإمام الحسين الفخي (ع) من سادات أهل البيت (ع) ، يحيى النفس التقية وإدريس وسليمان أبناء عبدالله المحض ، وموسى الكاظم ، وعلي بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى ، وعبدالله الأفطس ، وإبراهيم طباطبا ( أبو نجم آل الرسول القاسم الرسي ) بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى ، وعمر بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم الغمر ، والحسن بن محمد بن عبدالله المحض ، وكانَ قد اجتمعَ لهُ (ع) ستةٌ وعشرونَ رجلاً من ولدَ علي بن أبي طالب (ع) ، ومن مواليهِم قدرَ خمسة وعشرون رجلاً . 

الإمام الحسين الفخي في المدينة المنورة : 

تقدّم الإمام الحسين (ع) بمَن معهُ من سادات أهل البيت ومواليهم يُريدون المدينة المنورة ، فدخلوها وقتَ صلاة الصّبح ، وكان شعارهُم (( أَحَدٌ ... أحَدْ )) ، وكان العُمَري وقتها في المسجد النبوي الشرّيف ، فاقتحمَ الإمام الحسين (ع) المسجد ، وهُناكَ قَد كانَ المؤذنُّ يُريدُ الأذان لصلاة الفجر ، فهبَّ عليه النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) وقالَ له : (( قُل في أذانك " حيَّ على خيرِ العَمَل " )) فتمنَّعَ المُؤذّن ، فلمّا رأى سيفَ يحيى بن عبدالله (ع) مُصلتاً ، أَذَّن بحيّ على خير العمل بصوتٍ مَرعوب ، فلمّا سمِعَ العُمري الأذان ورأى بني فاطمة (ع) ، اقتحمَ دارَ عُمر بن الخطاب غفر الله له ، ومنها إلى زقاق عاصم حتى نفذَ وهَرب ، وآل عليٍّ (ع) لا يزالون في المسجد ، فتقدَّم الإمام الحسين الفخي (ع) ، وصلَّى بالنّاس الصبح ، ثمَّ صَعَد على منبر جدّه رسول الله (ص) ، فَحَمِدَ الله وأثنى عليه ، وصلَّى على نبيّه (ص) ، ثمَّ قال : (( أيّها النّاس ، أنا ابنُ رسول الله ، على مِنبَر رسول الله ، في مسجد رسول الله ، أدعوكُم إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، إلى أن أستنقِذَكُم ممّا تَعلمُون ، أيّها النّاس إنّكُم تطلبُونَ أثرَ رسول الله (ص) في الحجر والعود وهذا – ثمّ مدَّ يدَه – مِن لحمِهِ ودَمِه )) ، فبايعَهُ بعض الحاضرين ، وتخلّف عنه البعض . 

نصّ بيعة الإمام الحسين الفخي (ع) : 

وكانَ (ع) عند طلبهِ البيعات من النّاس ، يقولُ لهُم : (( أُبايعُكُم على كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى أن يُطاعَ الله ولا يُعصى ، وأدعوكُم إلى الرّضا من آل محمد ، وعلى أن نَعمَلَ فيكُم بكتاب الله وسنة نبيّه (ص) ، والعَدل في الرّعيّة ، والقسم بالسويّة ، وعلى أن تُقيموا مَعَنا ، وتُجاهدوا عَدوّنا ، فإن نحنُ وَفّينا لكُم ، وَفيّتُم لَنا ، وإن نَحنُ لم نَفِ لكُم ، فلا بيعَة لَنا عليكُم )) ، ثمَّ يقول اللهُم اشهد . 

خالد البربري يدخل المدينة المنورة بجيشه : 

التحقَ العُمري بعدَ فرارهِ من المدينة ، بعامل العباسيين على الصوافي خالد البربري ، وهُناكَ هيّأ البربري جيشاً ، وتوجّهَ إلى المدينة المنورة ، حتّى اقتحمَ المَسجِد وهُو يَقدُمُ أصحابَه ، وكانَ الإمام الحسين الفخي (ع) في جانبٍ من المسجد ، فشَتَمهُ البربري وأغلظ عليه في الكلام ، فتقدَّم إليه يحيى بن عبدالله المحض (ع) وقيلَ أخوه إدريس بن عبدالله (ع) ، وهَوى عليهِ بسيفهِ فَقَدَّ البيضَةَ والرفادَة والمغفَر ، فخرَّ البربري صريعاً ، ودارَت رحَى المعركة ، وكَانَت الشّوكَة فيها للإمام الحسين ومَن مَعَه ، حتّى سُمِعَ العُمريّ يقول فيها مِن هَولِها : (( أطعموني حَبّتي ماء )) !! ، فأصبح وبنيهِ يُسمّون ببني حَبّتي ماء . 

مَسيرُ الإمام الحسين الفخي (ع) إلى مَكّة المكرّمة و احتجازهُ بفخّ : 

خرجَ الإمام الحسين (ع) ومعَهُ مِن الرّجال عدّة بَدر ، وذلكَ يوم التاسع عشر من ذي القعدَة سنة ستةٌ وتسعون ومائة للهجرة ، وكانَ ديوانه قد انطوَى على ثلاثين ألفَ رجُلٍ من أهل الأمصار ، وكانَ (ع) قَد واعَدَهُم في الصّفا ، وجعلَ بينهُم وبينَهُ علامة صاحبِ الجملِ الأحمر ، فعَلِمَ الهادي العباسي بخروج الإمام الحسين (ع) إلى مكّة ، فأعدّ الجيوش تلوَ الجيوش وأرسَلَها لملاقاة الإمام الحسين (ع) ، مِنها بقيادة العبّاس بن محمد ، ومِنها بقيادَة موسى بن عيسى ، ومِنها بقيادة محمد بن سليمان بن علي ، ومِنها بقيادَة عُبيد بن يقطين ، وقَد كانَ موسى بن عيسى قد أرسلَ حمّالاً ، ليستطلِعَ لهُ خبرَ الحسين (ع) وجَيشِه ، فذهبَ الحمّال وعادَ قائلاً : (( ما أظُنُّ القومَ إلاَّ مَنصُورين ))!! ، فعاودَهُ موسى قائلاً : (( كيفَ يا ابنَ الفاعلَة ؟ )) ، فأجابهُ الحمّال : أنّي (( ما رأيتُ خلاً ولا فلاًّ ، ولا رأيتُ إلاَّ مُصلّياً ومُبتهلاً ، أو ناظراً في مُصحَف ، أو مُتقلّداً سَيفاً )) ، فضربَ موسى بن عيسى يديهِ على الأخرى ثمَّ بكَى! ، وقال : (( هُمْ والله أكرمُ خَلقِ الله على الله ، وأحَقُّ بما في أيدينا مِنَّا ، ولكنَّ المُلكَ عقيم ، ولَو أنَّ صاحِبَ هذا القبر – يَعني الرسول (ص) – نَازعَنا المُلكَ ضَربنَا خيشومهُ بالسيف )) ، وقد كَانَت الجيوش العباسيّة في مكة المكرّمة ، تُحاولُ جاهدةً ، أن تَحجِبَ أخبار الإمام الحسين (ع) عن حُجّاج بيت الله الحرام ، معَ حرصِ الإمام الحسين (ع) على إرسالِ الرّسول تلو الرّسول ، كَي يَستحثَّ أتباعَهُ وأنصارَهُ ومَن كانَ قَد بايَعه ، ولكن دُونَ جَدوى ، ودُونَ نصير والله المُستعان ، فحُصِرَ الإمام الحسين (ع) ومَن مَعه في أرضٍ قريبةٍ من مكّة المكرّمة حرسها الله تعالى ، وتَبعُدُ عَنها ستة أميال واسمها فخ ، وقَد تُسمّى اليوم بالزاهر أو الزواهرَة ، وهُناكَ استعدَّ الطرَفين للاقتال في مَعركَةٍ غيرِ مُتكافئة لا عَدداً ولا عُدّة . 

خِطبَة الإمام الحسين (ع) في أتباعهِ قبلَ المَعركَة : 

استدارَ الإمام الحسين (ع) وهُوَ راكبٌ على حمارٍ كانَ لخالِهِ إدريس بن عبدالله (ع) ، واختطَبَ في أتباعهِ وشيعته ، بعدَ حمدِ الله والصلاة على نبيّه ، قائلاً : (( يا أهلَ القُرآن ، والله إنَّ خِصلَتين أدْناهُما الجنّة لشريفتان ، وإن يُبقيكُم الله ويُظفركُم لَيُعمَلَنَّ بكتاب الله وسنة نبيه ، ولتَشبعَنَّ الأرملَةُ واليتيم ، ولَيعزَّنَ مَن أعزَّهُ الله وأولياؤه ، ولَيَذلنَّ من أذلَّه الحق ، والحكم من أعدائه ، وإن تَكُن الخِصلَةُ الأخرى ، فأنتُم تَبَعٌ لِسَلَفِكُم الصالِح تَقدُمُونَ عليهِم وأنتُم دَاعُونَ إليهم : رَسولُ الله، وحَمزةُ، وعليّ، وجَعفر، والحسن، والحُسين، وزيدُ بن علي، ويحيى بن زيد، وعبدالله بن الحسن، ومحمد وإبراهيم ابني عبدالله ، فَمِن أيِّ الخِصلَتين تَجزعُون ؟! فواللهِ لَوْ لَمْ أجِدْ غَيري لحَاكَمتُهُم إلى الله حتّى ألحقَ بِسَلَفي )) ، ولهُ (ع) خُطبٌ غيرها تضمّنتها كُتُبُ سيرته . 

خِطبَةُ النفس التقيّة يحيى بن عبدالله المحض (ع) في أهلِ فخّ قبل المَعركَة : 

خرجَ يحيى بن عبدالله (ع) راكباً فَرَسَهُ ، وهُوَ مُحمَّلٌ بعزيمَة أهل البيت (ع) ، فاستقبلَ النّاس ، حامداً لله ، مُصليّا على نبيه (ص) ، قائلاً : (( أبْشِروا مَعشَر مَن حَضرَ مِنَ المُسلمِين ، فإنَّكم أنصَارُ الله وأنصَارُ كِتَابِه ، وأنْصَارُ رَسولِه وأعوانُ الحق، وخِيارُ أهلِ الأرض، وعَلى مِلّة الإسلامِ ومِنهَاجِه الذي اختَارَه لأنبيَائهِ المُرسَلين ، وأوليائه الصّابرين، أوَمَا سَمِعتُم الله يَقول: {إنَّ اللَّه اشْترَى مِن المؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُم بأنَّ لهُم الجنّةَ يُقاتلونَ في سبيلِ الله فَيقتُلونَ ويُقتَلون وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومَن أوفَى بعهدِه من الله فاستبشروا بِبَيعِكم الذي بَايَعتُم به وذلكَ هُو الفوزُ العظيم ، التّائبون العابدونَ الحامدونَ الرّاكعونَ السّاجدونَ الآمرونَ بالمعروف والنّاهونَ عن المُنكَر والحافِظونَ لحدودِ الله وَبشِرِ المُؤمِنِين}. 

ثم قال: والله مَا أعرِفُ عَلى ظَهرِ الأرضِ أحَداً سِواكُم، إلاّ مَن كَانَ على مِثلِ رأيِكُم حَالَت بَينَكُم وَبينَه المعَاذِير، إمّا فَقيراً لا يَقدرُ على مَا يَحتَمِلُ بهِ إلينَا فَهُو يَدعُو الله في آناءِ لَيلِه ونَهَارِه، أو غَنيّاً بَعُدَتْ دارُه مِنّا فَلم تُدركهُ دَعوتُنا، أو مَحبوسٌ عِند الفَسَقَة وقَلبُه عِندنَا، ممّن أرجُو أن يَكونَ ممّن وفّى لله بما اشترى مِنه، فَمَا تَنتظرونَ عِبادَ الله بِجهادِ مَن قَد أقبلَ إلى ذُرِّيَة نبيكم لِيَسبُوا ذَرَارِيهم ويجتاحوا بقيتهم؟. 
ثم قال:اللهم احْكُم بينَنَا وبينَ قَومِنا بالحق وأنتَ خيرُ الحاكمِين.
 )) ، ومن كلام يحيى بن عبدالله(ع) يستنتجُ الباحث أهميّة الدّعوة في خط أهل البيت (ع) . 

التقاء الحق والباطل ( في ساحَة المَعركَة ) : 

تقابَل الزيدية وعلى رأسِهم إمام الهُدى الحسين بن علي الفخي (ع) ، معَ العباسيين وعلى ميمنَتِهِم العباسية محمد بن سليمان بن علي العباسي وعلى المَيسرَة موسى بن عيسى ، والعبّاس بن محمد في القلب ، وبينَا الفريقان مُتقابلان ، إذ خَرَج محمد بن سليمان العباسي وسَلَّم على الإمام الحسين (ع) ، وعرَض عليه أمان ابن عمّه الخليفة الهادي العبّاسي ، والتمكينِ والتيسيرُ لَهُ في البلاد ، فما كانَ من الإمام (ع) إلاَّ أن ردَّ قائلاً في كلامٍ طويلٍ منه : (( ... أتَظُنُّ إنّما خَرَجتُ في طَلَب الدّنيا التي تُعظّمُونها ، أو للرّغبَة فيما تَعرِضُونَ عليّ مِن أموالِ المُسلمين ؟! ، ليسَ ذلكَ كَما تَظُن ، إنّما خَرجتُ غَضَباً لله ، ونُصرةً لدينِه ، وطَلباً للشهادَة ، وأنْ يَجعَلَ مَقامِي هذا حُجَّةً على الأمّة ، واقتديتُ في ذلك بأسلافي المَاضين المُجاهدين ، ولا حاجَةَ لي في شيءٍ ممّا عُرِضَ عليّ ، وأنا نافِذٌ فيمَا خَرجتُ له ، وماضٍ على بصيرتي حتّى ألحَقَ ربي )) ، وفي هذا من الحسين (ع) تحديدٌ لغرضه وغَرض أسلافه من الخروج على دُولِ الظّلم والعدوان ، وأنّه ليسَ كما تضمّنته بعض التواريخ من الرّغبة في انتزاعِ المُلك وحَسب ، بَل طَلباً منهُم للإمامة الشرعية التي هي في منزلة خلافة ووراثة النبوّة ، والتي لها أهداف ومهامّ الرسول (ص) من تطبيق الأحكام العادلة غير الجائرة والقسم بالسويّة والعدل في الرّعية ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، وغيرها ، وكانَ أهلُ البيت (ع) على اختلاف فروعهم وأزمنتهم وأمكنتهم أحرصَ النّاس على تطبيقِ هذا المَبدأ قدرَ المُستطاع ، واطّلِعْ على سِيرِهم تجد هذا حقّاً حقّاً ، وما سيرةُ الحسين الفخي (ع) إلاَّ أنموذجاً وضاءً يشهدُ على صدق كلامنا . 

وتَشابكَ الحقّ والباطل في معركةٍ غيرُ مُتكافئةٍ حقّاً ، واستبسلَ فيها أهل البيت (ع) وشيعتهم الكرام ، فخرَّ سليمان بن عبدالله المحض (ع) صريعاً ، وكذلك الحسن بن محمد النفس الزكية ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم الغِمر (ع) ، وفي أحداثِ هذه المعركة يَروي بقيّة السّلَف الفاطميّ الصّالح نجمُ آل الرسول وعالمُهم ومحلّ اتفاقهم ، القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) ، به أو بما معناه ، أنّ الحسين بن علي الفخي (ع) في أرض المعركة مالِ إلى جانِبٍ مِنها ، ودَفَن شيئاً ! ، ثمّ عادَ إلى أرض المعركة مُلتثماً ، وكانَ قدْ رآهُ بعضُ أصحابِه يَفعلُ هذا ، وعند انتهاء المعركة جاء صاحِبُه ليتفقّد ماذا دَفنَ الحسين ، فوجدَ قطعةً من لحمِ وجه الحسين (ع) والله المستعان ، وما زالَ الحسين (ع) يستبسلُ في القتال حتّى أتته نشابةٌ أرسلها حمّاد التركي أخزاه الله فأردَتهُ صريعاً شهيداً ، فكانَ هذا هُو يومُ التروية الثّامن من ذي الحجة لعام ستة وتسعون ومائة ، وكبلاء الحسين (ع) كان بلاءُ أصحابه واستبسالهم ومنهُم يحيى بن عبدالله الذي قيلَ أنّه أصبحَ كالقنفذ لكثرة النشابات في جسمه الشريف ، وكذلك عَلمُ الآل إدريس ين عبدالله (ع) فقد غطّته الدّماء وصبغَت ثيابه ، وكان هذين الأخوين ممّن نجى من القتل في معركَة فخ ، فحملاَ على عاتقهما اكمال مَسيرة ابن أختهم الحسين ، وسلفهم من أهل البيت (ع) ، فأكملوا مَسيرَة الزيدية المَرضيّة ، فمهَّد يحيى بن عبدالله للدولة الزيدية في بلاد الدّيلم وطبرستان ، وكذلك إدريس في بلاد المغرب ، فسلامُ الله على تلكم الأرواح ، سلاماً لا يبلغُ مدحتهُ الواصفون ولا العادّون ولا القائلون ، وألحقَهم بآبائهم الطيبين الطّاهرين ، وجعلَنا لهُم شيعةً مُخلصين ، مُقتدين .. آمين اللهمّ آمين .. ، وفي هذه السنّة المؤلمَة على أهل البيت (ع) ، كانَت ولادّة نجم آل الرّسول وترجمان الدّين القاسم الرسي (ع) ، وقَد كانَ لهُ شأناً كبيراً في مَعرفَة علوم أهل البيت (ع) ومَذاهبهِم ومشاربهم الصافية الصحيحة ، لقربُ العهدِ منهُ بأفاضل أهل البيت (ع) من سادات بني الحسن والحسين عليهم سلام الله أجمعين . 

قبر الإمام الحسين الفخي (ع) وموضعه : 

قُبِرَ الإمام الحسين (ع) في أرض فخ ( الزاهر حالياً ) ، قريباً من مكة المكرمة وتبعدُ عنها ستّة أميال تقريباً ، عند بُستان الدّيلمي ، وقَد كانَ أمير المؤمنين وبقيّة الآل في زمانه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان الرسي الحسني ، قد حثَّ وطلبَ من ابن عمّه أمير مكة وشريفها أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن الموسوي الحسني ، أن يُعيدَ بناءَ قبر الإمام الحسين الفخي (ع) ، وقبرَ الحسن بن محمد النفس الزكية ، وكان ذلك عام 601 هـ . 

أرض فخ ... وما جاء فيها من الآثار على لسان الرّسول (ص) وأهل بيته (ع) : 

جاء في أرض في فخ وأنّه يُقتلُ فيها رجلٌ من آل رسول الله له من الفَضل الشيء الكثير ، من الآثار العديد ، منها عن طريق الحسين ذو الدمعة (ع) عن عمّته ريطة بنت عبدالله بن محمد ابن الحنفية ، ومنها عن طريق جعفر الصادق (ع) ، ومنها عن طريق سفيان بن عيينة عن علي بن أبي طالب (ع) وإخباراته المُستقبليّة ، و منها عن طريق موسى الجون (ع) عن أبيه شيخ آل الرسول عبدالله المحض (ع) ، أشرنا إليها وإلى مصادِرها مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، والشافي للإمام عبدالله بن حمزة الحسني (ع) ، والمصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) ، والإفادة في تاريخ الأئمة السادة للإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، فلتُراجَع . 

مُقدمّة بحث حول دعوات سادات أهل البيت باسم الرّضا من آل محمد (ع) ] 

يغلطُ البعض الكثير من الإخوة الجعفرية ، في تفسير دَعوات سادات بني الحسن والحسين (ع) ، باسم الرّضا من آل محمد ، فيجعلونَ هذه الدّعوات دعواتٌ إلى أشخاصِ أئمتهم الإثني عشر ، وعلى أنّهُم هُم المقصودون بالرّضا من آل محمد ، أي أنّ الدّعوة لهُم وباسمهِم وبتصرّفُهِم ، وأنّ القائم بالدّعوة من أبناء عمومتهم كزيد بن علي (ع) إنّما كانَ داعيةً لإمامة ابن أخيه جعفر الصادق على أنّه الرّضا من آل محمد ، وكذلك الحسين الفخّي وأنّه إنّما كان يَقصدُ بالرّضا من آل محمد ابن عمّه موسى الكاظم ، لا إمامَة نفسِه ، وهذا وَهَم ، وإن كانَ الجعفرية لَم يقولوا بهذا إلاَّ في حقّ زيد بن علي ، ولكنّ السيد حسين المدرسي يُحاول في كتابه التاريخ الإسلامي التعميم على جميعِ أئمة الزيدية ، وهُوَ لَم يَثبت عن زيد بن علي (ع) فضلاً عن أن يَثبُت على يحيى بن زيد و النفس الزكيّة والنّفس الرضيّة والحسين الفخي (ع) ، و إنّما قُلنا أنّه وَهمٌ ، لأنَّ الحقيقة هُو أنَّ هؤلاء السّادَة خَرجوا داعينَ لإمامَة أنفُسهِم ، وإن دَعَوا إلى الرّضا من آل محمّد ، فهُم الرّضا من آل محمد ، دعَا بها زيدُ بن عليٍّ وهُو الرّضا ، ودَعا بها النّفس الزكيّة وهُوَ الرّضا ، ودَعا بها الحسين الفخي (ع) كما مرّ بكَ في سيرته وهُوَ الرّضا ، وسنخصّ الكلامَ هُنا على الإمام الحسين الفخي (ع) – صاحب الترجمة - ، وما مَدى أبعاد دَعوتهِ إلى الرّضا من آل محمّد ، ومَن هُو الرّضا الذي يقصده ، ومُناقشَة – كما وَعدنا - ما رواهُ الجعفرية حول عدم مُبايعَة الكاظم له ، ثمَّ بيانُ وجه الحقّ في هذا المقال . 

[الدّعوة إلى الرّضا من آل محمّد عليهم وعلى جدّهم أفضل الصلاة والتسليم :

الدّعوة إلى الرّضا من آل محمّد (ع) ، كانَ شعاراً توارثهُ أئمة أهل البيت (ع) ، يتعالمُونَ به دَعواتهِم بالإمامَة ، دعواتِهم الآمرة بالمعروف والنّاهية عن المُنكَر ، القائمَة بما كان يقومُ به جدّهم رسول الله (ص) ، قدرَ المُستطاع مع إبلاء الجُهد في تحقيق تلك الأهداف السّامية . 

لماذا تقوم الجعفرية باستقطاب دعوات سادات بني الحسن والحسين على أنّها دَعواتٌ لأئمتهم ] 

وهذا تساؤلٌ يجب أن يسألَ عنهُ كلُّ ذو لبٍّ سليم ، ونحنُ نُجيبُ عليه باختصارٍ غيرُ مُخلٍّ إن شاء الله تعالى ، فنقول : أنَّ الجعفرية أدركَت ضعفَ جانبها ، و مَدى دهاء وعظمَة أن يكونَ هؤلاء السادة من بني فاطمة أمثال زيد بن علي وابنه يحيى و محمد النفس الزكية وإبراهيم النفس الرضية والحسين الفخي ، الذينَ دانَت الأمة جمعاً بفضلهِم وتقدّمهم على أهل أعصارِهم ، ومَدى عِبادَتهِم وحُسنِ مَذاهِبِهِم ، مَدى دهاء وعظمَة أن يكونَ هؤلاء وأمثالُهم على جهلٍ بأئمة أزمانهم المعصومين الإثني عشر ، فالدّعوة إلى الرّضا من آل محمد من زيد بن علي (ع) ، إلى إمامة نفسه ، تعني جهلَ الإمام زيد (ع) بإمامَة ابن أخيه جعفر الصّادق ، تعني جهلَ الإمام زيد (ع) بالنّص الإثني عشري برمّته ، والإمام زيد هُوَ مَن هُو في القُرب من بيتِ المعصومين فأبوه زين العابدين رابعُ الإثني عشر ، وأخوه الباقر خامسُ الإثني عشر ، وابن أخيه جعفر الصادق سادس الإثني عشر ، فادّعاء زيد الإمامَة لنفسه ، تُضعِفُ معرفتهُ بالنّص على هؤلاء الأئمة بأسمائهم وأعدادهم ، و هذا يكونُ على حجّةً عُظمى عندما يكونُ أبناء الأئمة لا يَعلمُونَ أئمة أخوتهم وأبناء إخوتهم الإمامة الربّانية النّصية ، وأمثالُ هذا المثالِ كثيرٌ لدى الجعفرية ، وفيه فليتأمّل الباحث ، نعم ! والدّعوة إلى الرّضا من آل محمد من مُحمد بن عبدالله النفس الزكيّة (ع) ، إلى إمامَة نفسه ، تَعني جَهلَ النفس الزكيّة بإمامَة ابن عمّه جعفر الصّادق (ع) ، تَعني جَهلَ النفس الزكيّة (ع) بالنّص الإثني عشري برمّته ، والإمام محمد بن عبدالله المحض (ع) مَعروفٌ بألمعيّته وعلوّ شأنه في العلم والورَع والتديّن ، والقُرب من صالحي أهل البيت (ع) ، هذا وقَد حَشرَ الجعفريّة بعض الأدلّة في الاستدلال على دعوة الإمام زيد بن علي (ع) إلى الرّضا من آل محمد قاصداً بالرّضا ابن أخيه ، لا نَفسَه ، وهيَ باطلةٌ قطعاً ، وليسَ هذا المُختَصر محلُّ نقاش وإثبات بُطلانها ، ومعَ ذلك فإن الجعفرية وإن اجتهدوا في غمطِ زيد بن علي (ع) إمامته ، فإنّهم لَن يستطيعوا استجلاب أو تحوير أو تبديل أدلّة ادّعاء النفس الزكيّة (ع) [ تلميذ عمّه زيد بن علي ، وأحدُ المُشاركين معه في ثورته ] للإمامَة باسم الرّضا من آل محمد ، قاصداً نفسَه بالرّضا ، لا غيرَها ، وهذا الحَدثُ ممّا يُعلَمُ بالضّرورة ، لا يُنكرهُ إلاَّ مُباهت ، وأكَّد عليه السيد الخوئي في معجمه ، وجعلّه من الأمور التي لا خلافَ حولَها ، فإن أرادَ الجعفرية إسقاط شَناعَة جهل الإمام زيد بن علي (ع) بإمامة ابن أخيه الصادق (ع) ، فإنّه لا يَسقُطُ عنهُم شَناعَةُ جَهل النفس الزكية (ع) بإمامَة ابن عمّه جعفر الصادق (ع) ، ولا يسقطُ عنهُم شناعة جهل النفس التقيّة يحيى بن عبدالله (ع) بإمامة ابن عمّه موسى الكاظم (ع) ، ولا يسقطُ عنهُم شناعة القاسم الرسي (ع) بإمامة ابن عمّه محمد الجواد (ع) ، وكذلكَ الحالُ مع -صاحب الترجمة – الإمام الحسين الفخي وجهلهُ بإمامَة ابن عمّه موسى الكاظم (ع) ، وهُنا سنذكُر أدلّة دُعاء الحسين الفخي (ع) إلى الرّضا من آل محمد ، وأنّه كانَ الرّضا ، لا غيرَه . 

نظرةُ سادات أهل البيت في أزمانهم إلى الرضّا من آل محمد ومَن هُو ؟ ] 

أ‌- قالَ الحافظ مُسند أهل الكوفة ومُحدّثها وفخر الزيدية أبي عبدالله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) في كتابه الجامع : 

1- قال محمد بن منصور المرادي – رحمه الله -: سَألتُ أحمد بن عيسى [ بن زيد بن علي زين العابدين ] (ع) ، عَن الدّعوة هَلْ إلى الرّضَا مِن آلِ مُحمّد ؟ فَقالَ: (( نَعَم، الدّعوةُ إلى الرضَى، ثمَّ قَالْ: الذِي يَقومُ هُو الرّضَى، ولِكنّهَا دَعوَةٌ جَامِعَة )) . هذا وأحمدُ بني عيسى (ع) ممّن عاصَر دَعوات بني فاطمة ، وهُو الذي ما بينهُ وبين جده زيد بن علي (ع) إلا أبٌ واحدٌ فقط !! . 

2- عن محمد بن منصور المرادي – رحمه الله -، قال: قُلتُ لأحمد بن عيسى (ع) : حَدّثني عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض بت الحسن المثنى أنَّ زَيدَ بن عَلي، ومُحمّد بن عبدالله، وحُسينُ بنُ علي صَاحبُ فخ (ع) : دَعَوا إلى الرّضا ، فَقَال [ أحمد بن عيسى (ع)]: (( صَدَق، دَعَانِي الحُسينُ صَاحِبُ فَخ إلى الرّضا ، وهُوَ كَانَ الرّضَا )) . وهُنا تأمّل ربطَ زاهد الآل عبدالله بن موسى الجون (ع) بين دَعوة زيد بن علي وعمّه النفس الزكيّة ، ربطها بالدعوة إلى الرّضا من آل محمّد ، مع العلم أن الأخير كانَ قَد دَعا إلى نفسه بلا شكٍّ من الجعفرية في ذلك ، ودعوة الإمام زيد بن علي (ع) كانَت كدعوة النفس الزكية مثلاً بمثل ، وكيفَ لا تكونُ الدّعوات مُتشابهة فيما بينهُما ، والنفس الزكية هُو القائل : ((أمَا والله لقد أحيَا زيدُ بن علي ، مَا اندَثر مِن سُنَنِ المُرسَلين، وأقَامَ عَمودَ الدّين إذْ اعوّج، ولَن نَقتَبِسَ إلاّ مِن نُورِه، وزَيدٌ إمِامُ الأئمّة )). أيضاً تأمّل قول أحمد بن عيسى (ع) أنّ الحسين الفخي (ع) دَعاهُ إلى الرّضا ، وأنّهُ كانَ هُوَ الرّضا ، عندها أيقِن أنَّ الدّعوة باسم الرّضا إنّما كانَت لأشخاصِ القائمين عليها ، لا لِغيرهِم كما توهّمت الجعفريّة . 

ب – رَوى الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب(ع) . 

3- عن الإمام نجم آل الرسول القاسم الرسي (ع) ، قال : حدّثني أبي [ إبراهيم طباطبا أحد المُبايعين للحسين الفخي (ع) ] ، قالْ : (( بَايَعنا الحسين بن علي الفخي (ع) على أنّههُوَ الإمام )) . وهُنا تأمّل أنّه قد ثبتَت دَعوة الحسين الفخي (ع) إلى الرّضا من آل محمّد ، فيأتي شيخ الزيدية إبراهيم طباطبا ليؤيّد أنّه بايعَ الحُسين الفخي على أنّه الإمام ، بالرّغم من دعوة الحسين (ع) إلى الرّضا ، فهُوَ الرّضا . 

بيعة الإمام موسى الكاظم (ع) ، للإمام الحسين الفخي (ع) ] 

تُحاولُ الزيدية جاهدةً لإبراز أهل البيت (ع) في أزمانهم ، بصورَة الجَسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عُضوٌ تَداعى له سائرُ الأعضار بالسّهر والحُمّى ، وليسَ في مُحاولاتهِم هذه أي تعسّفٍ في المقال ، أو بُعدٌ عَن الصّواب ، لأنّه الواقع الذي تستنتجه الفطرة السليمة ، قبلَ المصادر التاريخية والروائية ، وخصوصاً في مَن كان منهم قريباً بعهد رسول الله (ص) ، الحسن بن الحسن وعلي بن الحسين ، الباقر وزيد بن علي ، الصادق والنفس الزكية ، الكاظم والحسين الفخي ، .. إلخ . ولكنَّ الجعفرية للأسف تًسعَى لخلقِ فجواتٍ عميقة المَدى بين سادات بني الحسن وسادات بني الحُسين ، بَل بين سادات بني الحسين أنفُسهُم ، والله المُستعان ، ونحنُ عندما نكتُبُ هذه السطّور غيرُ راغبين بإبراز الجعفرية بهذا اللّباس ، لأنّنا نَعلمُ أنّهُم اليومَ لا يُحبّونَه ، وقَد لا يَدينونَ الله به ، ولكن أصولَ مَذهبهم تُحتّم عليهم الاختيار لواحدٍ مِن اثنين : 1) إمّا موالاة أئمتهم الإثني عشر ، وصفّ أئمة الزيدية في مصافّ الخارجين عن طاعَة الإمام ، المُستبدّين على حقّ أعطاهُ الله له ، ولا موالاة لِمَن هذه صفته . 2) وإمّا موالاة أئمتهم الإثني عشر ، وموالاة أئمة الزيدية واعتقاد أنَّ الجميع على صواب ، وهُم بهذا سيفتحونَ على أنفُسهِم نوافذَ عديدة ، تُدينهُم . والأمرُ لهُم وعليهِم ، ويهمّنا هُنا هُو بيانُ سبب قولنا في الوجه الأول من صفّ سادات بني الحسن والحسين أئمة الزيديّة في عداد الخارجين الباغين المُتسلّطين ، حتّى لا نكونَ بذلكَ ممّن يرمون بالكَلِم لا يَملكونَ عليه دليلاً ، وذلكَ أنَّ الجعفرية قَد رَوَت أحاديثاً شنيعةً تُصوّر لنا ما كان بينَ زيد بن علي (ع) وابن أخيه الصّادق ، ولَن نَذكُرها لعدَم ثبوتِ حُجّيتها عند الجعفرية مع ثبوتِ روايتهم لها ، ولكنّا سَنُعرّج على سيرة ما بينَ الإمامين الأعظمين محمد النفس الزكية وابن عمّه جعفر الصادق عند الجعفرية لأنّا سنحتاجها في الكلام حولَ الفخي والكاظم ، فتصفُ الجعفرية أنّهُ قَد جرَى بينهُما من الاختلاف ما أدّى بالنفس الزكيّة إلى إرغام الصادق (ع) على البيعَة له ، وإن أبى فالسجنُ ملجأه ، ووصفِ الباقر للنفس الزكية بأنّه الأحول المشؤوم الدّاعيةُ إلى الباطل ، ثم نُعرّج على أصل كلامنا وهُو علاقةُ ما بينَ الكاظم والحسين الفخي (ع) حال طَلبِ البيعة ، فيروي ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني بسنده في كتابه الكافي : 

(( لمَّا خَرَجَ الحسين بن علي المقتول بِفخ ، واحتَوى عَلى المَدِينَة، دَعَا مُوسَى بن جَعفَر إلى البيعَة، فَأتاه فَقالَ لَه: يَا ابنَ عمّ لا تُكلّفنِي مَا كَلّفَ ابنُ عمّكَ – يقصد النفس الزكية - عَمَّكَ أبا عبدالله – جعفر الصادق - فَيَخرُجَ مِنّي مَا لا أريد ، كَمَا خَرَجَ مِن أبي عبدالله مَا لَم يَكُن يُريد!!، فقال له الحسين: إنّمَا عَرَضتُ عَليكَ أمراً فَإن أَردْتَه دَخلتَ فِيه، وإنْ كَرِهتَه لَم أحْمِلكَ عَليه والله المُستعان، ثمَّ ودّعَهُ، فَقالَ له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه : يا ابن عم إنّك مَقتول ، فَأجِد الضّرَاب ، فإنّ القومَ فُسّاق ، يُظهرونَ إيماناً ويسترونَ شِركاً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون، أحتسبكم عِندَ الله مِن عُصبَة )) . 

نقد الرواية ، واستنتاجات مهمة حولها : 

أولاً : هذه الرّواية تُثبت أنَّ الدّعوة من الإمام الحسين الفخي (ع) باسم الرّضا من آل محمّد هيَ إنّما كانَت لشخصِ الدّاعي إليها ، وليسَت إلى غيره ، بدليل : طَلَبِ الإمام الحسين (ع) البيعَة من موسى الكاظم (ع) . وهذا يفتحُ للباحث آفاقاً واسعةً للبحث في ماهيّة دَعوات الرّضا من آل محمد . 

ثانياً : هُنا بُمجرَّد إثبات الجعفرية طَلَب الحسين الفخي (ع) البيعَة من ابن عمّه الإمام موسى الكاظم ، انتفَت مَعرفَة الإمام الحسين الفخي (ع) ، بإمامَة ابن عمّه الإمامة النّصية الإثني عشرية المُتسلسة ، انتفَت مَعرفَة الإمام الحسين الفخي بالنّص من جدّه رسول الله (ص) بإمامة أبناء عمومته القريبي الوشيجة والرّحم معهم ، وهذا أيضاً يفتحُ للباحث آفاقاً واسعةً للبحث في ماهيّة صدق النصوص التي يرويها الجعفرية والدّالة على إمامَة الإثني عشر ، وأنَّ أفاضل مُعاصري الأئمة يَجهلونَها . 

ثالثاً : أنَّ الإمام الكاظم (ع) يَرفُضُ مُبايَعَة الحسين (ع) عندما دَعاه ، ويقولُ له : ((يَا ابنَ عمّ لا تُكلّفنِي مَا كَلّفَ ابنُ عمّكَ – يقصد النفس الزكية - عَمَّكَ أبا عبدالله – جعفر الصادق - فَيَخرُجَ مِنّي مَا لا أريد ، كَمَا خَرَجَ مِن أبي عبدالله مَا لَم يَكُن يُريد!! )) ، وهُنا تتّضح لكَ معالِم العلاقات السيئة التي يرسمها الجعفرية بين سادات بني الحسن والحسين ، إذ في هذا الكلام من الكاظم تأكيدٌ لسوء العلاقة بين أبيه الصادق والنفس الزكيّة ( ونحنُ نُنزّهُهما عن كُلّ ما يُشين ، ونَروي مُساندَة الصادق ومُبايعته لابن عمّه النفس الزكيّة ) ، وكذلكَ ننُزّه الإمام الكاظم (ع) من صدورِ هذه التهدّدات عنه في حقّ الحسين الفخي بقوله : ((فَيَخرُجَ مِنّي مَا لا أريد )) ، ونَروي مُبايعَة الكاظم (ع) للحسين الفخي وحضوره اجتماع سادات بني الحسن (ع) ، وإقرارهُ على ما أقرّوا عليه . 

اعتراض : لَو قال جعفري : أنّ الإمام الحُسين الفخي والنفس الزكيّة ، إنّما خَرجا للأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر فقط ، بدون ادّعاءٍ للإمامَة ، وأنّهُم مُعترفين مُقرين بإمامَة أئمة أزمانهم من الإثني عشر ، وأنّهم إنّما كانوا دُعاةً لهُم . 

جوابه : تماشياً ما كلامك أخي المُعترِض ، وإغماضاً للعيون عن النّصوص الثابتات التي تُثبتُ خروجَهم مُدّعين للإمامَة ، فهَل للدّاعيَة‍ الفخّي (ع) أن يَدعُوَ إمامَه الشرّعي الرّباني موسى الكاظم إلى البيعة ؟‍ وهَل للكاظِم (ع) على ضوء الرواية السابقة أن يَرفُضَ بيعةَ داعيته ؟ فإن عَرفتَ سُقمَ وضعف العبارات السابقة ، وضعفَ الاعتراض ، فعضّد هذا المِثال : بأن هَل للداعية النفس الزكيّة (ع) أن يَدعُو إمامه الشرعي الرّباني جعفر الصادق إلى البيعة ، بل وإرغامهُ عليها ( كما وصَفت الروايات الجعفرية ) ، ثمَّ عضّد ما سبق : بأن هل للداعية النفس التقية يحيى بن عبدالله المحض (ع) أن يُغلظَ الكلام على إمامه الشرعيّ الرّباني موسى الكاظم (ع) وأن يصفهُ باحتجابِ الأمر هُوَ وأبوه فإذا عَرفتَ بُطلان هذا الفعل وهذا التصرّف ، عرفتَ حينها بطلانَ اعتراضِك ، وأنَّ مَن يقول به فإنّما يُريدُ أن يُسليَ نفسهُ وأن يُقاربَ ويُسدّد ، ولَو كانَ هذا منه على حِساب إنصافهِ وعَدم اقتناعه وخداعهِ لنفسه ، ولغيرِهِ بما يُحاوِلُ أن يُقولبَهُ لهُم إن كان مِن الباحثين ، الداعين ، المُرشدين . 

وإكمالاً لسدّ ثغرات هذا الاعتراض الركيك ، نذكر ما جَرى بين النفس التقيّة يحيى بن عبدالله المحض (ع) وبين الإمام موسى الكاظم (ع) ، ونحرصُ على إبراز جهل يحيى بن عبدالله بإمامَة موسى الكاظم ، حتّى أتى مَن يُخبرهُ بهذا الأمر بعدَ أن قامَ ودَعا ( وهي مُدّة طويلةٌ لا ينبغي من النفس التقية أن يكون جاهلاً بهذه الإمامة في حقّ ابن عمه بطولها ) ، ثمّ ننوّه على استنباط الروح العدوانية التي تُصوّرها الرواية الجعفرية فيما بينهُما ، وما يستحقّ التركيز عليه هُوَ أنَّ الإمام الكاظم (ع) ينصح ويحثّ النفس التقية بطاعَة وبرّ الخليفة العباسي هارون الرشيد والله المُستعان ‍، ويا لهُ من تَناقض بينَ موقفِ الكاظم هُنا من الخلافة العبّاسية ، و موقفه من الخلافة العبّاسية في عهد الحسين الفخي عندما وصمَهُم بالفسق وأنهم يُظهرون إيماناً ويسترون شركاً 

فيروي ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني في الكافي أنهُ قَد كان : (( كَتبَ يَحيى بن عبدالله بن الحسن إلى موسى بن جعفر (ع) : 

أمّا بَعَد فَإنّي أوصِي نَفسِي بِتقَوى الله ، وبِهَا أوصِيك ، فإنّها وَصيّة الله فِي الأولّين وَوصِيّتهُ فِي الآخِرين ، خَبّرَنِي مَن وَرَدَ عَلّيَّ مِن أعوانِ الله عَلى دِينِه ونَشرِ طَاعَتِه بِمَا كَان مِن تَحَنّنِكَ مَعَ خِذلانِك ، وقَد شَاورَتَ فِي الدّعوةِ للرضَا مِن آل مُحمّد‍ (ص) ، وقَد احْتَجَبتَهَا واحْتَجَبَهَا أبُوكَ مِن قَبلِك ، وقَديماً ادّعَيتُم مَا لَيسَ لَكُم وبَسَطَتُم آمَالَكُم إلى مَا لَم يُعطِكُم الله ، فَاستَهويتُم وأَظْلَلتُم وأنَا مُحذّرُكَ الله مِا حذَّرَك اللهُ مِن نَفسِه 

فَكَتَبَ إليهِ أبوالحَسن موسى بن جعفر (ع) : 

مِن مُوسَى بن أبي عبدالله جَعفر ، وعَلي مُشتركِينَ فِي التذلل لله وطَاعَته ، إلى يَحيى بن عبدالله بن حسن، أمَّا بَعد : فَإنّي أُحذِّرُكَ اللهَ ونَفسِي ، وأُعلِمُكَ أليمَ عَذابِه وشَديدَ عِقَابِه، وتَكَامُل نقمَاته، وأوصِيكَ و نَفسِي بِتقَوى الله ، فَإنَّهَا زَينُ الكَلام وتثبيتُ النّعَم، أتَانِي كِتَابُكَ تَذكُرُ فِيه أنّي مُدّعٍ وأبِي مِن قَبل ، ومَا سَمِعتَ ذَلك مِنّي (تأمّل) ، وسَتُكتَبُ شَهادَتُهم ويُسألُون ، ولَم يَدَع حِرصُ الدّنيا ومَطَالِبَهَا لأهلها مَطلباً لآخرَتهم، حَتى يَفسد عليهِم مَطلبُ آخرتِهِم فِي دُنياهِم (تأمّل) ، وذَكرتَ أنّي ثبَّطْتُ الناسَ عَنكَ لِرَغبَتي فِيمَا فِي يَديَك (تأمّل) ، ومَا مَنَعنِي مِن مَدخَلكَ الذي أنتَ فِيه ، لَو كُنتُ رَاغباً ضَعفُ عَن سنة ولا قِلّة بَصيرَةٍ بِحُجّة ، ولكنَّ الله تبارك وتعالى خَلقَ النَّاسَ أمشَاجَاً وغَرائبَ وغَرائز، فَأخبرنِي عَن حَرفَينِ أسْألك عَنهُما : مَا العَترَفُ فِي بَدَنِك ومَا الصَهلَجُ فِي الإنسان ‍، ثُمّ اكتُب إليَّ بِخَبَرِ ذَلك ، وأنَا مُتقدّمٌ إليكَ أُحذّرُكَ مَعصيةَ الخَليفَة ، وأحُثّكَ على بِرّه وطَاعَتِه ،وأنْ تَطلُبَ لِنَفسِكَ أمَاناً قَبلَ أنْ تَأخُذَك الأظفَار ويَلزمُكَ الخِناقُ مِن كل مَكَان، فَتروحُ إلى النّفس مِن كُل مَكان ولا تَجِده، حَتى يَمُنَّ الله عَليكَ بِمَنّه وفَضلِه ورِقّة الخَليفَة أبَقاهُ الله فَيؤمِنَكَ ويَرحَمَكَ ويَحفَظَ فَيكَ أرْحامَ رَسول الله ، والسّلام عَلى مَن اتبعَ الهُدى، إنّا قَد أوحِي إلينَا أنَّ العَذابَ على مَن كَذَّبَ وتَولّى . 

قال الجعفري (الرواي): فَبَلَغَنِي أنَّ كِتابَ مُوسَى بن جعفر (ع) وقَعَ فِي يَدَي هَارون فَلمّا قَرأه قال: النّاس يَحملونِي عَلى موسى بن جعفر ، وهُو برئ ممَّا يُرمَى بِه )) . انتهت الرواية والله المُستعان ، والعاقلُ خصيمُ نفسه ، ودأبُ الباحثُ التمحيصُ فيما وراء السطّور ، حتى يحصُلَ على اليقين ، ولا تميلُ به الرّجال عن يمينٍ وعن شمال ، و بهذا و بما ذكرناهُ سابقاً ، نوضّح ما نعنيه في الوجه الثاني ، من أنَّ الجعفريّ وإن حاول التلبّس بثياب الولاء لهؤلاء السّادة من أئمة الزيدية مع الولاء لأئمته الجعفرية ، فإنّه سيفتحُ على نفسه نوافذ عديدةً قَد لا يستطيع الجمعَ بينها ، إلاّ بتحكيم العقل ، وتركَ الهَوى والتعصب لآراء الرّجال . وإذ قَد ذَكرنا ما ذَكرنا ، فإنه وجَب علينا بيان وجه الحق فيما سبقَ مِن المقال 

وجه الحق في علاقة أئمة أهل البيت (ع) ببعضهِم البَعض : 

تؤمنُ الزيدية بفضل أصحابِ الفضل من سادات بني الحسن والحُسين ، والكلُّ عندهم مَعدن النبّوة ، ومحلّ الرئاسة والزّعامة في الدّين والدّنيا ، يتفاضلون بالعَمل والتّقوى ، القائمُ المجاهد في سبيل الله أفضلُ من القاعِد ، وهذا نصّ الله سبحانه وتعالى ، ولا نَعدوهُ ولا نزيدُ عليه ، فقال عزّ من قائل كريماً : ((لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )) فالقائم المجاهد أفضل من القاعد ، والكلّ وعدَهَم الله بالحُسنى . وكذا أهل البيت (ع) . 

و تُؤمنُ بمحبّة الصادق للنفس الزكيّة ومُناصرتهِ له بالنّفس والوَلَد ، وكذلكَ الحالُ بين الإمام الفخي (ع) وموسى الكاظم (ع) ، وأنّ هؤلاء وإن تخلّفوا عن المُشاركَة في ميادين الوَغى مَعَ أبناء عمومتهم ، فإنّهم كانوا بقلوبهِم وبدعاءهم معهُم مُشايعين مُناصرِين . 

تُؤمنُ الزيدية بقيامِ أئمة الجعفرية الذينَ هُم أئمتنا وأعلامُنا في حلالنا وحرامنا ، بقيامهم بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر قدرَ المُستطاعَ وإن لَم يُشاركوا بأعلى مراتبها وهي اليد ، لأنَّ مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر ثلاث أعلاها وأفضلها اليد وأدناها التغيير بالقلب وأوسطها التغيير باللسان ، فَانتفَاء صِفَةِ الأمرِ بِالمعروفِ والنّهي عَن المنكر باليد ، لا يَعنِي انتفائهَا عَن اللسان والقلب ، وكذلكَ كانَ السجّاد (ع) عِندَمَا صعدَ المنبر بحضرة طاغية المُسلمين يزيد ، وكَذلكَ كان جعفر الصادق عندما انتهرَ مَن يسبّ سادات أهل البيت على المنبر النبوي ، وكذلك حالُ سادات بني الحسن والحسين ممّن لَم يُؤثَر عنهم مواقفُ ثوريّة في مَيدان الوغَى ، وهذه هيَ نَظرةُ الزيدية إلى أئمة الجعفرية (ع) ، لأنّ البعض ، قد يعتقدُ وصمَ الزيدية للباقر (ع) بإسدال السّتر وإرخاءه ، هُو رضاهُ بحُكم طواغيت بني أميّة هشامٌ وأذنابه ، وهذا باطل ، أو أنّه لا يأمرُ بالمعروف ولا ينهى عن المنكر مُطلقاً بمجرّد عدم خروجه بالسيف ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّ السيف واليد ما هيَ إلاَّ مَرتبةٌ من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويليها مراتب ، والاختلاف هُنا في الأجر والفضل ، و مرتبة اليد أفضلها وأجلها ، والقلب أضعفها ، وكذلك كُلّ ما يُوهِمُ الرّكون إلى الظَلمَة والطّواغيت من أئمة أهل البيت (ع) القائمين والقاعدين ، فإنّهُم مُنزّهين عنه ، وعن الاعتقادِ به ، إذ لَو كانَ هذا اعتقادُهم ما كانُوا لَنا أئمة هُدىً ، ولا كانوا لَنا مَرجعاً في أمور الدّين والدّنيا ، أعزّهم الله من هذا الاعتقاد . 

وتؤمنُ الزيّدية أنَّ مُتقدّمي أهل البيت (ع) على مَذهبٍ واحدٍ ، لا ثانيَ له ، وأنهُم مهما اختلفُوا فإنّهُم لا يُجمعُونَ على باطلٍ قَطعاً ، وإجماعهُم حُجّة لأنّهم الثِقَل الأصغَر المُلازمُ للكتاب الكريم . 

وتُؤمنُ الزيدية أنّه ستبقى فرقةٌ من أهل البيت سائرةٌ على خُطى سَلفها الصالح حذوَ القُذّة بالقُذّة ، ينطبقُ عليهم لقبُ الثّقلُ الأصغر كما انطبقَ على أسلافهِم الماضين ، وبهم يتحقّقٌ حديث الثقلين والسفينة ، وما رأينا فرقةً مِن فِرَق المُسلمين ضمّت واحتوَت من أعلام الذريّة الزكيّة المرضيّة ، ما حَوتهُ الزيدية إلى يومِنا هذا ، سيداً يعقب سيد ، إمام يتلو إمام ، قائمٌ يتلو قائم ، مُجمعونَ على عقيدةٍ في الله واحدَة ، فالزمَها تركَب سَفينَة نوح ، وإن كُنتَ تَجهلها فقَد لَزمَتك الحجّة على نفسك بقراءة هذه الأسطُر ، فحثّ الخُطى إلى الاستزادَة عنها ، وأمّا الجاهل فإنه عَدوّ نفسهِ ، فلا عليكَ منه ، ولا تَكترِث به ، لأنّه يَهرفُ بمَا لا يَعرف ، ويقُولُ بما يُقال لا بِما يَقولْ !! ، واعتمِد على نفسِك ، ومَا يُمليهِ عليكَ بَحثُك وتحرّيك ، لأنّ الضائقة عليك ، والقبرُ لَن يَحوي غَيرَك ،والله المستعان . وبهذا نختم كلامنا ، فسلام الله على أهل بيت النبوة والرحمة المُذهب عنهم الرجس ، نجوم السماء وملاذ الورى. 

8/1/1426 هـ 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي وعلى آله الأخيار الأطهار الأبرار . 

----- 

المصادر : 

- الشافي للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني (ع) . 
- التحف شرح الزلف للإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي الحسني (ع) . 
- المصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) . 
- الإفادة في تاريخ الأئمة السادة للإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) . 
- تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، للإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) . 
- أخبار فخ ويحيى بن عبدالله لأحمد بن سهل الرازي الزيدي . 
- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني الزيدي . 
- أصول الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني .

_______________________________________________________

من كتاب
أئمة أهل البيت
خارج اليمن
الزيدية

تأليف
السيد /عباس محمد زيد


==========
الامام الشهيد الثائر يحيى بن زيد سلام الله عليهما 
- مولده 97هـ .
-استشهاده بجوزجان رمضان 125هـ.


يا بن زيدٍ أليس قد قال زيدٌ **** من أحب الحياة عاش ذليــــلا
كن كزيدٍ فأنت مهجة زيد ****تتخذ في الجنان ظلاً ظليــــلا


قاتل عليه السلام مع والده ولم يثنه ما أصاب والده أيام هشام بن عبد الملك من القتل والصلب والإحراق، وإنما دفعه إلى أن يتمم رسالة والده بالخروج على الظلم، فخرج من الكوفة إلى خراسان باحثاً عن أنصار لدعوته، ثم إلى سرخس داعياً إلى نفسه، متابعاً دعوة أبيه، ولما تنامت حركته إلى مسامع هشام كلف نصر بن سيار عامله على العراق ليهتم بأمره ومتابعته، وتقصي حركاته، فتابع الإمام إلى بلخ والذي تمكن عاملها من تتبع الإمام وسجنه، وتقييده بالسلاسل إلى أن توفي هشام بن عبد الملك (125هـ) وتولى بعده الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125-126هـ) فأمر بإطلاق سراحه خوف الفتنة، وحينها قدم إليه الشيعة يبايعونه، ويستنهضونه، وخرجوا إلى نيسابور التي جهز فيها نصر بن سيار جيشاً كبيراً لمقاتلته، وتمكن الإمام يحيى بن زيد مع أصحابه من الانتصار عليهم، والانتقال إلى بلخ، ثم إلى الجوزجان التي حوصر فيها بجيش كبير، وقاتل ثلاثة أيام بشجاعة ليفوز بعدها بعز الشهادة في سبيل إعلاء كلمة الله، وحز بعدها رأسه الشريف وأرسل إلى الوليد بن يزيد والذي بعث به إلى المدينة ليرهب كل مناوئيه، وأظهر أهل خراسان عليه النياحة ولم يولد لهم ولد حينها إلا سمي يحيى أو زيد، وصنعوا من القيد الذي قيد به خواتم للتبرك بها، ومع حداثة سنه عليه السلام فقد عاش مجاهداً مطارداً من قبل الأمويين وأشياعهم، مقاتلاً لهم، ولم يتزوج ولم يعقب، ومزار الإمام يحيى بن زيد مشهور ومقام إلى تاريخنا المعاصر في منطقة جوزجان شمال شرق إيران والتي تبعد مسافة 62 كم من مدينة مشهد شرقاً، وقد تم تجديده عام 1995م، وحوله مسجد يقصده الزوار في جميع المناسبات الدينية.

http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=751&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d 
______________________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدين . 

الإمام الرّضا الحسن بن الحسن ابن رسول الله 

نَسَبُه (ع

هُو الإمام الرّضا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، عليه وعلى آبائه السلام. 

مَولِدُه (ع) : 

لم تُشِر المصَادر التاريخيّة إلى تاريخ ولادة إمامنا الحسن بن الحسن (ع) ، بالضبط والدقّة ، ولكنّها ذكرَت لنا ما نستطيعُ من خِلالِه استنتاج تاريخ مولده (ع) ، فهذا أبو العباس الحسني أحمد بن إبراهيم بن الحسَن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمَان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت353هـ) ، يذكرُ في كتابه (المَصَابيح) ، أنّ الحسن بن الحسن (ع) شاركَ في معركة كربلاء ، وعُمُرُه عشرون عاماً ، أو تِسعة عشرَ عاماً ، والمعلومُ أنّ واقعَة الطّف (كربلاء) وقعَت عام 61هـ ، فيكون تاريخ مَولِد الحسن بن الحسن (ع) بهذا في سنة إحدى وأربعين للهجرة (41هـ) ، وهي السنة التي صالحَ فيها الإمام الحسن السبط (ع) معاوية بن أبي سفيان ، وهُنا يكونُ هُناك احتمالان لمكان ولادَتِه صلوات الله عليه ، إمّا في الكوفة ، أو المدينة المنوّرة ، وهذا الالتباس فيزولُ على فرض أن مولِد الحسن بن الحسن (ع) كان في السنة الثانية والأربعين للهجرة (42هـ) ، (على افتراض أنّ عُمُرَهُ حال المعركة تسعةَ عشر سنة) ، فيكون مكان ولادته (ع) قطعاً بالمدينة المنوّرَة . 

لَقَبُه (ع) 

لُقِّبَ الحسن بن الحسن (ع) ، بـ ((الرّضا)) ، وذلكَ لمّا اجتمعَ عليه أنصارُهُ ومُريدُوه –كما سيأتي- ، ورَضوا به إمَاماً لهُم ، فَسمّوهُ بهذا الرّضا ، والمعلوم أنّ سادات آل محمد من بني الحسن والحسين ، عندما تَنطلقُ دَعواتُهُم بالإمامة إلى الأمصار ، فإنّها تكونُ باسم الرّضا من آل محمد ، أي باسم مَن يرضاهُ ويرتضيهِ النّاس لِسَبَقِه بالخيرات ، فَلَصِقَ هذه اللقب (الرّضا) بإمامنا الحسن بن الحسن صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام ، وذلكَ لمّا ارتضوهُ إماماً فيما بينَهُم وبينَ رَبِّهِم ، وأجابَهُم وقامَ مَعَهُم . 

ويُلقّب أيضاً بالحَسَن ((المُثنّى)) ، والظّاهر والله أعلَم أنّها تَسميَةٌ مُتأخّرةٌ على عَصِرِه (ع)، وهذا اللقب فَلِلتمييز بينَه وبينَ أبيه الحسن السبط ، وبين ابنه الحَسن المُثلّث((الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) )). 

والِدُهُ (ع) 

والِدُ إمامِنا الرّضا (ع) ، هُو إمامُنا الحسن السبط ابن إمامِنا علي المُرتضى ابن أبي طالِب ناصرِ رَسولِنا وقُدوتِنا محمد بن عبدالله (ص) ، فهُو كما تَرى فرعٌ من دوحة نبويّة علويّة باسقَةٌ يانِعَة ، والحسن بن علي (ع) فغنيٌّ عن التعريف والإطراء ، سِبطُ رسول الله ، وبِكرُ الوَصيّ والزّهراء ، وشبيهُ رسول الله (ص) ، سيّدُ النّاسً هيبةً وسُؤدداً 

والِدَتُه (ع) : 

والِدَةُ إمامِنا الرّضا (ع) ، هِيَ خَولَة بنت مَنظور بن زَيّان (ويُقال ريّان ورَباب) بن سيّار الفِزاري الغَطفَاني رضي الله عنها ، تَزوّجَها الإمام الحسن بن علي (ع) ، فأعقبَ منها محمّد الأكبَر وبه يُكنّى ، والحسن بن الحسن 

نَشأتُه (ع) 

نَشأ الإمام الحسن بن الحسن (ع) ، في كَنف والدهِ الحسن السبط ، في دار جدّه علي ، وجدّته فاطمة البتول الزهراء (ع) ، عاشَ حياةً مليئةً بالإرهاب الأموي ، إذ أن فترةَ طفولته (ع) كانت من أسوأ الفترات التي تُحيط بأهل بيت النبّوة ، فعيون بني أميّة مُشدّدة الوطأة على كلّ داخلٍ للحسن بن علي ، وعلى كلّ خارجٍ من عِندِه ، ثمّ لم يلبث إمامُنا الحسن المثنّى (ع) ، وهُو في التّاسعَة من العُمُر ، إلاّ وقد استُشهِد أباهُ مسموماً (سنة50هـ) ، فتربّى في أحضانِ عمّه الحسين بن علي (ع) ، فأخذَ عنهُ شمائلاً علويّةً فاطميّةً محمّدية ، واغترَفَ من علومهِ غُرَفاً طالوتيّة ، فالحسن المثنّى يَقيناً لم يَكن يعتبِر نفسَهُ إلاّ عندَ والدِه بعد والِده ، ومن هُنا زادَ تعلّقُه بعمّه الحسين ، والحسين فكانَ يُكرمهُ ويُحبّه ، فَحصلَ وأن قصدَ الحسن بن الحسن عمّه الحسين يُريدهُ أن يُزوّجه إحدى بناتِه، فاختارَ لهُ الحسين فاطمة ابنته ، وكانَت أحبّ بناته إلى قلبهِ وأشدّهم شِبهاً بفاطمة الزهراء (ع) ، فعقدَ له الحسين عليها ، ولكن دونَ دخول ، وهذا فنُخمّن أن يكون في ما بين ((58-60هـ)) ، وهذا فيزيد الأواصر بين الحسن وعمّه قوّةً إلى قوّة ، نعم! تَشرّب إمامنا الحسن وصايا جدّه أمير المؤمنين الحاثّة على الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، والقيام بحجّة الله في الأرض ، فَعَاشَ يُقاسي مع عمّه ظُلم معَاوية ، ثمّ ابنه يزيد ، المُنكَر يُؤمَرُ به ، والمعروفُ يُنهَى عنه ، أبو ترابٍ يُسبّ على المنابِر ، وآل بيتِ رسول الله مُضطهَدين ، الظُلم مُنتشِرٌ ، والأمن مُنعَدِم ، كلّ هذا جعلَ أبا عبدالله يَهُبّ هبّةَ الأسد ، ويزأرُ زأرَة الحقّ في وجه الظُلم ، أن لَو تُرِك القَطا لغفَا ونَام، فتحرّكَ بنفسهِ وأهل بيتهِ وأصحابه مُمتثلاً لأمر الله تعالى : ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) ، لَم يترُك إمامنا الحسن بن الحسن عمّه في هذه المعركة ، بل شاطرهُ فِكرَهُ وثورَتَهُ على الطّغيان ، هذا كلّه وعُمر الحسن بن الحسن عشرون سنة ، بَدأت المُعركَة واستبسَل الحسين وأهل بيته وأصحابه ، الكُلّ يَتسابقُ للنّصر أو الشّهادَة ، فاستُشهِدَ الحسين ، وقِتل عدّةٌ من أهل بيته وأصحابه ، وسقطَ إمامُنا الحسن بن الحسن على أرض المعركة مُثخناً بالجراح به رَمقُ الحياة ، فأرادوا أن يُخلّصوا عليه لولا تدخّل وتوسّط خَالِه أسماء بن خارجَة بن حصن الفزاري ، وخؤولته لهُ جاءت من جهة كونه فزاري قريب من بني المنظور بن زيّان والِد خولة أم الحسن بن الحسن ، نعم ! تَدخّل أسماء بن خارجة وأخذَ الحسن بن الحسن إلى بيته بالكوفة ، وهُناكَ عَمِلَ على مُعالجة جِراحه ، وبقيَ عندَهُ لمدّة ثلاثَة أشهر ، ثمّ عاد إلى المدينة المنوّرة ، وهُناكَ دخلَ بابنة عمّه فاطمة بنت الحسين (ع) ، وتفرّغ للعبادة ونشر العلوم ، مع الحُرقة على انتشار الفساد في البلاد ، وقامَ على صدقات وأوقاف جدّه أمير المؤمنين ، ولم يكُن من بني فاطمة في ذلك الزّمن من الرؤوس إلاّ هُو ، وأخوه زيد ، وابن عمّهما علي بن الحسين زين العابدين ، وكانَت تجمعُ الجميع رابطةٌ أخويّة قويّة ، مَبدَأهُم ومَذهبُهُم وهَدَفُهُم واحد ، فصلوات الله عليهِم وعلى آبائهم وأخيار ذريّتهِم إلى يوم الدّين . 

بين الحسن بن الحسن ، والحجّاج بن يوسف ، وعبدالملك بن مروان (ع) : 

في عام 74هـ ، ولّى الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ، الحجّاج بن يوسف الثقفي إمارَة المدينة المنوّرة ، وهُناك احتكّ بإمامنا الحسن الرضا (ع) ، وأرادَ أن يُرغِمَهُ على إدخالِ عمّه عمر بن علي رضوان الله عليه في صدقات أمير المؤمنين ، فرفضَ الحسن بن الحسن إدخالَهُ بعُذر عدم اشتمالِ شرط علي (ع) على هذا ، وأنّه لن يُغيّر شرط علي الذي اشترطَه في هذه الصدقات ، فلمّا رأى الحسن بن الحسن (ع) أنّ الحجّاج مُصرّ على مَوقفِه ، تغافلَهُ (ع) ، وخرجَ من المدينة ، قاصداً وشاكياً إلى الخليفة عبدالملك بن مروان ، وهُناك وفي قصر الخلافة طلب إمامنا الإذن بالدّخول على الخليفة ، فلقيَه رجلٌ يُقال له يحيى بن الحكَم ، فسالَ الحسن عَن حاجَته ، ووَعدَه أن ينفَعَه بين يدَي الخليفَة ، فما لبثَا إلاّ وقد أُذنَ لهما بالدّخول ، فاستقبلَهُما عبدالملك بن مروان ، وقال للحسن (ع) : لَقَد أسرعَ إليكَ الشيب يا أبا محمّد ، فقاطَعَهما يحيى بن الحكم ، قائلاً : ومَا يَمْنَعُهُ يَا أميرَ المؤمنين ، شَيَّبَهُ أمَانِيّ أهل العِرَاق ، كُلّ عَامٍ يَقدُمُ عَليهِ مِنهُ رَكبٌ يُمَنّونَهُ الخِلافَة. فردّ عليه إمامنا الحسن (ع) ، مُبيّناً أنّ هذا التمنّي ليسَ هُو سبب الشّيب ، فقال (ع) : بئسَ واللهِ الرّفد رَفدْت، وَليسَ كَمَا قُلتَ ، وَلكنّا أهْلُ بَيتٍ يُسرِعُ إلينَا الشّيب . وعُمُر الحسن حينها ثلاثة وثلاثون عاماً تقريباً ، نعم ! ثمّ أقبلَ عبدالملك على الحسن يَسألهُ عن حَاجَته ، فأخبرهُ الحسن (ع) بما كانَ من الحجاج ، ومُحاولته إدخال عمّه عمر في صدقات علي (ع) ، وهذا مُخالفٌ لشرط علي (ع) ، فأمر عبدالملك بكتابٍ للحجاج يَمنعه من التعرّض للحسن بن الحسن ، ثمّ انصرف الحسن بن الحسن والتقى عند باب القصر بيحيى بن الحكم ، فعاتبَهُ الحسن بن الحسن على ما كانَ منه ، ومن هذه المَنفعَة التي هي إلى الإيقاع أقرَب ، فردّ عليه يحيى بن الحكم ، قائلاً : إيهَاً عَنك، واللهِ لا يَزَالُ يَهَابُك، ولَولا هَيَبَتُهُ إيّاك مَا قَضَى لَكَ حَاجَة، ومَا ألَوْتُك رِفداً ، أي: مَا قَصَّرتُ فِي مُعَاوَنَتِك . وهُنا نَجِد يحيى بن الحكم يُشير إلى عقيدة الزيدية في الخروج بالإمامة من شامة بني الحسن ، الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، وهُو لم يَقُل ما قالَهُ في حق الحسن ، إلاّ وهو يعرف عقيدَته الزيدية في الخروج ، ثمّ لَو لاحظنا الحسن بن الحسن وهُو يردّ على يحيى بن الحكم جعلَهُ أمانيّ أهل العراق هي السبب في ظهور الشّيب عليه ، لَو لاحظنَا ردّ الحسن لوجدناهُ ينفي أن يكونَ سبب ظهور الشّيب هو أمانيّ أهل العراق عند توافُدهم عليه ، ولكنّ سبب ظهوره هُو وراثَة في أهل بيته ، والشّاهد هُنا مع ما سبَق ، هُو أنّ الحسن المثنى لم ينفِ علاقَتَهُ بأهل العراق ، ونحنُ عندما نَذكُر هذا ، لا نَذكُرهُ إلاّ مُنّبهين لبعض الحُذّاق من الجعفريّة الذين يُريدون تثقيل طرَفِهِم بإثبات تمذهب سادات بني الحسن والحسين من غير أئمّتهم ، بإثبات تمذهُبِهِم بمذهب الجعفرية ، واعترافهِم بالنّصوص في حقّ بني عمومتهم ، وهذا فَذهابٌ إلى سَرابِ بقيعَة ، والأدلّة على هذا كثيرَة ، نذكُر منها ما يخصّ إمامَنا المُترجَم له ، نعني الحسن بن الحسن بن علي صلوات الله عليه وعلى آبائه ، فنقول : روَت الجعفريّة ، ونخصّ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهُدى 1/490 ، وابن شهر آشوب في المناقب 3/296 ، رَووا تهكّم وتطَاول الحسن بن الحسن بابن عمّه زين العابدين علي بن الحسين ، الذي هُو إمامهُ وحجّة الله عليه ، فقال ابن شهر آشوب : ((ونَالَ (تأمّل) مِنهُ [من زين العابدين] الحسَن بن الحسَن بن علي بن أبي طالب فَلم يُكَلّمهُ، ثمّ أتَى مَنزِلَه وَصَرَخَ بِهِِ فَخَرَجَ الحسن مُتوثّباً للشر(تأمّل)، فَقال (ع): يَا أخِي إنْ كُنتَ قُلتَ مَا فِيَّ فَأسْتَغفِرُ الله مِنه، وإنْ كُنتَ قُلتَ مَا ليسَ فِيَّ يَغفِر الله لك، فَقَبَّلَ الحسَن مَا بَينَ عَينيه ، وقَال: بَلى قُلتُ مَا ليسَ فِيك وأنَا أحَقّ بِه )) ، وهذا إن صحّ فدليلٌ على عدم اعتبارِ الحسن بن الحسن زين العابدين إماماً منصوصاً عليه ، مُفترَضَة من الله طاعته ، لأنّه (ع) صاحبُ القدر والعِلم وهذا فباعتراف شيخ الجعفرية الشيخ المفيد ، ومؤرّخيهم لا قولون بغير هذا فيه ، فكيفَ تَصدرُ منه مثلُ هذه الهفوة والتوثّب للشرّ ، والافتراء على إمام الزمان علي بن الحسين ، فلو كان هذا التصرّف من الحسن مع غير زين العابدين لقُلنا لا بأس ، ولكن أن يصِفَ إمامَ زمانهِ المعصوم صغيراً وكبيراً عن الخطأ أو حتّى مُجردّ السّهو والنسيان ، أن يَصفِهُ بما ليسَ فيه زوراً وبُهتاناً ، ثمّ هُو مَعَ هذا يَخرجُ عليه مُتوثّباً للشرّ ، فهذا ما لا تَقولُ به العُقلاء ، فإن أنتَ وَقفتَ على هذا ، عَرفتَ أنّ الحسن بن الحسن لم يكن يعتبر زين العابدين إماماً معصوماً منصوصاً عليه من الله والرّسول ، فافهم هذا ، واستحضِر ما سيأتي قريباً من ثبوت ادّعاء الحسن بن الحسن الإمامة وخروجه على الظلم. 

كُتب ورَسائل وبَيعات ابن الأشعث تَفِد على الحسن بن الحسن (ع) 

في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، ولّى الحجاج بن يوسف الثقفي ، عبدالرحمن بن محمد الأشعث الكِندي على سجستان ، فسارَ عبدالرحمن هذا إلى سجستان بجيشٍ عظيم قوامه ثلاثونَ ألفاً ، من جُملتهِم العُلماء والفقهاء والعَوام ، فلمّا تمكّن عبدالرحمن ابن الأشعث من سجستان ، أشارَ عليه الفُقهاء بخلع الظّلم والطّغيان ، أشاروا عليه بخلع عبدالملك والحجّاج ، فخلَعَهُم وسارَ بجيوشٍ تَحفُل إلى الشام ، وهُناك تصدّى له الحجاج بجيش عظيم ، وحصلَت بينَهم نيّف وسبعون وقعَة ، كانَت الغلبَة فيها كلّها لابن الأشعَث ما عَدى وَقعتين ، وهذا كلّه كان في ثلاث سنوات ، ما بين (81-83هـ)، وفقهاء أهل الكوفة كان رأيُ أكثرهم الخروج على الظَالِم ، الأمرُ الذي جعلَهُم يلتفّون حولَ ابن الأشعَث بتزايدٍ رَهيب ، نعم ! اجتمع هؤلاء الفقهاء بابن الاشعث وأشاروا عليه ونَصحوهُ بمُراسلَة أحد الفاطِمِيّيْن ، علي بن الحسين ، أو الحسن بن الحسن ، وأنّ هذا الأمر لا يَلتئمُ إلاّ لَهُم وبهِم ، وعِندي أنّ هذا كانَ في السنة الثالثة من حروب ابن الأشعث والحجاج أي في سنَة 83هـ ، فأخذَ ابن الأشعث برأيهِم ، وأرسلَ كتاباً إلى زين العابدين علي بن الحسين (ع) ، فامتنَعَ عن إجابَتهِم فيمَا دَعوهُ إليه ، ولعلّ زين العابدين (ع) كان يَخشى من الغَدر ، الذي نتجَ عنه مجزرةُ كربلاء ، وزين العابدين فكانَ كثيراً ما يذكُر وينتَحبُ على قتلَى كربلاء ، وهذا فدليلٌ على أنّ ذلك المنظر المأساوي الذي يتردّد أمامَ عينيه ، هُو الذي مَنَعَهُ من قبول بيعات أهل سجستان ، وليسَ هذا الامتناع منه (ع) تَهاوُناً في فريضة الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، والجِهَاد للظّلمَة ، ولكنّه منهُ (ع) عدم توثّق من أمر المُبايعِينَ له ، نعم ! فلمّا يئسَ ابن الأشعث ومَن مَعه من استجابَة علي بن الحسين لهُم ، أرسلوا كتاباً ثانياً إلى ابن عمّه الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، فظهرَ من الحسن بن الحسن بادئ الأمر من التخوّف والتشكّك مثل ما ظهرَ لعلي بن الحسين (ع) ، فقال لهم الحسن (ع) ، مُبيّناً لهُم حِرصَه على القيام بحجّة الله ، قال (ع) : ((مَالِي رَغْبَةٌ عَن القِيام بِأمْرِ الله، ولا زُهدٌ في إحيَاء دِين الله ، ولَكن لا وَفَاءَ لَكُم، تُبَايُعونَنِي ثُمّ تَخْذُلُونَنِي)) ، فأصرّ عليه القوم ، وتَعهّدوا عِندَهُ بالسّمع والطّاعة ، وحُسنَ الائتمَام ، فلَم يَجِد الحسن (ع) بُدّاً من القيام بفرض الإمامة والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، كما لم يَجِد عمّه الحسين السبط (ع) بُدّا من الخروج وكُتب أهل الكوفَة تتوافدُ عليه من كلّ حَدبٍ وصَوب ، وهُنا لو تأمّلنا خِطابَ الإمام السّابق لهم ، لَوجدناهُ يُقيمُ عليهِم الحجّة بصدقِ النّصرَة ، ولَوَجدنَاهُ زيديّ الخروج والدّعوة والإمامَة ، ونقصدُ بالزيدي أي أنّ مبدأهُ هُو مبدأ الزيدية أتباع أهل البيت (ع) ، بني الحسن والحسين ، وإلاّ فإنّ عهد الحسن بن الحسن لم تكُن فيه هذه التسمية موجودة البتّة ، وما ظهرَت إلاّ بعد زيد بن علي (ع) ، نعم ! فلمّا أجابَ الحسن بن الحسن الرُّسُلَ استبشرَ الفقهاء وأصحاب ابن الأشعث بهذا الأمر أيّما بِشر وسرور ، وأجمعوا على تَلقيبه (ع) بالرّضا ، لمّا ارتضَوه إماماً وقائداً لهُم ، وفي ذلك يقول شاعرُهُم : 

أبْلِغْ أبَا ذُبّانَ مَخْلُوعَ الرَّسَنْ ******** أنْ قَدْ مَضَتْ بَيعَتُنَا لابنِ الحسَنْ 
ابن الرّسول المصطَفَى والمؤتَمَن ***** مِنْ خَـيرِ فِتيانِ قُريشٍ وَيَمَـنْ 
والحجّـةُ القَـائمُ فِي هَذَا الزّمـنْ 

معركَة دير الجَماجِم ، ومُطاردَة الإمام الحسن بن الحسن (ع) 

نعم ! ومن هُنا بدأ إمامنا الحسن بن الحسن بعد توفّر النّاصر والمُعين ، بدأ الاستعداد والتّأهب للخروج إلى ابن الأشعث ومَن مَعه ، وكانَ الفقهاء في ذلك الوقت يحثّون ابن الأشعث لكي يُظهرَ اسم الإمام الرّضا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، يُظهرَه على منابر المساجِد ، فأظهرَه ابن الأشعَث جُمُعة ، فلمّا كانت الجُمعة الثّانية أسقطَ اسمه ولم يَذكُره ، كلّ هذا والإمام الحسن في طريقِه إليهِم ، وفي تلك الأثناء وقَعَت الملحمَة الكُبرى بينَ جيش ابن الأشعث وجيش الحجّاج ، في مكان يُقال له (الجَماجم) يَبعد عدّة فراسخ عن الكوفة ، وكانَ كثيرُ جيش ابن الأشعث يُقاتلونَ تحتَ رايَة الإمام الحسن المثنّى (ع) وهُو غائب لم يَصِلهُم بَعد ، إلاّ ما كانَ من ابن الأشعث ، نعني إسقاطَهُ اسم الإمام الحسن من الخطبة ، وهُناك استبسل أصحاب الإمام (ع) أيّما استبسال ، ولكنّ النصر مع ذلك لم يَكُن حليفَهم ، فانهزمَ ابن الأشعث ومَن معه ولحقوا بفارس ثمّ سجستان ، وقُتِلَ عدد كبيرٌ من الفقهاء في هذه المعركة ، حتّى سُميّت بمعركة الفقهاء ، وتُسمّى بمعركة دير الجماجم، نعم ! وهذه الوقعة حصلَت والإمام الحسن (ع) في طريقهِ إليهِم ، فلمّا علِمَت الخلافة الأمويّة بدور الحَسَن بن الحسَن (ع) في هذه الثّورة ، وهُو (ع) لمّا عَلِمَ باندلاع الحرب في الكوفة ، وهزيمة أصحابه ، ونَشاط العيون الأموية في القبض عليه ، تَوارَى الإمام الرّضا عن الأنظار ، فالتحقَ بالحجاز ، ولم يتمكّن منه عبدالملك بن مروان حتّى تُوفّي سنة 86هـ ، وجاء بعدَه ابنه الوليد بن عبدالملك الذي اجتهدَ اجتهاداً كبيراً في مُطاردَة الحسن بن الحسن (ع) بُغية القبض عليه . 

الإمام الحَسن بن الحسن ، الإمام العَابِد (ع) : 

قال الإمام نجم آل الرّسول وفَخرُهم القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (169-246هـ) : بَلَغَنَا أنّ مُوسى النّبي، وإدريس عَليهِمَا السّلام، دَعَوا بِهَذِه الأربعين اسماً، وأنّ رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَدعو بِهَا، وأنّ الحسَن بن الحسَن طَلَبَهُ الحجّاج بن يوسف فَدَعَا بِهَذِه الأسمَاء فَصُرِف عنه 

((سُبْحَانَكَ يَا الله ، يَا ربَّ كُلّ شَيءٍ وَوارِثُه، يَا الله الإلهُ الرّفيعُ جَلاله، يَا الله المحمُودُ فِي كُلّ شَيءٍ فِعَالُه، يَا الله يَا رَحمَنُ كُلّ شَيء وَرَاحِمُه، يَا الله يَا حيّ حِينَ لاحَيّ فِي دَيمُومِية مُلكِه وَبَقَائه، يَا الله يَا قَيّوم لايَعزُبُ عَنهُ شَيء عِلمه ويؤوده، يَا الله يَا وَاحدُ يَا أولُ كلّ شيءٍ وآخِره، يَا الله يا دَايم بَغير زَوال ولافَناء لملكِه، يَا الله يَا صَمَد فِي غَير شبه ولاشيء كمثله، يَا الله يَاوِتر فَلا شَيء كُفوه ولا مُداني لِوَصفِه، يَا الله يا كَبيرُ أنتَ الذي لاتَهتدِي كلّ القلوبِ لِعَظَمَتِه، يَا الله يا بَاريء كلّ شَيء بِلا مِثال خَلا مِنْ غَيرِه، يَا اللهيَا كَافي الوَاسع لما خلق مِن عَطايا فَضله، يَا الله يَا نَقي مِن كلّ جَور لَمْ يرضه ولم يخالطه فِعاله، يَا الله يا حَنّان أنتَ الذي وَسِعَت كلّ شيء رَحمَته، يَا الله يا مَنّان ذَا الإحسَان قَد عَمّ كلّ شيء مِنّته، يَا الله يَا دَيّان العِباد وَكلّ شَيء يَقومُ خَاضِعَاً لِرَهْبَتِه، يَا الله يا خَالِق مَنْ فِي السّماوت وَمَن فِي الأرض وكلّ شَيء إليه مَعاده، يَا الله يَا تَام فَلا تِصفُ الألسُنُ كلّ جَلال مُلكه وَعزه، يَا الله يا مُبتَدئ البَدائع لَم يَبتَغ فِي إنشَائها عَوناً مِنْ خَلقه، يَا الله يَا عَلاّم الغُيوب لايؤودهُ شَيء من حفظه، يَا الله يا مُعيد مَا أفنى إذا بَرَزَت الخَلائق لِدَعوَته مِن مَخَافته، يَا الله يا حَكيمُ ذَا الأنَاة فَلا شيء يُعَادِله، يَا الله يا جَميلُ الفِعَال ذَا المنّ عَلى جَمِيعِ خَلقِه بِلُطفِه، يَا الله يا عزيز المنيع الغَالب على أمرِه فَلا شيء يُعادِله، يَا الله المتعَال القَريبُ فِي عُلو ارتفَاعِه، يَا الله يا جَبّار الملك عَلى كلّ شيء بِقهر عزيز سُلطَانه، يَا الله يا نُور كلّ شيء أنتَ الذي انْفَلَقَت الظّلمات بِنورِه، يَا الله يَا قُدّوس الظَاهر مِن كل شيء فَلا شيء يُعادِله، يَا الله يَاقريب دُونَ كلّ شيء قربه، يَا الله يَا عَليّ الشّامخ فوق كل شيء عُلوه وارتفَاعه، يَا الله يا جَليل المتكبّر عَلى كل شيء والعَدل والصّدق أمره، يَا الله يا حَمِيد فَلا تَبلغ الأوهَام كلّ شأنِه ومجدِه، يَا الله يا بَديع البَدائع ومُعيدُها بَعدَ فَنائِهَا بِعَائدَته، يَا الله يا عَظيم ذَا الثّنَا الفَاخِر وَالعِزّ والكِبريَاء فَلا يَذلّ عزه، يَا اللهيَاكَريمُ أنتَ الذي مَلأ كلّ شيء عَدله، يَا الله يا عجيب كلّ آلائه وثَنَائه، يَا الله يا خَالق الخَلق وَمُبتَدعه وَمغني الخَلق وَوارِثه، يَا الله يا رَحيم كُل صَريخٍ وَكلّ مَكروب وغِياثه ومعاده، يَا الله يَا قَاهر البَطش الشّديد الذي لا يُطاق انتقَامُه. 

ثمّ يَدعو بِهَذَا الدّعاء: اللّهُمّ إنّي أسْألُكَ مَسْألَةَ المسكِينِ المُستَكِين، وأبْتَغِي إليكَ ابتغَاء التَائبِ الفَقَير، وأتَضَرّعُ إليكَ تَضَرُّعَ الضّرِيرِ ، وأبْتَهِلُ إليكَ ابتهَالَ المُذنِب الذّليل، أسْأَلُكَ مَسْألَةَ مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُه، وَرَغِمَت لَكَ أنُفه، وَعَفرَ وَجهه، وسَقَطَتْ لَكَ نَاصِيَته، وانْهَمَلَت لَكَ دُمُوعُه، وَفَاضَتْ إليكَ عَبْرَتُه، وأَغْرَقَتهُ خَطَايَاه، وَفَضَحَتهُ عَبَرَاتُه، وَظَلّتْ عَنهُ حِيلَته، وَذَهَبَتْ عَنه قُوّتُه، وَانقْطَعَت عَنه حُجّته، وأسْلَمَتْه ذُنوبه، أسْألُكُ الهُدَى وأفْضَل الشُكر فِي النّعمَاء، وأحسنَ الذّكْرِ فِي الغَفْلَة، وأشَدّ التَذَرّع فِي الرّغبَة، وأبْكَى العُيون فِي الخَشية)) . اهـ [من كتاب الذّكر للحافظ محمد بن منصور المرادي رحمه الله تعالى] . 

ثَنَاء الأئمّة والعُلماء على الإمام الرّضا الحسن بن الحسن (ع) : 

* قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((هُوَ الذي أجمَعَ عليهِ آلُ الحسن وآلُ الحسين في ولاية صَدَقات علي (ع) ، ولَم يَجتمعوا على غيرِه ، ولَهُ فضلٌ كبير ، وعِلمٌ شَهير)) [من كتابِه الشّافي] . 

* قال العلاّمة عبدالله بن الإمام الهادي يحيى بن الحسن القاسمي : ((كَانَ مَشهُورَاً بِالفَضْل)) [ من كتابه الجداول ] . 

* قال العلاّمة الشّهيد حميد بن أحمد المحلي : ((كانَ (ع) مَشهوراً فَضلُه ، ظاهراً نُبلُه ، يَحكِي في أفعَالِه مَنَاسِبَهُ العَالِية)) [من كتابه الحَدائق الورديّة في مَناقب أئمّة الزيدية] .

* قال العلاّمة محمد بن علي الزّحيف : ((كانَ مَشهورَاً فَضلُه، ظَاهراً نُبلُه، وَكَانَ لَهُ مَواقِف عَظيمَة بَين يَدي عمّه الحسين بن علي –عليه السلام- فِي كربلاء، وكَان فَارِساً، له يومئذٍ عشرونَ سَنة، وقَتلَ يَومئذٍ من جنودِ الضّلال عِدّة)) [من كتابه مآثر الأبرار ج1] . 

* قال العلاّمة الحسين بن ناصر الشّرفي : ((الإمِامُ الكَبير الحسَن بن الحسن بن علي عليه السلام ، كَانَ رَجُلاً جَليلاً ، مَهِيباً ، عَابِداً ، فَاضِلاً ، رَئيسَاً ، وَرِعَاً زَاهِداً)) [من كتابه مطمح الآمال ] 

زواجُ الإمام الحسن بن الحسن ، وذِكرُ أولادِهِ (ع) : 

سبقَ وأن أشرنا إشارةً سريعَة إلى أنّ إمامنا الحسن بن الحسن (ع) ، تزوّج بابنة عمّه فاطمة بنت الحسين (ع) ، وحاصلُ هذا الزواج ، أنّ الإمام الحسن قصدَ عمّه الحسين وطلبَ منه أن يُزوّجَه إحدى ابنتيه ، يعني سُكينة وفاطمة ، فقال له عمّه الحسين : اختَر أحبَّهما إليك . فاستحيا الحسن (ع) من عمّه ، ولا يُحِر جَواباً ، فقال الحسين (ع) : قَد اخْتَرتُ لكَ ابنتي فاطمَة ، فَهِيَ أكثَرُهما شَبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول الله (ص) ، فزوّجه إيّاها . وقد كان يُقال بما معناه ، أنّ امرأةً تُختَارُ على سُكينة ، لُمنطقعةُ الجمال ، لأنّ سُكينة كانت جَميلة . 
نعم ! تزوّج الإمام الحسن بفاطمة بنت الحسين ، وأنجبَت منه عبدالله ، وإبراهيم ، والحسن (المثلّث) ، وزينب ، وأم كلثوم ، ويُحكى أنّ جدّه لأمّه ، منظور بن زيَّان الفزاري ، جاءهُ وقالَ له : لعلَّكَ أحْدَثتَ أهلاً ؟ قال : نعَم ، تَزوجّتُ بنت عمّي الحسين بن علي . فقال : بِئسَ ما صَنَعت ، أمَا عَلِمتَ أنّ الأرحامَ إذا التقَت أضوَت؟! ، كانَ يَنبغي لكَ أن تَتَزوّجَ في العَرب . قال : فإنّ الله قَد رزَقَني منها ولداً ، قال : فَأرِنيه . قال : فأخرجَ إليه عبدالله بن الحسن ، فَسُرَّ به وفَرِح ، وقال : أَنْجَبتَ والله ، هذا الليثُ عادٍ ومَعدوٌّ عليه . قال : فإنّ الله رَزَقني منها ولداً آخر ، قال : فأرِنيه . فأخرجَ الحسن بن الحسن بن الحسن ، فَسُرّ به ، وقال : أنْجَبتَ والله ، وهُوَ دونَ الأوّل . قال : فإنّ الله قد رَزَقَني منها ثالثاً . قال : فَأرنيه . فأراهُ إبراهيم بن الحسن بن الحسن ، فقال : لا تَعُدْ إليهَا بعدَ هذا 

وللإمام الحسن بن الحسن (ع) ، جعفر ، وداود ، وفاطمَة ، ومُليكَة ، وأم القاسم ، أمّهم أم ولد . 

وَفَاة الإمام الحسن بن الحسن (ع) : 

تُشير المصادر إلى أنّ وفاة الحسن بن الحسن (ع) ، في العام السادس والتسعين ، وقيل السّابع ، وقيل الثّامن ، والسّلطة الأمويّة هي المُتّهمة بسمّه (ع) ، والرّاجح أن يكون (ع) قد مات مسموماً على يد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك ، وذلك في عام 96هـ، وعُمره خمسٌ وخمسونَ عامَاً ، ودُفِنَ الإمام الحسن في البقيع بالمدنية المنورة ، ولا تحديد بالدّقة لمكان قَبره (ع) ، وقد يُشار إليه بالقُرب من قبر أبيه الحسن بن علي (ع)، ولا صحّة لكونه (ع) تُوفّي وعُمره خمسٌ أو ستُ أو ثمانٌ وثلاون عاماً ، فتكون سنة وفاته (ع) في السنة التاسعة والّسبعين للهجرة على أكثر تقدير ، وهذا يَجعلُهُ غيرُ مُعاصر للوليد بن عبدالملك وهُو المُتهم بِسَمّه بإجماع المصادر الذي تكلّمت عن هذا ، إذ أنّ ولايَة الوليد كانت في الفترة ما بين (86-96هـ) ، ثمّ إنّه يُعترضُ على هذا القول ، بإثبات المَصادر أنّ وقعة دير الجماجم لم تَحدُث إلاّ عام 82 أو 83 هـ ، فيكونُ الحسن بن الحسن قد تُوفّيَ حينَها ، وهذا وَهم ، والصحيح بإذن الله هُو مَا أثبتناه . 

نعم ! حَزِنتَ فاطمة بنت الحسين على زوجها الحسن المثنّى (ع) ، أيّما حُزن ، فقد أُثِرَ أنّها ضربَت فُسطاطاً على قَبره (ع) ، أي بيتَاً من الشّعر ، ومَا بَرِحتهُ تَبكيه وتترّحمُ عليه ، فِرضوانُ الله عليه وعليها وعلى آبائهما ، وخيار أبنائهما ، وسلامٌ وصلاة على أشرف الأنبياء والمُرسلين ، وعلى آله الطّيبين الطّاهرين 

الأحد
12/7/1427هـ
 

صورة 

المَصادِر 

- كتاب المصابيح ، لأبي العباس الحسني (ع) . 
- كتاب الحدائق الورديّة في مناقب أئمّة الزيدية ، للشهيد حميد المحلي . 
- كتاب مآثر الأبرار في تفصيل مُجملات الأخبار ، لمحمد بن علي الزحيف. 
- كتاب الشافي ، للغمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة . 
- كتاب التحف شرح الزّلف ، للإمام مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع) . 
- كتاب الذِّكْر ، للحافظ محمد بن منصور المُرادي . 
- كتاب مَطمح الآمال ، للعلاّمة الحسين بن ناصر الشّرفي . 
- كتاب أخبَار فخ ويحيى بن عبدالله ، لأحمد بن سهل الرّازي . 
- وغيرها .

____________________________________________________
هو ادريس بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الامام الحسن المجتبى بن امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه واله صلوات الله وسلامه

أمه قرشية وهى عاتكة بنت عبدالملك بن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومى

ولد بالمدينة المنورة على ساكنها واله افضل الصلاة والسلام وهو أصغر أبناء أبيه

أخوانه

(محمد دوالنفس الزكية شهيد أحجار الزيت , وابراهيم شهيد باخمرى , سليمان شهيد فخ , يحى صاحب الديلم موسى الجون مات مسموما فى سويقة قرب المدينة , والمولى ادريس أستشهد مسموما فى مدينة وليلى قرب فاس )

قال عنه ابوهاشم الجعفرى داود بن القاسم الطيارى

كان ادريس سيدا جليل القدر عظيم الشأن رفيع المنزلة حسن الأخلاق الرضية والشيم المرضية وجيها عدب المنطق لايمل منه صاحبه من مصاحبته من حسن داته وطيب معاشرته ذا فصاحة وبلاغة وأدب وبراعة فارسا بطلا شجاعا من كبار أعيان ال ابى طالب له فى الحرب مواقف عديدة وغارات جزيلة

وقال ايضا

كنت معه بالمغرب فما رأيت اشجع منه ولا احسن وجها

ووصفه بن العدارى بقوله

وفى سنة 172 ه أجتمعت القبائل على ادريس بن عبدالله من كل جهة ومكان فأطاعوه وعظموه وقدموه على أنفسهم وأقاموا معه مغتبطين بطاعته ومتشرفين بخدمته طول حياته وكان رجلا صالحا مالكا لشهوته فاضلا فى ذاته مؤثرا للعدل مقبلا على أعمال البر


وقال عنه بن خلدون

محا جميع ما كان فى نواحيه من بقايا الأديان والملل , وكان حليف القرآن حسن القراءة شجيها


واقعة فخ

تزعم حركة الثورة الحسين بن على الخير بن الحسن المثلت بن الحسن المثنى بن الامام الحسن المجتبى بن الامام على بن ابى طالب عليه واله السلام اواخر سنة 169 ه فى موسم الحج (8 دى الحجة سنة 169 ه الموافق 11 حزيران سنة 786 م ) ومن المعلوم ان ثائر فخ الحسين بن على الخير والدته تكون زينب بنت عبدالله المحض وبالتالى يكون المولى ادريس خال ثائر فخ وقد شارك المولى ادريس فى المعركة وابلى بلاء حسنا ولكن بعد انهزام الجيش العلوى نجى من المعركة مع خادم له يقال له راشد بن منصت الاوربى اصله من قبيلة اوربة البربرية فى المغرب الاقصى فسار راشد بالمولى ادريس الى دياره وقبيلته مبتعدا عن اماكن نفود الدولة العباسية وكان لابد من المرور على مصر أثناء توجههم نحو المغرب وكانت الخلافة العباسية ابلغت ولاتها وعمالها بصفاته للقبض عليه وكانت نقط الحراسة المعروفة بالمسالح تترقب قدومه للفوز بالغنيمة من الخليفة العباسى لكن الرعاية الالهية ساقت له صاحب بريد مصر واسمه واضح مولى صالح بن المنصور وكان واضح يميل الى العلويين فساعده على الخروج من مصر الى برقة فى ليبيا ومنها الى القيروان فى تونس ثم الى تلمسان بالجزائر فطنجة بالمغرب

ونزل المولى ادريس بواسطة خادمه ضيفا على الامير اسحاق بن عبدالحميد الاوربى زعيم اوربة
فأقبل عليه وأكرمه وبالغ فى بره فاظهر له المولى ادريس امره وعرفه بنفسه فوافقه على حاله وانزله داره وتولى خدمته والعناية بشؤنه بنفسه وتنازل له الامير اسحاق عن زعامة قبيلته ووضعها فى خدمته هى ورجالها الاشداء فدعى اهل المغرب عامة لبيعته وعند اجتماع زعماء القبائل عرفه جماعة منهم كانوا حجوا فى السنة الى وقعت فيها واقعة فخ وشاهدوه يقاتل وقد اصطبغ قميصه بالدماء فعرفوا الجميع بدلك فضله ومكانته وشجاعته وحصل على اعجاب البربر لما سمعوه من شجاعته وبطولته فكانت بيعته فى الرابع من شهر رمضان المبارك سنة 172 هجرية الموافق 6 فبراير سنة 789 م فرقى المنبر وخطب فيهم خطبته المشهورة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى جعل النصر لمن اطاعه وعاقبة السوء لمن عانده ولا اله الا الله المتفرد بالوحدانية الدال على ذلك بما أظهر من عجيب حكمته ولطف تدبيره الدى لايدرك الا أعلامه وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه أحبه وأصطفاه وأختاره وأرتضاه صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين

أما بعد

أدعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله وسلم , والى العدل فى الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والأخد بيد المظلوم , واحياء السنة واماتة البدعة وانفاد حكم الكتاب على القريب والبعيد , واذكروا الله فى ملوك غيروا وللأمان خفروا وعهد الله وميثاقه نقضوا وبنى نبيه قتلوا , وأذكركم الله فى ارامل أحتقرت وحدود عطلت وفى ذماء بغير حق سفكت , فقد نبدوا الكتاب والاسلام فلم يبقى من الاسلام الا أسمه ولا من القران الا رسمه , واعلموا عباد الله أن مما اوجب الله على اهل طاعته المجاهدة لهل عداوته ومعصيته باليد وباللسان , فباللسان الدعاء الى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والحض على طاعة الله والتوبة عن الدنوب بعد الانابة والاقلاع والنزوع عما يكرهه الله والتواصى بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق والتناهى عن معاصى الله كلها والتعليم والتقديم لمن استجاب الله ورسوله حتى تنقد بصائرهم وتكمل وتجتمع كلمتهم وتنتظم , فاذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعا وللظالمين مقاوما وعلى البغى والعدوان قاهرا اظهروا دعوتهم وندبوا العباد الى طاعة ربهم ودافعوا اهل الجور عن ارتكاب ما حرم الله عليهم وحالوا بين اهل المعاصى وبين العمل بها فان معصية الله تلفا لمن ركبها واهلاكا لمن عمل بها و ولايؤيسكم من علوا الحق واضطهاذه قلة انصاره فان فيما بدا من وحدة النبى صلى الله عليه واله وسلم والانبياء الداعين الى الله قبله وثكتيره اياهم بعد القلة واعزازهم بعد الدلة دليلا بينا وبرهانا واضحا قال الله عزوجل 0 ولقد نصركم الله ببدر وانت ادلة ) وقال تعالى ( ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز ) فنصر الله نبيهوكثر جنده واظهر حزبه وانجز وعده جزاء من الله سبحانه وتوابا لفضله وصبره وايثاره طاعة ربه ورأفته بعباده ورحمته وحسن قيامه بالعدل والقسط فى تربيتهم ومجاهدة اعدائهم وزهده فيهم ورغبته فيما يريده الله ومواساته اصحابه وسعة اخلاقه كما ادبه الله وامر العباد باتباعه وسلوك سبيله والاقتداء لهدايته واقتفاء أثره فاذا فعلوا ذلك انجز لهم ما وعدهم كما قال عزوجل ( ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ) , قال تعالى 0 وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان ) وقال ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء دى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ) وكما مدحهم واثنى عليهم كما يقول ( كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) وقال عزوجل ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض ) , وفرض الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واضافه الى الايمان والاقرار لمعرفته , وامر بالجهاد عليه والدعاء اليه قال تعالى ( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق ) وفرض قتال المعاندين على الحق والمعتدين عليه وعلى من امن به وصدق بكتابه حتى يعود اليه ويفىء كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يؤمن ويعترف بشرائعه قال تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفيىء الى امر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين
فهذا عهد الله اليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولاتعاونوا على الاثم والعدوان فرضا من الله واجبا وحكما لازما فاين عن الله تدهبون وانى تؤفكون , وقد خانت جبابرة فى الافاق شرقا وغربا واظروا الفساد وامتلات الارض ظلما وجورا فليس للناس ملجأ ولالهم عند اعدائهم حسن رجاء فعسى ان تكونوا معاشر اخواننا من البربر اليد الحاصدة للظلم والجور وانصار الكتاب والسنة القائمين بحق المظلومين من درية النبيين , تكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين ونصر الله مع النبيين , واعلموا معاشر البربر أنى أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور الذى كثر واتره وقل ناصره وقتل أخوته وأبوه وجده وأهلوه فأجيبوا داعى الله فقد دعاكم الى الله فان الله يقول (ومن لايجيب داعى الله فليس بمعجز فى الارض ولليس له من دونه اولياء )أعادنا الله واياكم من الضلال وهذانا واياكم سبيل الرشاد , وأنا ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ورسول الله وعلى بن ابى طالب جداى وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار فى الجنة عماى وخديجة الصديقة وفاطمة بنت اسد الشفيقة جدتاى وفاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين وفاطمة بنت الحسين سيد شباب اهل الجنة اماى والحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابواى ومحمد وابراهيم ابنا عبدالله المهدى والزاكى اخواى هذه دعوتى العادلة غير الجائرة فمن اجابنى فله مالى وعليه ماعلى ومن ابى فحظه اخطأه وسيرى ذلك من عالم الغيب والشهادة أنى لم أسفك له دما ولا أستحللت محرما ولامالا وأستشهدك يا أكبر الشاهدين واستشهد جبرائيل وميكائيل أنى أول من أجاب وأناب فلبيك اللهم لبيك مزجى السحاب وهازم الأحزاب مصير الجبال سرابا بعد أن كانت صما صلابا أسالك النصر لو لد نبيك إنك على كل شىء قدير والسلام وصلى الله على سيدنا محمد واله وسلم .

فبويع سلام الله عليه أولا من قبيلة اوربة ثم من قبيلة زناتة ومكناسة وغياثة وغمارة وغيرها
رسالة المولى ادريس الى اهل مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فالحمد لله رب العالمين لاشريك له الحى القيوم والسلام على جميع المرسلين وعلى من أتبعهم وآمن بهم أجمعين

أيها الناس

إن الله بعث نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم بالنبوة وخصه بالرسالة وحياه بالوحى فصدع بأمر الله وأتبث محبته وأظهر دعوته , وان الله جل ثناؤه خصنا بولايته وجعل فينا ميراثه ووعده فينا وعدا سعى له به فقبضه اليه محمودا لاحجة لأحد على الله ولا على رسوله صلى الله عليه واله وسلم فلله الحجة البالغة فلو شاء لهذاكم أجمعين , فخلفه الله جل ثناؤه بأحسن الخلافة وغذانا بنعمته صغارا وأكرمنا بطاعته كبارا وجعلنا الدعاة الى العدل القائمين بالقسط المجانبين للظلم ولم نمل اذ وقع الجور طرفة عين عن نصحنا امتنا والدعاء الى سبيل ربنا جل ثناؤه فكان مما خلفته امته فينا , أن سفكوا دمائنا وأنتهكوا حرمتنا وأيتموا صغيرنا وقتلوا كبيرنا وأثكلوا نسائنا حملونا على الخشب وتهادوا رؤوسنا على الأطباق فلم نكل ولم نضعف بل نرى ذلك تحفة من ربنا جل ثناؤه وكرامة أكرمنا بها فمضت بذلك الدهور وأستمرت عليه الأمور وربى منا عليه الصغير وهرم عليه الكبير
http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=1264&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d

_________________________________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم 

الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن ابن رسول الله (ص) : 

نسبه 

هُوَ الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . 

كُنيتهُ و لَقبُه 

يُكنّى (ع) بأبي الحسين ، وقيل أبو عبدالله ، و يُلقّب بـ ( صاحِِب الدّيلم ) ، نظراً لاستقراره حقبةً من الزّمن في بلاد الدّيلم . وكان (ع) يقول : " إنَّ للديّلم مَعَنا خَرجَة فَطَمِعتُ أن تَكونَ مِعِي " ، والذي اتُّفِقَ عليه أنّ هذه الخرجَة كانت من نصيب الإمام الحسيني الناصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب (ع) ( ت 304 ) ،وهُو الذي أسلَم على يديه من عَبَدَة الأشجار والأوثان ألف ألفَ إنسان ، وهُوَ المقبور ببلاد طبرستان بالعاصمَة آمل ( في إيران حاليّاً ) . 

والدُه

* هُوَ عبدالله بن الحسن المثنى ويُلقّب بالمحض لأنّه أوّل فاطمي يَخرُج صَريحاً محضاً من أبوين فاطمِيّين فوالده الحسن المثني (ع) ، ووالدتهُ فاطمة بنت الحسين بن علي عليها وعلى آبائها السلام . ويُلقّب أيضاً بالكامل ، لظهور صفات الكَمال في كثيرٍ من أولاده (ع) ، فمنهُم الأئمة والفُضلاء ، فمِنَ الأئمة محمد النفس الزكيّة ، وإبراهيم النفس الرضيّة ، ويحيى صاحب الديلَم ( وهُوَ صاحب الترجمَة ) ، وإدريس صاحب المغرب ، ومِنَ الفُضلاء موسى الجون ، وسليمان وهُو الشهيد مع ابن أخته الإمام الحسين الفخي بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت 169 ) . 

* وعبدالله المحض (ع) أحَدُ أولئك النّفر الذي حبسَهُم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كافاه الله بصنيعه ، فأغلَظَ عليه وعلى بني الحَسن وأثقلَ قيودَهُم ، وأجهدَ نفسَهُ في أذيّتهُم ، فلا رُحما هاشميّة نفعَت ، ولا رُحما إسلاميّة أثَّرت ، وللّه درّ صاحب الترجمة يحيى (ع) عندما وصفَ حال أبيه وأبناء عمومتهُ مع أبي جعفرٍ المنصور فقال مُخاطباً لهارون الرشيد : (( وقَد قَتَلَ ( أبو جعفر المنصور ) قَبلَهُ ( أي قبلَ محمد النفس الزكيّة ) النّفسَ التقيّة أبِي عَبدالله بن الحسن وإخوَتُهُ وبَني أخِيه، ومَنَعَهُم رُوحَ الحياة فِي مَطَابِقِه، وحَالَ بَينَهُم وبَينَ خُروجِ النّفسِ في مَطَامِيرِه. لايَعرِفُون اللّيل مِنَ النّهارِ ولا مَواقِيتَ الصّلاة إلا بِقرَاءة أجزَاء القُرآن تَجزئةً ، لمّا عَانَوا مِن دِرَاسَته فِي آنَاء الليل والنهَار حِينَ الشتاء والصيف، حَالَ أوقَات الصلوات قَرمَاً منهُ إلى قَتلِهِم، وقَطعاً لأرحَامِهِم، وتِرَةً لرسول الله فيهِم. فَولَغَ ( أبو جعفر المنصور ) فِي دِمَائهِم وَلغَان الكلب، وضريَ بقتلِ صَغيرِهِم وكَبيرِهِم ضَراوَة الأسَد، ونهَمَ بِهِم نَهم الخنزير، والله لهُ ولمَن عَمِل بِعَمَلِه بِالمرصَاد )) . 

* ويصفُ الإمام يحيى بن عبدالله (ع) والدَهُ بأفضل الأوصاف وهُو يتحسّرُ عليهِ وعلى أبناء عمومته من بني الحسن عليهم السلام ، فيقول مُخاطباً لهارون الرّشيد : (( وكَيفَ لا أطلُبُ بِدِمَائهِم وأنَامُ عَن ثَأرِهِم ؟ والمَقتُولُ بالجوعِ والعَطَش والنّكَال، فِي ضِيق المحَابس، وثِقَل الأغلال، وعدو العَذاب، وتَرادُف الأسواط، أبِي عَبد الله بن الحسن النفس الزكيّة والهمّة السنيّة، والدّيانَة المرضيّة، والخشيَة والبَقيّة ، شَيخُ الفَواطِم وسَيّد أبَناء الرّسُل طُرّا، وأرفَعُ أهل عَصرهِ قَدراً، وأكرَمُ أهل بِلاد الله فِعلاً. ثمّ يَتلوهُ إخوَتُه وبَنوا أبيه، ثم إخوَتي وبَنوا عُمومَتي، نجومُ السّماء، وأوتَاد الدّنيا، وزينَة الأرض، وأمَان الخَلق، ومَعدِنُ الحِكمَة، ويَنبوعُ العِلم، وكَهفُ المظلوم، ومَأوى الملهُوف، مَامِنهُم أحَدٌ إلا مَن لَو أقسَمَ عَلى الله لبرّ قَسَمه )) . 

* استشهد عبدالله المحض (ع) سنة 145 هـ . 

أمه

هيَ قُريبَة ابنة عبدالله ( يُعرَف بربُيح ) بن أبي عبيدَة بن عبدالله بن زمعة بن الأسود بن المُطلب بن أسد بن عبدالعزى بن قصي . 

نشأة الإمام يحيى بن عبدالله 

نَشأ الإمام يحيى بن عبدالله (ع) في بلادِ بني المحض في قرية سويقَة من قُرى المدينة المنورة ، وبها عاصرَ مَشيخَة بني الحسن عليهم السلام ، وعاصرَ نكبَاتهم وعَايَشَ مآسيهَم ، يتنقّلُ مُنذ نعومة أظفارَه بينَ الأراملِ واليتامَى ، يَرى الجوعَ والفقر ، ويَشهدُ الأمرَ بالمنكَر والنهيَ عَن المَعروف ، والتقرب إلى سلاطين الجور من عُمَّال السّوء ،عاصرَ صَلبَ وتحريق جسدَ عمّه زيد بن علي (ع) ، عاصرَ مُصيبةَ يحيى بن زيد قتيل أرض الجوزجان ، عاصرَ قتلَةَ أبيه المحض في مطابق بني العبّاس ، عاصرَ سيلانَ دم أخيه النفس الزكيّة إلى أحجار الزّيت ، عاصرَ مَذبحَة باخمرَى الدائرة على أخيه إبراهيم ، عاصرَ وعايشَ وشاركَ موقعَةَ ابن أخته الحسين الفخي في أرض فخ ، هكذَا نشأ الإمام صاحب الدّيلم ، الفَجيعَة تعقبها الفجيعَة ، البلاءُ يَتبَعهُ البلاء ، وللّه درّه عندما قال مُتوجّعاً من هذه البلاءات والمصائب المُتتابعَات على أهل بيته (ع) ، مُخاطباً لهارون الرشيد العباسي : (( فَما أنْسَ مِن شَيء فَلا أنسَى مَصَارِعَهُم ، ومَا حَلَّ بِهِم مِن سُوء مَقدِرَتِكُم، ولُؤم ظَفَرِكُم، وعَظيم إقدَامِكُم، وقَسوَةَ قُلوبِكُم، إذْ جَاوزتُم قتْلَة مَن كَفَر بالله إفرَاطاً، وعَذابَ مَن عَانَدَ الله إسرَافاً، ومُثلةَ مَن جَحَد الله عُتواً. وكَيفَ أنسَاه؟ ومَا أذكُرُه لَيلاً إلا أقَضَّ عَليَّ مَضجَعِي، وأقلقَنِي عَن مَوضِعِي، ولا نَهَاراً إلا أمَرَّ عليَّ عَيشِي ، وقَصّرَ إليَّ نفسِي، حَتى لَودَدْتُ أنِّي أجِدُ السبيلَ إلى الاستعَانةِ بالسّبَاع عَليكُم فَضلاً عَن الإنس فَآخُذَ مِنكُم حَقَّ الله الذي أوجَبَ عَليكُم، وأنتصِرَ مِن ظَالِمِكُم؛ فَأشفِي غَليلَ صَدرٍ قَد كَثُرَت بَلابِلُه، وَأُسْكِنَ قَلباً جمّاً وسَاوسه مِن المؤمنين، وأُذهِبَ غَيظَ قُلوبِهِم ولَو يَومَاً واحِداً ثمَّ يَقضِي الله فيَّ ما أحَبَّ .. )) اهـ ، ومنهُ نستشفُّ الويلات التي كانَ يُكابُدها إمامُنا يحيى بن عبدالله الحسني (ع) ، وحُقَّ له أن يتوجّع ، وحُقَّ لنَا أن نتوجّع لوجَعَه ، سلام الله عليه . 

الإمام يحيى بن عبدالله مع الإمام الحسين الفخي : 

* خرجَ الإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) من المدينة المنورة إلى سويقَة ، بأمرٍ من الوالي العُمَرَي عمُر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب ، لكي يُحضِرَ الحسن بن محمد بن عبدالله المحض إلى دار الإمارة ، وهُناك استقبله بني المحض وعلى رأسهِم الإمام يحيى بن عبدالله (ع) ، واجتمعَ الجميع على عدم التسليم للعُمري ولا للخليفة العبّاسي موسى بن محمد ، وعلى المُبايعَة للحسين الفخي إمامَ هُدىً عليهِم ، لهُ السمعَ والطّاعَة والمُناصرَة ، وفي بيعتهِ بالإمامَة الخاصّة يقولُ الإمام إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى (ع) : (( بايَعنَا الحُسين بن علي الفخي على أنّهُ الإمام )) روى هذا الأثَر عنه ابنهُ نجم آل الرسول وتُرجمانهُم القاسم الرسي (ع) ، وقَد كان الحسين الفخي (ع) يُريد اجتماعًا أكبرَ لبني فاطمة فأرسلَ إلى الإمام موسى الكاظم (ع) وإلى عبدالله الأفطس بن الحسن بن علي بن علي زين العابدين (ع) ، فكان الإمام يحيى بن عبدالله (ع) رَسولَ الحسين إلى الإمام موسى الكاظم (ع) . [ للتوسّع حولَ حادثَة فخّ راجع سيرة الإمام الحسين الفخي (ع) ، ونكتفي هُنا بإبراز دورِ يحيى بن عبدالله (ع) في هذه الحادثَة ] . 

الإمام يحيى بن عبدالله رَسُولٌ إلى الإمام موسى الكاظم (ع) 

يَروي مُحدّث الآل وحَافِظُهم أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ( ت 353 ) في كتابه المصابيح ، أنّ الإمام يحيى بن عبدالله (ع) قال بعدَ مُبايعتهِ وإخوته للحسين الفخي (ع) : (( خَرَجتُ عَلى دَابّتِي رَكْضَاً مُسرِعَاً حَتى أتيت حَدباً ، وهُوَ عَلى مِيلَين مِنَ المدينة وبِهَا مُوسَى بن جَعفر، وكانَ مُوسَى شَديدَ الغِيرَة، فَكَانَ يَأمُرُ بِإغْلاقِ أبْوابِه والاسْتِيثَاقِ مِنهَا، فَدَقَقْتُ بَابَهُ فَأطَلْتُ حَتَى أُجِبْت، وخَبَّرْتُ بِاسْمِي ، فَأخْبَرَ الغِلمَانُ بَعضَهُم بَعضَاً مِن وَرَاء الأبْواب وهِيَ مُقفَلَة حَتّى فُتِحَتْ وأُذِنَ لِي، فَدَخَلتُ، 
فَقَال : أيْ أخِي فِي هَذِه السّاعَة؟! 
قُلتُ: نَعَم ! حَتّى مَتَى لايُقَام لله بِحَقّ ؟! وحَتّى مَتَى نُضْطَهَدُ ونُسْتَذَل ؟ 
فَقالَ: مَا هَذَا الكَلام!؟ 
قُلتُ: خَرَج الحُسينُ وبَايَعنَاه، فَاستَرجَع ( أي قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون )، قُلتُ:جُعِلتُ فِدَاك فِي أمْرِنَا هَذا شَيء ؟ )) اهـ ، ثمّ اجتمعَ الإمام الكاظم (ع) مع الحسين الفخي ، وبايعَه وأشركَ نفسهُ في أمرهِ هذا ، واعتذرَ عن المُشاركَة في الخروج لِثِقَلِ ظَهرِه ، وكَثرَة عِيالِه ، وفي ذلكَ يقول الكاظم (ع) : (( يا بني عمّي أجهِدُوا أنفُسَكُم في قتالِهِم ، وأنَا شَريكُكُم في دمائهم ، فإنَّ القومَ فُسّاق ، يُسِرّونَ كُفراً ، ويُظهرونَ إيماناً ))، وبيعَة الإمام الكاظم (ع) للحسين الفخي ، مأخذٌ يُؤاخَذُ بهِ أهل النصّ من الجعفريّة ، إذ كيفَ للإمام أن يُبايعَ غيرَه ؟! ، بل ويَطلُبُ السّماحَ من المُبايَع لَه ، لعدم المقدرَة على الخروج ! ، مهَما يكن ( فليسَ هذا مكان التوسّع بل مكان الإشارَة للباحِث ) . 

* دخلَ الإمام الحسين الفخي المدينة المنورة صُبحاً ومعه أبناء عمومته ومواليهم ، وفي مسجد رسول الله (ص) كان المؤذن يتأهّبُ لأذان الفجر ، فداهمهُ يحيى بن عبدالله (ع) وكان مُتقلّداً سيفهُ ، فأمرَهُ أن يُؤذّن بـ " حيّ على خير العمل " ، فرفضَ المؤذّن ، فأصلت يحيى (ع) سيفَهُ ، فأذّن المؤذن وهو مَرعوب . 

* هاجَم البربري عامل بني العباس على الصوافي وحاشيته الإمام الحسين الفخّي وهُو في المسجد النبوي الشريف ، فتقدّم البربري جنودَهُ وجعلَ يُغلِظُ الكلام على الإمام الحسين (ع) ، فتناولهُ يحيى بن عبدالله – وقيل إدريس بن عبدالله – بسيفهِ فَقَدَّ البيضَةَ والرفادَة والمغفَر، وخرّ صريعاً . فاختلّ جيش البربري وظفرَ الإمام الحسين الفخي (ع) ومَن مَعه عليهم . 

* وفي ميدان المعركة ، وقبلَ أن تُقرَع طبول المَعركة بين الحق والباطل ، خرجَ يحيى بن عبدالله (ع) راكباً فَرَسَهُ ، وهُوَ مُحمَّلٌ بعزيمَة أهل البيت (ع) ، فاستقبلَ النّاس ، حامداً لله ، مُصليّا على نبيه (ص) ، قائلاً: (( أبْشِروا مَعشَر مَن حَضرَ مِنَ المُسلمِين ، فإنَّكم أنصَارُ الله وأنصَارُ كِتَابِه ، وأنْصَارُ رَسولِه وأعوانُ الحق، وخِيارُ أهلِ الأرض، وعَلى مِلّة الإسلامِ ومِنهَاجِه الذي اختَارَه لأنبيَائهِ المُرسَلين ، وأوليائه الصّابرين، أوَمَا سَمِعتُم الله يَقول: {إنَّ اللَّه اشْترَى مِن المؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُم بأنَّ لهُم الجنّةَ يُقاتلونَ في سبيلِ الله فَيقتُلونَ ويُقتَلون وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومَن أوفَى بعهدِه من الله فاستبشروا بِبَيعِكم الذي بَايَعتُم به وذلكَ هُو الفوزُ العظيم ، التّائبون العابدونَ الحامدونَ الرّاكعونَ السّاجدونَ الآمرونَ بالمعروف والنّاهونَ عن المُنكَر والحافِظونَ لحدودِ الله وَبشِرِ المُؤمِنِين}. 

ثم قال : والله مَا أعرِفُ عَلى ظَهرِ الأرضِ أحَداً سِواكُم، إلاّ مَن كَانَ على مِثلِ رأيِكُم حَالَت بَينَكُم وَبينَه المعَاذِير، إمّا فَقيراً لا يَقدرُ على مَا يَحتَمِلُ بهِ إلينَا فَهُو يَدعُو الله في آناءِ لَيلِه ونَهَارِه، أو غَنيّاً بَعُدَتْ دارُه مِنّا فَلم تُدركهُ دَعوتُنا، أو مَحبوسٌ عِند الفَسَقَة وقَلبُه عِندنَا، ممّن أرجُو أن يَكونَ ممّن وفّى لله بما اشترى مِنه، فَمَا تَنتظرونَ عِبادَ الله بِجهادِ مَن قَد أقبلَ إلى ذُرِّيَة نبيكم لِيَسبُوا ذَرَارِيهم ويجتاحوا بقيتهم؟.

ثم قال: اللهم احْكُم بينَنَا وبينَ قَومِنا بالحق وأنتَ خيرُ الحاكمِين 
)). ومنها مع مواقفه المرسومَة نستشفّ حُسنَ استبسالهُ في مُناصرَة الحق ، معَ إمامه الحسين الفخي (ع) . 

* اشتبكَ الحق والباطل في معركةٍ غير مُتكافئة ( معركة فخ ) في يوم التروية الثامن من شهر ذي الحجة سنة ستة وتسعون ومائة ، وفيها قُتِلَ الإمام الحسين الفخي وسليمان بن عبدالله المحض ، ونجَى منها إمامنا يحيى بن عبدالله (ع) والذي شبّههُ البعض بالقنفذ عندما نجى من المعركة ، وذلكَ لكثرة النشابات والجراحات التي عالجته ، ونجى معه إدريس بن عبدالله (ع) ( صاحب المغرب ) ، والدّماء تخضبُ بدنهُ وثيابه . 

* ومن هُنا بدأ الإمام يحيى بن عبدالله (ع) رحلتهُ الآمرَة بالمعروف والنّاهيَة عن المُنكر، والتي يَدعو فيها النّاس إلى مُبايعته ونُصرته ، في سبيل إحياء السُنن وإماتة البدع ، وإظهار دين الله حقّاً حقّاً ، مُقتدياً بإخوته محمد وإبراهيم ، وبأبناء عمومته زيد وابنه يحيى ، ومُقتدياً بابن أخته الحسين الفخي (ع) ، وكانَ يعوقهُ عن هذه العقيدة الرّاسخة وتحقيها، تتبّع جواسيس بني العبّاس له ، واستبسالهِم في التضييق عليه ، ولهذا اضطرّ (ع) أن يَنفُذ بدينه ودَعوته إلى أرض الله الواسعَة حتّى تقوى شوكتهُ فتكون حركته مُحصّنةً وعلى الطّغيان قاضية . 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) مُهاجراً إلى الحبشة : 

وكمَا هربَ أصحاب نبي الله وخاتم رسله محمد بن عبدالله (ص) إلى أرض الحبشة هاربينَ بدينهم من كُفار قريش ، هَربَ يحيى بن عبدالله وأخوه إدريس وابن عمهم إبراهيم طباطبا ( والدُ وشيخ نجم آل الرسول القاسم الرسي (ع) ) ، ومَن معهُم ، إلى أرض الحبشة هاربين بدينهم خوفاً من بني العبّاس كافاهم الله ، وأعانهُم على هذه الرّحلة رجلٌ مِن بني خُزاعة ، وهُوَ الذي كان قَد اهتمّ بجراحاتهم بعد المعركة ، ثمّ قام بإمدادهم بالمركب والدليل ليشقّوا طريقهُم إلى الحبشة آمنين ، وهُناك استقبلَهُم مَلكُها فأجزَلَ صِلَتهُم وأحسنَ إليهِم ، وأقاموا فترةً من الزّمن على أمل أن تملّ أعين بني العبّاس من قصّ آثارهم ، وتتبع أخبارِهم في بلاد الإسلام، وهُناك عادَ هؤلاء النّفر من بني فاطمة (ع) إلى بلاد الإسلام على دُفعات مُتتابعَة ، فكانَ أوّلُ الواصلين منهم إلى المدينة المنورة عابدُ الآل إبراهيم طباطبا وهُناكَ أعقبَ (ع) ذريّته الطّاهرَة ، وقد كان أرادَ الارتحال إلى البصرَة ماراً بالكوفَة وهُناك وشَى به مَن وَشى ، فعالجتهُ جلاوزةُ بني العبّاس وطُرِحَ في المطبق العبّاسي بأمرٍ من موسى بن محمد الخليفة العباسي كافاه الله بعملِه ، وفي تلكَ الفترة تعرّض سادات أهل البيت (ع) لكثيرٍ من الأذى من قِبلَ السلطة العبّاسية ، القاسم بن محمد بن عبدالله المحض قُطّعت أعضاؤه بالمناشير، والحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ، بٌنيَ عليه في بيتٍ مليءٍ بالتبن ، وأثاروا الدخان فيه ، فأنجاه الله ، وحُبسَ مع خاله موسى الجون ، ولمّا كانت هذه الأخبار تقرع مسامع إمامنا يحيى بن عبدالله وأخوه إدريس (ع) فإنّهما تألّما الشيء الكثير . 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) يلتقي شيعته ، ويبعث رسله إلى الأمصار : 

ومعَ ذلك لم يسعهُم إلاّ العودة من الحبشة ، فقصدا مكاناً يُقال له ( فرع المسور ) ، وقد كان أيام إقامته في الحبشة قد أرسل كُتبه ورسائله إلى علماء المسلمين وعامّتهم ، يحثّهم على إجابة داعي الله ، وداعي آل الرسول ، فأجابه خلق من خيار أهل الأرض ، وواعدَهُم بمنى في شعب الحضارمة ، وهُناك التقى منهم سبعون رجلاً ، وشارورهم في الأمر ، فأشاروا عليه استجلاب المزيد من الأصحاب ، بالكتابة والمراسلة ، وأنّ فريضة الجهاد لا يعدلها عندَ الله شيء ، فوجّه (ع) إلى العراق ثلاثة ، وإلى المغرب أخوه إدريس ، وهُناك أوصاه ، وأخبرهُ أنّ لهم رايةٌ في المغرب ستُرفَع ، وهُناك أبلى إدريس بن عبدالله (ع) بلاءً حسناً ، وكان يمين أخيه يحيى وعضيده الأمين ، نعم ! ووجه الإمام يحيى (ع) إلى أهل مصر ثلاثة رجالٍ أكفّاء ، وكان قد كتبَ معهم الفقيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ( وهو أستاذ محمد بن إدريس الشافعي ) ، كتاباً إلى أبي محمد الحضرمي ، يحثّه فيه ومن معه على إجابة داعي أهل البيت ، وفي هذه المرحلة خطى يحيى بن عبدالله (ع) خطوةٌ قوية لتأسي ثورةٍ علويّة فاطميّة آمرةٍ بالمعروف ناهيّةٍ عن المنكر ، إلاّ أنّ أعين الخلافة العباسية لم تكن بعيدةً عن تصرفات يحيى ، ولا عن رُسله وأتباعه في الأمصار ، فتعقّبوا رٌسلَهُ واتباعهم ، وكانوا يُعذّبون من يقع تحت أيدهم عذاباً نُكراً ، إلى أن أفشلوا ما كان إمامنا الحسني يحيى (ع) قد بناه ، مما اضطرّه إلى الفرار فقصد بادئ الأمر بغداد . 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) في بغداد 

دخل الإمام يحيى (ع) بغداد وسط أعينٍ عباسيّة مُتيقّظة ، ولجأ إلى بيت بعض أصحابه هناك ، فبلغ الخلافة العباسيّة وجود يحيى بن عبدالله في بغداد ، فمُنعِ الدخول والخروج منها ، وشُدّدت الحراسة ، وأُمرَ الحرّاس أن يأتوا بكلّ غريب من كل دربٍ وخانٍ وسوق ، بُغية القبض على الإمام (ع) ، فرجعَ صاحب الإمام يحيى (ع) مُغتماً لما أحدثته الخلافة في بغداد ، وأخبر يحيى بن عبدالله (ع) بهذه الأمور ، وهُناك أمره يحيى (ع) بأن يشتري له بغلين فارهين ، فاشتراها الرجل ، وجعلَ منها يحيى (ع) بغالاً تُشبه بغال البريد ، فلمّا مضى من الليل ثلثاه خرج على أنّه ساعي البريد ، وهُناك فتّحت له أبواب المدينة ، فمضى ومعه صاحبه ، فلمّا دنى من سكّة البريد ، نزلَ وتركَ البغل ، وبدّل من هياته ، وتعمّم بعمامة خَلِقَة كأنّه أعرابي ، وكانت شرطة البريد بأمر الخلافة مشدّدة في معرفة الأشخاص المارّين بها ، فلمّا أراد أن يُجاوز (ع) السكّة منعه صاحب المسلحَة ، فقال له يحيى (ع) : ويحُك أمثلِي يُمنَع ! ، إنّما يُمنع رجلٌ عليه شارة الدّنيا ، فما زال بالرّجل يُحاول معه ، حتّى اشترطَ العامل على يحيى (ع) أن يُنشده شعراً ويسمحُ له بالعبور ، فأنشده (ع) ، بشعرٍ تمثّل به زيد بن علي وابنه يحيى بن زيد وأخواه محمد النفس الزكية وإبراهيم النفس الرضيّة ، وهوَ الشعر الذي يجهله العبّاسيّون ، فأنشأ (ع) : 

مُنخَرقُ الخُفَين يَشكو الوجَا ****** تَنْكُبُهُ أَطرافُ مَرْوٍ حِدَاد 
شرَّدهُ الخوف من أوطانه ******* كذاك من يكره حرَّ الجلاد 
قد كان في الموت له راحة ****** والمَوت حتم فِي رقابِ العباد
 

وما عرفَت السلطات بخروجه (ع) من بغداد ، إلاّ عند وجود البغلين في الطريق ، وعند سؤال أهل السكّة عن المارّين بهم ، فقالوا لم يمرّ بنا إلاّ أعرابي انشدهُم بعض أبياتٍ من شعر ، فسألوهم عن الأبيات ، فعرفوا أنّه يحيى بن عبدالله (ع) من شعره الذي ما تمثّل به إلى سادات الحسن والحسين (ع) . وكان يحيى (ع) قد قصد بلاد اليمن . 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) في اليمن : 

دخل الإمام يحيى بن عبدالله (ع) اليمن ، وهُناك قصد مدينة صنعاء ، واختفى عند رجل يُقال له زكريا بن يحيى بن عمر بن سابور ، ومكث عنده ثمانية أشهر ، وكان العلماء تلتقيه ، وكتبوا عنه علماً جمّاً كثيراً ، وكان الشافعي من أصحابه . ثمّ خرج (ع) من اليمن قاصداً بلاد طبرستان ، بعد أنّ مرّ بشعاب مكة المكرمة . 

مكاتبة الإمام يحيى بن عبدالله لملك طبرستان ، ومكوثه في الديلم ، وأمان الرشيد

كاتبَ الإمام يحيى (ع) ملك طبرستان ( شروين ) يسأله أن يؤويه ثلاث سنين ، فأجابه شروين : أنّه على استعداد أن يؤويه الدّهر كلّه ، ولكنّ بلاده غير منيعة إن طلبته السلطات العباسيّة ، ولكنّه أشار إليه بالالتحاق بملك الديلم ( جستان ) ، وسارَ معهُ (ع) إلى ملك الديلم ، وهناك استقبلهم جستان بكلّ تهليلٍ وترحيب ، فعُقِدَت المجالس ، وتبصّر النّاس ، وتعلموا شرائع الإسلام ، فدخلوا فيه على يديه أفواجاً بعد أفواج ، فعلا صيته (ع) ، وكاتبَه أهل الأمصار ، فأتته البيعات تحفُل ، فبلغ هذه الأخبار ، بل الصواعق، مسامع هارون الرشيد ، فاغتم لهذا ، غمّاً عظيماً ، فوجّه من فوره سبعين ألف رجل بقيادة يحيى بن خالد بن برمك ، وأمدّه بالمال والعتاد وأشرف بنفسه على القوات ، فسار البرمكي من ساعته ، وكانت الإمدادت تأتيه يوماً ، فكانت قوة الجيش في ازدياد مستمر، واستخدم هارون أيضاً حيلةً السياسة مع ملك الديلم ، فأغدق عليه من الهدايا ، المال وثياب الخز والحرير والديباج بكميّات كبيرة وخياليّة ، ولكنّ جستان رفض تسليم يحيى (ع) لهم ، وكتب هارون أماناً إلى يحيى بن عبدالله (ع) ، على ألاّ يتعرّض له ، وأن يعطيه من الأموال الشيء الكثير والأراضي ، وأن يُنزلَهُ من البلاد ما أحبّ ، فأجابه يحيى بن عبدالله (ع) ، مُرتكناً على الله ثمّ على حماية جستان التي قد أعطاهُ إياها ، فقال (ع) لهارون العباسي : 

بسم الله الرحمن الرحيم 

أمّا بَعد فَقد فَهمْتُ مَا عَرَضْتَ عليّ مِنَ الأمَان على أن تَبذُلَ لِي أمْوالَ المسلمين، وتُقطِعَنِي ضِياعَهم التي جَعَلها الله لهم دُوني ودُونَك، ولَم يَجعَل لنَا فِيهَا نَقيراً ولا فَتيلا، فَاستَعظَمتُ الاستمَاع لهُ فَضلاً عَن الرّكون إليه، واسْتَوحْشتُ منهُ تَنـزهاً عَن قَبولِه. فَاحبِس أيّها الإنسَان عنّي مَالَك وإقِطَاعَك وقَضَائِكَ حَوائجِي، فَقد أدّبَتْنِي أمّي أدَباً نَاقِصَاً وَولَدَتْنِي عَاقّا قَاطِعَاً [ هذا الكلام منه (ع) كناية عن المبالغة في عدم الانقياد منه لهارون ]، فَوالله لَو أنَّ مَن قَتلتُم مِن أهلِي تُركاً ودَيالِم على بُعدِ أنْسَابِهِم مِنّي وانقِطَاعِ رَحِمِهِم عنّي لَوجَبَت عَليّ نُصرَتُهم، والطّلبُ بِدِمَائهِم، إذْ كَانَ مِنكُم قَتلُهم ظُلماً وعُدواناً، والله لَكُم بالمرصَاد لمِا ارتَكَبتُم مِن ذَلك، وعَلى الميعَاد لما سَبقَ فِيه من قولِه ووعِيدِه، وكَفَى بالله جَازياً ومُعاقباً ونَاصِراً لأوليَائه ومُنتقمَاً مِن أعدَائه. 

وكَيفَ لا أطْلُبُ بِدِمَائهم وأنَامُ عَن ثَأرِهِم؟ والمَقتولُ بِالجوعِ والعَطَشِ والنّكالِ، فِي ضَيّق المحَابِس، وثِقَل الأغلال، وعَدو العَذاب، وتَرادُف الأسْوُط، أبي عَبد الله بن الحسن النفس الزكية والهمّة السَنيّة، والدّيانَةِ المرضيّة، والخَشيَة والبَقيّة ، شَيخُ الفَواطم وسيّد أبناء الرّسل، زَمنه طرّا، وأرْفَعُ أهْلِ عَصرِه قَدراً، وأكْرَم أهلِ بِلادِ الله فِعلاً. ثمّ يَتلوه إخْوَته وبَنوا أبيه، ثمّ إخْوتي وبَنوا عمومَتي، نجومُ السّماء، وأوتَاد الدّنيا، وزِينَة الأرْض، وأمَانُ الخَلق، ومَعدِن الحِكمَة، ويَنبوعُ العِلم، وكَهفُ المظلوم، ومَأوى الملهوف، مَامِنهُم أحَدٌ إلاّ مَنْ لَو أقسَمَ عَلى الله لبرّ قَسَمُه. 

فَمَا أنْسَ مِن شَيءٍ فَلا أنْسَى مَصَارِعَهُم، ومَا حَلّ بِهم مِن سُوءِ مَقدِرَتِكُم، ولُؤمِ ظَفَرِكُم، وعَظِيمِ إقْدَامِكُم، وقَسوَةِ قُلوبِكُم، إذْ جَاوزْتم قِتْلَة مَن كَفَرَ بالله إفْرَاطاً، وعَذَابَ مَن عَانَد الله إسْرافاً، ومُثلةَ مَن جَحَدَ الله عتواً. وكَيفَ أنْسَاه؟ ومَا أذْكُرُه لَيلاً إلا أقَضَّ عَليَّ مَضْجَعِي، وأقْلَقَنِي عَن مَوضِعِي، ولا نَهَاراً إلا أمَرَّ عليَّ عَيشِي وقَصّرَ إليَّ نَفسِي، حَتى لَودَدْتُ أنِّي أجِدُ السّبيل إلى الاسْتِعَانَة بِالسّبَاعِ عَليكُم فَضلاً عَن الإنس فَآخُذَ مِنكُم حَقّ الله الذي أوجَبَ عَليكُم، وأنْتَصِرَ مِن ظَالِمِكُم؛ فَأشْفي غَليلَ صَدرٍ قَد كَثُرَت بَلابِله، وَاُسْكن قلباً جماً وسَاوِسُه مِنَ المؤمنين، وأُذهِب غَيظَ قُلوبِهم ولَو يَوماً واحداً ثمّ يَقضِي الله فيَّ مَا أحب. فَإن أعِشْ : فَمُدْرِكٌ ثأرِي دَاعيَاً إلى الله عَلى سَبيلِ رَشَادٍ أنَا ومَنِ اتّبَعَني، نَسْلُك قَصدَ مَنْ سَلَفَ مِنْ آبآئي وإخْوتِي وإخْواني القَائمينَ بِالقْسط، والدّعَاة إلى الحَق. وإنْ أمَتْ: فَعَلَى سُنَنِ مَا مَاتوا ، غَيرَ رَاهبٍ لِمَصْرَعِهِم ولا رَاغِبٍ عَن هَدْيِهِم، فَلِي بِهِم أًسوَةُ حَسَنة ، وقًدوةٌ هَادِية. 

فَأوّلُ قُدْوَتِي مِنهم: أمير المؤمنين صلوات الله عليه، إذْ كَانَ مَازال قَائماً حِينَ القِيامِ [على المؤمن] مَعَ الإمكَان حَتماً ، والنّهوضِ لمجَاهَدَة الجَائرينَ فَرضَاً، فَاعتَرَضَ عَليه مَنْ كَان كالظّلف مَع الخفّ، ونَازَعَهُ مَن كَانَ كَالظّلْمَةِ مَعَ الشّمْس، فَوَجَدُوا لَعَمْر الله مِنْ حِزبِ الشّيطان مِثلَ مَنْ وَجَدْتَ، وظَاهَرَهُم مِن أعَدَاء الله مِثلَ مَنْ ظَاهَرَكَ، وهُمْ لِمَكَانِ الحقّ عَارِفُون، وبِمَواضِعِ الرّشدِ عَالِمُون، فَبَاعُوا عَظِيمَ جَزَاء الآخرَة بَواتِحِ عَاجِلِ الدّنيَا، ولَذِيذِ الوَلاء الصّدقِ بَغَلِيظِ مَرَارَة الإفْك. ولَو شَاءَ أميرُ المؤمنين لَهَدأتْ لَهُ ، وَرَكُنَتْ إليهِ بِمُحَابَاةِ الظّالِمين، واتّخَاذِ المُضِلّين، ومُوالاةِ المَارِقِين. ولِكنْ أبَى الله ورَسُولَه أنْ يَكونَ للخَائنِينَ مُتّخِذاً، ولا للظّالمينَ مُوالياً، ولَمْ يَكنْ أمْرُهُ عِندَهُم مُشْكِلاً، فَبَدّلوا نِعمَتَ الله كُفراً، واتّخَذُوا آياتَ الله هُزؤاً، وأنْكَرُوا كَرَامَةَ الله، وجَحَدُوا فَضِيلَة الله لنَا. فَقَالَ رَابِعُهُم: أنّى تَكونُ لَهُ الخِلافَةُ والنبوّة؟__حَسَداً وبَغيَاً، فَقَدِيماً مَا حُسِدَ النّبيئونَ وآل النّبيئين، الذّينَ اخْتَصّهُم الله بِمِثلِ مَا اخْتَصّنَا، وأخْبَر عَنهم تَبارك وتَعالى فَقَال: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا )) ، فَجَمَعَ لهُم المكَارِمَ والفَضَائلَ والكِتابَ والحِكمَةَ والنبوّة والمُلكَ العَظِيم، فَلمّا أبَوا إلاّ تَمَادِياً فِي الغَيّ وإصْرَارَاً عَلى الضّلالِ جَاهَدَهُم أمِيرُ المؤمنينَ حَتّى لَقِيَ الله شَهِيداً صَلواتُ الله عَليه. 

ثُمّ تَلاهُ الحَسَن ابنهُ ، سَلَيلُ رَسُولِ الله صلّى الله عَليه ، وشَبِيهُهُ وسَيّدُ شَبَابِ أهْلِ الجنّة ، إذْ كُلُّ أهْلِهَا سَادَةٌ فَكَيفَ بِسيّدِ السّادَات، فَجَاهَدَ مَنْ كَانَ أمِيرُ المؤمنينَ جَاهَدَه، وسَكَنَ إليهِ مِنَ المُسلِمِينَ مَنْ كَانَ شَايَعَهُ مِنْ ذَوِي السّابِقَةِ وأهْلُ المَأثَرَة، فَكَانَ أوّلَ مَنْ نَقَضَ مَا عُقِدَ لَه ونَكَثَ عَمّا عَاهَدَهُ: عَمُّكَ عُبيدالله بن العَبّاس، حِينَ اطْمَأنّ إليهِ، وظَنَّ أنَّ سَرِيرَتَهُ لله مِثلَ عَلانِيَتِه، وجّهَهُ عَلى مُقَدّمَتِهِ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشرينَ ألفاً مِنَ المُسلِمِين، فَلَمّا نَزَلَ مَسْكَناً مِنْ سَوادِ العِرَاقِ بَاعَ دِينَهُ وأمَانَتَهُ مِنِ ابْنِ آكِلَةِ الأكْبَادِ بِمَائةِ ألْفِ دِرْهَم ، وفَرّقَ عَسْكَرَهُ لَيلاً، ولَحِقَ بِمُعَاويَة، فَدَلَّهُ عَلى عَوَرَاتِ عَسْكَرِ ابْنِ رَسُولِ الله ، وأطْمَعَهُ فِي مُبَارَزَتِهِ بَعدَ أنْ كَانَتْ نَفْسُهٌ قَد أُحِيطَ بِهَا، وضَاقَ عَليهِ مَورِدُهُ ومَصْدَرُه ، وظَنّ أنْ لا مَطْمَعَ لَهُ حِينَ اسْتدرج وامهل لَه. فَارْتَحَلَ الحسَنُ بِنَفْسِهِ بَاذِلاً لَهَا فِي ذَاتِ الله ، وَمُحتَسِباً ثَوابَ الله، حَتّى إذَا صَارَ بِالمَدآئنِ وَثََبَ عَليهِ أخُو أسَدٍ فَوَجَأهُ فِي فَخِذِهِ فَسََقَطَ لِمَا بِهِ واَيَسَ النّاسُ مِنْ إفَاقَتِه، فَتَبَدّدُوا شِيَعَاً وتَفَرّقُوا قِطَعَاً. فَلمّا قَصُرَتْ طَاقَتُهُ، وعَجُزَتْ قُوّتُه، وخَذَلَهُ أعْوانُه، سَالَمَ هُوَ وأخُوهُ مَعْذورِينَ مَظْلومِينَ مَوتُورِين. فَاسْتَثقَلَ اللّعينُ ابنُ اللّعينِ حَيَاتَهُمَا واسْتَطَالَ مُدّتَهُمَا فَاحْتَالَ بِالاغْتِيَالِ لابنِ رَسُولِ الله حَتّى نَالَ مُرَادَهُ وَظَفَرَ بِقَتلِه. فَمَضَى مَسْمُومَاً شَهِيداً مَغْمُومَاً فَقِيداً. وغبر شَقِيقِه وأخوه وابن أمه وأبيه، شريكه في فضله ونظيره في سودده على مثل ما انقرض عليه أبوه وأخوه حتى إذا ظن أن قد أمكنته محبة الله من بوارهم ونصرة الله من افترائهم، دافعه عنها أبناء الدنيا واستدرج بها أبناء الطلقاء، فبعداً للقوم الظالمين، وسحقاً لمن آثر على سليل النبيئين وبقية المهديين - الخبيث وابن الأخبثين، والخائن وابن الخائنين، فقتلوه ومنعوه ماء الفرات وهو مبذول لسائر السباع، وأعطشوه وأعطشوا أهله وقتلوهم ظلماً، يناشدونهم فلا يُجابون ويستعطفونهم فلا يرحمون. ثم تهادوا رأسه إلى يزيد الخمور والفجور تقرباً إليه، فبعداً للقوم الظالمين. 

ثم توجهت جماعة من أهل العلم والفضل في جيش إلى سجستان، فتذاكروا ما حل بهم من ابن مروان فخلعوه وبايعوا للحسن بن الحسن، ورأسوا عليهم بن الأشعث إلى أن يأتيهم أمره، فكان رئيسهم غير طائل ولا رشيد، نصب العداوة للحسن قبل موافاته، فتفرقت عند ذلك كلمتهم، وفلَّ حدهم، ومزقوا كل ممزق. فلما هزم جيش الطواويس احتالوا لجدي الحسن بن الحسن فمضى مسموماً يتحسى الحسرة، ويتجرع الغيظ صلوات الله عليه. حتى إذا ظهر الفساد في البر والبحر شرى زيد بن علي صلوات الله عليهما نفسه، فما لبث أن قُتل، ثم صلب ثم أُحرق، فأكرم بمصرعه مصرعاً. ثم ما راعهم إلا طلوع إبنه يحيى صلى الله عليه من خراسان فقضى نحبه وقد أعذر صلوات الله عليهما. 

وقد كان أخي محمد بن عبدالله دعا بعد زيد وابنه يحيى، فكان أول من أجابه وسارع إليه جدك محمد بن علي بن عبدالله بن عباس وإخوته وأولاده، فخرج بزعمه يقوم بدعوته، حتى خدع بالدعاء إليه طوائف. 

ومعلوم عند الأمة أنكم كنتم لنا تدعون، وإلينا ترجعون وقد أخذ الله عليكم ميثاقاً لنا، وأخذنا عليكم ميثاقاً لمهدينا محمد بن عبد الله النفس الزكية الخائفة التقية المرضية، فنكثتم ذلك وادعيتم من إرث الخلافة ما لم تكونوا تَدَّعُونه قديماً ولا حديثا، ولا ادعاه لكم أحد من الأمة إلا تقولاً كاذباً، فها أنتم الآن تبغون دين الله عوجا، وذرية رسول الله قتلاً واجتياحا، والآمرين بالمعروف صلباُ واستباحا. فمتى ترجعون؟ وأنى تؤفكون؟، أولم يكن لكم خاصة وللأمة عامة في محمد بن عبدالله فضلا؟ إذ لا فضل يعدل في الناس فضله، ولا زهد يشبه زهده، حتى ما يتراجع فيه إثنان ولايتردد فيه مؤمنان، ولقد أجمع عليه أهل الأمصار من أهل الفقه والعلم في كل البلاد لا يتخالجهم فيه الشك ولا تقفهم عنه الظنون. فما ذُكِر عند خاصة ولا عامة إلا اعتقدوا محبته، وأوجبوا طاعته، وأقروا بفضله، وسارعوا إلى دعوته، إلا ماكان من عناد أهل الإلحاد الذين غلبت عليهم الشقوة وغمصوا النعمة، وتوقعوا النقمة من شيع أعداء الدين، وأفئدة المضلين، وجنود الضالين، وقادة الفاسقين، وأعوان الظالمين، وحزب الخائنين. 

وقد كان الدعاء إليه منكم ظاهرا، والطلب له قاهرا، وبإعلان اسمه وكتاب إمامته على أعلامكم: "محمد يامنصور"، يُعرف ذلك ولا يُنكر، ويُسمع فلا يجهل، حتى صرفتموها إليكم وهي تخطب عليه، وكفحتموها عنه وهي مقبلة إليه، حين حضرتم وغاب، وشهدتم إبرامها ورأى قلة رغبة ممن حضر، وعظيم جرأة ممن اعترض. حتى إذا حصلت لكم بدعوتنا وهدأت عليكم بخطبتنا، وقرت لكم بنسبتنا؛ قالت لكم أجرامكم إلينا، وجنايتكم علينا: إنها لاتتوطأ لكم إلا بإبادة خضرائنا، ولا تطمئن لكم دون استئصالنا. فأغرى بنا جدك المتفرعن في قتلنا لاحقاً بأثرة فينا عند المسلمين، ولؤم مقدرة وضراعة مملكة، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، قبل بلوغ شفاء قلبه من فنائنا. وهيهات لن يدرك الناس ذلك، ولله فينا خبية لا بد من ظهورها، وإرادة لابد من بلوغها. 
فالويل له، فكم من عين طال ما غضت عن محارم الله وسهرت متهجدة لله، وبكت في ظلم الليل خوفاً من الله، قد اسحّها بالعبرات باكية، وسمّرها بالمسامير المحمَّاة فألصقها بالجدرات المرصوفة قائمة. وكم من وجه طالما ناجى الله مجتهداً وعنا لله متخشعاً، مشوهاً بالعمد مغلولاً مقتولاً ممثولاً به معنوفاً. وتالله أن لو لم يلق الله إلا بقتل النفس الزكية أخي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه للقيه بإثم عظيم وخطب كبير. فكيف؟ وقد قتل قبله النفس التقية أبي عبدالله بن الحسن وإخوته وبني أخيه، ومنعهم روح الحياة في مطابقه، وحال بينهم وبين خروج النفس في مطاميره. لايعرفون الليل من النهار ولا مواقيت الصلاة إلا بقراءة أجزاء القرآن تجزئة لما عانوا من دراسته في آناء الليل والنهار حين الشتاء والصيف، حال أوقات الصلوات قرماً منه إلى قتلهم، وقطعاً لأرحامهم، وتِرَةً لرسول الله فيهم. فولغ في دمائهم ولغان الكلب، وضريَ بقتل صغيرهم وكبيرهم ضراوة الأسد، ونهم بهم نهم الخنزير، والله له ولمن عمل بعمله بالمرصاد. 

فلما أهلكه الله قابلتنا أنت وأخوك الجبار العنيد الفظ الغليظ بأضعاف فتنته وإحتذاءً بسيرته قتلاً وعدواناً وتشريداً وتطريداً. فأكلتمانا أكل الرُّبا حتى لفظتنا الأرض خوفاً منكما، وتأبدنا في الفلوات هرباً منكما، فأنست بنا الوحوش وأنسنا بها، وألفتنا البهائم وألفناها. فلو لم تجترم أنت وأخوك إلا قتل الحسين بن علي وأسرته بفخ لكفى بذلك عند الله وزراً عظمياً، وسيعلم وقد علم ما اقترف، والله مجازيه وهو المنتقم لأوليائه من أعدائه. 

ثم امتحننا الله من بعده بك، فحرصت على قتلنا وطلبت من فّرَّ عنك منا، لا يؤمنهم منك بُعْدُ دار ولا نأي جار، تتبعهم حيلك وكيدك حيث سيروا من بلاد الترك والديلم، لا تسكن نفسك ولا يطمئن قلبك دون أن تأتي عن آخرنا، ولا تدع صغيرنا ولا ترثى لكبيرنا، لئلا يبقى داع إلى حق ولا قائل بصدق من أهله. حتى أخرجك الطغيان وحملك الحسد والشنئان أن أظهرت بغضة أمير المؤمنين وأعلنت بنقصه وقرّبت مبغضيه، وأدنيت شانئيه حتى أربيت على بني أمية في عداوته، وأشفيت غلتهم في تناوله، فأمرت بكرب قبر الحسين صلى الله عليه وتعمية موضعه وقتل زوّاره واستئصال محبيه، وأوعدت زائريه وأرعدت وأبرقت على ذكره. 

فوالله لقد كانت بنو أمية الذين وصفنا آثارهم مثلاً لكم، وعددنا مساؤهم احتجاجاً عليكم على بعد أرحامهم أرأف بنا منكم، وأعطف علينا قلوباً من جميعكم، وأحسن استبقاء لنا ورعاية من قرابتكم. فوالله ما بأمركم خفاء ولا بشأنكم امتراء. 

ولمَ لا نجَاهد وأنت معتكف على معاصي الله صباحاً مساءً، مغّتراً بالمهلة آمناً من النقمة، واثقاً بالسلامة؟ تارة تغري بين البهائم بمناطحت كبش ومناقرة ديك ومحارشة كلب، وتارة تفرش الخصيان وتأتي الذكران، وتترك الصلاة صاحياً وسكران. ثم لا يشغلك ذلك عن قتل أولياء الله وانتهاك محارم الله. فسبحان الله ما أعظم حلمه، وأكثر أناته عنك وعن أمثالك، ولكنه تبارك وتعالى لايَعْجل بالعقوبة، وكيف يعجل وهو لا يخاف الفوت؟ وهو شديد العقاب. 

وأما ما دعوتني إليه من الأمان وبذلت لي من الأموال فمثلي لا تثني الرغائب عزمته، ولا تنحل لخطير همته، ولا يبطل سعياً باقياً على الأيام أثره، ولا يؤثر جزيلاً عند الله أجره بمالٍ فانٍ وعارٍ باقٍ، هذه صفقة خاسرة وتجارة بائرة. أستعصم الله منها وأسأله أن يعيذني من مثلها بمنّه وطوله. أفأبيع المسلمين؟ وقد سمت إليَّ أبصارهم، وأنبسطت نحوي آمالهم بدعوتي، واشرأبت أعناقهم نحوي. إني إذاً لدنيُّ الهمة، لئيم الرغبة، ضيق العطن.هذا والأحكام مهملة، والحدود معطلة‎، والمعاصي مستعملة، والمحارم منتهكة، ودين الله محقور، وبصيرتي مشحوذة وحجة الله عليَّ قائمة في إنكار المنكر. أفأبيع خطر مقامي بمالكم؟، وشرف موقفي بدراهمكم؟، وألبس العار والشنار بمقامكم؟. (( قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ )) . 

ووالله ما أكلي إلا الجشب، وما لباسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا صاحبي إلا السيف، ولافراشي إلا الأرض، ولاشهوتي من الدنيا إلا لقاؤكم والرغبة إلى الله في مجاهدتكم، ولو موقفاً واحداً إنتظار إحدى الحسنين في ذلك كله من ظفر أو شهادة. وبعد: 

فإن لنا على الله وعداً لا يخلفه، وضماناً سوف ينجزه، حيث يقول: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) . وهو الذي يقول: (( وَنُرِيدُ أنَّ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضعِفُوا في الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَةً وَنَجْعَلَهُم الوَارِثين )) . اهـ رسالته (ع) . 

حيلَة أبو البختري ، والشهادة على يحيى بن عبدالله بالرقّ والعبوديّة ، وموقف يحيى (ع) 

فلمّا وصل كتاب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) إلى هارون الرشيد ، زاد غمّه غمّاً ، وحُرقتهُ حُرقةً ، وظنّ أن قد انقضَت مُدّته ، فجمع بطانتهُ الخبيثة وشاورهُم في الأمر ، فأجابه أبا البختري بحيلةٍ خبيثَة ، خلاصتها ، أن يشهدَ هُوَ بصفته قاضي القضاة ، على أنّ يحيى بن عبدالله (ع) عبداً لهارون الرشيد ، ويُنكر نسبه إلى فاطمة ابنة الرسول (ص) ، وأن يشهدَ سليمان بن فليح على عبودية يحيى (ع) ، بصفته صاحب ديوان الخراج ، وأن يبعثَ معهم بوجوه القوم ليُعضّدوا شهادتهم ، وأن يُلزمَ النّاس الشهادة ، وأنّ مَن لَم يشهَد ، وامتنعَ عن تأديتها ، حُلّ قتله وتصفية ماله ، وأنّ من شَهِدَ على يحيى بن عبدالله بالعبودية ، أُكرِمَ وأُسقِطَ عنه الخراج ، فأعجبت هارون الفكرة ، بل الحيلة !! ، ووجّه بأبي البختري وسليمان بن فليح ومَن معهُم إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، ونفّذ البرمكي ما أمرهُ هارون وجعل جنده بعددهم الهائل يشهدون على يحيى بن عبدالله بالعبوديّة والرّق . وهُناك وفي المشرق الأقصى جمعَ أبو البختري فقهاء وعلماء دسينا ، وقزوين ، وزنجان، وأبهر ، وشهربرد، وهمذان، والرَّي، ودنباوند، والرويان، وما جاورها من البلدان ، وخطبَ فيهم ، بأنّ يحيى بن عبدالله دخلَ الديلم ، عازماً على قتال أهل الإسلام بأهل الشرك ، ويُخرجَ يده من طاعة أمير المؤمنين ، وقد جاءت الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب ، وقد رأينا أن نشهد أنّه عبداً لأمير المؤمنين ، نطلب بذلك الثواب من الله ، وأن ترجع الألفة إلى المسلمين ، وقرأ عليهم كتاب هارون ، وفيه النعيم لمن أجاب ، والتوعد والتهدد لمن انحاز . فأجابه خلقٌ من العرب والعجم في تلك البلاد ، وكان الشّرفاء أكثر من الوُضعاء في هذه الصفّة ، وبينهم عدد كبير من الفقهاء ، ىقفحضروا عند جستان ، وشهدوا على يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة ابنة محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعليهم ، بالعبودية لهارون الغَويّ لا الرّشيد ، فصدَّق جستان دعواهُم على يحيى بن عبدالله ، وقال ليحيى : ما وَجدتَ غيري تخدَعهُ بدعوتكَ غيري ؟!! . فقال له يحيى بن عبدالله (ع) : (( أيها الرجل إنَّ لك عقلاً وإن لم يكن لك دين [ وذلك لأنّ جستان لم يكن مُسلماً ]، فتدبر مايقول القوم، وماتقدم منهم إليك، ورده على قلبك وعقلك، واجعل عقلك حكماً دون هواك؛ لو أني كنت كما قالوا ما وجهوا إليك بهذه الأموال وما أردفوها بهذه العساكر ولا بذلوا في دفعك إياي إليهم هذه الأموال، ولا جمعوا لك من ترى من وجوه الجبل وفقهائهم ومعدليهم ليشهدوا عندك بالزور، وما كان عليهم من رجل جاء إلى عدوهم، أو وليّهم ينتمي إلى نسب ليس منه؟ . )) ، فلم يقتنع جستان بهذا ، ولم يُسلّم ليحيى بن عبدالله براءته بَعَد مَا رأى منَ الشّهود ، فاقترح الإمام يحيى (ع) أن يبعَث من يتأكّد من نسبه فيسأل أهل مكة والمدينة ، فاستطال جستان المدّة ، ثمّ اقترح الإمام أن يبعثَ جستان رجالاً لتبيّنوا كذب هؤلاء الشهود ، فاستطال جستان المدّة ، فأوجسَ يحيى (ع) من جستان خيفةً ، لمّا رأى ميلَهُ إلى تسليمه إليهِم ، فاقترحَ اقتراحاً ثالثاً وهُوَ أن يجمَعَ بينهُ وبين هؤلاء الشّهود بحضور جستان ، فأجابه جستان إلى ذلك ، فلمّا حضر يحيى (ع) والشّهود وجستان ، جلس الإمام سلام الله عليه على كرسيّ وابتدأ الكلام قائلاً 

((الحمدلله على ما أولنا من نعمه وأبلانا من محنه وأكرمنا بولادة نبيه، نحمده على جزيل ما أولى وجميل ما أبلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مقرٍ بوحدانيته خاضع متواضع لربوبيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله انتخبه واصطفاه واختاره واجتباه صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، أما بعد: 

معاشر العرب، فإنَّكم كنتم في حمض من الدنيا، بشر دار وأضنك قرار؛ ماؤكم أجاج، وأكلكم ثماج من العلهز والهبيد، والأعاجم لكم قاهرة، وجنودهم عليكم ظاهرة، لم يمنعهم من تحويلكم إلا قلة خير بلدكم. 

أنتم مع الدنيا بمنزلة السقب مع الناب الضبعة الضروس متى دنا إليها لينال من درها منعته. وإن أتى إليها من أمامها خبطته، أو من ورائها رمحته، أو من عرضها عضته، فما عسى أن يصيب منها، هذا على تفرق شملكم واختلاف كلمتكم، لا تحلون حلالاً ولا تحرمون حراماً ولا تخافون آثاما، قد ران الباطل على قلوبكم فلا تعقلون، وغطت الحيرة على أبصاركم فما تبصرون، واسكت الغفلة أسماعكم فما تسمعون. على أن عودكم نضار، وأنكم ذوو الأخطار. ثم مَنّ الله عليكم وخصكم دون غيركم فابتعث فيكم محمداً صلى الله عليه وآله منكم خاصة، وأرسله إلى الناس كافة، وجعله بين أظهركم ليميز به بينكم، وهو تبارك وتعالى أعلم بكم منكم بأنفسكم، فاستنقذكم من ظلمة الضلال إلى نور الهدى، وجلا غشاوة العمى عن أبصاركم بضياء مصابيح الحق، وأستخرجكم من عمى بحور الكفر إلى جدد أرض الإيمان، وجمَّل برفقه ما انفتق من رتقكم، ورأب بيمينه ما انصدع من شعبكم، وَلَمَّ بإصلاحه ما فرَّقت الأحقاد والجهل من قلوبكم. ثم اقتضب برمحه لكم الدنيا الضبعة فذلت بَعْد عَنَتْ، ثم أبسها بسيفه فأرزمت وتفاجت واجترت بعد ضرس، ودرت ومرى ضرعها بيمن كفه فاختلفت أخلافها وانبعثت أحالبها، فرأمتكم كما ترأم الناب المقلاة طلاها، فشربتم عَلَلاً بعد نهل، وملأتم أسقيتكم فضلاً بعد اكتظاظ، وتركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدور حولكم وتلوذ بكم كما تلوذ الزجور بسقبها. فلمَّا أقام أود قناتكم بثقاف الحق، ورحض بظهور الإسلام عن أبدانكم درن الشرك، ولحب لكم الطريق، وسن لكم السنن وشرع لكم الشرائع خافضاً في ذلك جناحه؛ يشاوركم في أمره، ويواسيكم بنفسه، ولم يبغ منكم على ما جاءكم به أجراً إلا أن تودُّوه في قرباه، وما فعل صلى الله عليه وآله ذلك له حتى أنزل الله عليه قرآناً، فقال تبارك وتعالى: (( قُلْ لاَ أسْئلكُم عَلَيِه أجْراً إلا المَوَدَة في القُرّبَى )) . 

فلمَّا بلَّغ رسالة ربه وأنجز الله له ما وعده من طاعة العباد، والتمكين في البلاد؛ دُعِيَ صلى الله عليه فأجاب، فصار إلى جوار ربه وكرامته، وقدم على البهجة والسرور، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فوعده الشفاعة عنده والمقام المحمود لديه. فَخلَّف بين أظهركم ذرّيَّته فأخرتموهم وقدمتم غيرهم، ووليتم أموركم سواهم. ثم لم نلبث إلا يسيراً حتى جُعِلَ مال ولده حوزاً، وَظُلِمت ابنتُه فدفنت ليلاً، وقتل فيكم وصيه وأخوه وابن عمه وأبو ابنيه، ثم خذل وجرح وسمَّ سبطه الأكبر أبو محمد، ثم قتل سبطه الأصغر أبو عبدالله مع ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته الأدنين في مقام واحد، ثم على أثر ذلك نُبِش وصُلب وأُحرق بالنار ولد ولده. ثم هم بعد ذلك يُقتلون ويطرَّدون ويشردون في البلاد إلى هذه الغاية، قُتِلَ كِبَارُهُم وأوتم أولادهم وأرملت نساؤهم. 

سبحان الله ما لقي عدوٌّ من عدوه ما لقيَ أهل بيت نبيكم منكم من القتل والحرق والصلب. 
وليس فيكم من يغضب لهم إلا هزؤاً بالقول، إن غضبتم لهم زعمتم وقمتم معهم كي تنصروهم لم تلبثوا إلا يسيراً حتى تخذلوهم وتتفرقوا عنهم. فلو كان محمد صلى الله عليه وآله من السودان البعيدة أنسابهم المنقطعة أسبابهم - إلا أنه قد جاوركم بمثل ما جاوركم به - لوجب عليكم حفظه في ذريته. فكيف وأنتم شجرة هو أصلها، وأغصان هو فرعها، تفخرون على العجم، وتصولون على سائر الأمم، وقد عاقدتموه وعاهدتموه أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم؟. فسوءة لكم ثم سوءة، بأي وجه تلقونه غدا؟، وبأي عذر تعتذرون إليه؟. أبقلة؟ فما أنتم بقليل. أفتجحدون؟! فذلك يوم لا ينفع جحد، ذاك يوم تبلى فيه السرائر. أم تقولون: قتلناهم؟ فتصدقون. فيأخذكم الجليل أخذ عزيز مقتدر. 

لقد هدمتم ماشيد الله من بنائكم، وأطفأتم ما أنار من ذكركم، فلو فعلت السماء ما فعلتم لتطأطأت إذلالاً، أو الجبال لصارت دكاً، أو الأرض لمارت مورا. أي عجب أعجب من أن أحدكم يَقْتُل نفسه في معصية الله ولا ينهزم، يقول بزعمه: لا تتحدث نساء العرب بأني فررت. وقد تحدثت نساء العرب بأنكم خفرتم أماناتكم ونقضتم عهودكم، ونكصتم على أعقابكم، وفررتم بأجمعكم عن أهل بيت نبيكم، فلا أنتم تنصرونهم للديانة وما افترض الله عليكم، ولا من طريق العصبية والحمية، ولا بقرب جوارهم وتلاصق دارهم منكم. ولا أنتم تعتزلونهم فلا تنصرونهم ولا تنصرون عليهم عدوهم؛ بل صيرتموهم لُحمةً لسيوفكم، ونهزة ليشتفي غيظكم من قتلهم واستئصالهم. وطلبتموهم في مظانهم ودارهم، وفي غير دارهم؛ فصرنا طريدة لكم من دار إلى دار، ومن جبل إلى جبل، ومن شاهق إلى شاهق. ثم لم يقنعكم ذلك حتى أخرجتمونا من دار الإسلام إلى دار الشرك، ثم لم ترضوا بذلك من حالنا حتى تداعيتم علينا معشر العرب خاصة من دون جميع العجم من أهل الأمصار والمدائن والبلدان، فخرجتم إلى دار الشرك طلباً لدمائنا دون دماء أهل الشرك تلذذاً منكم بقتلنا، وتقرباً إلى ربكم باجتياحنا؛ زعمتم لأن يبقى بين أظهركم من ذرية نبيكم عين تطرف ولا نفس تعرف. ثم لم يقم بذلك منكم إلا أعلامكم، ووجوهكم وعلماؤكم وفقهاؤكم والله المستعان. )) . 

فما أن بلغ يحيى بن عبدالله (ع) آخر كلامه ، حتّى انفجر النّاس بُكاءً ، فقام فقام قائمُ منهم يقول : ويلكم، هل بقيَ لكم حجة أو علة؟ لو قُتِلتُم عن آخركم وسبيت ذراريكم واصطفيت أموالكم، كان خيرأً لكم من أن تشهدوا على ابن نبيكم بالعبودية وتنفونه من نسبه . فلمّا سمعَ أبو البختري كلام القائل ، تهدّدهم وزادَ في التخويف بالانتقام الشنيع ، وأجبرهُم على الشهادة ضد يحيى (ع) . فانذهلَ الإمام (ع) لمّا رآهم اجتمعو على شهادة الزور ، بعد أن كان بكلامه السّابق طمعَ أن يتفرّقوا ، فعودهُم بالخطاب قائلاً : ((مَا لَكُم فَرّق الله بين كلمتكم وخالف بين أهوائكم ولا بارك لكم في أنفسكم وأولادكم، أما والله لولا خوف الله ومراقبته لقلت مالا تنكرون، ولكن أمسك مخافة أن تُقتلوا وأن أُشرك في دمائكم، ولكن لأن أكون مظلوماً أحب إليَّ من أن أكون ظالما. ثم قال: وقد علمت أنكم مكرهون، وأنكم ضعفتم عن الصبر على القتل فوسع الله عليكم وسلمنا وإياكم من هذا الجبار العاتي. )) . 

ثمّ توجّه جستان تجاه الإمام (ع) ، فقال : بقيَ لكَ علّة تعتلّ بها ، بعد شهادة هؤلاء ؟ ، فقال الإمام يحيى بن عبدالله (ع) : (( قد تبين لك ببكائهم، وترددهم يظهر أنهم مكرهون، فإذا أبيت إلا غدراً فأنظرني آخذ لي ولأصحابي الأمان على نسخة أنشؤها أنا وأوجهها إلى هارون حتى يكتب إقراره بذلك بخطه، ويجمع الفقهاء والمعدلين وبني هاشم فيشهدون عليه بذلك. )) . ففرحَ هارون بطلب يحيى هذا ، وكتب يحيى بأمانٍ عزيز الأركان ، قوي الحجّة والإعذار ، جاء فيه : 

أمان الإمام يحيى بن عبدالله (ع) ، وأتباعه ، بكتابة يحيى بن عبدالله 

بسم الله الرحمن الرحيم 

(( هذا كتابُ أمان من أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب - ليحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب، ولسبعين رجلاً من أصحابه: 

أني أَمنّتُك يا يحيى بن عبدالله وسبعين رجلاً من أصحابك بأمان الله الذي لا إله إلا هو الذي يعلم من سرائر العباد مايعلم من علانيتهم؛ أماناً صحيحاً جائزاً صادقاً ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، لا يشوبه غل، ولا يخالطه غش يبطله بوجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب. فأنت يا يحيى بن عبدالله والسبعون رجلاً من أصحابك آمنون بأمان الله على ما أصبت أنت وهم من مال أو دم أو حدث على أمير المؤمنين - هارون بن محمد - أو على أصحابه وقواده، وجنوده وشيعته، وأتباعه ومواليه، وأهل بيته ورعيته وأهل مملكته. وعلى أنَّ كل من طالبه أو طالب أصحابه بحدث كان منه أو كان منهم من الدماء والأموال، وجميع الحقوق كلها فاستحق الطالب ليحيى بن عبدالله والسبعين رجلا من أصحابه فعلى أمير المؤمنين ضمان ذلك وخلاصه حتى يوفيهم حقوقهم أو يرضيهم بما شاؤا بالغاً ما بلغت تلك المطالبة، من دم أو مال أو حق أو حد أو قصاص. وأنه لا يؤاخذه بشيئ كان منه أو منهم مما وصفنا في صدر كتابنا هذا، ولا يأخذه وإياهم بضغن ولا ترة ولا حقد ولا وغر بشيء مما كان من كلام أو حرب أو عداوة ظاهرة أو باطنة ولا بما كان منه من المبايعة والدعاء إلى نفسه وإلى خلع أمير المؤمنين وإلى حربه. 

وأن أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب - أعطى يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب، والسبعين رجلاً من أصحابه: عهداً خالصاً مؤكداً وميثاقاً واجباً غليظاً، وذمة الله وذمة رسوله، وذمة أنبيائه المرسلين، وملائكته المقربين. وأنه جعل له هذه العهود والمواثيق والذمم ولأصحابه في عنقه مؤكدة صحيحة، لا برآءة له عند الله في دنياه وآخرته إلا بالوفاء بها. وأني قد أنفذت ذلك لك ولهم ورضيته وسلمته، وأشهدت الله وملائكته على ذلك وكفى بالله شهيداً. فأنت وإياهم آمنون بأمان الله، ليس عليك ولا عليهم عتب ولا توبيخ ولا تبكيت ولا تعريض ولا أذى فيما كان منك ومنهم إذ كنت في مناواتي ومحاربتي من قتل كان أو قتال أو زلة أو جرم أو سفك دم أو جناية في عمد أو خطأ أو أمر من الأمور سلف منك أو منهم في صغير من الأمر ولا كبير في سر ولا علانية. ولا سبيل إلى نقض ما جعلته لك من أماني ولا إلى نكثه بوجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب. وأني قد أذنت لك بالمقام أنت وأصحابك أين شئت من بلاد المسلمين، لاتخاف أنت ولا هم غدراً ولا ختراً ولا إخفارا ، حيث أحببت من أرض الله. فأنت وهم آمنون بأمان الله الذي لا إله هو؛ لا ينالك أمر تخافه من ساعات الليل والنهار. ولا أُدخِل في أماني عليك غشاً ولا خديعة ولا مكراً، ولا يكون مني إليك في ذلك دسيس، ولا جاسوس، ولا إشارة، ولا معاريض، لاكتابة، ولا كناية، ولا تصريح ولا بشيء من الأشياء مما تخافه على نفسك من جديد، ولا مشرب ولا مطعم، ولا ملبس، ولا أضمره لك. وجعلت لك ألا ترى مني انقباضاً، ولا مجانبة ولا ازورارا . 

فإنْ أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبدالمطلب - نقض ما جعل لك ولأصحابك من أمانكم هذا، أو نكث عنه أو خالفه إلى أمر تكرهه أو أضمر لك في نفسه غير ما أظهر، أو أدخل عليك فيما ذكر من أمانه وتسليمه لك ولأصحابك المسَمَّين التماس الخديعة لك و المكر بك أو نوى غير ما جعل لك الوفاء به؛ فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وزبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر طالق ثلاثاً بتة، وأن كل مملوك له من عبد أو أمة وسرية وأمهات أولاده أحرار، وكل امرأة له وكل امرأة يتزوجها فيما يستقبل فهي طالق ثلاثا، وكل مملوك يملكه فيما يستقبل من ذكر أو أنثى فهم أحرار، وكل مال يملكه أو يستفيده فهو صدقة على الفقراء والمساكين. وإلا فعليه المشي إلى بيت الله الحرام حافياً راجلاً وعليه المحرجات من الأيمان كلها، وأمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس - خليع من إمرة المؤمنين، والأمة من ولايته براء، ولا طاعة له في أعناقهم. والله عليه وبما وكد وجعل على نفسه في هذا الأمان كفيل وكفى بالله شهيداً )) . 

قال الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) : لما بعث يحيى بالأمان - كتب إلى هارون أن يجمع الفقهاء والعلماء ويحلف بطلاق زبيده باسمها واسم أبيها، وعِتْق كل ما ملك من السراري، وتسبيل كل ما ملك من مال، والمشي إلى بيت الله الحرام، والأيمان المحرجات، وأن يُشِهد الفقهاء على ذلك كله. قال: فأسرع هارون إلى أمانه وأعطاه الشروط التي اشترط له كلها، والأيمان التي طلب والإشهاد عليها. 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) ، في المدينة المنوّرة ، وغضب هارون عليه : 

عاد الإمام يحيى (ع) وأصحابه إلى بلدانهم ، بعدَ أن أخذَ ميثاق الله وأمانه من هارون الرشيد ، ولكنّ الرشيد ما زال في خاطره هنّ وهنّ من يحيى بن عبدالله ، قال الإمام محمد بن القاسم الرسي الحسني (ع) : (( كان سبب سخط هارون على يحيى أنه لما أمر له بأربعمائة ألف دينار، وأمر له يحيى بن خالد بن برمك بمثلها، صار إلى منزله بأثيب - ناحية سويقة - من أرض الحجاز، فوصل كل من كان له به نسب أو خؤولة أو محبة من العرب وغيرهم حتى أغناهم، فكثر اختلاف الناس إليه وتعظيمهم له )) ، فكانَت هذه المنزلة العظيمة التي نزلَ بها يحيى بن عبدالله صلوات الله عليه ، كفيلةً بإحياء غضب هارون على يحيى (ع) ، ولكن لم يكن غضب هارون بقدرِ غضبه الذي كان بسبب وشاية بكار بن مصعب الزّبيري ، فيقول الإمام محمد بن القاسم الرسي (ع) : (( حدّثني أبي قال: كان بكار بن مصعب بن ثابت الزبيري عاملا لهارون على المدينة، فوشى بيحيى بن عبد الله بعدما رجع إلى الحجاز، فكتب إلى هارون أن بالحجاز خليفة يعظمه الناس ويختلفون إليه من جميع الآفاق، ولا يصلح خليفتان في مملكة واحدة. وذكر أنه يكاتب أهل الآفاق )) . فاستدعا هارون يحيى بن عبدالله (ع) من المدينة إلى بغداد ، وهناكَ ضيّقَ عليه وحبسَه . 

الإمام يحيى بن عبدالله (ع) ، واليمين الزّبيرية : 

فحصلَ أن أمرَ به هارون ، فأُحضِرَ (ع) من حبسِه ، وتراشقَ هو والزّبيري الكلام ، فكان الزّبيري يُحرّض هارون على إيذاء يحيى بن عبدالله (ع) ، فعندها أخبرَ يحيى بن عبدالله أنّ بكّاراً هذا ، كانَ ممّن رثى أخاه محمد النفس الزكيّة ، وأنّه وعدهُ بالخروج معهُ إن خرج ، فالتفت هارون ناحية بكّار وهُوَ مُغضَب ، فزادَ الإمام يحيى (ع) في البيّنة فذكرَ رثاء الزبيري لأخيه ، ولكنّ الزبيري أنكرَ هذا كلّه ، وعندها حلّفَهُ الإمام يحيى (ع) ، بيمينٍِ غموسٍ عسيرة ، عُرفَت بعد هذه الحادثة باليمين الزبيرية ، فقال الغمام يحيى بن عبدالله (ع) ، قُل : ((بَرَأك الله من حَولِه وقوته وَوَكلَكَ إلى حَولَكَ وَقوتِك، إنَّ كنت قلت هاتين المرثيتين ولا المديح الأول )) فقال الزبيري: بَرأني الله من حَولِه وقوته ووكَلَني إلى حَولِي وقوّتي إنْ كنتُ قلتُ شيئاُ ممّا قال. فلمّا حَلف، قال يحيى صلى الله عليه: قَتلتَه والله يا هَارون ، فأمرَ هارون بيحيى وحُبس . 

هارون الرشيد ونقض الأمان اليحيَويّ 

ولكنّ الرّشيد لم يستطع التخلّص منه ، لمكان الأمان الذي أشهَدَ عليه الفقهاء ، وهُنا عمل على جمع الفقهاء وكان منهم محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ، وهو القائل : ((لما سألني هارون عن أمان يحيى أراد مني ومن غيري أن ندله على رخصة يصل بها إلى قتل يحيى. قال: فدفع إليَّ الأمان، وقال: انظر في هذا الأمان الفاسد. قال: فنظرت فيه فرأيته أصح أمان، ولو كلفت أن أكتب مثله على صحته لصعب علي. قال: فقمت قائما، فقلت: يا أمير المؤمنين حرام الدم ما رأيت أمانا قط أصح منه، ولا أوثق منه، وليس في نقضه حيلة. قال: فأخذ دواة بين يديه فرماني بها فَشجَّ رأسي. ودفعه إلى غيري حتى عرضه على جميع من حضر، فقالوا كلهم: مثل قولي إلا أنهم لم يبادوا به، فقال: وهب بن وهب البختري بعدما قال هو: أنه صحيح، هاهنا حيلة. قال: ما هي؟ قال: إنْ قال الفضل ابن يحيى إنه نوى وقت ما أعطاه الأمان غير الوفاء فالأمان باطل. قال هارون: فالفضل يقول هذا. قال: فدعا بالفضل ويحيى بن خالد، وابنه جعفر بن يحيى حاضران. فقال هارون: يا فضل ألست إنما نويت بالأمان غير الوفاء. قال الفضل: لا. ما نويت بالأمان إلا الوفاء. قال: فغضب هارون، وقال: ويلك. أليس إنما نويت غير الوفاء؟. قال: لا يا أمير المؤمنين ما نويت إلا الوفاء به. فاشتد غضب هارون، وقال: ويلك أليس نويت غير الوفاء؟. قال: لا، والله الذي لا إله إلا هو ما نويت غير الوفاء يا أمير المؤمنين. ونظر أبو البختري إلى يحيى بن خالد، وجعفر بن يحيى، قد تغيرت وجوههما وأربدت، ورمياه بأبصارهما فعرف الشر في وجوههما. فقال: يا أمير المؤمنين ما تصنع بهذا. أدع لي بسكين. فأحضر له سكين، فقطع الأمان، ثم قال: يا أمير المؤمنين أقتله ودمه في عنقي. قال: فقاله له يحيى: " يا دَاعِيُّ والله لقد علمت قريش إنك لقيط، وإنك تُدعى إلى غير أبيك، وأبوك الذي تدعي أبوته لم يصح له نسب في قريش، إنما هو عبد لبني زمعة، فأنت مُدَّعٍ إلى دَعِيٍّ، وقد جاء في الأثر عن الرسول صلى الله عليه وآله: (إنَّ من ادعى إلى غير أبيه أو اِنتمى إلى غير مَواليه فليتبوأ مقعده من النار). فكيف ترى حالك وأنت مصرٌ على الدعوة بعد معرفتك بالأثر عن النبي عليه السلام، ثم جرأتك على الله، واستخفافك لمحارمه في تمزيق أمان قد وكده ووثقه جماعة من علماء المسلمين، فهب أن لا مراقبة عندك في رجاء ثواب، ولا خوف من عقاب، فهلا سترت على ما يخفي ضميرك مما قد أبديت من هتك سترك، وإبداء عورتك؛ معاندة لله ولدينه، وعداوة منك لله ورسوله ولذرية رسوله . ثم التفت إلى الرشيد. فقال له: يا هارون اتق الله وراقبه فإنه قل ما ينفعك هذا وضرباؤه (( يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )) . (( وَيَوم لاَ يَنْفَعُ الظَالِمِين مَعْذِرَتُهم وَلهُم اللَّعْنَةُ وَلَهُم سُوء الدَّار )) " . فقال الرشيد لمن حضره من الفقهاء وغيرهم: انظروا. لا يستحلَّ أن يقول يا أمير المؤمنين. وأراد هارون أن يحتج عليه ليبطل أمانه. فقال يحيى صلى الله عليه: ما جزعك من اسم سمَّاكه أبوك، وقد كان يقال لرسول الله صلى الله عليه: يا محمد، فما ينكر على الداعي له بذلك، وقد سماه الله: رسول الله عليه السلام. )) . 

وفاته صلوات الله عليه : 

فأمرَ الرّشيد بيحيى بن عبدالله (ع) إلى الحبس ، وهُناك مات إلى رحمة الله ورضوانه ، وفي هذا يروي علَمُ آل الرّسول موسى بن عبدالله بن موسى الجون (ع) ، مقولَة بعض أهلِه : ((إنَّ رجلين من أفضَلِ أهلِ زَمَانِهِمَا، وأفضل أهلِ عَصرِهِمَا، أحَدُهُما مِن ولَد الحسَن والأخَر مِن ولَد الحُسين ، لا يُوقَفُ عَلى مَوتِهِمَا ولا على قِتلِهِمَا كَيفَ كَان ، موسى بن جعفر، ويحيى بن عبد الله )) ، ولا يشكّ آل الرّسول (ص) في سمّ هارون الرشيد له صلوات الله عليه وهو في حبسه عن طريق مسرورٍ الخادم ، والله المُستعان ، فسلامٌ على أمير المؤمنين يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وعلى أبيه المحض شيخ آل الرّسول ، وعلى جدّه الحسن الرّضا رضيعُ العلوم ، وعلى جدّه الحسن السبط ريحانة الرسول ، وعلى جده المرتضى وصيّ الرسول ، وعلى أمّه فاطمة البتول ، وعلى جدّه رسول الله المُصطفى الأمين ، يومُ وُلِدَ ، ويومَ ماتَ ، ويومَ يُبعثُ حيّاً . 

15/1/1427هـ 

------------------ 

مصادر : 

أخبار فخ ويحيى بن عبدالله ، لأحمد بن سهل الرّازي . 
التحف شرح الزلف للإمام الحجّة مجدالدين المؤيدي الحسني (ع) . 
الشافي للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني (ع) .
http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=3406&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d

______________________________________________________________

الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ( ع ) . 


وجَمُّ العلومِ البَحْرُ يحيَى بنُ حمزةٍ *** وَعارضَهُ الأقوامُ واللهُ سامِـعُ 



نسبه ( ع ) :- 
هو الإمام المؤيد بالله أبو إدريس يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم بن يوسف بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إدريس بن جعفر الزكي بن علي النقي بن محمد التقي الجواد بن الإمام علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن سيد العابدين علي بن الحسين السبط بن الإمام الوصي عليهم السلام. 


قيامه ( ع ):- 
بعد وفاة الإمام محمد بن المطهر سنة تسع وعشرين وسبعمائة. 


ومن مناجاته ( ع ):- 
اللهم يا من هو المتعالي بجلال العظمة والكبرياء، والمستولي بسلطان القدرة على ملكوت الأرض والسماء، والباسط لجناح الرحمة لكل من بعد من خلقه وقرب ودنا، أسألك بكلماتك التامات، وبنور وجهك الذي ملأ الأرض والسماوات، أن ترحم عن النار وإصلاء الجحيم رؤوساً تضعضعت وتصاغرت لهيبتك، وألا تشوي بها وجوهاً قد خشعت من خشيتك..إلى آخر مناجاته لربه. 


مؤلفاته ( ع ):- 

[b]في أصول الدين[/b] 
1_ الشامل أربعة مجلدات . 
2_ التمهيد مجلدان .
3_ النهاية مجلدان .
4_ المعالم الدينية مجلد .
5_ الإفحام للباطنية مجلد .
6_ مشكاة الأنوار مجلد .
7_ التحقيق في التكفير والتفسيق مجلد.
 

وفي أصول الفقه: 
1_ كتاب الحاوي ثلاثة مجلدات .
2_ القسطاس مجلدان .
3_ المعيار مجلد.

وفي النحو: 
1_ الإقتصاد مجلد .
2_ الحاصر مجلد .
3_ المنهاج مجلدان .
4_ الأزهار مجلدان .
5_ المحصل شرح المفصل أربعة مجلدات نحوي وصرفي.

وفي المعاني والبيان: 
1_ الطراز ثلاثة مجلدات . 
2_ كتاب الديباج الوضي شرح كلام الوصي(شرح لنهج البلاغة) 6 مجلدات.

وله في الفقه: 
1_ الانتصار ثمانية عشر مجلداً .
2_ العمدة ستة مجلدات .
3_ الاختيار مجلدان . 
4_ الأنوار المضيئة شرح الأربعين السليقية .
5_ الإيضاح في علم الفرائض .
 



وفاته:- 
سنة تسع وأربعين وسبعمائة، عن اثنتين وثمانين سنة 
و مشهده بمدينة ذمار
 

أولاده:- 
الهادي، والمهدي، ومحمد، وأحمد، والحسين درجا، وعبدالله، وإدريس . 
وعقبهُ من الهادي ومحمد.

http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=2442&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d

________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدين . 

الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن رسول الله : 

نسبه : 

هُو الإمام الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب ، عليه وعلى آبائه السلام . 

مولده : 

وُلِدَ (ع) في المدينة المنورة سنة 225 هـ وقيلَ سنة 230 هـ ، وكانتَ أمّه أم ولد ، خراسانية الأصل . 

صِفَتهُ (ع) : 

كانَ (ع) طَويلَ القَامَة، يَضرِبُ إلى الأدَمة، بِه طَرَش مِن ضَربَةٍ أصَابَت أُذُنَه فِي حَادثةٍ اتفقَت عليه بنيسابور أو بناحية جرجان . 

نشأته وتنقلاته (ع) : 

نشأ (ع) في المدينة المنورة ، وتعلّم في أحضان أهل البيت (ع) هُناك ، ثمّ ارتحلَ إلى الكوفَة وروى عن مشائخها ومنهم حافظ علوم الآل المُحدّث محمد بن منصور المرادي رحمه الله تعالى ، ثمَّ ارتحلَ إلى طبرستان أيام قيام ابن عمّه الدّاعي إلى الحق الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ع) ، وبقيَ عندَ الدّاعي إلى الحق إلى أن تُوفّيَ سنة (270 هـ ) ، ثمَّ صحِبَ أخوه الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، وكانَ مُحمّد كأخيه الحسن ، يَعرف للناصر مَكانَهُ وفَضلَه ، ورتبتهُ ومنزلتهُ في العِلم بأصول الكتاب والسنّة النبويّة المطهرّة ، والنّاصر الأطروش كانَ كذلكَ يحفظُ لهُما مَنزلتهما العظيمة ، فيقول النّاصرُ (ع) ممُتدحاً ابن عمّه الدّاعي محمد بن زيد (ع) : 

جَلا الشّبُهاتَ فَهُمُكَ يا بنَ زَيدٍ = كَمَا جَلّى دُجى الظُلَمُ النّهارُ 
فأنتَ أميرُ هذا الخَلقِ طُرّاً= وأنتَ على عُقولِهِمو عيار 

وكانَ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قد وفدَ إلى طبرستان في مدَّة الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، وإن دلّ هذا على شيء ، فإنّما يَدلّ على اجتماعِ أهل البيت (ع) تحتَ رايةِ مَذهبٍ وقولٍ واحدٍ أحَد ، حيثُ احتضنت أرض طبرستان في ذلكَ الوقت أربعَة أعلامٍ من سادات أهل البيت (ع) ، كُلّهم تحت مَذهَب أهل البيت (ع) ، مَذهبِ الإمام زيد بن علي (ع) ، منهُم الدّاعي إلى الحق الحسن بن زيد وأخوه محمد ، من ذرية الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، ومنهُم الناصر الأطروش الحسن بن علي ، من ذرية عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ، ومنهُم الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، من ذريّة إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ، وإن كانَت المصادر لا تُشيرُ إلى مُقابلةٍ شخصيّة بين الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) وبين الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي ، ولكنّها أشارَت إلى وُدٍّ فاطميٍّ قائمٍ بينهما ، كما سيأتي . 

عِلمُ وفَضل النّاصر (ع) : 

- قالَ الإمام الناصر الحسن بن علي (ع) ، مُراسلاً بعضَ أصحابه ، ومُبيّناً لِفَضلِه، : (( بَعدَ أنْ مَحّصتُ آيَ التنزيل ، عارفاً بها ، مِنها تفصيلٌ وتَوصيل ، ومُحكَمٌ ومُتشابَه ، ووعدٌ ووعيد ، وقَصصٌ وأمثال ، آخذاً باللغة العربيّة التي بِمعرِفَتِها يكونُ الكَمال ، مُستنبطاً للسُنّةِ مِن مَعادِنها ، مُستَخرجاً للكامِنات مِن مَكامِنها ، مُنيراً لِما ادْلَهَمَّ مِن ظُلَمِهَا ، مُعلناً لِما كُتِمَ مِن مَستورِها )) . 

- كانَ لهُ مَجلسٌ لإملاء الحديث ، يَجتمعُ فيه فُقهاء البَلد ، وأهلُ العِلم كُلّهُم . 

- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الرسي الحسني (ع) : 
((النّاصِرُ عالمُ آلِ مُحمّد ، كَبَحرٍ زاخرٍ بعيدُ القَعر )). 

- قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) : 
(( كانَ جامِعاً لِعلمِ القُرآن ، والكلامِ ، والفِقه ، والحَديثِ والأدب ، والأخبارِ واللّغة، جيّدَ الشّعر ، مَليحَ النّوادِر ، مُفيدُ المَجالِس )) . 

- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان الحسني (ع) : 
(( لَم يَكُن في عَصرِه مِثلهُ ، شُجاعاً وعَلماً )). 

- قالَ مُؤرّخ الزيدية الشهيد حميد المحلّي رحمه الله : 
(( كانَ جامعاً لفنونِ العِلم ، مِن أصولِ الدّين ، وفُروعِه ، ومَعقولِه ، ومَسموعِه ، راويةً للآثار ، عارِفاً بالأخبار ، ضارباً في عِلمِ الادبِ بأقوى سبب )) . 

- قالَ خير الله الزركلي : (( كانَ شيخُ الطّالبيين ، وعالِمَهُم )) . 


جهوده في نشر العلم 

قُتِلَ الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، في إحدى وقعاتهِ ( بجرجان ) وبها قُبِر ، وكانَ ذلكَ يوم جمعةٍ من شهر رمضان سنة 277 هـ ، والإمام النّاصر (ع) كانَ ممّن نجى من القَتلِ في تلكَ الوَقعة ، فانهزَم قاصداً ( الدّامغان ) إلى بيت شيخٍ من بني الحَسن (ع) يُقال له : محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحسني، ومِن هُناك بلغَ جستان ملكُ ( الدّيلَم ) تواجدهُ بالدّامغان ، وكان يُكنَّ للإمام الناصر (ع) من الإكرام والتقدير الشيء الكثير ، فأرسلَ الملكُ رُسله إلى الناصر ، يطلبُ بيعتهُ ومُناصرَتهُ ، ولكنّ الإمام النّاصر تخوّف عدمّ وفاء الملكِ له ، فأحلَّ الملكٌ عليه في المسألة حتى قالَ للناصر (ع) : (( فإنّكَ إنْ نَهَضتَ فَهُو كَمَا قُلتْ، وإن أبيتَ فَقد ألزَمتُكَ الحُجّة فِي ذَلك، وأنَا أُشهِدُ الله عَلى ذَلك ، وكَفى بالله شَهِيداً)) . فأجابهُ النّاصرُ (ع) وقَدمِ إليه ، وحَسُن حالُ أهل الدّيلَم ، واجتمعوا حولَ الإمام الأطروش ، وبدأ يَنشرُ الإسلام بين عُبّاد الأحجار والأشجار ، ويُعلّمهم مبادئ الدين الإسلاميّ الحنيف ، يُفقهّهم ويُبصّرهُم أمورَ دينهِم ، يحثّهُم على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، يُجسِّدُ فيهم حُبّ أهل البيت (ع) والولاء لهُم ، وفي ذلكَ يقول (ع) في إحدى خُطَبِه لمّا دخلَ بلادَ آمل عاصمة طبرستان: (( أيّها النّاس إني دَخلتُ بلادَ الدّيلم وهُم مُشركون ، يَعبدونَ الشّجرَ والحَجر ، ولا يَعرفونَ خالقاً ، ولا يَدينونَ دِيناً ، فَلم أزَل أدعوهُم إلى الإسلام ، وأتلطَّفُ بِهِم ، حتّى دَخلُوا فيه أرسالاً ، وأقبلُوا إليَّ إقبالاً ، وظَهرَ لهُم الحق ، واعتَرفُوا بالتوحيدِ والعَدل ، فَهَدى الله بي منهُم زهاءَ مأتي الفِ رَجُلٍ وامرأة ، فهُم الآن يتكلّمون في التوحيدِ والعَدل مُستبصِرين ، ويُناظِرونَ عَليهِما مُجتَهِدين ، ويَدعَونَ إليهِما مُحتَسبين ، يأمُرونَ بالمعروفِ ويَنهَونَ عن المُنكر، ويُقيمونَ حُدودَ الصلوات المكتوبات ، والفرائض المَفروضات ، وفيهِم مَن لَو وَجَد الفَ دينارٍ مُلقىً على الطّريقِ لَم يأخُذ ذلكَ لنفسِه ، ويَنصبَهُ على رأسِ مِزراقه (رُمحه) يَنشِدُهُ في هَواي ، واتّباعِ أمري في نُصرَة الحقّ وأهلِه ، لا يُولّي أحدٌ منهُم عَن عَدوّهِ ظَهره ، وإنّما جِرحاتُهُم في وجُوهِهِم و أقْدَامِهم ، يَرَونَ الفِرارَ مِنَ الزّحف إذا كانُوا مَعي كُفراً ، والقَتلَ شهادةً ومَغنماً )) . وبهذا الصّنيع من الإمام النّاصر (ع) معَ أهل الدّيلَم ، فإنّه مَهَّدَ لدعوةٍ مُحمّديةٍ عَلويّة فاطميّةٍ حُسينيّة جامِعةٍ نافعةٍ ، يُحددّ الناصرُ أهدافها فيقول ، مُراسلاً لبعضهم : (( ولَقَد بَلَغَك – أعزَّك الله - ، مَا أدعُو وأهدي إليه ، من الأمرِ بالمعروف والنهي عن المُنكَر ، إحياءٌ لِما أُميتَ من كتابِ الله تعالى ، ودُفِنَ من سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله )) . 

عَدل النّاصر (ع) : 

- قال النّاصرُ (ع) في بعضِ خُطَبه : (( وأنتُم مَعاشِرَ الرّعية ، فليسَ عليكُم دوني حجاب ، ولا عَلى بابي بَوّاب ، ولا على رأسي خَلقٌ من الزّبانيَة ، ولا عليَّ أَحدٌ مِن اعوانِ الظّلمَة ، كَبيركُم أخي ، وشابُّكُم وَلدي ، لا آنَسُ إلاَّ بأهلِ العِلم مِنكُم ، ولا أستريحُ إلاَّ إلى مُفاوضتِكُم )) . 

- قال الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) : 
(( كانَ [ النّاصرُ ] يَنظُرُ في الأمورِ بنفسِه ، وبَسَطَ العَدل ، ورَفَعَ رُسومَ الجور )) 

- قال ابن جرير الطبري : (( ولَم يرَ النّاسُ مِثلَ عَدلِ الأطروش ، وحُسنِ سِيرَتِه ، وإقامَتِه للحق )). 

- قال ابن الأثير : (( وكانَ الحَسنُ بن علي حسَن السيرَة ، عادلاً ، ولَم يَرَ النّاسُ مِثلَهُ في عَدلِه ، وحُسنِ سرتِه وإقامتهِ للحق )) . 

- قال ابن حزم : (( وكانَ هذا الأطروش ،فاضلاً ، حَسَنَ المَذهَب ، عَدلاً في أحكامِه )) . 

بديهة الناصر (ع) وحُسنُ مُناظَرتِه : 

روى الإمام يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) في أماليه ، أنَّ أبو بكر محمد بن موسى البخاري قال : (( دَخَلتُ عَلى الحسين بن علي الآملي المحدث ، وكَانَ فِي الوقتِ الذي كَان الناصر للحق الحسن بن علي (ع) في بِلاد الدّيلم بَعد، وقَد احتَشَدَ لِفَتحِ آمِلٍ وَوردهَا، والحُسين بن علي هَذا يُفتِي العَوام بِأنّهُم يَلزَمُهُم قِتالُ النّاصِر للحق (ع) ويَستَنفِرُهُم لِحَربِه ومَعونَة الخُراسَانيّة عَلى قَصدِه، وزَعَم أنهُ جِهادٌ ، ويَأمُرُهُم بِالتجهِيز وعَقدِ المرَاكِب ، كَمَا يَفعَلُ الغُزَاة، قَال: فَوجَدتهُ مُغتَمّاً ! فَقُلتُ له: أيّها الأستاذ مَالِي أرَاكَ مُغتَمّاً حَزيناً ، فَألقَى إليَّ كِتَابَاً وَرَدَ عَليه، وقَال: إقرَأه ، فَإذَا هُو كِتابُ النّاصِر للحق (ع) ، وفِيه : ( يَا أبَا عَلِي ، نَحنُ وإيَاكُم خَلفٌ لِسَلفٍ ، ومِن سَبيل الخَلَفِ إتّبَاعُ السَّلَف والإقتدَاءُ بِهِم، ومِن سَلَفِكُم الذينَ تَقتَدُونَ بِهِم مِنَ الصّحَابَة عَبد الله بن عُمر ، ومُحمَّد بن مسلمة ، وأسامَة بن زيدٍ، وهَؤلاء لَم يُقَاتِلوا مُعَاوية مَعَ عَلي بن أبي طالبٍ (ع) مَعَ تَفضِيلِهِم عَليّاً (ع) تَأوّلاً مِنهُم أنّهُم لا يُقَاتِلونَ أهلَ الشّهَادَتين ، فَأنتَ يَا أبَا عَلي سَبِيلُكَ أنْ تَقتَدِيَ بِهِم ، ولا تُخَالِفَهُم وتُنْزِلَنِي مَنزِلَةَ مُعاويَة عَلى رأيكْ !! ، وتُنزِلَ عَدُوّي هَذَا ابن نُوحٍ مَنزِلَةَ عَلّي بن أبي طالبٍ (ع) ! ، فَلا تُقَاتِلنِي كَمَا لَم يُقاتِل سَلفُكَ مُعاوية، وتَخَلَّ بَينِي وبَينَهُ ، كَمَا خَلَّى سَلَفُكَ بَينهُمَا، فَتكُفَّ عَن قِتالِ أهل الشهادَتين، كَمَا كَفَّ سَلَفُك، وتَجَنّب مُخالَفَة أئمّتِكَ الذينَ تَقتَدِي بِهِم ، ولا سِيّمَا فِيمَا يَتعلّق بِإرَاقَة الدّمِاء، فَافْهَم يَا أبا عَلي مَا ذَكرتُ لَك ، فَإنهُ مَحضُ الإنْصَاف ). قالَ: فقلتُ لَه: لَقَدْ أنصَفَكَ الرّجُل -أيها الأستاذ- فِلمَ تَكرَهُه؟ فَقَال: نَكرهُه لأنّهُ يُحسِنُ أنْ يُورِدَ مِثلَ هَذهِ الحُجّة، ولأنَّهُ يَرِدُ مُتقلّداً مُصحَفَهُ وسَيفَه، ويقول: ( قالَ أبي رَسول الله (ص): ((إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ، فَهَذا هُو كِتابُ الله أكَبرُ الثّقلَين ، وأنَا عِترَةُ رَسولِ الله (ص) أحَدُ الثّقلَين )، ثمّ يُفتِي ويُنَاظِر ، ولا يَحتاجُ إلى أحَد ، أمَا سَمَعتَ مَا قَالَه فِي قصيدةٍ له، قال: وأنشدَ هَذا البيت: 

تَدَاعَا لقتل بَني المُصطفَى = ذَوو الحَشوِ مِنهَا ومُرّاقها )) 

شيء من شعر الإمام الناصر (ع) : 

قال (ع) راثياً الدّاعي محمد بن زيد الحسني (ع) : 

الدّينُ والدّنيا تَظلُّ تفجعُ = أم أنت على الدّاعي تبكي وتجزعُ 
وكانَا بهِ حيينَ طول حياته = فقَد أصبحُوا ماتوا جميعاً وودّعُوا 


إلى قوله (ع) :

تَساوىَ الوَرَى في هلكهِ بعدَ مُلكهِ= فَكُلّهُموا فيه مُعزّىً مُفجَعُ 
فلَم أرَ إلاَّ ضاحكاً في حياتِه= ومُذ ماتَ إلاَّ باكياً يَتوجّعُ 
فلا عُذرَ إذْ لَم يَدفع الموتُ دونهُ= وكُنّا بهِ ريبَ الحوادِثِ نَدفَعُ 
على أنّهُ لَو شاءَ نجَّاهُ سيفهُ= وطَرفُ كلمحِ البرقِ أو هُو أسرعُ 
ولكن أَبَى إلاَّ التأسّي بِعُصبَةٍ= لآلِ رَسولِ الله بالطّفِّ صُرَّعُ 


إلى قوله (ع) : 

ومَا ماتَ حتّى ماتَ مِن خَوفهِ العِدا= وكانَت بهِ في نَومِها تتفزّعُ 
ولله ماذَا ضمّ حولَ ضريحهِ= وأعجبُ منهُ كيفَ لا يَتصدَّعُ 
وكانَت به الدّنيا تضيقُ بِرحبِهَا= تظلُّ وتُمسي منهُ تخشَى وتطمعُ 


ومن شعرِه (ع) ، قالهُ غضباً لله وللرسول (ص) : 

ولمّا رأيتُ اعتداءَ العِباد = وإظهارُهُم كلُّ ما لا يَحِل 
وعَقدُ الإمامة للفاسقين = وكلُّ ظلومٍ ظَلولٍ مُضِل 
وخُمسُ ذَوي الخُمسِ ما بينهُم= لِلَهوٍ لَهُم دُولَةُ مُبتدَل 
وكانَ لهُم عِللٌ مِن دِماءِ= بني المُصطفى بعد وردٍ نَهَل 
نَهضتُ ولَم أبتئس بالذي= أراهُ بجورِ الورى قَد شَمَل 
على الله في كُلّ ما قَد أروم= وأسعَى لإصلاحِهِ أتَّكِل 
وما الله عَن خَلقِهِ غافلٌ= ولا اللهُ عَن خَلقِهِ قَد غَفَل 


ومن رائع شعره (ع) ، وقَد كانَ يشقّ ما بين الصّفين في الحروب ، مُتقلِّداً مُصحَفَهُ ، وسيفه ، ويقول : ( أنا ابنُ رسول الله ، وهذا كِتابُ الله ، فمَن أجابَ إلى هذا – المُصحَف- ، وإلاَّ فهذا – السيّف - ) . 

شيخٌ شَرَى مُهجَتهُ بالجنّة= واستنَّ ما كانَ أبوهُ سنّه 
ولَم يَزَل عِلمُ الكتابِ فنّه =يُقاتلُ الكُفّارَ والأظنّه 
بالمشرفيات والاسنّة


ومن شعره (ع) ، يحثُّ نفسهُ على الصبر والجلَدُ على البلوى : 

واهاً لنفسي من حَيارَي واهاً = واهاً لها إنْ سَألَت مُناها 
كَلّفتُها الصبرَ على بَلواها = ورضع مرّ الحقّ مُذ صِباها 
ولا أرَى إعطاءها هَواها = أريدُ تَبليغاً بها عَلياهَا 
في هذهِ الدّنيا وفي أُخرَاها = بكُلِّ ما أعلَمُ يُرضي الله 


بينَ الإمام النّاصر الأطروش الحسيني والإمام الهادي إلى الحق الحسني : 

لا بدَّ وأن تتحققّ مقولَة نبي هذه الأمّة محمد بن عبدالله (ص) ، في أهل بيته ، من أنّهُم الثِقَلُ الأصغرُ الملازمُ للثقلِ الأكبر كتاب الله تعالى ، وأنّهم سفينة نوح لأمّة محمد ، الراّكبُ بها ينجَو ، والمُتخلِّفُ عنها يهلك ، والمُقتبسُ من عُلومِهِم هُو المُهتدي ، والمُستنيرُ بغيرِ هديهِم هُو المُدَلِّسُ والمُدلّسُ عَليه ، والحائد على نهج محمد (ص) ، انظُر يا بن آدم وحوّاء ، كيفَ اجتمعَت كلمةُ آل البيت (ع) تحتَ رايةٍ واحدة ، انظُر علمَ النّاصر الأطروش الحسن بن علي الحسيني الأصل ، في أقصى الشمال ، بلاد الجيل والدّيلم وطبرستان ، وانظُر علمَ الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحسني الأصل ، في أقصى الجنوب ، بلاد اليمن ، انظُر الهادي إلى الحق (ع) يصف النّاصر الأطروش فيقول : ((النّاصِرُ عالمُ آلِ مُحمّد ، كَبَحرٍ زاخرٍ بعيدُ القَعر )) ، وانظُر النّاصر يسمعُ بعضَ أصحابه وهُو يقول عن الهادي إلى الحق (ع) : كانَ ذلكَ والله فقيهاً ، فضحِكَ النّاصر (ع) ثمَّ قال : (( كانَ ذلكَ من أئمّة الهُدَى )) ، أيضاً انظُر النّاصر الأطروش (ع) ، يبيكي بنحيبٍ ونشيج لمَّا بلَغَهُ وفاة الهادي إلى الحق ( سنة 298 هـ ) ، وقال (ع) في ذلك المصاب : (( اليومُ انهدَّ رُكنُ الإسلام )) ، هذا ولا يفوتُك أن تتأمّل علاقَة أبناء زيد بن الحسن السبط وعلى رأسهِم الدّاعيَين العظيمين الحسن بن زيد وأخوه محمد بن زيد (ع) ، بالنّاصر الأطروش ، وانظُر علاقَة الدّاعي الحسن بن زيد الحسني الأصل بثائر أهل البيت وإمامها في الكوفة يحيى بن عمر الحسيني الأصل ، ثمّ استلهِم أنّ عمّ يحيى بن عُمر هُو فقيه آل مُحمّد وحاكي إجماعاتهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، واستلهِم أنَّ عمَّ الحسن هذا ، هُو فقيه آل مُحمّد أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، ثمّ استلهِم أنّ هذينَ العَلمَين من جهابذَة آل محمد ومعهُم زاهد آل محمد عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض الحسني الأصل ، مُبايعينَ لأخيهم وابن عمّهم نجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم الرسي الحسني الأصل ، ويلتقونَ معهُ في علومهِ ومَذهبهِ ، كما يلتقي الهادي إلى الحق في اليمن ، والناصر الأطروش في طبرستان ، والحسن بن زيد في الري ، ويحيى بن عمر في الكوفة ، معَ سلفهِم الساّبقين من أهل البيت (ع) ، فتأمّل كيفَ أنَّ الجميع اجتمعَوا تحتَ مَذهبٍ واحِد ، وهُو مَذهبُ أهل البيت (ع) ، مَذهبُ الإمام زيد بن علي (ع) . 

ولكنَّ العَجب كلّ العَجب لأناسٍ لا يَعرفونَ عن هذه الأسماء شيئاً ، ويزدادُ العجب عندما نَجدهُم هؤلاء النّاس يتشدّقون بحبّ أهل البيت واتبّاعهِم والركوب في سفينتهم ، وهُم لا يَعرفونَ إلى هؤلاء الأعلامِ ولا إلى عِلمِهِم طريقاً ، ولا نَدري أعَصبيّةٌ أو جهلٌ بهم؟! وقَد يُعذر غيرُ أبناء الحسن والحسين في جهلِ هذا ( بَل لا يُعذرَون !! ) ، ولكن ما بالُ أبناء عليٍِّ وفاطمة السادة الأشراف ، يلتهمونَ عُلومَ غير أهل البيت ، ويصدّون على مَعدن العِلم ؟ يلتهمون كُتبَ الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة – رضوان الله عليهم - ، ويقولون هذا دينُ أهل البيت ؟ أئذا قالَ قائلٌ : قالَ زيد بن علي ، وقال أحمد بن عيسى ، وقال عبدالله بن موسى ، وقال القاسم الرسي ، وقال الحسن بن يحيى ، وقال محمد بن القاسم الرسي ، وقال الناصر الحسن بن علي الأطروش ، وقال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين : أنّ هذا المَذهب الذي نحنُ عليه ، هُو مَذهبُ آباؤنا الفاطميين ، القريبي العهدِ بنا ( حيث أنّ مَن ذكرنَا بينَ مُعاصرٌ للقرن الأول أوالثاني أوالثالث)، وهل يَجدرُ بنا بعدَ ذلك أن نقول ، قال ابن تيمية ، وقال السبكي ، وقال ابن القيم ، وقال ابن الجوزية ، وقال ابن عبدالسلام ، وقال ابن حجر : أنَّ مَذهبَ أهل البيت هُو هذا المَذهَب الذي نحنُ عليه ؟!! 

وسَنَدعُ صاحِبَ الترجمة ، الإمام الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي (ع) يُجيب ، فيقول (ع) : 

لا تّتبعُوا غيرَ آل المُصطفى عَلَماً = لِهديِكُم فهُم خيرُ الورى آلُ 
آلُ النبيّ وعنهُ إرثُ علمِهِمُ= القائمونَ بنُصحِ الخلقِ لم يآلوا 
وقولُهُم مُسندٌ عن قولِ جَدِّهِمُ= عَن جبرئيلَ عن الباري إذا قَالوا 


تراث النّاصر الأطروش (ع) الفكريّ المجيد : 

للإمام الناصر (ع) من المؤلفات الجم الكثير ، وله اجتهاداتٌ في الفقه تميّزَ بها ، وانتسبَ أصحابهُ ومُقلّدوا اجتهاداته إليه ، فأُطِلَق عليهم الزيدية الناصرية ، وكذلكَ الحالَ معَ مَن قلَّد الإمام القاسم الرسي في اجتهاداته الفقهية ، سمّوا الزيدية القاسمية ، وهُو أيضاً ما حصلَ مع مَن قلّد الإمام الهادي إلى الحق في اجتهاداته الفقهية سمّوا الزيدية الهادوية، ولا يعني هذا أنَّ هذه الفَرقَ من الزيدية لها أصولٌ في عقائدها مُختلفةٌ عن بعضها البعض ، فعقائدها واحدَة ، وإنّما الخلاف بينها في الأمور الفقهية الفرعية الاجتهادية ، التي لا يختلفُ أهلُ العِلم في يسورة وسهولَة الاختلاف فيها ، فليتنبّه الواقف على هذا ، ولا يغترّ بما سطّرته كُتبُ الملل والنحل ، وليجهَد في البحث عن صَدق كلامنا . 

ومن تراثه الفكري (ع) : 

1- البساط . 
تستطيع تحميله من خلال الرابط : 
http://hamidaddin.net/ebooks/Albisat.chm 
2- الاحتساب . 
3- النّاصريات ، كتاب في الفقه . 
4- التفسير ، احتجّ فيه بألف بيت من الشعر من ألفِ قصيدَة . 
5- الحجج الواضحة بالدلائل الراجحة في الإمامة . ( الإمامة ) . 
6- الأمالي في الحديث ، وأكثرُه في فضائل العترة (ع) . 
7- المغني . 
8- المسفر . حكاه عنه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني في الشافي. 
9- ألفاظ الناصر . ( رتّبهُ أحد تلامذته كان يحضرُ لديه ، ويكتُبُ ألفاظه ) . 
10- الباهر في الفقه . ( جَمعهُ بعض علماء عصره ) . 
11- الحاصر لفقه النّاصر ، جَمعه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الحسني . 
12- الناظم في فقه الناصر ، جمعه الإمام المؤيد بالله . 
13- الإبانة في فقهه ، مشروحة بأربعة مجلدات كبار ، للشيخ أبي جعفر الهوسمي. 
14- أمهات الأولاد . 
15- الأيمان والنذور . 
16- فدك والخمس . 
17- الشهداء وفضل أهل البيت . 
18- فصاحة أبي طالب . 
19- كتاب معاذير بني هاشم فيما نقم عليهم. وغيرها . 

وفاته (ع) ، وموضع قبره : 

توفي الإمام الناصر (ع) ، ولهُ من الأولاد : أبو الحسن علي الأديب الشاعر، وأبو القاسم جعفر، وأبو الحسين أحمد ، توفي (ع) بعدَ حياةٍ مليئةٍ بالكفاح والجهاد ونشر العلم ،وذلك سنة 304 هـ ، في الخامس والعشرين من شهر شعبان ، 25/ 8 / 304هـ ، وله من العمر نيف وسبعون ، وفي ذلك يقول (ع) مُنشئاً : 

أنافَ على السبعين ذا العامُ رابعُ = فلا بُدَّ لي أنّي إلى اللهِ راجعُ 
وصِرتُ إلى حدّ تقوّمني العَصا = أدبُّ كأنّي كُلّما قُمتُ راكعُ 


وقُبِرَ (ع) في مدينة آمل عاصمة طبرستان ، وإلى ذلك يُشير الشاعر ، ذاكراً قبرَهُ (ع) في آمل ، وقبر الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) في صعدة : 

عَرّج عَلى قَبرٍ بِصَعـ = ـدَة وابْكِ مَرمُوسَاً بآملْ 
واعلَم بأنّ المُقتدِي= بهِمَا سَيبلُغُ حَيثُ يَاملْ 


وقامَ بعد النّاصر الأطروش علمُ العترة المحمديّة الدّاعي الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . 

صورة لقبر الإمام الناصر الأطروش بآمل : 


صورة 

24/12/1425هـ 

المصادر : 

- الإفادة في تاريخ الأئمة السادة للإمام يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) . 
- المصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) . 
- الشافي للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني (ع) . 
- التحف شرح الزلف للإمام مجدالدين بن محمد المؤيدي الحسني (ع) . 
- مقدمة الاحتساب ، للمحقق عبدالكريم أحمد جدبان . 
- أعلام المؤلفين الزيدية للسيد عبدالسلام عباس الوجيه . 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
http://al-majalis.com/forums/viewtopic.php?f=13&t=970&sid=6d30194b77e4a569a68e5dc128e13f9d 
______________________________________________