29‏/10‏/2014

بطلان حد الرجم في الإسلام

صدمت الإنسانية بكل انتمائتها الدينية واللادينية بمشهد رجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لامرأة بتهمة الزنا، ومع أن المسلمين خاصة وأهل الكتاب عامة يعلمون بوجود مثل هذا التشريع في تراثهم الديني إلا أن توقف ممارسته في العقود الماضية أوحى بأن فقهاء الدين قد اعتمدوا ما يسميه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط بـ “التأويل العقلاني” للنصوص الدينية، حيث يتم قراءة النصوص بعيدا عن التأويل التقليدي المرتبط بالدلالات الظاهرة للألفاظ، وحين كانت داعش تقوم بفضح أسوأ عورات تراثنا الديني وأشدها قبحا وفظاعة، إذ بنا نكتشف بأن هذا التشريع المنسوب إلى الشريعة الإسلامية ما زال معمولا به في عدة دول عربية وإسلامية تدعي أنها تحارب داعش وأنها على خلاف فكري وعقدي معها. بيد أن هذه الدول قد جمدت تطبيق مثل هذه الممارسة لا إيمانا منها بإنسانية الشريعة وضرورة مراجعة التراث الفقهي وإنما نتيجة الخوف من انتقاد المؤسسات الحقوقية الدولية. لقد وضعتنا داعش أمام مواجهة صارخة لحقيقة أن ما قامت به لم يكن هرطقة ولا تأسيس لشرع جديد بل هو تعرية لقبح حاول المسلمون موارته بعيدا أو دسه في التراب.
إن الحكم بقتل الزناة وغيرهم بمثل هذه الصورة القاسية ليس خاصية إسلامية خالصة بل هو تشريع يعود إلى أقدم الشرائع المكتوبة وأشدها تطرفا على الإطلاق وهي شريعة حمورابي (1800 ق م) حيث جاء في المادة 129 من القانون البابلي “إذا قبض على امرأة مضطجعة، مع سيد فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقوهما في الماء”. أما القتل رجما بالحجارة فقد ابتدأ مع الميثولوجيا الإغريقية حيث جاء في أسطورة أوديب الإغريقي الذي قتل والده وتزوج أمه أنه طلب من الناس قتله بالحجارة لتطهيره من هذا الإثم. كما أورد هيرودوت (ق 5 ق.م) في الكتاب التاسع من تاريخه قصة رجم الأغريق لـ”ليسايدس” وزوجته وأطفاله بتهمة التآمر مع الفرس.
ويبدو أن اليهود الذين انتقلوا من عبودية البابليين إلى أسر الرومان وخلال الفترة التي أعادوا فيها تجميع نصوص التوراة وكتابة ما فقد منها، قد مزجوا بين التشريع البابلي بقتل الزناة، وبين استعمال وسيلة الرجم بالحجارة االمعهودة في الثقافة الإغريقية والرومانية، ولا يبعد أن تكون قصة قتل قابيل ضربا بالحجارة لأخيه هابيل الواردة في التوراة ناشئة من هذا المنبع، لقد حتمت الظروف القاسية التي مر بها المجتمع اليهودي بداية من سقوط مملكة إسرائيل مرورا بالسبي البابلي وانتهاء بالاحتلال الروماني على أحبار اليهود اعتماد آليات فقهية لتحصين المجتمع من التأثر بثقافة المحتل الوثنية، لذلك توسعوا في الأحكام الفقهية وعمدوا إلى المبالغة في تشديد العقوبات على المخلين بنظام المجتمع، لذلك لم يكن مستغربا توسعهم في استخدام الحدود خاصة حد القتل رجما بالحجارة حيث تجد في التوراة أن الرجم ليس عقوبة للزنا وحسب بل هو أيضا عقوبة لكل من يعتدي على حرمة السبت، وكل من يتمرد على سلطة الأبويين. ويضيف التلمود إلى تلك القائمة رجم السحرة ورجم كل من يدعو إلى عبادة الأوثان. ثم تسربت ثقافة الرجم بالحجارة من اليهودية إلى النصرانية حيث جاء في الإصحاح 20 من سفر اللاويين أن القتل رجما بالحجارة مستحق على الزناة ومن تلبسهم الجان ومن تقرب بزرعه إلى مولخ.
ونتيجة للانتشار السريع للإسلام ودخول شعوب كثيرة وثقافات عديدة في ظل دولة الإسلام التي تمددت بوتيرة أسرع من تمدد ثقافتها الخالصة، جاءت الثقافة الإسلامية خليطا من الموارد والاتجاهات، فإضافة إلى الثقافة الإسلامية الجديدة الناشئة من احتكاك المسلمين الأوائل بالنص القرآني وجدت في الدولة الإسلامية بقايا من آثار الثقافة العربية السابقة على الإسلام، إضافة إلى ثقافة الأمم غير العربية التي دخلت في حوزة دولة الإسلام كيهود الجزيرة العربية ونصارى العراق والشام ومصر ومجوس الدولة الفارسية، وحين شرع المسلمون في تدوين تاريخهم الديني وتراثهم الفقهي في منتصف القرن الثاني الهجري ظهرت إشكالات كثيرة مرتبطة بصعوبة تمييز النصوص المتعلقة بسيرة النبي وهديه باعتبارها والقرآن الكريم النصوص المؤسسة للثقافة الإسلامية الخالصة وفصلها عن نصوص الثقافات الأخرى، وقد عرفت هذه الظاهرة في التراث الإسلامي بظاهرة “الإسرائيليات” وهي تسمية تجسد عملية الاختراق الثقافي غير المسلم في النصوص التي نسبت بعد ذلك إلى الشريعة الإسلامية باعتبارها “سنة” النبي عليه الصلاة والسلام، وقد حاول المشتغلون بالجمع الروائي وضع آلية لتنقية “السنة” من الدخيل عليها، لكن تلك التقنية كانت من السذاجة بمكان حيث اعتمدت اعتمادا مطلقا على عملية “توثيق” الرواي، ذلك التوثيق الذي كان يوزع صكوكه أهل الرواية أنفسهم إنما يقوم على استقراء لظاهر سيرة الراوي وحفظه واتجاهه المذهبي وموقفه السياسي بعيدا عن درجة علمه أو فقهه أو مدى موافقة تلك الروايات لدلائل العقل أو نصوص القرآن أو حتى السياق التاريخي.
ومن بين القضايا التي لا شك أنها تسربت إلى الثقافة الإسلامية أثنا عملية الجمع الروائي هو الحكم المتعلق بعقوبة الزاني المحصن، فبعد أن أوضح القرآن الكريم عقوبة الزاني بصورة لا تقبل الشك ولا الجدل وهو الجلد مائم جلدة: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تومنون بالله وباليوم الآخر) النور: 2. إذا بنا نجد روايات أهل الحديث والأخبار تضيف أحكاما من كيس الثقافات السابقة على الإسلام تدعو إلى رجم الزاني المحصن بالحجارة حتى يلفظ أنفاسه.
وقد أثار هذا الرأي انقساما في جسد الأمة، حيث قبله الفقهاء الذين يعتمدون التوثيق كمرجعية في قبول النصوص التشريعية، وعارضه الفقهاء الذين يعتمدون مرجعية القرآن كميزان لقبول الروايات إضافة إلى مرجعية النقد العقلاني. يقول ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري: (وقال ابن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن ، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج).
وقد أوضح الرازي في تفسيره حجة من اسماهم “الخوارج” في رد حكم الرجم حيث قال في تفسير سورة النور 2: (الخوارج أنكروا الرجم واحتجوا فيه بوجوه. أحدها: قوله تعالى : (فعليهن نصف ما على المحصنات) [النساء: 25] فلو وجب الرجم على المحصن لوجب نصف الرجم على الرقيق، لكن الرجم لا نصف له. وثانيها: أن الله سبحانه ذكر في القرآن أنواع المعاصي من الكفر والقتل والسرقة، ولم يستقص في أحكامها كما استقصى في بيان أحكام الزنا، ألا ترى أنه تعالى نهى عن الزنا بقوله: (ولا تقربوا الزنا) [الإسراء: 32] ثم توعد عليه ثانيا بالنار كما في كل المعاصي، ثم ذكر الجلد ثالثا، ثم خص الجلد بوجوب إحضار المؤمنين رابعا، ثم خصه بالنهي عن الرأفة عليه بقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله) خامسا، ثم أوجب على من رمى مسلما بالزنا ثمانين جلدة. وسادسا، لم يجعل ذلك على من رماه بالقتل والكفر وهما أعظم منه، ثم قال سابعا: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) [النور: 4]، ثم ذكر ثامنا من رمى زوجته بما يوجب [ ص: 118 ] التلاعن واستحقاق غضب الله تعالى ، ثم ذكر تاسعا أن (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) [النور: 3]، ثم ذكر عاشرا أن ثبوت الزنا مخصوص بالشهود الأربعة , فمع المبالغة في استقصاء أحكام الزنا قليلا وكثيرا لا يجوز إهمال ما هو أجل أحكامها وأعظم آثارها، ومعلوم أن الرجم لو كان مشروعا لكان أعظم الآثار، فحيث لم يذكره الله تعالى في كتابه دل على أنه غير واجب. وثالثها: قوله تعالى : (الزانية والزاني فاجلدوا) يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة، وإيجاب الرجم على البعض بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو غير جائز، لأن الكتاب قاطع في متنه، وخبر الواحد غير قاطع في متنه، والمقطوع راجح على المظنون)
وقد أجاب ابن قدامة الحنبلي في كتابه “المغني” على اعتراض المعارضين لحكم الرجم بالقول (وقالوا : لا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بطريق القطع واليقين ، لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ، ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة ، وهو غير جائز . ولنا ، أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره في أثناء الباب في مواضعه ، إن شاء الله تعالى ، وقد أنزله الله تعالى في كتابه ، وإنما نسخ رسمه دون حكمه ، فروي عن {عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأتها وعقلتها ووعيتها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ، وقد قرأتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم } متفق عليه . وأما آية الجلد ، فنقول بها ، فإن الزاني يجب جلده ، فإن كان ثيبا رجم مع الجلد ، والآية لم تتعرض لنفيه . وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه حين جلد شراحة ، ثم رجمها ، وقال : جلدتها بكتاب الله تعالى ، ثم رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم لو قلنا : إن الثيب لا يجلد لكان هذا تخصيصا للآية العامة ، وهذا سائغ بغير خلاف ، فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة . وقولهم : إن هذا نسخ . ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ، ثم لو كان نسخا ، لكان نسخا بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه).
إن اعتماد المحدثين في هذه القضية على أخبار تتهم القرآن الكريم بالنقص وعدم أمانة الصحابة في تدوين بعض آياته غير خافية، إضافة إلى قولهم أن الروايات تنسخ “تلغي” أحكام القرآن مع أن هذا مناقض لموقف كبار أئمتهم، حيث يقول الإمام الشافعي في الرسالة: (السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصاً ومفسرة ما أنزل الله منه مجملا). ويقول الرازي في تفسير سورة الأنعام 147: (ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز)، وقال أيضا في تفسير سورة النساء 15: (هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد وإنه غير جائز).
وهروبا من القول بالنسخ زعم بعضهم أن الرجم ليس نسخا لحكم القرآن بل هو تخصص لعمومه، مع أن جواز تخصيص أحكام القرآن بالروايات مسألة مختلفة فيها بينهم، فقد قال الرازي الشافعي في تفسير سورة البقرة 184 نافيا جواز تخصيص القرآن بالروايات: (أقصى ما في الباب أنه يروى خبر واحد في تخصيص هذا العموم، لكن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد غير جائز). وقال في تفسير سورة المائدة 38-40: (لو ذهبنا إلى التخصيص لكان ذلك إما بخبر الواحد أو بالقياس، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد والقياس غير جائز). وقال القاضي البهاري الحنفي في “مسلم الثبوت”: (لا يجوز عند الحنفية تخصيص الكتاب بخبر الواحد)، وقد علل اللكنوي في “فواتح الرحموت” هذا الرأي بالقول: (وفيه أن أخبار الآحاد في الأكثر عامة، فعلى فرض ظنية العام الخبري ظني المتن والدلالة، فظنه أضعف من ظن الكتاب، ومن الضروريات ترجيح الراجح. “أقول مع ابتنائه على ظنية العام”: وهي ممنوعة فإنا بينا أنه قطعي “يرد عليه أن قطعية دلالة الخبر ضعيف لضعف ثبوته، لأن الدلالة فرع الثبوت” وإذ في الثبوت شبهة، ففي الدلالة بالطريق الأولى ففيه شبهتان، شبهة في نفس ثبوت الخبر، وشبهة في الدلالة “بخلاف قطعية الكتاب” إذ فيه شبهة الدلالة فقط “فلا مساواة” فلا تعارض، فلا جمع، بل يقدم الراجح).
ونتيجة لطغيان ثقافة التقليد وتفشي العقلية الإخبارية في الأمة لم تحظ هذه المسألة بمراجعات حقيقية إلا في العصر الحديث، حيث روى يوسف القرضاوي أن فقيه الأزهر البارز محمد أبو زهرة فاجئ الحضور في ندوة مقامة في ليبيا بإنكار الرجم اعتمادا على ثلاثة أدلة: (الأول: أن الله تعالى قال: “فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب” [النساء: 25]، والرجم عقوبة لا تتنصف، فثبت أن العذاب في الآية هو المذكور في سورة النور: “وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين” [النور: 2]. والثاني: ما رواه البخاري في جامعه الصحيح عن عبد الله بن أوفى أنه سئل عن الرجم.. هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: لا أدري. فمن المحتمل جدًّا أن تكون عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التي نسختها. الثالث: أن الحديث الذي اعتمدوا عليه، وقالوا: إنه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقي حكمه أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنه كان في صحيفته فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق).
كذلك استدل المفكر الإسلامي محمد مختار الشنقيطي في رد روايات الرجم بقوله أن (جل أحاديث الرجم يتضمن طعنا في حفظ القرآن الكريم، فمن قال بالرجم فهو قائل ضمناً بتحريف القرآن -والعياذ بالله- لأن أغلب أحاديث الرجم تفيد ذلك. أطبق علماء المعتزلة على إنكار الرجم منذ القديم.. وقد أصابوا في ذلك وأحسنوا إذ تشبثوا بالقرآن واطّرحوا الآثار المناقضة له).
على الأمة اليوم لكي تنهض حضاريا أن تقوم بعملية مراجعات حقيقية لكل تراثها خاصة ذلك التراث الذي أحيط بالقدسية والعصمة بسبب نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذه المراجعة يجب أن لا تستند على الطرائق النقدية التقليدية القائمة على الثقة بالرواة وإجماع المذهب، بل عليها أن تتحرر من أسر هذه المناهج التي تكرس التقليد والرجعية والجمود، على الأمة أن تنطلق في فضاء المناهج العلمية الحديثة كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والهرمونطيقيا والألسنيات وغيرها، وعليها أن تعيد الاعتبار للقرآن الكريم باعتباره المرجعية العليا للأحكام الشرعية، بمثل هذه المراجعات النقدية، والقراءة العلمية لتراثنا الديني نستطيع تنقية الشريعة الإسلامية من مثل هذه الممارسات الفظيعة التي تقوم بها المنظمات الإرهابية التي تشوه سماحة الإسلام.

المصدر : http://www.alfalq.com/?p=7027 

22‏/09‏/2014

هل فعلا المعتزلة مارسوا إرهابا فكريا تجاه خصومهم


 الملاحظ يا سادة بالدراسة التاريخية التي قام بها الكثير من الباحثين المتخصصين كالدكتور فهمي جدعان والجابري و الوريمي والسمهوري وغيرهم أن المعتزلة براء من موضوع " المحنة " كتيار، فهم أولا مع حرية الدين والمعتقد، ومع الحوار وصراع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، وضد إكراه الناس على معتقد بالقوة، والقوة الوحيدة التي يرونها في مثل هذه المسائل هي الدليل والحجة والبرهان، ولكن ما حدث في الصراع بين الأمين والمأمون واصطفاف حشوية أهل الحديث مع الأمين أدى ذلك أن يسرها لهم المأمون في نفسه، حتى إذا استحكم أعد لهم حسابا عسيرا، وهو امتحانهم ( فالمسألة كانت مسألة تصفية حسابات سياسية )، خصوصا أن كثيرا ممن امتحن المحدثين كان من الجهمية والضرارية وغيرهم ممن يقول بخلق القرآن، فكما تعلمون فالمعتزلة ليست هي المدرسة الفكرية الوحيدة التي تقول بأن القرآن مخلوق، وفي هذه الحقيقة يقرر ابن تيمية فيقول : ((( فإن ابن أبي دؤاد كان قد جمع للإمام أحمد من أمكنه من متكلمي البصرة وبغداد وغيرهم ممن يقول: إن القرآن مخلوق، وهذا القول لم يكن مختصًا بالمعتزلة كما يظنه بعض الناس، فإن كثيرًا من أولئك المتكلمين أو أكثرهم لم يكونوا معتزلة، وبشر المْرِيسي لم يكن من المعتزلة، بل فيهم نجارية، ومنهم برغوث، وفيهم ضرارية، وحفص الفرد الذي ناظر الشافعي كان من الضرارية أتباع ضرار بن عمرو، وفيهم مرجئة، ومنهم بشر المريسي، ومنهم جهمية محضة، ومنهم معتزلة، وابن أبي دُؤَاد لم يكن معتزليًا، بل كان جهميًّا ينفي الصفات، والمعتزلة تنفي الصفات، فنفاة الصفات الجهمية أعم من المعتزلة
 ا.هـ (مجموع الفتاوى 17: 299).
وكما يصرح ابن تيمية أيضا في كتاب النبوات ـ وهو من أواخر ما كتب ـ (ص211 طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق أبو صهيب الرومي وعصام الحرستاني، عام 1422هـ)، يقول:وكذلك الإمام أحمد خصومه من أهل الكلام هم الجهمية الذين ناظروه في القرآن مثل أبي عيسى برغوث وأمثاله، ولم يكونوا قدرية، ولا كان النـزاع في مسائل القدر، ولهذا يصرح أحمد وأمثاله من السلف بذم الجهمية أكثر من سائر الطوائف. ا.هـ ))).
ومن يلاحظ سياسات المأمون يعلم أنها ليست سياسات معتزلية، وليست من قضايا المعتزلة مثل: تولية العهد لعلي بن موسى الكاظم، وأمر الجند بطرح السواد ولبس الخضرة وإعلان لعن معاوية على المنابر وإعلان أفضلية علي رضوان الله عليه، وإجازة زواج المتعة وغيرها من مسائل !!!!!.
وللعلم فإن المأمون كتب بالمحنة وقاضي قضاته هو يحيى بن أكثم الحنبلي !!!! وكتبها من طرسوس وطرسوس معقل الجهمية وليس المعتزلة .
ولكن عند انهاء المحنة على يد المتوكل فوجد خصوم المعتزلة فرصة ذهبية للتخلص من أقوى اعدائهم الفكريين، ووجد أصحاب الأنظمة الوراثية وأكل أموال الناس بالباطل نفس الفرصة في إصدار واحدة من أكثر فضائح ومخازي التاريخ عارا الوثيقة القادرية لقمع المعتزلة وتصفيتهم والتخلص منهم.
ثم بدأت آلة تزوير الوعي، والتشهير الإعلامي والكذب والدعاية السوداء في شن أكبر حملة تلطيخ سمعة وتشويه لواحدة من أنبل التيارات الفكرية الإنسانية وهم المعتزلة.


أثر الفكر الفلسفي الإسلامي في اليهود

الدكتور علي سامي النشار

كانت أكاديمية بابل مزدهرة في ذلك العهد , وكانت تلمودية , تدين بالنص المكتوب وبالنصوص الشفوية . ولكن الدنيا كانت تتحرك حولهم , وكانت الفلسفة الإسلامية المنبثقة عن فكر إسلامي أصيل تتكون – أو تكونت فعلا . وفي أكاديمية سورات , إحدى أكاديميات بابل اليهودية , كان الربانيون هم المسيطرون على الحركة اليهودية . كانوا – كما قلت – عن اليهودية عامة يعيشون في أعماق النصوص المكتوبة , وفي الوقت عينة يتمسكون أشد التمسك بالنصوص الشفوية . كانت المدارس التلمودية تسيطر على جمهور اليهود . 

ولكن الفكر المعتزلي الإسلامي ما لبث أن نفذ إلى رجال هذه المدرسة فظهر أحد علماء اليهود في عهد أبي جعفر المنصور , يبشر بحركة عقلية جديدة " وهو عنان بن داود " وينشئ فريقا جديدا مقابلا للربانيين وهو فريق القرائيين . وقد أعلن عنان الثورة على الربانيين , وعلى سلطاتهم الدينية , ونقض القوانين التقليدية , كما دعا إلى استخدام العقل ومبدأ البحث الحر . ولقد كان في هذا صدمة كبرى للربانيين , كانت الربانية مركز الاعتقاد اليهودي , تحافظ على وحدتهم طبقا لمعتقدات واحدة , وكانت تؤمن بالنص المكتوب كما تؤمن بالتقاليد الشفوية التي وصلتهم خلال التاريخ والأجيال المتعاقبة . فما إن ظهر عنان بن داود يعلن المذهب القرائي حتى ثارت ثائرة الربانيين . مع أنه من الجدير بالملاحظة أن عنان بن داود لم يهدم التقليد الشفوي تماما ولم يرفض – كما فعل الصدوقيون من قبل أي تفسير من أي نوع للتقليد , إذ ألقى فقط بالفكرة التي تقول : ينبغي أن تكون النصوص – مكتوبة أو شفوية – منسجمة – مع العقل . أو بمعنى أدق إنه يعلن : أن النقل والعقل لا يتعارضان . وسمى أتباعه أنفسهم بالقرائيين – والكلمة في أصلها " كرائيم " أي النصيين , - أي أتباع النص المكتوب , لا الرواية الشفوية . ثم تغيرت واشتهرت باسم القرائيين وكان القراء ون – أول من القوا في اليهودية بأول مذهب لا هوتي منسق وعقلي , ويؤيده النظر الفلسفي . كان القراء ون أثرا من أثار المعتزلة , بل كانوا تابعيها في التراث اليهودي . لقد اتخذ القراء ون اليهود المعتزلة مثالا لهم واتخذوا اسم "المتكلمين " وسما لهم . بل إن المسعودي يصف القرائيين بنفس الوصف الذي يصف به المعتزلة " أهل العدل والتوحيد " ويقول القرائي اليهودي أهرون بن إيليا صراحة إن القرائين وقسم كبيرا من الربانيين تابعو مذاهب المعتزلة بل إن كتاب خوزاري اليهودية يذكر " أن ملك الحزب طلب أن يعرض عليه في إيجاز آراء الاصولين القرائيين , وهم أصحاب علم الكلام . ويقول موسى بن ميمون في دلالة الحائرين إن القرائيين استعاروا حججهم ن لمتكلمين المسلمين . وأن الغاية من استعادة هذه الحجج – هي إقامة العقائد الأساسية لليهودية على أساس فلسفي . ويذهب مونك إلى أن المتكلمين المسلمين واليهود – بدءوا يستخدمون المنهج الجدلي الأرسطي – وكان هذا المنهج بدأ أن يدخل في العالم الإسلامي – لكي يقطعوا به المذاهب الفلسفية للفيلسوف الاستاجيري . وهذا خطا , وسيردده مستشرق يهودي آخر هو جولدتسيهر . أن مكلمي الإسلام – معتزلة كانوا أم أشاعرة – لم يستخدموا المنهج الجدلي أو المنطق الارسططاليسي , بل كان لهم منطق أخر , أجملت عناصره من قبل , وسيضيق موسى بن ميمون , وهو فيلسوف ارسططاليسي بهذا المنهج الكلامي وسيهاجمه – من وجهة نظر ارسططاليسية – متابعا ابن رشد . وسيجري ورائهم بعد ذلك في نفس الاتجاه توما الإكوني .

أما القضايا الرئيسة التي قام القراءون بالدفاع عنها فهي : أن المادة الأولى ليست قديمة إن العالم مخلوق وبالتالي فإن له خالقا . إن هذا الخالق وهو الله , لا بدء له ولا نهاية , إنه غير جسم , ولا تحيط به حدود المكان , أن علمه يحيط بكل الأشياء . وحياته إنما هي العقل , بل هي التعقل المحض . إنه يفعل بإرادة حرة وإرادته متوافقة مع سموه وقدرته وتنزهه . كل هذه القضايا , قضايا معتزلية يذهب القراءون وراء المعتزلة فيها , ويتابعونهم فيها متابعة تامة .

ولق ازدهر القراءون لفترة من الزمن . كما ازدهر المعتزلة لفترة من الزمن أيضا . وكان منهم يافت بن صاعير – وهو مؤلف قرّائي عربي ( ازدهر ما بين القرن الثالث عشر الميلادي والقرن الرابع عشر ) , وقد وضع سلسلة طويلة للرواية اليهودية الحقيقية أو للتقليد أو للسنة اليهودية الحقيقية , ممتدة من جيل إلى جيل , مبتدئة بموسى ومنتهية بعنان , أو بمعنى آخر إن القرائيين وضعوا من السند التقليد الصحيح ..... وقد وصل السند من موسى ... حتى شماريا , ونقله اشماريا إلى ابنه رابزيلا – ومن رابزيلا إنتقل إلى عنان . وكان عنان في رأي يافت ابن صاعير , أول من أظهر المذهب الصحيح ببراهين بينة وألهم الحقيقة التي بقيت زمنا طويلا مخفية , ويقول إنه ضحى بحياته لأجل عقيدة في أيام المنصور .

أما الشخصية القرائية الثانية الهامة , فهي شخصية داود بن مروان المقمس الرقي . وقد نشأ في الرقة في العراق ثم تحول إلى المسيحية , حيث درس الفلسفة واللاهوت تحت إشراف أستاذ مسيحي في مدرسة الرقة الفلسفية المشهورة , ثم عاد فاعتنق اليهودية . ويشك فيدا في أنه كان قرائيا بل يرى أنه كان أقرب إلى الربانيين . وكتب كتابه الذي وسم باسمه المقمس بالعربية . ويسمى الكتاب أيضا " العشرون مسألة " . وقد أشار إلى كتابه – فيما بعد – كتاب من الطائفة الربانية . وهذا يثبت أنه لم يكتب ضد الربانيين , وأنه إنما اشتغل بالعقائد الأساسية التي قبلتها الطائفتان , ولا تحتوي كتاباته على أي جدال ونقض للربانيين . وإنما يذهب بهيا بن فاقوده في كتابه المشهور " واجبات القلوب " إلى أن المقمس حاول في كتابه أن يثبت عقائد الدين بالعقل , وأن يناقش أعداء الدين بنفس الوسيلة . وأهم العقائد التي يعرضها المقمس , هي أن العالم كعالم صغير Microcosme هو المخلوق الأكمل , وأنه يشغل درجة أسمى من درجة الملائكة . والملائكة في التوراة موجودات سماوية , وأن الإنسان في مكان أدنى قليلا منها . ولكن المقمس , وهو يقدس العقل والقوى العقلية – متابعا للمعتزلة , يرى أن في الإنسان كل ما في الملاك , ثم يزداد عنه بصفات أخرى .

أما الشخصية الثالثة الكبيرة من القرائيين , فهو أبو يعقوب البصير واسمه اليهودي جوزيف هاروح . وقد كتب بالعربية كتاب "المحتوى " وفي الكتاب عرض لكل النظريات التي ينسبها موسى بن ميمون للمتكلمين المسلمين . يعرض أبو يعقوب البصير في هذا الكتاب لنظرية الجزء الذي لا يتجزأ , أي النظرية الذرية ويرى تغيرات الذرة الطبيعية إلى ظواهر أربعة , الاجتماع والافتراق والحركة والسكون. ويتكلم عن صفات الله كما يتكلم أي معتزلي , بل يخوض في بعض نظرياتهم ويعتنقها – مثل الإرادة الإلهية – الحادثة لا في محل Sans abstranm أما البراهين التي يثبت بها وحدة الله وعدم جسميته والخلق من عدم فهي هي نفسها براهين المتكلمين .
وقد تابعه تلميذه جوزيه بن جوده . ثم ظهر يعقوب القرقيشاني وكتب بالعربية كتاب "الأنوار والمراقب " وهو يكاد يكون كتابا معتزليا خالصا .

أما الربانيون أتباع التلمود , فقد تابعوا مثال العلماء القرائيين في إقامة بنائهم الديني مستخدمين ايضا طرق العقل والبراهين , وقد أمدتهم " فلسفة العصر " أي فلسفة المتكلمين المسلمين بكل هذا . وأول فلاسفة الربانيين ومتكلمهم هو سعديه بن يوسف الفيومى . وقد اعتبره مؤرخو الفكر اليهود أنفسهم من الأقدمين والمحدثين , أعظم رجال الفكر اليهودي قاطبة , إذ أنه كان أول العلماء الربانيين الممثلين لتاريخ اليهود , الذين اقبلوا على استخدام العقل والبرهان لإقامة فلسفة يهودية أو لاهوت يهودي يستند على الكتاب والعقل معا . 

ولقد لاحظ فيدا أن الإمام أبا الحسن الأشعري قد ظهر في زمن سعديه الفيومي , وأن الإمام الأشعري قام بثورة ضد المعتزلة , واعتنق مذهب أهل الحديث , ثم حاول أن يثبت هذا المذهب بالعقل , أو بمعنى أدق أنه قرر وضع النص أولا , ثم يليه العقل . ولكن هل موقف سعديه , وهو رباني يثبت النص أولا , ثم يؤيده بالعقل شيبه موقف الأشعرية لاشك أن سعديه فعل هذا . ولكن نرى أنه احتضن المذاهب المعتزلية . أي أنه اتخذ مذهبه من الأشعرية , ومادته من المعتزلة . وسنرى فيما بعد أن من مفكري اليهود, من يتخذ منهج الأشعرية ومادتهم . 

وقد كتب سعديه الفيومي فلسفته الكلامية في كتاب بالعربية اسمه " الأمانات والاعتقادات" "والأمانات" تشير إلى العقائد الدينية , والاعتقادات تشير إلى المعارف المكتسبة بواسطة البحث العقلي . ويذكر فيدا أن سعديه الفيومي تابع الكلام المعتزلي في تنسيق أبواب الكتاب وفي مادته .
أما عن متابعة المعتزلة , في تنسيق أبواب الكتاب , بل في تناولهم لموضوعاتهم , فإننا نعلم أن المعتزلة كانوا يبدءون فلسفتهم الكلامية ببحث مشكلة قدم العالم أو حدوثه , ثم ينتقلون إلى البحث في الله وصفاته . وكذلك فعل سعديه الفيومي. ثم إن الكلام المعتزلي قد أقيم – كما نعلم – على خمس أصول : التوحيد والعدل والوعد والوعيد , والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد تابع سعديه هذه الأصول واعتنقها , وبحثها في فصول متتابعة في كتابه .
إن ما أود أن أنتهي إليه هو أن سعديه الفيومي أثر من آثار المعتزلة – لقد أعطى العقل سلطة كبرى – إن العقل – عنده – الحق في أن يتفحص العقيدة الدينية وينبغي أن تفهم بواسطته , حتى يتمكن من الدفاع منها أمام " الهجمات الخارجية ". إن العقل يعلمنا نفس الحقائق التي يعلمنا إياها النقل , ولكن النقل ضروري لكي يجعلنا نصل بسرعة إلى معرفة أسمى الحقائق , أما إذا خلينا العقل بذاته , فإنه لا يجعلنا نصل إليها إلا بجهد طويل. 

ثم خاض في كل ما خاض فيه المعتزلة قبله – وحدة الله وصفاته, والخلق, والنقل والعقل, وطبيعة النفس الإنسانية والسلوك الإنساني ... وطبق العقل – كما فعل المعتزلة – على – الأخبار الواردة عن الملائكة والجن والشيطان , وحاول تفسير كل هذا تفسيرا عقليا. دافع عن النبوة , كما دافع المعتزلة , وهاجم الفيلسوف الأفلاطوني الملحد محمد بن بكر الرازي , كما هاجمه المتكلمون المسلمون . وهاجم المقولات الأرسططاليسية – كما فعل المعتزلة , وأثبت – على طريقتهم أنهل لا تنطبق على الله . وبرهن على الخلق من لا شئ أو من عدم , وهو في هذا يحارب الفلسفة اليونانية التي تقرر قدم المادة , وهو يتابع المعتزلة أيضا حين أثبت حرية الإرادة الإنسانية بحجج تشبه أو هي هي حجج المعتزلة .
هذا هو سعديه الفيومي , أول من فلسف لاهوت الربانيين , واعتبره اليهود حتى الآن – فيلسوف التوراة الحقيقية , مهد السبيل للربانيين – جمهور اليهود , لاستخدام العقل , ووضع في أيديهم الحجج البرهانية , لإثبات عقائدهم , وتعقلها . وكان له أكبر الأثر في الفكر اليهودي من بعده: ولم يكن سوى تلميذ صغير للمعتزلة .

وبدأت الفلسفة الإسلامية المشائية تظهر على أيدي الكندي ومدرسته , ثم الفارابي .... ولسنا هنا في مجال تأريخ تكونها . إن آراء هذه المدرسة قد انتشرت إلى المغرب ثم إلى الأندلس . وفي القيروان وتحت تأثير هذه المدرسة – والفارابي منها بالذات – تكونت مدرسة القيروان اليهودية , مدرسة عنيت – كعادة اليهود – بالطب والسحر والسيمياء والكيمياء , وكان لابد لها أن تعالج الفلسفة , وكان أول رجال هذه المدرسة أهمية هو إسحق إسرائيلي ( 850- 950م) وقد كتب كتابين كتاب التعريفات وكتاب المبادئ . وكتاباته عرض مختلط يحوي دراسات منطقية وميتافيزيقية وطبية . وآراؤه الفلسفية هي صدى وانعكاس للآراء المدرسة الإسلامية المشائية أو بمعنى أدق الأفلاطونية المحدثة , ومحاولة التوفيق والتنسيق بين الدين والفلسفة اليونانية هذه الممتزجة من عناصر أفلاطونية وأرسططاليسية وأفلاطونية محدثة . ولقى بحث إسحاق إسرائيلي الفلسفة – متبعا فلاسفة – الإسلام - بأنها هي البحث في الله من حيث هو , ومن حيث استطاعة القدرة الإنسانية التوصل إليه و إلى معرفته . ويرى أن تعريف الفلسفة على هذا الأساس وهو تعريف مستمد من فقرة لتيتاوس كتبها أحد شراح أرسطو من الأفلاطونيين المحدثين , لا يتعارض إطلاقا مع فكرة التوراة المثالية أو فكرة التلمود في تعريف الله والبحث عنه .

ثم يقبل إسحاق إسرائيلي فكرة الخلق, ويميز بوضوح بين الفعل الإلهي في الخلق من عدم, وتولد الأشياء الطبيعية الذي ينتج عن مادة مجردة موجودة وجودا سابقا. ويقرر أن الله خلق العالم, لأن الله أراد أن تظهر خيرته وحكمته في الوجود. ولكن هذه الفكرة التي لا تتفق مع التصور المجرد السلبي الذي وضعته الأفلاطونية المحدثة عن الإلوهية , ما يلبث أن يربطها إسحاق إسرائيلي بفكرة الفيض الأفلاطوني , فمن العقل تفيض النفس بمختلف درجاتها , وفي درجة أدنى من النفس ينتج فلك السماء الذي يمتد بفعله على الطبيعة . إن هذه السلسلة تتفق تقريبا مع ثالوث الأفلاطونية المحدثة : العقل والنفس والطبيعة .

إن التخبط الفكري الذي نجده لدى الفلاسفة الإسلاميين المشائين وبخاصة الفارابي , إنما نجده لدى إسحاق إسرائيلي , وقد تابعه جيلان من أجيال مدرسة القيروان , فنراه لدى دوناش ابن تامين في تعليق له على سفر يسيره , وهو يعلن في مقدمة تعليقه : أن الحكمة اليهودية القديمة , لو أحسن تفسيرها , لانتهت إلى اتفاق تام مع النتائج التي لا تنقض العلم والفلسفة . ونرى نفس الاتجاه لدى يهودي ايطالي أسرته البحرية الإسلامية , وعاش مدة في شمال أفريقيا, ثم عاد إلى إيطاليا , وهناك كتب تفسيرا آخر لسفر يسيره أسماه هاكموني . وقد تأثر فيه خطى المدرسة المشائية الإسلامية الأولى .
ويظهر سالومون بن جبرول (1020-1050م ) ويحاول مونك أن يثبت أصالة ابن جبرول في فلسفته , ولكن من الثابت أنه كان تلميذا لابن مسرة : الفيلسوف والصوفي الأندلسي .

ولكن ما لبث الكلام الإسلامي أو الفلسفة الإسلامية الخالصة, أن تظهر واضحة في الفكر اليهودي. وذلك حين نفذت في أعماق كتاب لأحد قضاة الكنيس اليهودي الرباني في الأندلس – أما هذا القاضي اليهودي فهو بهيا بن فاقودة . وقد كتب أيضا بالعربية " كتاب الهداية إلى فرائض القلوب " ويرى فيدا أن اسم الكتاب نفسه مأخوذ من مصطلح معتزلي قديم , فقد استخدم المعتزلة القدامى " فرائض القلوب " أو "أعمال القلوب" مقابلة لفرائض الجوارح أو أعمال الجوارح . والكتاب هو عن حياة الإنسان الباطنية , وعن المعراج الذي ينبغي أن يتخذه المؤمن للوصول إلى النور الإلهي الأسمى . ولقد عرض بهيا في مقدمته لكتابه الى السبب الذي دعاه لكتابته , وهو أن القرن الذي كان يعيش فيه نسى الحياة الباطنية . إن العامة قد انكفأوا على العبادات والطقوس في تقليد مستعبد, وحركات خالية من القلب الحاضر, وبدون تعقل فانعدم التأمل والنظر . أما عن الحواس فقد تحجرت قلوبهم بظواهر الشريعة التلمودية, ونسوا العنصر الأساسي للدين. ولذلك كتب هو كتابه " شفاء للناس " من هذه النكبات – وكقائد لهم نحو حياه روحية حقه. ويذكر بهيا أن حكماء إسرائيل القدامى لم يهملوا أبدا أو لم يستصغروا هذه الروحية , إنهم قدروها حق قدرها , ولكنهم إذا كانوا لم يتركوا تعليما متماسكا ومتناسقا ومنظما في هذا الموضوع , فذلك لأن من الملحوظ غياب التنظيم والتنسيق لدى حكام بني إسرائيل الأقدمين في هذا الموضوع وفي غيره من الموضوعات وأن التلمود والمدارش – في رأي بهيا بن فاقوده , مليئان بالمواد اللازمة لبناء النسق الروحي , وان عليه هو أن يكتشف هذه المواد وأن يضعها في نسق . 

ولكن إذا بحثنا كتاب "واجبات القلوب" نرى أنه لم يستعن بهذه المواد الذي يدعي وجودها في أعماق التلمود والمدارش . لقد استعار من المسلمين من متكلميهم ومتصوفيهم. ولا يجد الباحثون اليهود أنفسهم هذه المواد التلمودية أو المدراشية في كتابه إلا عرضا . فكانت كل أمثلته ورواياته إسلامية بحته وإن كان قد أخفى الأسماء الإسلامية – أسماء الرسول محمد صلى الهم عليه وسلم والخلفاء وأولياء المسلمين – من زهاد وصوفية تحت صيغ غامضة وأسماء ملغزة. لم يكن بها سوى صدى للزهد والتصوف الإسلامي. وقد أنكر فيدا أن يكون بهيا قد تأثر بالغزالي , كانا متعاصرين , ويرى أن كتب الغزالي الصوفية الأخيرة , لم تنتشر مباشرة , ولم تصل الى الاندلس الا مؤخرا . وهذا احتمال غير موثوق به , على اية حال : إن بهيا قد تأثر أشد التأثر بالمحاسبي وأخذ منه , وكانت كتب المحاسبي معروفة باتساع في الأندلس, ولقد أثر المحاسبي نفسه في الغزالي .

ولسنا نريد هنا أن نخوض في فلسفة بهيا بن فاقودة من حيث هي فلسفة وأن نعرض لعناصرها وإنما نريد أن نبين الآثار الفكرية الإسلامية فيها وأنها لم تكن سوى صدى لهذه الآثار . 

يرى بهيا أن أساس الحياة الداخلية هو الإيمان المطلق بوحدة الله , ولكن معرفة ذات الله ليست في نطاق دائرة المعرفة الإنسانية , ولا يمكن أن نعرفها إلا بالنظر في آيات الله في مخلوقاته . فإذا تكلمنا عن وحدة الله , وآمنا بها , نتكلم ونؤمن بقدرته وهذا يفرض علينا طاعته , واللجوء إليه . كذلك الإيمان بوحدة الله , يستلزم منا أن نستبعد مشاركة أي كائن له في ملكه , ولذلك كانت طاعة الله وهي اللائقة بجلاله تامة , لا يشاركه في طاعتنا له وجود . فيجب أن تكون أعمالنا إذن خالصة له وحده , ومتطهرة من كل ما سواه , وأن نكون أذلاء أمام سيدنا الأوحد . ولكن الإنسان مع هذا معرض لكل أنواع الخطايا والزلات والهواجس , وهي اختبار لوجدانه وامتحان . وأسلم الطرق لتجنب الخطايا والزلات وهواجس النفس , هو أن يقطع الإنسان علاقته بهذا الكون كله : وهذا هو أول طريق الزهد , ولما كان إرضاء الله هو الغاية السامية للإنسان , وتجنب غضبه هو ما نسعى إليه بكل قدرتنا , فينبغي أن نحقق في أنفسنا ,أن نكيف وجونا للحب الإلهي . 
ويقرر فيدا أن كل هذه الأفكار التي تكون الإطار العام لكتاب " الهداية إلى فرائض القلوب " إنما هي مقامات الحياة الداخلية الباطنية , لصوفية الإسلام . 
ثم يقرر فيا أن وصف بهيا لوحدة الله , إنما هو تركيب من علم الكلام الإسلامي , وبعض آراء الأفلاطونية المحدثة , مستمدة من كتاب " إخوان الصفا" .
ويتضح أثر الكلام الإسلامي الناقد في يوسف بن صديق عضوا في المحكمة الربانية في قرطبة (توفي عام 1149م ) وقد كتب بالعربية كتابه " العالم الأصفر ". ومصادر الكتاب الأفلاطونية المحدثة العربية , والمشائية العربية والكلام الإسلامي . 
أما عن مصادره في الأفلاطونية المحدثة العربية , فإن فيدا يرى أنه تأثر بإبن جبرول , ومنه أخذ مادته عن الأفلاطونية المحدثة . ويرى فيدا أن يوسف بن صديق لم يكتف بابن جبرول , بل يبدو أنه قرأ كتاب " أمبدوقليس المزعوم " . ويستنتج فيدا أن يوسف بن صديق عرف آثار مدرسة ابن مسرة . ولم يدرك فيدا أن ابن جبرول نفسه كان تلميذا لابن مسرة . وأن كتاب "امبدوقليس المزعوم " الذي اثر في ابن مسرة , ومن خلاله اثر في ابن جبرول , ليس إلا آراء أفلاطونية متأخرة , صاغ فيها تلاميذ أفلاطون الكثير من آرائه وبخاصة في الهيولي المطلقة, وفي القدماء الخمسة على الخصوص ثم يرى فيدا أن ابن صديق قد قرأ أيضا أثولوجيا أرسططاليس ,وكانت قد وصلت نسخه العربية إلى الأندلس .
أما عن مصادره المشائية , فكانت أيضا كتب المشائين الإسلاميين من أمثال الفارابي وابن سينا . 
أما عن الكلام , فإن فيدا يرى يوسف بن صديق لم يتأثر هنا بالكلام المعتزلي – خلال سعديه وبهيا , بل تأثر بالأشعرية , وتبنى آراءها لكي يهاجم كتابات يوسف البصير القرائي , وكان تلميذا أمينا للمعتزلة .فتابع الأشعرية في تصورهم عن الصفات , وفي الجزء الذي لا يتجزأ كما تكلم عن الإرادة الإلهية , كما يتكلم أي أشعري , وهاجم المعتزلة هجوما عنيفا – ممثلة في شخصية يوسف البصير الذي اعتبر الإرادة مخلوقة . 
وظهر يهودا هالفي (1085-1140) وكتب كتابه خوزاري . وقد ادعى فيه أن ملك الخزر – وكان وثنيا- استدعى ثلاثة من العلماء – مسيحيا ومسلما ويهويا ,وعرض كل منهم أركان دينه وعقائده , وانتهى الأمر بالملك إلى اعتناق اليهودية , والقصة خرافية . ولكن ما يهمنا في الأمر هو إظهار الأثر الكلامي والفلسفي الإسلامي في كتاب خوزاري .
إن الكتاب في مجموعة هجوم على الفلسفة , كما عرضها ابن سينا ونقد لها . ويقرر فيدا أنه يدين بنقده للغزالي .
وظهر لدى اليهود متفلسفة سنيون صغار من أمثال إبراهيم بن داود فكتب كتابه " العقيدة الرفيعة " متأثرا خطى ابن سينا . وقد عرف ابن داود لدى المسيحيين باسم داود المترجم – ثم قتل في طليطلة بأيدي المسيحيين .
وما لبث أن ظهر لدى المسلمين " ابن رشد " شارحا كبيرا لأرسطو , ومحاولا العودة إلى أعماق المذهب المشائي الحقيقي , ومهاجما للمتكلمين , وبخاصة الأشاعرة . وكذلك ظهر لدى اليهود موسى بن ميمون , شارحا لأرسطو , ومهاجما للمتكلمين المسلمين واليهود , وقد هاجم ابن ميمون بالذات الأشاعرة وآراءهم .
وتعود القرائية فتظهر في القاهرة على يد آخر مفكريها " هارون بن ايلى" فكتب في العربية كتاب شجرة الحياة (عام 1346م) وهو مزيج من عقائد المعتزلة والفلسفة . والكتاب يشبه " دلالة الحائرين " في منهجه وطريقته . ويحوي فقرات وأخبار هامة عن الفلاسفة الإسلاميين الذي استمد منهم الرجل فلسفته.
ولست أود أن أخوض في الفلسفة اليهودية إن كانت هناك حقا فلسفة يهودية. إنما أود أن أنتهي إلا أنها لم تكن إلا ظلالا لفكر المسلمين وفلسفتهم مع تشويه هذا الفكر بمناصر من التوراة والتلمود. 

14‏/09‏/2014

من أخطاء الإسلاميين مطالبتهم بتطبيق الشريعة , لأن السلف من الصحابة لم يطبقوا الشريعة حرفياً وإنما طبقوا مقاصد الشريعة , فنحن نحتاج إلى تطبيق مقاصد الشريعة لنصل إلى العدل , لأن الغاية من شريعتنا العدل ولا يكتمل توحيد المؤمن إلا بالعدل .

فنجد في تراثنا 
أن سيدنا عمر بن الخطاب لم يطبق الشريعة عندما رفض قطع يد السارق , ونجد أن سيدنا عثمان أعطى المطلقة ميراثها مع أنه لا يجوز للمطلقة أن ترث , فلو طبقنا مفهوم بعض الإسلاميين في تطبيق الشريعة الحرفية فإنه سيؤدي إلى إخراج الكثير من الصحابة والسلف من الإسلام لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله . 

وإلى من يعارضني فليطبق هذه الآية حرفياً " "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" يلا روح حارب الكفار بالبغال والحمير والسيوف

الصحابي الذي كلم ملك الفرس من جور الأديان إلى عدل الإسلام 

17‏/07‏/2014

شاب أمريكي يقتل أبرياء بسبب الكبت الجنسي !!! ووقع ضحية الإنفتاح الجنسي عند الشعب الأمريكي

المقطع باللغة العربية 

http://www.youtube.com/watch?v=6DnVNLBIO6w&feature=youtu.be

أمريكي يعاني من الكبت الجنسي مما يدل على أن الكبت الجنسي لا يمكن أن يحدث إلا لما يسبقه كبت عاطفي , والكبت العاطفي أشد خطورة من الكبت الجنسي

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- في إطار البحث عن تفسيرات بشأن حادثة إطلاق نار عشوائية، بدأت باستخدام سلاح أبيض، قتل فيها اليوت رودجر ستة أشخاص بكاليفورنيا، تبحث السلطات لإيجاد أجوبة في شريط فيديو، توعد فيه المهاجم "البتول"، ولمدة سبع دقائق،  بالقصاص من النساء.

هذا هو كتابه 
 http://t.co/yGK2ip5a0e 
 وبالإضافة إلى الفيديو، وصف رودجر، 22 عاما، برسالة إلكترونية مفصلة مؤلفة من 107 آلاف كلمة، عالمه "المشوه" وجهها إلى والديه ومعالجه النفسي قبل يوم من "مذبحته" السبت.
وجاء في نص شريط الفيديو، حيث  أعرب رودجر من إحباطه واستيائه من "البشرية" وتوعد بالقصاص من الفتيات اللائي رفضنه وتجاهلنه، ونقتبس هنا جانبا منه: -

"حسنا، هذا هو الفيديو الأخير لي... وما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف.. غدا هو يوم ’القصاص‘.. اليوم الذي سأنتقم فيه من البشرية.. منكم جميعا، منذ السنوات الثمان الماضية بعد بلوغ سن المراهقة، أجبرت على التقوقع في عالم الوحدة، والرفض ورغبات،  لم تتحقق جميعها بسبب الفتيات اللواتي لم يشعرن بانجذاب تجاهي مطلقا.. فتيات أولين كل العاطفة والجنس والحب تجاه رجال آخرين وليس أبدا تجاهي..
"لم أمارس الجنس مطلقا وعمري الآن 22 عاما، لم تقبلني فتاة أبدا.. قضيت عامين ونصف العام في الكلية، وربما أكثر، وما زلت بتولا.. هذا هو الوقت الذي يخوض فيه الجميع تجارب الجنس والمتعة واللهو... طيلة هذا الوقت وأنا تنخرني الوحدة.. "
"أنتن ايتها الفتيات لم تنجذبن لي مطلقا، لا أدري لماذا، ولكن سأعاقبكن جميعا على ذلك.. هذا غير منصف.. هذه جريمة.. أنا الرجل المثالي ورغم ذلك ترمين بأنفسكن على رجال بغضاء... وليس الرجل المكتمل المثالي الذي هو أنا.. سأعاقبكن جميعا على ذلك .. في يوم "القصاص" سأذبح كل شقراء مدللة ساقطة أراها بالداخل.. كافة الفتيات اللائي اشتهيتهن بشدة ورفضنني ونظرن إليّ باستخفاف."
وكتب في فقرة أخرى: سأذبحكم مثل الحيوانات، سأكون الرب.. سأنزل القصاص بكل من يستحقه.. وانتم تستحقونه.. فقط لجريرة أنكم تتمتعون بحياة أفضل مني.. كل ما رغبت فيه صديقة، وعلاقة حميمة، والحب، العاطفة والاهتمام.. تعتقدون بأنني غير جدير بذلك، وهذه جريمة لا تغتفر."
وتابع في فقرة أخرى : "أيها الفتيات.. إن لم احصل عليكن سأدمركن.. حرمتوني الحياة السعيدة، وبالمقابل سأحرمكم الحياة.. هذا هو العدل."
 هذا وقد أسفر إحباط رودجر عن مصرع ستة أشخاص:  ثلاثة منهم طعنا في بلدة "إيسلا فيستا، قبل أن يتوجه إلى ثكنة جامعية في "سانتا باربرا ويفتح نيران سلاحه عشوائيا، ليردى ثلاثة قتلى وإصابة 13 بجراح،  وفاءً ليوم "القصاص" قبل أن يقتل نفسه.
قناة روجر الرسمية 
http://www.youtube.com/user/ElliotRodger/videos




أمريكية تشتكي من ثقافة الذكورية عند الشعب الأمريكي

http://www.youtube.com/watch?v=HPFcspwbrq8&bpctr=1405605674

أمريكية تنتقد ثقافة الهوس الجنسي عند الشعب الأمريكي الذي أدى إلى جعل الإغتصاب أمراً مضحكاً وليس فيه إشكال

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10152383164934213&set=a.284745684212.144562.221909329212&type=1&theater


12‏/07‏/2014

سلوم الرجال مهب بالطيش والهمجية والعدوانية

الشريف بركات يعلم ابنه (المرجلة) وسلوم الرجال في مقطوعة شعرية نادرة (صوت)

http://www.youtube.com/watch?v=or4LQtZ3Qxo

الـــــشــــــريـــــف بــــركـــــات :

من اجمل ما في في النصح والحكمه
الشريف بركات ينصح ابنه مالك في هذه القصيده الجزله
نبذة عن الشاعر:
هو الشريف بركات بن محمد بن مالك بن أبي طالب بن الحسن بن أحمد بن محمد ( الحارث) بن الحسن بن محمد ( أبو نمي الثاني ) ، ( أبو مالك ) شريف حسني نموي حارثي ، من قبيلة الأشراف الحرث من فرع يسمى ( ذوي مالك ) نسبة إلى جدهم مالك بن أبي طالب 
الراجح أن الشريف بركات ( أبو مالك ) عاش خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الثالث عشر للهجرة ، حيث عاصر مجموعة من أمراء مكة المكرمة على التوالي منهم ( الشريف سرور بن مساعد بن سعيد بن سعد بن محسن بن حسين بن الحسن بن محمد ( أبو نمي الثاني ) ، الذي تولى الإمارة سنة 1186هـ واستمر حتى وفاته سنة 1202هـ .

إن وصيته لابنه مالك الآتية في هذه القطعة الشعرية الرائعة،
وصية أب مشفق،
ترمى بجانبها كل الوصايا والعلوم التربوية التي أتعب علماء النفس والتربة أنفسهم في تدوينها،وهكذا يرى الآباء أبنائهم،
وإلا فيا ضيعة الأبناء، آملاً منكم قرائتها حيث أن البعض يراها طويلة فلا يقرؤها،

يعلمه فيها كيف يستقبل الضيف ، وكيف يتعامل مع النمام ، ومع يصلح ماله ، وكيف يواجه مآسي الدهر
وكيف يتعامل مع الصديق ، وكيف يستقبل الإساءة ، وكيف يتعامل مع الرجال وغيرها من المعاني السامية الرائعة

حتى صارت تسمى بدستور المرجلة ، التي نحن بحاجة إليها أكثر من حاجتنا للطعام والشراب


فأتمنى من الجميع قرائتها ، كما يوجد لها إلقاء صوتي نهاية القصيدة من أروع ما يكون

قال في قصيدته التي يوصي ابنه مالك فيها :



يَا اللهْ يَا اللي كُل الأُمّاتْ تَرْجيكْ**********يَا واحِدْ مَا خــّابْ حيٍّ تَرَجَّاكْ



يّا رُبَّ عَبْد مَا مَشَى في مَعَاصيكْ*********وَ لا يَمْشَى إلاّ في مَحَبَّتْكْ وِ رْضاكْ



يَا مِرْقِب بِالصُّبْحْ ظلَّيتْ ابَادِيكْ************مَا َواحِد قَبْلي خـــَبَرْتُهْ تَعَلاَّكْ



وَلِّيتْ يَاذَا الدَّهْرْ مَا اكْثَرْ بَلاوِيكْ*********اللهْ يِزَوِّدْنَا الســـَّلامهْ مِنَ اتْلاَكْ



يا الِّلي عَلَى العُرْبَانْ عمَّتْ شَكَاوِيكْ*****وَلِّيتْ يَادَهْر الشَّـقا وَلْ مَقْواكْ



وَاليومْ هَا اْلكانُونْ غَاد شَبَابِيكْ********تَلْعَبْ بَهَ الأرْيَاحْ مِنْ كُلَِ شِبِّـــاكْ



يا مالِك اسْمعْ جَابتِي يُوم أَوصِّيكْ******وَاعرفْ تَرى يَابوكْ بآمُرْك وَانْهــاكْ



وصَيّة مِنْ والد طَامِـــعٍ فيكْ*******تَسْبِقْ عَلَى السّـــاقَهْ لِسَانُهْ العَلْيَاكْ



أُوصِيكْ بالتقوى عسى اللهْ يهديكْ*****لَهَا وَتِدْرِكْهــا بتوفيقْ مـــولاكْ



أللهْ برَب أَجْدَادَكْ الغُر يَعْطيكْ*********مَرْضاتِهْ مَعْ مَا تَمَنَّى مِنَ اَمْنَــــاكْ



إحْفَظْ دَبَشْكْ اللِّي عَنِ الناسْ مِغْنيكْ********اللِّي لِـيـا بانَ الْخلَلْ فِيكْ يَرْفَاكْ



وِاعْرِفْ تَرَا مكة وَلاَهَـا بنَاخِيـكْ*******لَوْ تِشحَذُهْ خَمسَهْ مَلاَلِيمْ مَعْطَـاكْ



إِجْعلْ دُرُوب الْمرْجَلَه مِنْ مَعَانِيـكْ*******واحْذَر تِمَيِّلْ عَنْ دَرَجْهَا بمَرْقَـاكْ



لاتِنْسَدِحْ عَنْهَا وَتَبْغيني اعْطيــكْ********جَمِيعْ مَا يَكْفِيكْ مَا حَاصِل ذَاكْ



أَدِّبْ وَلَدْكْ إن كَانْ تَبْغيه يَشْفِيـكْ*******وِنْ ضَاقَتْ امُّهْ لاَتِخَلِّيهْ يَــالاكْ



إِمَّا سَمَجْ وَاسْتَسْمَجَكْ عِنْدَ شَانِيكْ********وِيَفِرّْ منْ فِعْلَهْ صَدِيقَكْ وَشَرْوَاكْ



وَلاَّ بَعَدْ جَهْلُهْ تَرَاهُو بِيَاذِيـــكْ********لَوْ زِعْلَتْ امُّه لاَتَخَلِّيْـهْ يالاَكْ



واحْذَرْ تِضَيِّع كُلّ مَنْ هُو ذَخَرْ فِيكْ********مَعْرُوفْ لاَتَنْساهْ وَاوْفِهْ بِعِرْفَاكْ



تَرى الصَّنَايِعْ بَيْنَ الاْجْوَادْ تَشْريـكْ********إِلْيَا طِمِعْتْ ابْغَرْسَهَا لاَ تَعَدَّاكْ



وَاحْذَرْ سُرُورْ ابْغَبَّةَ البَحْر يَرْميـكْ********ولاَعِنْدُهْ افْلَسْ مِنْ تَشَكِّيكْ وِابْكَاكْ



وَاوْفِ الرِّجالْ احْقُوقَهَا قَبْلَ تُوفِيكْ********لاَ تُوفِه بِالْقَولْ فَالْحقّ يَقْفَـــاكْ



وَهَرْجَ النَّمِيمَهْ والْقَفَا لاَ يَجِي فِيك********وِايَّـاكْ عرضْ الغَافِلْ ايَّاك إِيَّـاكْ



تَبْدِي حدِيث لَلْمَلاَ فيهِ تَشْكِيـكْ********وِتْهِيمْ عِنْد النَّاسْ بِالْكِذْبْ واشْراكْ



وَاليَانَوَيتْ احْذَرْ تِعَلِّمْ بَطَاريــكْ*******كمْ واحِد تَبْغِي بَـهَ العِرْفْ وَاغْوَاكْ



وَاحْذَرْ شَماتَتْ صاحِبْ لَكْ مِصَافيكْ*****وِلْيا جرى لَكْ جارِي قالْ لَوْلاكْ



وَ لا تَحْسَبَنَّ اللهْ قُطُوعٍ يِخَلّيــكْ*******وَ لاَ تَفْرحْ اِنَّ اللهْ على الخَلْقْ بدَّاكْ



الضَّيف قدِّمْ لُهْ هَلاَ حينْ يَلْفِيــكْ*******ومِمَّا تِطُولُهْ يَا فَتَى الْجُودْ – يُمْنَاكْ



إِحْذرْ تَلَقَّى الضَّيف مِقْرِنْ عَلابِيـكْ******خَلَّهْ مِحِبٍّ لِكْ صَدِيق إذا جَــاكْ



وَوْصِيكْ زَلاتْ الصَّدِيقْ إِنْ عَثَافيكْ*******ماَ زَالْ يغَطَّاهَ الشَّعَرْ فَاحْتمِلْ ذَاكْ



رَاعِهْ وَلوْ مَا شُفْتْ أَنُّـهْ ما يَرَاعِيكْ*******عَساكْ تِكْسِرْ نِـيَّـتَهْ عنْ مَعَادَاكْ



وَاحْذَرْ عَدُوّكْ لوْ ظَهَرْ بِي(1) يصَافِيكْ******خَلَّكْ نَبِيهْ و رَاقِـبُهْ وينْ مَاجَاكْ



لاَ تَأْمَـنُهْ واطْلُبْ منَ اللهْ يَنَجِّيـكْ*******ويكْفيكْ ربَّكْ شرّْ ذُولاَ وِ ذُولاَكْ



شُفْني أَنَا يابُوكْ بآمُرْكْ و انْهِيــكْ*******عَن التَّعرُّضْ بَين الاثنَـين حَذْرَاكْ



إذا حَضَرتْ اطْلاَبَة معَ شَرَابَـيـكْ*******إسْع لَهُمْ بالصُّـلْحْ وَاللاَّشْ يِفْدَاكْ



إبْذِلْ لَهُمْ بَالطِّيبْ رَبّكْ يِنَجِّيـكْ*******وَلاَ تِجْضَعْ الْمِيزَانْ مَعْ ذَا وَلاَ ذَاكْ



أمَّا الشَّهَادهْ فَادِّهَا إنْ دَعُوا فيـكْ*******بَيِّنْ عَمُودْ الدِّينْ لاَ عِمْيتْ ارْيَاكْ



بَالَكْ تِمَاشِي واحِد لَكْ يِرَدِّيـكْ*******طَالِعْ بَنِي جِنْسَكْ وَفَكِّرْ بِممْشَـاكْ



رابِعْ أصِيلٍ في زَمانَكْ يشَاكيـكْ*******لاَ شَافْ خِلاَّتَكْ عنِ الناسْ غَطَّـاكْ



وَ احَذِّرْكْ عنْ طَرْدْ المِقَفِّي حذَاريكْ******علَيك بِالْمِقْبِلْ وَاتْرُكْ اللِّي تَعَدَّاكْ



ثمَّ الْعَـن الشيْطانْ لَيَّاهْ يِغْوِيــكْ*******تَرَى أن تبِعْتُهْ لِلشّـرَابِيكْ ودّّاكْ



واوصِيكْ لاَ تَشْكِي عَلَيناَ بلاَوِيكْ********أنتَ السَّبَبْ طَرْفَكْ اعْيُونَكْ بِيُمنَاكْ



واعرِفْ تَرا اللِّي وطَا الفِعْرْ(2) وَاطِيكْ*******وَلاَ انَتْ أعزْ امْنَ الجمَاعهْ هَذُولاَكْ



ألْمَسْكْ يَا رَاسِي مِنَ الذُّلْ واخْطِيكْ*******وَاحذَرْ تَكَلَّمْ يَا لِسَانِي حــذَارَاكْ



والْطُفْ بِجَارَكْ وَقُمْ مِنْ دُونْ عانِيكْ*******وافُطَنْ لِما يَعْنِيكْ عنْ ربعةَ اَخْواكْ



يَا ذِيـبْ وِنْ جَتْكَ الْغَنَمْ فِي مَفَالِيكْ******فَاكْمُنْ إلَيـنْ أنَّ الرّّعَايَا تَعَـدَّاكْ



فِيما مَضًى يَاذِيبْ تَفْرِسْ بيَادِيــكْ(3)******وَاليومْ جَا ذِيبٍ عنِ الفَرْسْ عَدَّاكْ



يَا ذِيبْ عَاهِدْنِي وَعَاهِدْكْ مَرْمِيـكْ(4)*******مَرْمِيكْ أنَا يا ذِيبْ لَوْ زَانْ مَرْمَاكْ



وَالنَّفْسْ خَالِفْ رَأْيَهَا قَبلْ تَرمِيـكْ********تَرى لهَا الشَّيْطانْ يَرْمِي بِالاهْلاَكْ



وَمِنْ بَعْدِ ذا لاَ تَصْحَبَ النَّذْلْ يَعْدِيكْ******وَعَنْ صُحْبَةَ الأنْذالْ حَاشَاكْ حاشاكْ



تَرَا الْعَشِرَ النَّذْلْ يَخْلِفْ طَوَارِيـكْ********وانَا اَرْجِيَ اَنَّكْ مَا تَجِي دُونْ آبَاكْ



والْهَقْوَةَ اَنَّكْ مَا تَجِي دُونْ اَهَالِيكْ********ولا ظُنّْ عُودَ الوَرْدْ يُثمِرْ بتُـنْبَـاكْ



والحُرّْ مِثْلَكْ يَسْتَحِي يَصْحَبْ الدِّيكْ******وإنْ صَاحَبُهْ قَافَا مِقَافَاةَ الاَدْيــاكْ



لاَ تَسْتَمِعْ قَول الطّرَفْ يَومْ يَلْقِيـكْ******بَالْكِذْبْ يقْضِي حاجَتُهْ كُلّْ مَا جَاكْ



مَنْ نَمَّ لَكْ نَمّْ بِكْ وَ لاَ فِيهْ تَشْكِيكْ******واليَاهْ قَدْ زَرَّى رَفِيقَــكْ وَ زَرَّاكْ



عِندكْ حَكَى فِينَا وَعِنْدِي حكَى فيكْ******واَصْبَحْت كَارِهْنَا وَحِنَّا كِرهنَـاكْ



مَا اَ خْطَاكْ مَاصَابَكْ وَلوْ كانْ رَامِيكْ******وَاللِّي يَصِيبَكْ لَوْ تَتَقَّيتْ مَا اخْطَاكْ



مَيْر اسْتَمِعْ منِّي عَسَى اللهْ يَهْدِيـكْ*******النُّصح يَا مَالِكْ لَكَ اللهْ المَـولاَكْ



عِنْدِي مَظِنَّـهْ مَا تَمَثَّـلْتَـهَا فِيكْ*******واطلُبْ لَكَ التَّوفِيقْ مِن عِنْدْ مَولاَكْ .

29‏/05‏/2014

تلخيص كتاب مالك بن فهم الأزدي للكاتب خالد بن سليمان الخروصي

تلخيص كتاب مالك بن فهم الفراهيدي
هذا الكتاب كتبه خالد بن سليمان بن سالم الخروصي من سلطنة عمان وطبعته وزارة التراث والثقافة العماني , فهذا الكتاب يجسد الإرث التاريخي الكبير لعمان بشكل خاص والعرب بشكل عام , حيث أنه ذكر الأمم التي سكنت عمان سابقاً كالسومريون (4000 ق.م) والكلدانيون والعاديون (قوم عاد الذين ذكروا في القرآن ) و الفينيقيون و الآشوريون والبابليون والفرس والسبأيون والطسميون (العرب البائدة وهم العمالقة) والقحطانيون والأخمينيين الفرس وأخيراً الأزد , ومالك بن فهم من الأزد , وهي قبيلة تفرقت بعد إنهيار مأرب وإنتقلوا إلى السراة (الجبال والأرض الحاجزة بين تهامة واليمن جنوب شرق مكة المكرمة ) , ثم إنتقل مالك إلى عمان إثر خلاف مع بنو أخيه بعدما قتلوا كلبة كانت تؤذيهم في نومهم وأغنامهم , فغضب إثر ذلك وإنتقل إلى عمان , وكان سبب إختياره لعمان هو الدفاع عن أرض آبائه وأجدادة بعد الإحتلال الفارسي , وكان يخطط لطرد الفرس من عمان , فعد العتاد لطرد المرزبان (حارس الحدود الفارسي) , تم التعاون مع المهرة في منطقة شحر , ثم نزل إلى قلهات , والسبب في ذلك أن الفرس لم تكن تحت سيطرتهم ويقول الكاتب ربما لأنه يريد المناصرة من القبائل الموجودة هناك , ونظراً لمينائها الواسع التي تلفها الجبال , وبهذه الطريقة فهي كالحصن يصعب على الغزاة مهاجمتها , فهي مشهورة جداً عند المؤرخين بدورها الملاحي الريادي , وبعدها تغلل مالك وجيشة إلى منطقة الجوف (إزكي ونزوى وإلى الحمراء وبهلا وجبل الكور ونجد السحاماه والخازيم والمصلى وجنوب بسيا ومن الشمال الجبل الأخضر ), فعسكر في الصحراء , وذكر الكاتب أن مالكاً كان داعياً إلى السلام بدليل أنه أرسل إليهم رسالة سلام ليطلب منهم أن يفسحوا له في الملأ والكلأ ويقيم معهم , وهذا يدل على أن الحرب هو خياره الأخير , ولكن الفرس إحتقروه وقالوا : ’’ ما نحب هذا العربي ينزل معنا فيضيق علينا أرضنا وبلادنا , فلا حاجة لنا إلى قربه وجواره‘‘.

 فكان الفرس على عادتهم يحتقرون العرب ولم يقيموا للدم ولا للمهاجر وزنا, وكان ردة فهل مالك عنيفة , حيث أنه هددهم بالحرب وسبي ذراريهم , ويؤكد الكاتب على فطنة وشجاعة مالك , فقرر التعسكر في الفلج ليتزود من مياهها , ومن الجدير بالذكر أن علماء التاريخ في جامعة السلطان قابوس وجدوا بعض القطع الفخارية , وفي الجبال من جهة الجنوب وجدوا صخرة مكتوب عليها ’’ من إبراهيم خليل الله , التقينا في هذا المكان سبعون فارساً لاهم من منح ولا من نزوى ‘‘ , ثم إنتقل إلى وبال (حالياً تسمى منال) ليمنع أي كماشة فارسية من الناحية الخلفية , فأصبح مالك يشد الهمم ويرفع العزم وقال : ’’ يا معشر الأزد , يا أهل القبائل والحفاظ , حاموا حاموا عن أحشامكم , وذبوا عن أبنائكم , وقاتلوا وناصحوا ملككم وسلطانكم , فإنكم إن انهزمتم تبعتكم العجم بجنودها فاختطفوكم واصطادوكم بين كل حجر ومدر , وثاروا على ملككم وسلطانكم , فوطنوا أنفسكم على الحرب وعليكم بالصبر والحفاظ , فإن هذا اليوم له ما بعده ‘‘ , فقرر المرزبان الفارسي أن يعسكر في جمّ ومعه 40 أو 30 ألف مقاتل ومعه الفيله بهدف ترهيب العرب وحمايتهم من نبل ورماح العرب , بينما العرب كانوا 6000 مقاتل فقط , ثم نزل إلى سّلوت (قريبة من نزوى) , وذكر الكاتب بعض الآثار التي اكتشفت فيه المنطقة وأهمية هذا الموقع عبر العصور , وعندما إلتقى جيش العرب والفرس في سّلوت , كانت الأعداد والأسلحة متباينة , فالفرس كانوا يستخدمون الفيلة والملابس الثقيلة , بينما العرب كانوا يستخدمون الخيول وكانت ملابسهم خفيفة , مما يؤدي إلى السرعة وخفة الحركة , ثم ذكر الكاتب أن هناك فروقات في التسميات بين السواحل والمناطق الداخلية العمانية , والسبب هو ؛ أن الفرس كانوا يسيطرون على جميع سواحل عمان ابتداءً من جنوب مسقط إلى أقصة الشمال , وأن العرب كانوا متواجدون في قلهات جنوباً , ولم يسمح العرب للفرس بالإستيطان في الداخل إلا اذا كانت هناك مصالح للعرب .

 وذكر أيضاً أن سياسة الإضطهاد والتضييق والتحقير على العرب أدى إلى عزم العرب لطرد الفرس من عمان وإعادة السيطرة على الطرق التجارية بعد الإحتكار الفارسي , وبعدها ذكر قول مالك لجيش العرب في سّلوت , وقال : ’’ يا معشر الأزد اعلموا معي فداكم أبي وأمي على هذه الفيلة واكتنفوها وأسنتكم‘‘. أي اكتنفوها بسيوفكم ورماحكم , فبدأوا بالهجوم على مقدمة الجيش الفارسي ورشقوا الفيلة بالرماح والسيوف والسهام , مما أدى إلى أضطراب الفيلة , فدهست الكثير من الجيش الفارسي وشردت الكثير , كما نقل رواية من أحد المسنين , أن العرب كانوا يضعون براقع للجمال لتخيف الفيلة وتذعرهم , بعدها , صاح المرزبان وأمر أتباعه بقتال العرب , فتفاقمت صليل السيوف واقتتلوا لمدة ثلاثة أيام , ثم قرر الفرس بمبارزة العرب , فتقدم الواحد تلو الواحد , حتى قتلوا 3 من أبرز فرسانهم لمبارزة مالك , حتى أتى الرابع ورأى ما صنع بأصحابه , فقرر الإنصراف , وكانت علامة النصر في وجه العرب , مما أثارت حمية وغضب الرزبان , فنادى مالكاً : ’’ أيها العربي أخرج إلي , إن كنت تحاول ملكاً فأينا ظفر بصاحبه كان له ما يحاول , ولا نعرض أصحابنا للهلاك , فخرج إليه مالك برباطة جأش وشدة قلب فتجولا بين الصفين ملياً , وقد قبض الجمعان أعنّة خيولهم , ينظرون ما يكون منهما . ثم إن المرزبان حمل على مالك حملة الأسد , فراغ عنه مالك , ثم ضربه مالك بسيفه على مفرق الرأس , فقد البيضة والدرع , وأبان رأسه عن جسده ‘‘. واقتتلوا من نصف النهار إلى العصر حتى انهزموا , فلما شعروا الفرس بالهزيمة , طلبوا من مالك الصلح ومهلة ليغادروا عمان ويعودون إلى بلاد فارس , فأعطاهم مالك ما طلبوا , مما يدل على شهامته ومروءته . بعدها تم تعريب الكثير من المدن الفارسية إلى أسماء عربية , فتم إستبدال مزون بعمان , وفي الخاتمة يذكر الكاتب أن قصة مالك بن فهم ترمز إلى حب العمانيون إلى الإستقلالية والاعتزاز بعروبتهم وسيادتهم , وهذه تعد أبرز سياسات عمان الخارجية .

تاريخ العرب قبل الإسلام بين الموروث والحمض النووي

تاريخ العرب قبل الإسلام بين الموروث والحمض النووي

مقدمة:

تعددت مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام , فكانت المصادر السابقة قائمة على المصادر الدينية كالقرآن الكريم كمصدر قطعي ويقيني ومن ثم تأتي الأحاديث النبوية كمصادر ظنية أو شبه قطعية بحسب قواعد علم الحديث , وبعدها يستعين العرب بمصادر أهل الكتاب من اليهود والنصارى كالتوراة والكتب المقدسة التي تسمى بالأناجيل الأربعة , وبعد المصادر الدينية تأتي المصادر الكتابية أو الكتابات التاريخية والجغرافية ....إلخ , وفي المرتبة الثالثة يلجأون إلى المصادر الأثرية , نلاحظ أن أوليات المصادر عند العرب تختلف عند أوليات المصادر عند الغرب , ومن هنا تأتي أهمية دراسة علم الحمض النووي وربطها بعلم الآثار و المصادر الدينية والكتابات الجغرافية , أصبح الآن علم الdna علماً قائماً بذاته بعدما تفرع من علم الآثار , فتطور علم الجنيولوجيا وتطور التكلنوجيا ساهم في فرز نتائج علمية قطعية , لذلك أصبح علم الحمض النووي من الركائز الأساسية في توثيق ودراسة السلالات البشرية وتاريخيها , وسنركز في هذا البحث عن موروث العرب القديم وربطه بعلم الحمض النووي, حيث أصبح العلم الجديد وسيلة إلى معرفة السلالات والهجرات البشرية منذ التاريخ القديم , فكثرة العينات والفحوصات أدت إلى إستنتاجات قد تقربنا إلى الحقيقة , وكلما كثرت العينات والفحوصات كلما حصلنا على نتائج أقرب إلى الحقيقة , فإن هذا العلم قد لفت وأخذ حيز من الفراغ عندما تخلوا الكثير من علماء الأنساب والمهتمون بالموروث التاريخي للقبائل العربية وبني إسرائيل بشكل خاص والشعوب الأخرى بشكل عام , فإن هذا العلم كغيرة من العلوم من ناحية الإيجابيات والسلبيات , فهو سلاح ذو حدين , نجد أن هناك في البداية تردد واضح من إنتشار هذا العلم , وذلك بسبب وجود بعض المفاسد التي تهيمن على المصالح , فجميعنا نعلم بأن دولة إسرائيل قائمة على الديانة اليهودية , ونتائج سكان إسرائيل اليهود أتت على عكس النتائج المتوقعة , كذلك بعض العوائل التي تنتسب إلى ذرية النبي من آل البيت , قد يشكل عبئاً وإحراجاً وورقة ضغط من قبل بعض التيارات الفكرية والأيدولوجية , لكننا في هذا البحث لا نريد أن ندخل في هذا الجدل أو نتسبب في إحراج أي جهة ولا نتعمد أن نستفز أي ديانة أو أي قبيلة أو أي مذهب مهما كان .

خطة البحث:

 فهذا البحث علمي قائماً على نائج وعينات الحمض النووي للقبائل العربية والشعوب الأخرى و التي درست من قبل علماء التاريخ والأنساب والأهم علماء الحمض النووي , حيث تم ربط علم الحمض النووي بالموروث العربي , فبدأت أدرس الحمض النووي وإشتركت في موقع my.familytreedna.com لأخذ العينات ودراستها بدقة عالية , فهذا النوع من البحث جديد ولم يسبق إليه أحد من الطلبة في جامعة قطر , وفي الحقيقة وجدت صعوبة في إختيار العينات وفهمها , فإضطررت إلى التواصل مع مدراء المشاريع الجينية في الموقع نفسه , وإستشرت منهم النتائج التي توصلوا إليها حد الآن, وفضل الله , تم التعاون معهم للوصول إلى النتائج المرجوة , وأود أن أضيف على ذلك ؛ إني لم أجد بحثاً يقارب بحثي المتواضع من ناحية كثافة المعلومات وتحليلها , فمن خلال فحوصات ونتائج الحمض النووي أستطيع أن أستنتج جذور اللغات السامية و هجرات القبائل , بل الأهم من ذلك حسم الجدل في الإختلافات التي لطالما كانت ثير ضجة وجدلاً وحيرة عند علماء الأنساب , فأخذت وقتاً لجمع كلام علماء الآثار وعلماء الأنساب وعلماء الحمض النووي , والحمد لله , تم إنجاز هذا البحث بدقة عالية وذلك بفضل التعاون مع الدكتور الفاضل معين صادق الذي كان متشوقاً لهذا البحث الفريد من نوعه .

شرح علم الحمض النووي (DNA):تعريف البصمة الوراثية : أو ما يسمى بالحمض النووي:

هي البصمة الجينية التي تدل على هوية كل إنسان بذاته , وهي مواد وإفرازات كيميائية تحمل صفات الكائن الحي، وهي موجودة في خلايا جميع الكائنات الحية , وأثبتت التجارب والفحوصات الطبية أن كل إنسان يمتلك صفات وراثية خاصة تميزه عن باقي الناس كبصمات الأصابع , ولذلك جرى إطلاق عبارة بصمة وراثية للدلالة على تثبيت هوية الشخص ,  فهي تحدد وراثة لون الشعر ، لون العين ، وكثافة العظام وغيرها من الصفات البشرية والحيوانية, و هي تقنية تستخدم من قبل علماء الطب الشرعي للمساعدة في تحديد هوية الأفراد وأول من اكتشف الجينات الوراثية العالم البريطاني جيفيرز عام 1984الذي تعرف على بعض طلاسم الجينات التي تنقل المقومات الوراثية من جيل لآخر وتحتوي تلك المقومات على كل الصفات الوراثية التي يحملها الإنسان , واكتشاف جيفيرز يكمن في العثور على اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية ينفرد بها كل شخص مثل بصمة الإصبع.

طرق أخذ عينات الحمض النووي: 

 
1- الشعر 
 
2- اللعاب و خلايا الفم 
 
3- الأظافر 
 
4- الدم

لكن أغلب شركات ومختبرات فحص الحمض النووي تفضل أخذ العينة من اللعاب وخلايا الفم .(1)

طريقة انتقال الصفات الوراثية:



الصفات الوراثية تنتقل بطريقة رقمية دقيقة محكمة يمكن للعلماء من خلالها إدراك الصلة بين الأب وأبنائه أو نفيها إذا لم يكن هناك صلة في التسلسل الجيني , وذلك أن الأب ينقل نفس تشفير الجينات إلى ابنه ثم تنتقل تباعا إلى أحفاده وهي نفس الأرقام ولا تتغير إلانادرا ,وكل ما يحتاجه الباحثون هو إيجاد تردد جيني مشترك بين أغلب أفراد القبيلة أو الأسرة ثم جعله رمز لها وكل من يحمل ذلك الرمز أو التردد فهو يعتبر من تلك القبيلة لأن الجينات لا تكذب إنما هي ترددات أو رموز كيميائية تنتقل من جيل إلى جيل آخر, يقول الدكتور عبد الهادي مصباح ـ أستاذ التحاليل الطبية والمناعة وزميل الأكاديمية الأمريكية للمناعة ـ إنه من خلال تحليل الحامض النووي DNA يمكن تتبع تسلسل الحامض النووي في العائلات المختلفة وبالتالي يمكن إثبات صلات القرابة من خلال تسلسل الأرقام في حمض كل شخص , فالذكور يحملون XYchromosome بينما الإناث يحملون XX chromosome , ولهذا فحوصات الyDNA  فقط للرجال , لأن Y هو الذي ينقلنا إلى الآباء والأجداد الذكور , بينما الX ينقلنا إلى الأم وجدّات الأم , فعلم الDNA  يثبت أن النسب من الأب كما هو شائع في العالم وعند العرب . (2)

قسم علماء الحمض النووي السلالات البشرية إلى أقسام (Haplogroups) وهي :

A,B,C,D,E,F,G,H,I,J,K,L,M,O,P,Q,R,S,T
فوجدوا أن العرب بقحطانيتها وعدنانيتها تتكتل في السلالة (J1c3d) واليهود الكوهنيم على السلالة (J1c3) أو (J1-P58) , ومن أبرز الشركات في مجال هذا البحث العلمي هي شركة familytreedna.com , وهي شركة أمريكية متواجدة في هيوست بولاية تكساس وتعتبر الأشهر بين الفاحصين العرب , تم تأسيس هذه الشركة من قبل العالم في الجنيولوجيا (Bennett Greenspan ) وهو يهودي أمريكي , لذلك كان مشغوفاً بالبحث عن أصول أجداده ومقارنة تسلسل حمضه النووي مع باقي اليهود من خلال yDNA  , ثم تطور الأمر ليأخذ عينات من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية , حتى وصل به الأمر أن بفتح شركة عالمية بحيث يستطيع أي شخص أن يطلب عينات من الموقع , وكما أن الشركة لديها فرع في الشرق الأوسط ومقرها في دبي , ومؤخراً تعاونت هذه الشركة مع شركة ناشونال جرافيك بتاريخ 25-5-2014, وقامت بتطوير البيانات والتقسيمات الجينية . (3)




أصل كلمة ’’العرب’’ وتطوره مع الزمن :

ذكرت كلمة العرب أكثر من مرّة في الوثائق الآشورية والبابلية بداية القرن الثامن ق.م بألفاظ متعددة مثل : (Aribu),(Arubu),(Arub),(ِAribi),(Urbi),(ِArbi) ومعناه البادية الواقعة إلى الغرب من بلاد الرافدين , ووردت في إحدى الكتابات البابلية "ماتو رابي" أي أرض العرب , كما إن المستشرقون و العلماء في العصر الحديث إكتشفوا أقدم نص فيه كلمة العرب عام 853 ق.م في فترة الملك شلمنصر الثاني أو الثالث , وكانوا يقصدون بالعرب البدو وليست القبائل الحضرية المستقرة . (4)

تقسيمات بعض الإخباريون والمؤرخون لأنواع العرب:

تم تقسيم العرب إلى 3 أقسام وهي : 1- العرب البائدة 2- العرب العاربة 3- والعرب المستعربة

1- العرب البائدة :
هم من الأقوام الذين كانو في نظر الإخباريون و النسابين العرب السكان الأقدم و الأصليين للجزيرة العربية ، فيعتبرون قبائل عاد وثمود والعماليق وجرهم وطسم وجديس وأميم وجاسم وعبيل ووبار وحضورا والموذ والسلف، وهي أقوام انقرضت كلها قبل ظهور الإسلام، المعلومات عن هذه الأقوام قليلة وغامضة، في بعض الأدبيات يطلق اسم العرب القدماء على العرب البائدة.

فيرى الباحث الأستاذ علي بن محمد الشحي أن العماليق لم تنقرض بالكلية , فيوجد بقايا من عرب العماليق انصهرت مع القبائل الأخرى وتحالفت معها , ويعتقد بأنهم على السلالة E-M123-M34 , ويقول ’’ أما العرب البائدة : وهم العماليق العرب ، والعماليق هو اسم يطلقه العرب على قبائل الكنعانيين والأموريين الذين كانوا يسكنون شبة الجزيرة العربية وهم من أقدم الأمم التي سكنت الجزيرة العربية، وهم من ذرية عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح، عاصروا الأنبياء وتفرقوا في البلاد وحكموا بلدان كثيرة : نجد، البحرين، عمان، اليمن، سوريا، الحجاز، العراق. وأصل هذه الحضارة حضارة قديمة ، كونت مجموعات عربية عديدة في الشام والجزيرة العربية وشمال أفريقيا فهم عبارة عن خليط من: (E-M123-M34) ولدت في المشرق العربي, و من الشام (J2a3h) ‘‘ (5) , ومن أدلة بقاء بعض ذراريهم من القرآن الكريم  الآية ؛ { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل : 45] ,(فإذا هم فريقان يختصمون) أي أن هناك فريق مؤمنون من حيث إرساله إليهم وفريق كافرون , والله أنجى الفئة المؤمنة القليلة كما نجى أتباع سيدنا نوح عليه السلام , و الآية { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } [الأعراف : 75] , فهناك فئة مؤمنة مستضعفة كما جاء في القرآن الكريم , فلا أعلم إن كانت هذه الفئة المؤمنة من صلب ثمود أم كانوا من الموالي , لأن محمود الروسان ذكر في كتابه أن النقوش دلت على أن هناك طبقة من العبيد وكانوا يشترونهم من الأمم الأخرى (6) , وهؤلاء العبيد إنضموا إلى ثمود , والله أعلم بذلك . كذلك أشار إلى نقطة مهمة في موروث العرب وهي أن الكثير من علم الإنساب أخذت من اليهود , حيث أن الإسرائيليات تقول أن جميع العرب ينتسبون إلى أرم بن سام بن نوح , ولكن نتائج الفحوصات تظهر عكس هذه المقولة , بالإضافة أن حصر البشرية في سام وحام ويافث غير صحيحة وأكذوبة إسرائيلية دست في عقول العرب , لذلك قال الروسان : ’’ لذا فقد دخل بعض الشك فيما كتبوه حول أصول القبائل العربية , ويحسن بنا أن نشير إلى بعض ما ورد في هذه الكتب عن ثمود كشعب وكأمة‘‘ , فهو يرى أن ثمود أقرب إلى أن تكون أمة أو شعب , لأنهم كانوا يسكنون مناطق مختلفة , فذكر إبن خلدون أنهم كانوا يسكنون الحجر ووادى القرى فيما بين الحجاز والشام , فإذا كانت ثمود من صلب سام , فمن المفترض أن تكون سلالتها J1 كباقي السلالات السامية , وهذه نقطة خلافي مع الأخ محمد الشحي , ولكني سأتحدث عن ثمود بعد قليل إن شاء الله .


2- العرب العاربة والمستعربة :

يعتقد بعض المؤرخين والإخباريون بأن العرب العاربة هم القحطانيون وأن المستعربة هم العدنانيون , فيقولون أن العرب العاربة هم الراسخون في العروبية والمتبدعون لها , فقد أشيع بين النسابون العرب أن سيدنا إسماعيل لم يكن يتكلم العربية وأنه تعلم العربية من قبيلة جرهم التي تزوج منها , وقد إستغل المستشرقون في الطعن بالنبي -ص- وتم تعيير العدنانيون بذلك إلى الآن , ولكن الكثير من الباحثين أبطلوا هذه الإدعاءات , واستدلو بكلام رسول الله -ص- عندما قال: (ارموا بني إسماعيل فإن أبيكم كان رامياً )، رواه البخاري. وما جاء في الصحيحين مخاطباً الأنصار عندما ذكر هاجر أم أسماعيل عليه السلام قال: (فتلكم أمكم يا بني ماء السماء). وأسلم من خزاعة (التي انخزعت من إخواتها الأزد إلى مكة بعد إنهدام سد مارب) وأما الأنصار ( الأنصار اطلقت على الاوس والخزرج) فهي من الازد أيضاً والازد من قحطان، وقال النسابان الكلبي، والشرقي: إسماعيل أبو كل عربي في الأرض وقول المنذر بن حرام، جدّ حسان بن ثابت الأنصاري حيث يقول:

ورَثنا من البُهلول عَمرو بن عامر = وحَارثةَ الغِطريف مجداً مؤثَّـلا
مآثَر من نَبْت بن نَبْتِ بن مالـك = ونَبْتِ بن إسماعيل ما إن تَحـولا

نقل البلاذري في أنساب الأشراف قوله حدثني بكر بن الهيثم بن عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن كحول عن مالك بن يخامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العرب كلها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل السلف والأوزاع وحضرمون وثقيف) , وقال عباس : قال أبي : دخل ولد السلف في حمير ، فقالوا : نحن بنو السلف بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان, وقال بنو لوذ : نحن بنو لوذ بن سبأ بن يشجب بن يعرب, ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب (أنساب الأشراف للبلاذري) , فهذا يدل على أن حصر العرب في قحطان وعدنان خطأ , لأن النتائج تثبت أن هنالك سلالات قديمة غير سلالة قحطان وعدنان , ومن هذا المنطلق نعيد صياغة مفهومنا عن العرب , ودحض قول بأن من تكلم العربية هو يعرب بن قحطان , لأن اللغة العربية في الأساس لم تأتي فجأةً أو لم تكن وليدة اللحظة , إنما هي تراكمات إنسانية وثقافية من عدّة لهجات ولا أسميها لغات , لأن لو كان يعرب هو من تكلم العربية , فلماذا قبائل حمير والمهرة يتكلمون بلغة أقرب إلى العبرية ؟ , وإلى الآن يوجد أشخاص في اليمن والسعودية يتكلمون باللغة الحميرية القديمة , فلغة جرهم عربية (ولعلها تكون أقرب إلى اللغة الحميرية) ولغة إبراهيم عربية  , وهذه بالنسبة لهم لهجات وليست لغات , كما نحن في عصرنا لدينا اللهجة المصرية واللهجة العمانية والمغربية ... إلخ , وكلها عربية , فاللغات السامية متقاربة جداً وتتأثرت ببعضها على مر العصور , وبهذا المنطق , يذهب "موسكاني" إلى أن الشعوب السامية في لغتها تؤلف كتلة واحدة , لا باجتماعها في صعيد جغرافي واحد والتحدث بلهجات لغة واحدة فحسب , ولكن باشتراكها في أصل حضاري تاريخي واحد أيضاً .

تمت تسمية مصطلح الساميين من قبل المستشرق النمساوي شولتزر عام 1781 على العرب والعبريين والآراميين والأحباش والأنباط وغيرهم من الأقوام التي هاجرت من الجزيرة العربية بعد التغير المناخي التي تسببت في تصحر نتيجة الإنحسار الجليدي , ومن أجل ذلك يفترض الكثير من علماء الآثار والباحثين تدافق الهجرات العربية في العراق والشام ومصر , وتطورت هذه اللهجات إلى لغات مستقلة , فهذه اللهجات لها خصائص مشتركة من حيث الأصوات والمفردات والبنية , وقد قسمت اللهجات السامية إلى 3 أقسام وهي :-
1- سامية شمالية شرقية ( بلاد ما بين النهرين)
2- سامية شمالية غربية ( سوريا فلسطين )
3- سامية جنوبية غربية ( الجزيرة العربية والحبشة و سقطرى )

دراسة لشركة familytreedna عن إنتشار سلالة  J1 (haplogroup) (8) تؤكد سامية الأحباش :


 وقسمت اللهجات السامية من الناحية الجغرافية إلى قسمين :1-  شرقية 2- وغربية

1- الفرع الشرقي : هي الأكدية ( أو البابلية والآشورية ) في العراق في الألف الثالث قبل الميلاد , فالبابليون الأكديون كانوا يسكون في جنوب بلاد ما بين النهرين في العاصمة أكد منذ 2350 ق.م وكانت أول دولة سامية في العراق , بينما الآشوريون كانوا في شمال بلاد ما بين النهرين .

2- الفرع الغربي : هي اللهجات الشمالية (الكنعانية والآرامية) والجنوبية

اللهجة الكنعانية كانت منتشرة في فلسطين وجزء من سوريا , وأهمها :

1- العبرية : ومرت على مراحل وأهمها :-

أ- عبرية التوراة (1200-200 ق.م)
ب- عبرية متأثرة بالآرامية (القرن الأول والثاني ق.م)
ج - عبرية متأخرة وهي متأثرة بالعربية (لعلها العبرية التي كانت في أيام النبي محمد -ص- )
د-  العبرية الحديثة التي دولة إسرائيل

2- الفنيقية : بين القرن 10-1 ق.م , وتنقسم إلى :

أ- الفنيقية الأم (المدن الفنيقية القديمة )
ب- البونية (لغة المستعمرات الفنيقية في حوض البحر الأبيض المتوسط في القرن 9-2 ق.م)

3- المؤابية : تم العثور على نقش كبير في قرية ذيبان في جنوب الأردن وينص فيه على أن الملك ميشع الذي انتصرعلى اليهود في منتصف القرن التاسع ق.م .

4- الأوجاريتية : موقعها برأس شمرة في سوريا وكانت تسمى بأوجاريت , وتتكون هذه اللغة من 30 حرفاً , ولكنها إنقرضت في القرن الرابع عشر ق.م .

5- الآرامية : اكتشفوا علماء الآثار نقوشات في شمال سوريا , ثم انتشرت في العراق وساحل سوريا وفلسطين بعد إحتلال الفرس , واخذت مكانتها في القرن 6-4 ق.م وهيمنت على اللهجات الأخرى كالعبرية والفنيقية وأغلب اللهجات السامية , كما وجد نقوش آرامية في قليقيا وليديا وأطلقوا عليها الآرامية الدولية .

العلماء قسموا الآرمية إلى قسمين وهما:

1- الآرامية الغربية : تعتبر الأقرب إلى الآرامية الأم وينحدر منها :

أ- النبطية : وجدت نقوش في مدينة الأنباط في العاصمة البتراء "سلع" في الأردن ومدائن صالح (الحجر) من القرن الأول ق.م إلى القرن الثالث الميلادي.

ب- التدمرية : مدينة تدمر (القرن الأول ق.م حتى القرن الثالث م)

ج- الآرامية اليهودية : وهي العبرية التي كتبت بعد العهد القديم كآرامية الترجوم في القرن السادس ق.م

د- الآرامية السامرية : كتراجم أسفار موسى عليه السلام في القرن الرابع ق.م

ه- الآرامية المسيحية : نصارى فلسطين بين القرنين الخامس والثامن الميلاديين.

2- الآرامية الشرقية : تختلف كلياً عن الآرامية القديمة التي كانت في العراق , وهي:

أ- الحضرية : في مدينة الحضر شمال غرب العراق , من نينوى إلى جنوب غرب الموصل وكانت معرفة بإسم "مدينة الشمس" .

ب- اللغة السريانية : لغة كنيسة الرها (القرن 3م-13م)

ج- لغة التلمود البابلي

د- لغة المندعين : جماعة الغنوصية ( القرن 3-8 م)

6- الفرع الجنوبي من السامية الغربية وهي :

1- اللغة الجنوبية القديمة في الجزيرة العربية , وتم العثور على نقوش تعود بين القرن الثامن والسادس ق.م ومنها :

أ- السبئية
ب- المعينية
ج- القتبانية
د- الحضرمية

2- العربية الشمالية : نقوش وجدت في شمال ووسط الجزيرة العربية وجنوب سوريا والأردن وهي :

أ- الديدانية
ب- اللحيانية
ج- الثمودية
د- الصفوية

3- اللهجة الحبشية أو الأثيوبية أو الجعزية وهي لغة مقدسة , وكذلك الأمهرية وهي الرسمية
ونتائج فحوصات الحمض النووي تدل على أن أكثر من 50% من سكان السودان وأثيوبيا والصومال وجيبوتي ينتمون إلى سلالة J1 السامية , وأن اللون الأسود هو بسبب إختلاطهم مع الأمم الأخرى , فلهذا علم الحمض النووي أكد لنا أن هذه اللهجات لها جد مشترك وجذور مشتركة . (9)

وأبسط مثال على ذلك ؛ المحادثة التي جرت بين سيدنا موسى وفرعون , فمن المعلوم أن سيدنا موسى عليه السلام تربى في بيت فرعون وعند زوجته المؤمنة عليها السلام , وسائر بني إسرائيل كذلك , فلغتهم أو لهجتهم تختلف عن لغة أو لهجة سيدنا إبراهيم , وذلك بسبب تداخل اللغات واللهجات, فمن الأولى ذلك يجب أن نقول أن عربية جرهم غير عن عربية إبراهيم , وأتى سيدنا إسماعيل وطور هذه اللغة حتى بلغت لغة العدنانيون وقريش تحديداً إلى أعلى مستوى من الفصاحة , فنجد الكثير من الآيات القرآنية تستخدم لهجات من بني إسرائيل وقبيلة جرهم وعدة قبائل , فعلى سبيل المثال ؛ الآية {فباؤوا بغضب من الله} هذه أخذت من لهجة قبيلة جرهم , وأود أن أشير إلى بحث أجرته جامعة الكوفة في قسم كلية القانون بعنوان ‘‘القاب اللهجات العربية في القراءات القرانية’’ للأستاذ المساعد علاء ناجي جاسم المولى , ويقول في بحثه ‘‘ إنَّ القبيلة الاكثر نصيبا من القراءات في ضوء الالقاب هي قبيلة (قيس)، أما المناطق الاكثر نصيباً فهي (اليمن ) ولعل السبب في ذلك هو كثرة البطون التي تحويها قبيلة قيس ومنطقة اليمن وتعدد البطون يتبعهُ تعدد اللهجات . ’’ , كذلك مقالة بعنوان ‘‘لهجات القبائل العربية في النقوش الواردة  في القرآن الكريم زياد’’ للدكتور زياد طلافحة في موقع مجمع اللغة العربية الأردني في قسم دائرة الآثار , ويقول: ‘‘وعلى الرغم من التأكيدات بصلة اللهجات العربية القديمة والنقوش بالعربية الفصحى، إلا أن هناك اجتهادات ورفض وتباين في صحة اتصال العربية الفصحى في اللهجات العربية القديمة، وكان من بين الآراء هو رأي ابن سلام الجمحي، فقد ذكر في كتابه طبقات الشعراء: ’’أن لحمير وأقاصي اليمن لساناً غير لساننا وعربية غير عربيتنا‘‘ ، فمن خلال هذه العبارة نرى ابن سلام يدرك في ذلك العصر أن هناك لغات ولهجات عربية تختلف اختلافاً جلياً عن الفصحى، ولكنه لا ينكر عروبة تلك اللهجات، وما اللغة التي نزل بها القرآن الكريم إلا لغة واحدة مُيّزت عن غيرها فصارت اللغة العربية الفصحى، التي هي امتداد للعربية القديمة التي نجدها في النقوش واللهجات العربية القديمة، وإن كان هناك بعض الاختلاف والتباين بين تلك اللهجات، ويرى "تشيم رابين"، أن هناك صعوبة في مشكلة العلاقة بين لغة غرب الجزيرة العربية، واللغة الفصحى، وعلاقة هذه اللغة بمختلف اللهجات التي وجدت في النقوش العربية الشمالية من لحيانية، وثمودية، وصفوية ولغة نقوش النمارة، فهذه اللهجات توضع مجتمعة تحت تسمية واحدة هي اللغة العربية الأم، وتعتبر هذه التسمية مجرد تعبير تاريخي’’. ويرى الدكتور خاقان أوغور الذي كتب مقالة بغنوان ‘‘الكلمات الأعجمية والمعربة فى القران الكريم’’ , ويقول : ’’ إن وجود كلمات دخلت الى اللغة العربية قبل إنزال القرآن الكريم وتحولت إلى كلمات معربة مع الزمان، لا يعتبر عيبا بالنسبة للقرآن ولا يتعارض مع الآيات التي تفيد بأنه قرآن عربي. بداعي أن هذه الكلمات هي من ملك اللغة العربية. وأن كون القرآن عربيا، فإنه ذلك يعني بأنه أنزل باللغة التي يتكلم بها ويفهما العرب.إضافة الى ذلك يجب أن تؤخذ بعين النظر وجود كلمات تستعمل بشكل مشترك بين اللغة العربية واللغات الأخرى.‘‘ وهذا يثبت أن اللغات متداخلة بين جميع الشعوب , فإن علماء اللغات ألّفوا كتباً يثبتون أن بعض الكلمات الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات المتداولة لها جذور عربية , فكيف باللغات أو الهجات السامية , فنحن في هذا العصر نستخدم كلمات أصولها إنجليزية ولكنها عربت , مثلاً كلمة ‘‘التلفاز’’ هذه كلمة إنجليزية ولكنها عرّبت وأصبحت عربية , لهذا أنا أتفق مع الكثير من الباحثين والكتاب في مسألة إنكار مصطلع العرب العاربة والمستعربة , وأنه لا وجود لها من الأساس بحسب الأدلة العلمية من مقارنة اللغات واللهجات والنقوشات التاريخية , والأدلة الواقعية التي نعيشها الآن من إختلاف اللهجات بين اللهجة الحميرية في بعض القبائل في جنوب المملكة واليمن واللهجة المهرية في الإحساء ولهجة قبائل الشحوح , بل إن لدرجة أن بعض الأفخاذ والبطون من نفس القبيلة نجد إختلافاً في اللهجات , فسيدنا إبراهيم عربي وسيدنا إسماعيل عربي وقبيلة جرهم عربية , لكن عربيتهم تختلف عن عربيتنا .(10)

ويقول الدكتور عبد الوهاب محمد الجبوري , ’’ اما العلماء والاثاريون والمختصون في العراق والوطن العربي فان بعضهم يميل الى تسمية اللغات السامية باسم يمثل اصولها التاريخية وموطنها الاول ، الذي يجمع الباحثون على انها جميعا كانت تشترك فيه ، وما زال بعضها يعيش فيه ، ونعني جزيرة العرب وما أثر من تسميات متعارف عليها لشعوبها الاولى التي كانت تسكن جزيرة العرب ، وفي مقدمتها العربية الشمالية والعربية الجنوبية بلهجاتها المختلفة ، ، وبناء على هذا فان هؤلاء العلماء والاثاريين والمختصين ومنهم الدكتور عامر سليمان من جامعة الموصل والدكتور خالد اسماعيل من جامعة بغداد والباحث عبدالوهاب الجبوري من كلية الاداب / جامعة الموصل ، كانوا قد اقترحوا اسم شعوب العاربة ولغات العاربة او العاربية ، والعاربة هم الذين يشير اليهم العلماء العرب في صدر الاسلام بانهم سكان الجزيرة الاوائل مثل : طسم وعاد وجديس وثمود وارم ، في حين اقترح المرحوم الاستاذ طه باقر والاستاذ المرحوم سامي الاحمد من جامعة بغداد ان تسمى هذه اللغات باللغات الجزرية ، نسبة الى شبه جزيرة العرب ، وهي تسمية جغرافية في الاساس ولكن يفهم منها في كتب التراث عادة النسبة الى جزيرة ابن عمر الفراتية وليس الى جزيرة العرب باكملها ، واقترح فريق اخر ان تسمى اللغات السامية باللغات العربية القديمة ، وهي تسمية جيدة اذ تشير الى الموطن الاول للغات وهو جزيرة العرب ، كما تؤكد قدم اللغة العربية ، ولكن من العسير اطلاقها على بقية اللغات التي تختلف عن العربية القديمة والحديثة التي نعرفها ، فكيف تكون الاكدية واللغة الفينيقية لغة عربية قديمة وكذلك العبرية والارامية وكيف نصنف اللهجات العربية القديمة كالصفوية والثمودية ..وهناك اسباب اخرى غيرها تشير الى عدم دقة هذه التسمية‘‘ . (11)

علم الDNA يضع حداً للجدل حول نسب قحطان إلى إسماعيل:


 شجرة J1  مع تاريخها :


فهذه النتائج العلمية تثبت أن قحطان وعدنان من نسل النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، فهو قحطان ابن يمن بن شالخ بن قيذار,ذهب بعض علماء النسب إلى أن قحطان هو قحطان بن عابر وهناك من ذهب بنسب قحطان إلى قحطان بن الهيمع, يقول في ذلك ابن السائب الكلبي: قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح هم قوم قد انقرضوا (أو ربما إختلطوا مع القبائل الأخرى)، وهم قحطان الأولى, أما قحطان الثانية فهم قحطان بن الهيمع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل. وأنهى الجدل الذي أثير من قبل علماء الأنساب, وجاءت مطابقة لقول عبدالله بن عمر بن الخطاب والإمام البخاري والنسابون هشام المعروف بإبن الكلبي ووالده والشرقي والزهري والمؤرخ ابن خلدون وغيرهم من العلماء.  

نسل إسماعيل

ويظهر إسماعيل مع أخيه في دفن ابيهما إبراهيم " فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحقُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا ". وقد صار أبناء إسماعيل الإثني عشر رؤساء لاثنتي عشرة قبيلة وانتشرت ذريته من حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الْمُتَاخِمَةِ لِمِصْرَ فِي اتِّجَاهِ أَشُّورَ. وفي أيامه كانوا يسمون المقاطعات العربية بأسماء القبائل.
تسلسل أولاد إسماعيل وفقاً لتأريخ ميلادهم حسب سفر التكوين
  1. نَبَايُوتُ،
  2. قِيدَارُ،
  3. أَدَبْئِيلُ،
  4. مِبْسَامُ،
  5. مِشْمَاعُ،
  6. دُومَةُ،
  7. مَسَّا،
  8. حَدَارُ،
  9. تَيْمَا،
  10. يَطُورُ،
  11. نَافِيشُ،
  12. قِدْمَةُ.
فالسؤال الذي يحيرني : أين باقي ذرية إسماعيل ؟ لمذا فقط أغلب ذريته من قيذار ونابت ؟ , هل إنقرضت باقي ذريته وبقي ذرية قيدار ونابت ؟ , ولماذا عبر التاريخ تم تهميش أبناء نابت ؟ , هل للسياسة والحروب القبلية كان لها دوراً رئيساً في تهميش ذرية نابت وإنقراض باقي ذرية إسماعيل ؟ . ومن الجدير بالذكر أن علماء التاريخ في جامعة السلطان قابوس وجدوا بعض القطع الفخارية , وفي الجبال من جهة الجنوب وجدوا صخرة مكتوب عليها ’’ من إبراهيم خليل الله , التقينا في هذا المكان سبعون فارساً لاهم من منح ولا من نزوى ‘‘ , فلا أدري عن صحة هذه المعلومة , فأتسائل : هل كان أحد من أحفاد إبراهيم مع هؤلاء الفرسان ؟ , إرموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً كان في أهل اليمن ومحافظة منح كانت تعتبر من إقليم اليمن تاريخياً . 

ثمود :
يؤكد محمود الروسان أن لما هلكت ثمود بعد مهلك عاد بخمسمائة سنة حتى العهد الملك الآشوري سرجون الثاني (715 ق.م) ونقل رأي بعض المؤرخين أن مهلكهم كان في أيام سيدنا إبراهيم عام 1876ق.م , وهناك دراسات أخرى تقول أن نهاية ثمود حوالي 1900 ق.م (12) , وبقوا حتى انقطعت أخبارهم وكتاباتهم ودرست آثارهم , وانخرطوا مع قبائل بني لحيان والمعينيين في الشمال , وذابوا في قبائل العربية حتى ظهور الإسلام , وأصبح الانتساب لثمود عار ولعنة على العرب , فإضطر الكثير منهم إلى تغيير نسبهم لأسباب سياسية وإجتماعية , وبعد مهلكهم تبعثروا في الأرض ولم يكن لهم قرار في أي مكان يطأونه, فتارةً نراهم في الحجر , ووادي سرحان وخليج العقبة وفي وسط الجزيرة العربية في نجد وفي عسير بحسب النفوش التي اكتشفوها علماء الآثار, وبعد ذلك عاش الثموديون على حدود المملكة النبطية , ومن الطبيعي أن يتأثر الثموديون بالأنباط حيث أنهم في القرن الثاني الميلادي بنوا معبد روافة , ووجدوا نقوش قد كتبت باللغة النبطية واليونانية تقول أن مجموعة من قوم ثمود بنوا معبد روافة , وكان كاهن هذا المعبد إسمه رويبث من قوم ثمود , وكتب البروفسور الأستاذ الدكتور / عبد المنعم عبد الحليم سيد استاذ الآثار والدراسات والوثائق التاريخية معد هذه الوثيقة قائلاً (من كل هذا يتضح أن الثموديين اختفوا وراء الهوية النبطية لاستخدامهم اللغة والكتابة النبطية في شؤونهم الرسمية ولكن القرآن بدقة إعجازه كشف عن هويتهم وخطابهم باسمهم رغم هذه الاختفاء ). انتهى كلامه.(13).

معبد روافة :




وعلقا د. زيدون و د. نزار ’’ إذا أخذنا في الاعتبار ما يقوله بعض المؤرخين من أن النبطيين واللحيانيين أصولهم ثمودية , وعندئذ يمكن أن نقول هذه الممالك ممالك ثمودية باعتبار أصولها ثمودية وإن كانت قد اتخذت اسماً جديداً ‘‘ .

الخلاف في نسب ثقيف :

من باب الأدلة العلمية أذكر رواية أورده ابن حنبل في كتابه فضائل الصحابة نصه: [حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ أَبِي: قثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفٍ فَقَالَ: «مِمَّنْ أَنْتُمَا؟» فَقَالَا: ثَقَفِيَّانِ قَالَ: «ثَقِيفٌ مِنْ إِيَادٍ، وَإِيَادٌ مِنْ ثَمُودٍ» ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهِمَا قَالَ: «مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمَا؟ إِنَّمَا نَجَا مِنْ ثَمُودٍ صَالِحٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ فَأَنْتُمْ ذُرِّيَّةُ قَوْمٍ صَالِحَينَ]. (14) , وأما أصحاب القول الثاني فقالوا هو قسي بن منبه بن النبيت بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد وأخذ بهذا القول عدد من النسابين حيث نسبوا ثقيف إلى إياد , ونسبوا إياد إلى بقايا ثمود وممن قال بهذا ابن شبة الذي ذكر أن ثقيف كانت من فروع قبيلة إياد ثم نزلوا الطائف على بني عامر بن صعصعة من هوازن القيسية وقيل على عدوان من جديلة القيسية ثم بعد زمن من استقرارهم بالطائف بدل قوم منهم نسبهم من إياد فانتسبوا إلى بكر بن هوازن من قيس عيلان بن مضر وثبت بعضهم على نسبهم لإياد بينما بدل معظمهم نسبهم وانتسبوا لبكر بن هوازن . (15)

كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني :

ذكر طريح وأخباره ونسبه :

هو فيما أخبرني به محمد بن الحسن بن دريد عن عمه عن ابن الكلبي في كتاب النسب إجازة وأخبرنا يحيى بن علي بن يحيى عن أبي أيوب المديني عن ابن عائشة ومحمد بن سلام ومصعب الزبيري قال طريح بن إسماعيل بن عبيد بن أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن عنزة بن عوف بن قسي وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر .

قال ابن الكلبي ومن النسابين من يذكر أن ثقيفا هو قسي بن منبه بن النبيت ابن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار , ويقال إن ثقيفا كان عبدا لأبي رغال وكان أصله من قوم نجوا من ثمود فانتمى بعد ذلك إلى قيس, وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه أنه مر بثقيف فتغامزوا به فرجع إليهم فقال لهم يا عبيد أبي رغال إنما كان أبوكم عبدا له فهرب منه فثقفه بعد ذلك ثم انتمى إلى قيس .

 وقال الحجاج في خبطة خطبها بالكوفة بلغني أنكم تقولون إن ثقيفا من بقية ثمود, ويلكم وهل نجا من ثمود إلا خيارهم ومن آمن بصالح فبقي معه عليه السلام ؟, ثم قال: قال الله تعالى ( وثمود فما أبقى ) , فبلغ ذلك الحسن البصري فتضاحك ثم قال حكم لكع لنفسه إنما قال عز و جل ( فما أبقى ) أي لم يبقهم بل أهلكهم ,فرفع ذلك إلى الحجاج فطلبه فتوارى عنه حتى هلك الحجاج ,وهذا كان سبب تواريه منه.

وفي رواية آخرى ؛
قال أبو العباس: وقد قال الحجاج على المنبر يزعمون أنا من بقايا ثمود، فقد كذبهم الله بقوله: ﴿وثمود فما أبقى﴾.وقال مره أخرى. ولئن كنا من بقايا ثمود، لما نجا مع صالح إلا خيارهم.

وقال الحجاج يوما لأبي العسوس الطائي: أي أقدم، أنزول ثقيف الطائف، أم نزول طيئ الجبلين؟ فقال له أبو العسوس: إن كانت ثقيف من بكر بن هوازن فنزول طيئ الجبلين قبلها، وإن كانت من بقايا ثمود، فهي أقدم فقال الحجاج: اتقني فإني سريع الخطفة للأحمق المتهور، فقال أبو العسوس - قال أبو العباس، وكان أعرابيا قحا إلا أنه لطيف الطبع، وكان الحجاج يمازحه -:

يؤدبني الحجاج تأديب أهله * فلو كنت من أولاد يوسف ما عدا وإني لأخشى ضربة ثقفية * يقد بها ممن عصاه المقلدا على أنى مما أحاذر آمن * (16)

 ومواطن ثقيف كانت بالطائف وهي مدينة من أرض نجد قريبا من مكة ثم جلس في شرقيها وشمالها وهي على قبة الجبل كانت تسمى واج وبوج وكانت في الجاهلية للعمالقة ثم نزلتها ثمود قبل وادى القرى ومن ثم يقال ان ثقيفا كانت من بقايا ثمود يقال ان الذي سكنها بعد العمالقة عدوان وغلبهم عليها ثقيف وهي الآن دارهم كذا ذكره السهيلي ويقال انهم موال لهوازن ويقال انهم من إياد ومن أعمال الطائف سوق عكاظ والعرج وعكاظ حجر بين اليمن والحجاز وكانت سوقها في الجاهلية يوما في السنة يقصدها العرب من الأقطار فكانت لهم موسما. (17)

قصة الحجاج مع إبن المزوني الأزدي :

وَقَالَ الهيثم بْن عدي : استبطأ الحجاج المهلب ، فكتب إِلَيْهِ : إنك مزوني وابن مزوني (الأزد العمانيون يكرهون هذا اللقب) ، وللعجب منك حين تهاب قتال الأزارقة ، كأنك ترى أنك ترث الأرض ، وأيم اللَّه لئن لم تناجزهم لأبعثن إليك من يحملك عَلَى مكروه أمرك والسلام.

فكتب إِلَيْهِ : أما بعد ، فقد جاءني كتابك وإني لمزوني ابْن مزوني مَا أنكر ذَلِكَ ، وإنما مزون عمان سمتها العجم بِذَلِكَ ، ولكن الأمير أصلحه اللَّه من قبيلة قد ادعت إِلَى حمير وعدة قبائل وما استقر قرارها بعد ، كانوا بقية ثمود ثُمَّ انتموا إِلَى وحاظة من حمير ، ثُمَّ إِلَى أياد ، ثُمَّ إِلَى عدوان ، ثُمَّ إِلَى قسي بْن منبه.

فلما قرأ الحجاج الكتاب تبسم ، ثُمَّ قَالَ : أفحشنا للرجل فأفحش. (18)

هذه إحدى نتائج ثقيف وهي على السلالة  (19) 
:Haplogroup E



كما إني وجدت عينات أخرى على السلالة J1 بمساعدة مع مدير المشروع وهي مقاربة للخط الحميري:

سبب الإختلافات في نتائج القبائل العربية :

هذه الموضوع يشمل أغلب -إن لم يكن كل- القبائل العربية , ولم أخص قبيلة معينة كي لا أثير حساسية أو جرح أحد من الأفراد , ومن وجهة نظري , يجب علينا أن ندرس تاريخ العرب قبل الإسلام وربطها بنتائج الفحوصات كي نفهم تاريختا أكثر , فمن المعلوم أن بعض العرب في السابق كانوا يغيرون أنسابهم لأسباب سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية , قال عباس : قال أبي : دخل ولد السلف (من العرب البائدة) في حمير ، فقالوا : نحن بنو السلف بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان, وقال بنو لوذ (من العرب البائدة) : نحن بنو لوذ بن سبأ بن يشجب بن يعرب, ودخلوا في حمير فانضموا إليه على هذا النسب (أنساب الأشراف للبلاذري) , كذلك الأحلاف القبلية وإنتساب العبيد والموالي إلى القبيلة , وذكرنا آنفاً التذبذب في نسب ثقيف, ويروى أن قبيلة عبس بعد إنحدارها إختلطت وإندمجت مع الكثير مع القبائل وبقي لنا قبيلة واحدة تنتسب إلى عبس , وهم الرشايدة , ولديهم مشروع خاص في موقع familytreedna.com , كما أن بعض الممارسات التي كانت قبل الإسلام في أيام الجاهلية أدت إلى الإختلافات في النتائج كزواج الاستبضاع والزنى . (20)

الخاتمة :

وبعد جهد كبير , أتمنى من هذا البحث أن يطور أن ينال إعجابكم وتكون الشرارة الأولى لتطوير هذا البحث , فمن المهم أن يكون من بيننا من يجمع بين علم الDNA وعلم التاريخ والأنساب , فنحن في دولة قطر بقيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني , نسعى إلى نظرة مستقبلية تفيد الوطن والعالم بأسره , قد يأتي يوم من الأيام وتجبر الحكومات الناس على فحص البصمة الوراثية كما تجبرنا على البصمة الإبهامية , حيث أنه من المعلوم أنهم يلجأون إلى فحوصات الحمض النووي في قسم الجنايات لدى مراكز الشرطة , وأصبح هذا العلم يشكل الهوية الحقيقية للفرد والقبيلة وبل تراثنا العربي والإسلامي , فنحن نفتخر بإرثنا التاريخي الغني بالتجارب والعبر والبطولات , فلابد من المحافظة على هذا الموروث , وأفضل طريقة للمحافظة عليها هي عن طريق تطوير العلوم والأدلة العلمية .

المصادر والمراجع :
 (1)

1- الموقع الرسمي لعائلة الزير

2- شركة الحمض النووي العربي لإكتشاف الأسلاف و أصول العائلات


(2)

1- الموقع الرسمي لعائلة الزير


2- my.familytreedna.com

(3)


(4)

1- (حضارة العرب قبل الإسلام , د. زيدون حمد المحيسن و د.نزار الطرشان , ص19,ط2011,دار اليازوري , الأردن)

(5)

1- الحمض النووي يكشف السلالة الجينية للعرب , علي محمد علي بن حسون الشحي , ط1, 2008.

(6)

1- القبائل الثمودية والصفوية دراسة مقارنة, ص136 , محمود محمد الروسان , قسم الآثار , كلية الآداب , جامعة الملك سعود , المملكة العربية السعودية.

2- مقالة في جريدة الشرق الأوسط , الأحد 26 أغسطس 2001 , العدد 8307.


(7)

1- حضارة العرب قبل الإسلام , د. زيدون حمد المحيسن و د.نزار الطرشان, ص492011,دار اليازوري , الأردن.

2- أنساب الأشراف للبلاذري


(8)


(9)

1- القبائل الثمودية والصفوية دراسة مقارنة, ص23 , محمود محمد الروسان , قسم الآثار , كلية الآداب , جامعة الملك سعود , المملكة العربية السعودية.

(10)

1- موقع مجمع اللغة العربية الأردني , لهجات القبائل العربية في النقوش الواردة في القرآن الكريم والتراث, د.زياد طلافحة , دائة الآثار العامة , الأردن .

2- مقالة بعنوان " الكلمات الأعجمية والمعربة في القرآن الكريم - الكلمات التركية نموذجاً-" , د. خاقان اوغور, كلية الالهيات , جامعة نجم الدين اربكان , قونيا , تركيا .

3- بحث بعنوان " اللهجات العربية في القراءات القرآنية" , علاء ناجي جاسم المولى , جامعة الكوفة , العراق.

(11)

1- مقالة للدكتور عبد الوهاب محمد الجبوري , صفحات من تاريخ الأقوام واللغات العاربة , 28 أغسطس 2007

(12)

1- حضارة العرب قبل الإسلام , د. زيدون حمد المحيسن و د.نزار الطرشان, ص752011,دار اليازوري , الأردن.

(13)

1- القبائل الثمودية والصفوية دراسة مقارنة, ص14-18 , محمود محمد الروسان , قسم الآثار , كلية الآداب , جامعة الملك سعود , المملكة العربية السعودية

2- مناقشة هادئة بالأدلة القاطعة حول آثار أقوام الحجر (2-2) , جريدة الرياض , الجمعة , 6 فبراير 2009, العدد 14837 .


(14)

1- فضائل الصحابة أحمد بن حنبل - ج2 ص 884

(15)

1- معجم ما استعجم البكري, ص76 , عالم الكتب، بيروت , ط3 , 2010.

(16)

1- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٣٠٦

(17)

1- تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١

(18)

1- أنساب الأشراف للبلاذري , ولاية خالد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خالد بْن أسيد

(19)



(20)

1- جزيرة العرب قبل الإسلام التاريخ,برهان الدين دلّو, ص 165 , دار الفارابي للنشر , بيروت , لبنان .