02‏/01‏/2014

الثورة الفرنسية حتى إعدام الملك

الثورة الفرنسية حتى إعدام الملك


الفهرس

1- مقدمة ..................................................................  ص 3
2- أهم أربعة أسباب للثورة الفرنسية ..............................   ص 4- 5
3- أهم الأحداث والمجريات ............................................ ص 5 - 13
المجرى الأول .............................................................. ص 5 - 12
المجرى الثاني ........................................................... . ص 12 – 13
المجرى الثالث ........................................................   ص 14
الخاتمة ...................................................................... ص 14
المراجع ...................................................................... ص 15


مقدمة :


هذا البحث يسعى إلى معرفة أهم الأحداث التي حصلت في الثورة الفرنسية و الأسباب التي أدت إلى هذه الثورة , ونتعرف على نهاية الملك وكيف نقارن المجريات بأوضاعنا الحالية , ومن المهم أن نعرف نهاية كل مجرم وكل طاغية , لنستفيد من تجارب الآخرين , ونعرف أن الحرية والعدالة هو مطلب الإنسانية , ولا فرق بين أوروبي ولا أفريقي ولا عربي إلا بالتقوى , فقد قال الله سبحانه في كتابه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات : 13] , وقال " ِإنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء : 58] , وقال " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90] , وسنلاحظ أن إذا غابت الحرية والعدالة لا يمكن للدولة أن تستقر , لأن الظلم يولد إنفجار , والثورة الفرنسية تراكمت عليها الأسباب والمسببات , ولا يمكن للثورة أن تقوم في يوم وليلة , فسأترككم مع بحثي وإن شاء الله ينال إعجابكم


أهم أربعة أسباب الثورة الفرنسية :

الأسباب الإقتصادية :
أدى دعم فرنسا لحروب الإستقلال الأمريكي (1776-1783) والحروب التي خاضتها مع الدول الأوروبية إل إفلاس خزينة الدولة , مما شكل ضغطاً على الدولة, فأضطرت إلى تصدير وتهريب أغلب المنتوجات والأغذية إلى الخارج, مما أدرى إلى إرتفاع الأسعار بنسبة تتجاوز 50%, وبالرغم من هذا الإجراء التعسفي , لم يحل مشكلة عجز الدولة في تسديد ديونها المتراكمة , حيث بلغ إيرادات الدولة إلى 503 مليون فرنك فرنسي مقابل مصاريف بلغت 629, بالإضافة إلى ضرائب إضافية على الفلاحين فرضتها الدولة عليهم كي ترضي النبلاء ورجال الدين , بحيث أن 50% من خزينة الدولة يصرف في سداد ديون الدولة و 26 مليون فرنك فرنك للجيش والبحرية ( طبقة النبلاء ) و 12 ألف فرنك للضباط و 2 مليون فرنك للتعليم والخدمات فقط , بينما لا يصل شيئ إلى الفلاحون الأكثر ضرراً من هذه الأزمة الإقتصادية .

أسباب سياسية ( إدارة الدولة للبلاد ) :
لاجرم أن نظام الحكم التسلطي المطلق والقائمة على النظرية الكهنوتية المعروفة بحكم الحق الإلهي المتجسدة في الملوك والرهبان كان من أهم الأسباب التي جعلت الشعب الفرنسي يثور على ملوك وحكام آل بوربون , وهذه النظرية في الحكم لا تعطي الحق للعامي أن يتدخل في شؤون الدولة , وإن فعل فإنه سيتهم بالهرطقة وقد يؤدي إلى قتله بأبشع الأساليب كما فعلوا مع العالم الفلكي العظيم جاليليو جالي الذي قال بكروية الأرض , أضف إلى هذا , أن الدولة الفرنسية لم يكن لديها أي دستور منظم ولا مؤسسات دستورية فعالة , فكل شيئ كان بيد الملك الفرنسي ( لويس السادس عشر ) , فهو فوق القانون وهو الذي يصدر القوانين ويلغيها متى شاء وكيفما شاء .

الأسباب الإجتماعية :
كانت الطبقية سائدة بشكل جلي في المجتمع الفرنسي إلى ثلاثة طبقات متفواتة المعيشة وهي : 1- النبلاء 2- رجال الدين 3- عوام الشعب , فالنبلاء يشكلون 2% من الشعب , وكان عددهم 40,000 نفر تقريباً , وأود أن أذكر نقطة لفتت إنتباهي وهي مفهوم الدولة العادلة عند أرسطو , حيث يعتبر إزدياد الطبقى الوسطى في المجتمع يؤدي إلى إستقرار البلاد ,
 فهي الطبقة التي لم يفسدها الغناء الفاحش الذي يوصل إلى الترف والبطر , ولم تذلها آلام الفقر المتقع


الأسباب الفكرية والثقافية :
شهدت الثورة الفرنسية حركة فكرية وثقافية عرفت بعصر التنوير , وكانت هذه الأفكار نتجت كردة فعل بسبب تسلط وإحتكار الكنيسة للفكر و إقصاء أي فكر يخالف تعاليم الكنيسة , فظهر الكثير من الفلاسفة والمفكرين الذين أمدوا وساهموا الثوار , ومن أبرزهم فولتير (
1694  - 1778 ) الذي إنتقد النظام الطبقي وهيمنة رجال الدين على حياة الناس وتدخلهم في كل صغيرة وكبيرة , وجن جاك روسو (1712 - 1778)) الذي ألف كتب نظرية العقد الاجتماعي , ومونيسكيو (1689 - 1755) الذي طالب بفصل السلطات وإتباع نظام ليبرالي , فكل هذه الأفكار التي رسموها المفكرون مهدت قيام الثورة الفرنسية وشجعت الشعب الفرنسية على المطالبة بحقوقهم المسلوبة  .

أهم الأحداث والمجريات :
المجرى الاول: (يوليو 1789 - اغسطس 1792
(

شهدت فترة الملكية الدستورية  و تدمير سجون الباستيل بالإضافة إلى إنشاء أول دستور ينظم فيه حقوق المواطن الفرنسي وتأسيس الجمعية الوطنية وإلغاء الإمتيازات التي كانت عند طبقة النبلاء.

بالرغم من هذا الجو المتوتر الذي تسبب في إضرابات وأعمال شغب في باريس والتي أدت إلى مقتل 25 ثائر بسبب الجوع والفقر ونقص الخدمات , نجد أن الملك لويس السادس عشر في قبضة زوجتة ماري أنطوانيت وحاشيته , فحاول أن يصلح الأوضاع الإقتصادية عن طريق تعيين ماشلوت وزيرا ورئيساً لحكومته ولكن أخت الملك مادام أديلايد تدخلت وعينت بداله موربا حتى مات وهو الذي كان وزيراً في عهد الملك لويس الخامس عشر(67), وبعده أتى لترغو وزيراً للمالية الذي يعتبر أفضل شخص ليتسلم هذا المنصب الذي إستطاع أن يقلص العجز من 22 مليون فرنك فرسي إلى 11 مليون , ولكن النبلاء كانوا يخشون سياسته الإقتصادية فتعرض للعراقيل لا سيما بعد تحالف رجال الدين مع النبلاء وذلك بسبب حساسية رجال الدين من علاقة لترغو بالفيلسوف فولتير ( الملحد ),فتآمروا عليه حتى زوروا ورقة إستقالة منسوبة إليه وفيه قذفاً في الملك والملكة مما أدرى إلى إنسحابه من المعركة السياسية حتى أتاه أجله .

 ثم أتى نيكر , وبعده أتى كالون اللذان إقترحا على الملك بنظام ضريبي عادل وفرض حرية التجارة والتقليل من مصاريف القصر لسد العجز المالي , لكن هذع الإقتراحات أغضبت طبقة النبلاء وأثارت حفيظتهم , ولكن تقرير نيكر الشهير كشف أسرار الخزينة الملكية للوصول إلى قروض جيدة , بينما نجد إستياء الملكة وحاشيتها بسبب الفضيحة الإقتصادية , فعزله الملك لويس السادس عشر إرضاءً للملكة وتعيين كالون الذي أضطر إلى دعوة النبلاء في مجلس الأعيان لفرض ضرائب عليهم في عام 1787 , ولكنه لم يتمكن من ذلك بعد رفض النبلاء ورجال الدين , وأما العامة فهم أكثر الناس تضرراً , فقاموا بدعوة مجلس طبقات الأمة (مجلس الأعيان الذي يرجع تأسيسه إلى عام  1302 ) بحضور
 46 نبيلاً، و11 كنسياً، و12 عضواً من مجلس الملك، و38 قاضياً، و12 نائباً من "أقطار الدولة" (وهي أقاليم تتمتع بامتيازات خاصة)، و25 موظفاً بلدياً، وجملتهم 144.(1) ووجه كالون إليهم الخطاب بصراحة تنطوي على الشجاعة، وأفاض في الحديث عن المساوئ التي لا بد من القضاء وتم إقال كالون إيضاً بعد إتهامه من قبل لا فاييت ببيع بعض أراضي دون إذن الملك , حينها تسلم الوزارة دي بريين الذي أكمل مشوار الذين سبقوه في فرض الضرائب على جميع الطبقات , فحصل الصراع بينه وبين مجلس الأعيان , حتى تدخلت المحكمة ورفضت إصلاحاته , كما أن الملك كان ضعيف الشخصية ولا يمتلك القدرة على إتخاذ القرار , فأدى ذلك إلى وجود صراع بين الملك و والإستقراطيون , وأكرهوا الملك على إبعاد دي بريين وإسترجاع نيكر .

مع بدأ إنتخابات مجلس الطبقات في جميع أنحاء ومناطق فرنسا أجمعت المطالب على عدم فرض أي ضريبة إلا بموافقة الشعب وأن تكون الضرائب متساوية , وإلغاء بعض أنواع الضرائب مثل ضرائب العقار والبيوت , كما أنهم شددوا على ضرورة مسح الفروقات الطبقية , وأن مجلس الطبقات ينعقد في أوقات منظمة ومعلومة بمشاركة الملك في تشريع القوانين , كما أنهم طالبوا حرية تعبير وقبول الرأي الآخر , وعندما أفتتح الملك مجلس الطبقات في فرساي قام نيكر بوضع الحلول وطلب مساعدة من نواب المجلس , لكن سرعان ما أن إشتعل الصراع بين الطبقات الثلاثة في طريقة التصويت , حيث أن صغار القساوسة وبعض النبلاء تحت إشراف لافييت طالبوا بالتصويت على أساس الفرد , بينما النبلاء وكبار رجال الدين طالبوا بالتصويت على أساس الطبقات , وهو ما دعى الملك إلى رفض مطالبهم , ويبدو تحت ضغط النبلاء وكبار رجال الدين .

وبعد كل هذه الأحداث عزموا نواب الشعب في النهاية على الإعتماد على أنفسهم وقرروا دعوة النبلاء ورجال الدين إلى الحضور بقاعة الشعب لتنفيذ المطالب انعقدت الجمعية العمومية من أجلها ونصبوا أنفسهم كممثلين نيابة عن الشعب بنسبة 96% (الثورة الفرنسية حسن جلال ص 98) , وتم إنشاء الجمعية الوطنية في 17 حزيران عام 1789, ومن الملاحظ العامة تأثروا بأفكار الفيلسوف روسو حيث يعتبر أن السيادة للشعب وليس للملك أو للسلطة , لكن الملك سعى إلى إيقاف هذه الجمعية الغير قانونية ( من وجهة نظر الملك ) عن طريق تعزيزات عسكرية , فأرسل عدداً من الجنود لإغلاق قاعة الإجتماع  , لكن النواب أصروا على مرابطتهم وهددوا بالإجتماع في قصر الملك , فقرروا أن ينصرفوا إلى ملعب التنس وقاموا بالقسم على عدم الإنصراف حتى يضعوا دستوراً لبلادهم , وبالفعل أذعن الملك لرغباتهم وقال كلمته الشهيرة : " إني لا أريد أن يموت أحد من أجلي "  (الثورة الفرنسية حسن جلال ص 102-107) , فأجد أنا شخصياً في كل طاغية جانب من الخير , لو تمعنتم جميع الطغاة والديكتاتوريون الذي حكموا البلاد العربية وغيرها من دول العالم فستجدون أنه يستحيل أن يكون الشخص سيئ مئة بالمئة , لكن معظمهم نجد أن الشر قد غلب على صفاتهم الطيبة , وكما أن هذه الأحداث بالطبع تذكرنا بالثورة المصرية الحالية , فنجد أن حسني مبارك إستجاب لبعض المطالب في البداية وغير بعض الموظفين في الدولة وأنوى على إنشاء دستور جديد , والصراع بين الإخوان و المعارضة في وضع الدستور , وقد إعتبر الكاتب الدكتور صالح حسن العكيلي أن هذا الحدث هو بداية الثورة الفرنسية ونهاية الملكية المطلقة , لا كما يذكر في الكثير من المصادر الأوروبية والفرنسية على أن الثورة إندلعت في 14 تموز 1789 .

 تفاقم الأزمة السياسية في باريس بعد الهجوم على سجن الباستيل في 14 تموز 1789, الذي كان يستخدم في إرهاب المواطنين , فيرون هذه الأسوار الضخمة والسميكة , وبأبراجها الثمانية المستديرة , وبجسورها وخنادقها المظلمة , كان رمز الحكم القديم منذ نهاية القرن الرابع عشر , وأصبحت رمزاً في سقوط الملكية الفرنسية عندما أقدم الملك في 11 تموز عام 1789 بتحريك قواته من الجبهة الشرقية إلى ضواحي باريس وفرساي لإستعادة هيبته من الجمعية الوطنية التأسيسية , ورفض طلب الجمعية في إبعاد القوات , وقام بعزل نيكر ونصب أحد أتباعه , وهذا الأمر زاد من هيجان الشعب الفرنسي وإزداد غضبه , فلم يبقى لهم خيار إلا القتال وحمل السلاح , فقام خطيب يدعى كاميي ديمولان يحرضهم على الإستيلاء على سجن الباستيل للحصول على الأسلحة , فهب الشعب وخصوصاً الحرفيين والعمال والعاطلين بالسير قدماً إلى الباستيل على وتر الأنغام والترانيم الثورية الحماسية , بالرغم من وجود سبعة معتقلين فقط , ولكن المهم هو كسر شوكة الملك والحصول على الأسلحة , وبالفعل تمكنوا من الإستيلاء على الباستيل وتحققت المعجزة كما يصفها الدكتور ذوقان قرقوط , فقاموا بحصار الأسوار الضخمة , وأجبروا قائد السجن الماركيز دي لوني بالإستسلام ورفع العلم الأبيض بعد أن عجر على قتل مواطنيه , وهذا الأمر شدني إلى الأحداث التي نمر بها في مصر والثورات العربية , حيث أن الكثير من الجنود رفضوا قتل شعبهم , والأعظم من ذلك شدني كلام المؤرخ الإنجليزي الذي نقله الدكتور ذوقان في كتابه الثورة الفرنسية ص 133 " أن الإستيلاء على الباستيل لم يتم بفضل الرصاص والمتفجرات, وإنما بفضل حماس المقتحمين , بفضل هوس التحرر الذي لا يقاوم والذي كان يدفع إلى الأمام جزءاً من الشعب الفرنسي .... إلا أن هذه النزعة المثالية الثورية هي التي مع ذلك سوف تبدل وجه العالم " .

فانتشرت الثورة الفرنسية بجميع مناطقها في يوم 14 تموز عام 1789  , مما أجبر الملك على سحب جنوده بعد أن أشار إليه دي ليانكور (تاريخ الثورة الفرنسية ألبير سوبور ص 124) , وأعلنت الجمعية الوطنية نفسها كحكومة بلدية , وعينت الفلكي بايي رئيساً لبلدية باريس , ونظمت الحرس الوطني الذي بلغ 48000 متطوع (فرنسا بين ثورتين , الدكتور حسن , ص 40) , وعهدت بقيادته إلى إلى المركيز لافييت الذي كان بطل حرب التحرير الأمريكية وصديق جورج واشنطن . وتم إختيار ثلاثة ألوان للعلم الفرنسي (الثورة الفرنسية وإمتداداتها , ص81 , روبرت بالمر , دار الطليعة للطباعة والنشر) , الأحمر والأزرق يمثلان لوني باريس والأبيض هو لون آل بوربون الأسرة المالكة (الثورة الفرنسية , ذوقان قرقوط , ص 153) .

وفي رواية أخرى : شارك الملك في إفتتاح علم الثورة

وفي 15 تموز 1789 زار الملك باريس للتعبير عن رضاه وشارك في الشكر في كاتدرائية نوتردام الشهيرة ومدح الثوار والثورة التي قاموا بها , وقام بحمل العلم الفرنسي الثلاثي اللون . (فرنسا بين ثورتين , ص 40)

إعلان حقوق الإنسان والمواطن :
 في 5 اغسطس 1789 تبنى المجلس التاسيسي قرار الغاء كافة امتيازات طبقة الاشراف والاقطاعيين
, فتم إنهاء النظام الإقطاعي في فرنسا .
أهم سبع مبادئ لحقوق الإنسان التي أسستها الجمعية الوطنية في 26 آب :
1- ظان الناس يولدون ويظلون أحرارا
2- أن الغرض من قيام الحومات هو ضمان الحقوق الطبيعية للإنسان وهي الحرية والتملك وحماية الأرواح وحق رد المظالم.
3- أن لا يسجن المرء ولا يوقف إلا بقانون , وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
4- لكل أمة الحق في مشاركة حكومتها في وضع القوانين والضرائب.
5- أن الأراء الخاصة مصانة على أن لا تخل بالنظام والقانون.
6- أن حق التملك مقدس ولا يجوز السيطرة على ممتلكات الغير إلا بتعويض .
7- حرية الأفكار والأراء من أثمن حقوق الإنسان ولكل شخص الحق في التعبير عن آرائه بحرية لا تتعارض مع القانون. (فرنسا بين ثورتين , ص41 . و الثورة الفرنسية , الدكتور ذوقان , ص 139 )

ومن هذا المنطلق , نجد أن هذه الأفكار أستمدت من الثورة الأمريكية بعد مؤتمر فيلاديلفيا سنة 1776 , وقول أن جيفرسن لكلمته الشهيرة : " الحياة , الحرية والسعي إلى السعادة " . (الثورة الفرنسية حسن جلال , ص 131 و الثورة الفرنسية , ص 136)

وفي الطرف الآخر ,نجد أن الملك لا يستطيع التنازل عن كرسيه بسهولة , فهو لا يزال يثير القلاقل والفتن ويبث سمومه في فرنسا , وكان الوضع الإقتصادي لا يحتمل , فإرتفع أسعار الخبز مما أدى إلى تحرك النساء إلى قصره في ضاحية فرساي عام 1789 الموافق ل5 أكتوبر, وكسرن الأبواب في الليل بعد أن كانوا جنود الملك في درجة عالية من السكر , وكان الملك والملكة في حالة رعب , وإستمر الوضح حتى الصباح ودخلوا غرفتها الخاصة , ولم يجدوها إلا بعد فرت إلى زوجها عارية , بعد أن أنقذها لافييت بشق الأنفس , وذلك حين أخذها إلى إحدى شرفات القصر , وبهذا إنغمس الثوار في فرحتهم , حتى قالوا في أناشيدهم " أتوا بالخباز والخبازة وابن الخباز الصغير " يقصدون الملك والملكة وولي العهد . (الثورة الفرنسية , حسن جلال , ص 144-150 و الثورة الفرنسية , ذوقان قرقوط , ص 139)

 , مما جعل الملك يشعر بالندم لما تعاون مع الجمعية الوطنية , فعاول أن يصحح خطأه بهروبه من باريس إلى شمال شرق فرنسا (ثارين) لينظم جيشه الملكي المتواجد هناك , والتواصل مع النمسا , وكان ذلك محل إستغراب للشعب الفرنسي , وقد كتب أحد الصحفيين عند سماعهم لهذا الحادث الخطير : " كانت الساعة العاشرة قبل أن تطلق محافظة باريس المدافع اخطاراً للناس بوقوع هذا الحادث الهام . ولكن الناس قبل ذلك بنحو ثلاث ساعات لم يكن لهم من شاغل غير هذا الخبر . فكان حديثه يسرى في المدينة سريان الكهرباء. وتجرى به الألسن في كل مكان ... " راح الملك ! فر الملك " . (الثورة الفرنسية , حسن جلال , 158)

وهذا يذكرني البثورة التونسية عام 2011 عندما صرخ شخص في الشارع وقد إنتشر هذا المقطع على الشبكة العنكبوتية يقول : " بن علي هرب ! .. بن علي هرب " .

بينما يحاول الملك السير نحو الحدود النمساوية , ألقي القبض عليه وأعيد إلى باريس , وتم إتهامه من قبل الشعب بالخيانة العظمى , فتظاهروا في الشوارع وهجموا على الجمعية الوطنية المتهمة بالتواطىء مع الملك , ومطالبتهم بإيقاف صلاحية الملك ووضع دستور جمهوري جديد للبلاد . فتم في 14 سبتمبر 1791, اصدر المجلس دستورا جديدا واضطر الملك التصديق عليه , وكان أهم مبادئه :-

1- فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية
2- جعل الأمة هي المصدر الأساسي للسلطة التي ينبغي أن تمارس بواسطة الهيئات المنتخبة والملك .
3- أناطة تشريع القوانين وفرض الضرائب بالجمعية التشريعية المنتخبة من قبل الشعب على أساس الدرجتين التي يبلغ عدد أعضائها 745 عضواً وليس لأحد حق حلها .
4- يرأس الملك السلطة التفيذية والجيش وقوات البحرية والبرية والادارة الخارجية وله حق الإعتراض على بعض القوانين والتشريعات التي تصدرها الجمعية التشريعية . (فرنسا بين ثورتين , ص 44)

بعد هذا الدستور حصل نزاعاً حزبياً دستورياً يدور حول حقوق الجمعية وخصائص الملك , وهم ثلاثة أحزاب :-

1- حزب اليمين (جماعة الفيان) : هم الذين كانوا يريدون الحفاظ على الدستور , ومن أبرزهم لافييت ودوماس وبارناف وباي

 2- حزب الشمال (حزب ثوري) : يريدون التخلص من النظام الملكي من جذوره , وكانوا ينقسمون إلى :-

أ - اليعاقبة المتطرفين : جماعة إرهابية متطرفة عرفت بنشاطها الإجرامي والدموي خلال
 الثورة الفرنسية.
ب – الجرينديين المعتدلين : نسبة إلى جريند , وكانوا من الطبقة البرجوازية ,ومن أبرزهم المفكر بريسو و إسنار وفرينو

 3- حزب الوسط : جماعة مستقلة لكنها لم تستمر طويلاً (الورة الفرنسية , حسن جلال , ص 168)

الحرب : بعد هذه الأحداث أرسل الملك رسائل سرية إلى ملوك أروبا ليستنجد بهم وفي نفس الوقت يحذرهم من إنتقال الثورة الفرنسية إليهم , وكان الملك يريد أن يثير الفتنة والحرب لأن اليعاقبة كانوا يخشون الدخول في حرب يكونون فيها أول الخاسرين إذا انتهت المعركة بالهزيمة , ويكون الملك أول من يستفيد منها إن إنتهت بالنصر (الثورة الفرنسية , حسن جلال , ص 176) . فبدأ التدخل الخارجي لإعادة النظام الملكي وقمع الثورة من فريدريك وليام الثاني ملك بروسيا و ليوبلد الثاني (شقيق الملكة ماري أنطوانيت) إمبراطور فرنسا منذ أغسطس 1791 , فأصدروا قراراً بإعدام كل فرنسي يقيم خارج فرنسا قبل يناير 1792 بإعتباره خائناً للوطن , وإعدام كل رجل دين إذا رفض أداء قسم الدستور , وأما الجيرنديون كانوا متحمسين للحرب وعلى رأسهم روبسر (الثورة الفرنسية , ذوقان قرقوط , ص 156) , ولكن الجيش الفرنسي إنهزم بسبب عدم كفائة المشاركين , حيث أن أغلبهم تنقصهم الخبرة , ولكن هذه الهزيمة إستغلها الملك في إقالة وإبعاد الجيرنديون الذي أقاموا مظاهرة حاشدة في 20 يونيو 1792 في ساحة التنس الشهيرة , ودخلوا قصر الملك والملكة ولم يذكر أي إصاباتة. وفي حينها كانت بروسيا تتربص وتستعد للحرب على فرنسا , فإستجمع الجيوش الجنرال دومورييه وأرسل الجنود إلى الأرجون على حدود بروسيا , وكان الجيش الفرنسي يملك مدفعية من الطراز الحديث المصنوعة من قبل المهندس غريبوفال (الثورة الفرنسية , ذوقان , ص 158-159)  , وبسبب الصراعات بين النمسا وبروسيا وروسيا حول تقسيم بولندا , جرت مفاوضات بين ديموريه وبرونزويك , وإنتهت بإنسحاب النمسا من فرنسا .

المجرى التاني: (اغسطس 1792 - يوليو 1794
(
 إعلان النظام الجمهوري الفرنسي , والإنتقام من أتباع النظام السابق عن طريق المحاكمات التي هي أشبه بمحاكم التفتيش في الأندلس , وبالأخص تمكنهم من إعدام الملك لويس السادس عشر , فهذه الأحداث الدموية ولدت حكم الإرهاب الذي أنشأه روبسبير.

في 20 سبتمبر 1792 بعد الإنتخابات في الجمعية الوطنية , طالب روبسبيير زعيم اليعاقبة بخلع الملك لويس السادس عشر , وتأسيس مجلس وطني جديد , فجرى محاكمته في 11 ديسمبر 1792 في قاعة المؤتمر حول الإتهامات التي وجهت إليه من خيانات ومؤآمرات وتخابر مع الأعداء لضرب فرنسا , إلى أن أجري تصويت على معاقبة الملك التي تتراوح بين السجن المؤبد والإعدام والنفي , وبالرغم من ذلك صدر حكم الإعدام بناء على تلك الأغلبية الضئيلة (اليعاقبة) الذين لم يتجاوزا الخمسين , ولكن حصل ذلك بسبب منصبهم العالي ومساندة الغوغاء لهم , في حينها  " كان الملك في غرفته ينتظر الحكم حين دخل عليه ما ليشرب والدموع تملأ عينيه فألفاه جالساً في الظلام وقد اعتمد بمرفقيه على مائدة أمامه وأخفى وجهه بين يديه , فلما أحس بزائره رفع رأسه إليه وقال : " لقد قضيت ساعتين أفكر فيما لو كنت أتيت أثناء حكمي ما أستحق عليه أدنى لوم من رعيتي ولكني أقسم وأنا في طريقي إلى الله أني ما آليت جهداً في تحقيق سعادة الشعب طوال حياتي " . (الثورة الفرنسية , حسن جلال , ص 206)

فأراد الملك أن يمنحوه ثلاثة أيام ليستعد فيه لقاء ربه , وأن يسمحوا للملكة وأولادها بمغادرة فرنسا , وأن يسمح له برؤية أسرته قبل موته , ويستجلب قسيساً ليبارك له , ولكن سمحوا له بالطلب الأخير فقط . وهذا يذكرني بقصة إعدام صدام حسين عندما أراد أن يتشهد بالشهادتين لكنهم لم يسمحوا له بإكمال شهادته .

وفي الساعة 11 صباح الكانون الثاني في يوم 21 عام 1793 , أخذ الملك إلى ساحة الإعدام في باريس وسط جماهير وحشود غفيرة من العساكر والمدنيون ونفذ فيه الإعدام بالمقصلة . (الثورة الفرنسية , لويس عوض , ص 145)

لقد نتج عن إعدام الملك حروب فرنسية في بلجيكا وولايات الراين ونيس والسافوري بين 20 سبتمبر – 7 نوفمبر , ومقاومة شرسة من أنصار الملك المعدوم في لافنديه وليون ومرسيلسا وطولون , ومحاصرة بريطانيا بحراً ورفض الوزير الإسباني استقبال القائم بالأعمال الفرنسي بسبب إعدام الملك لويس , فبالتالي , تشكل ضد فرنسا بريطانيا والنمسا و روسيا وبروسيا وأسبانيا وهولندا وسردينيا والبرتغال للإنتقام من فرنسا وثورتها . (فرنسا بين ثورتين , ص 52)

عهد الإرهاب :
تشكلت هيئة جديدة في يونيو عام 1793 التي عرفت بعهد الإرهاب بعد إضطرابات سياسية وإجتماعية  , وهي مكونة من أصدقاء روبسبير وسان جوست وستة آخرون , وأسفر عن ذلك تصفية الجيراندين وغيرهم من الذين يعارضونهم , وتم إعدام كل من يشتبه به , حيث بلغ اعدام ما يقارب ما بين 18000-40000 خلال سنة واحدة في الفترة 1793-1794 , ومنع التجارة خارج الأسواق كما أنهم فرضوا على الأثرياء قروض بقيمة مليار فرنك , فدعى روبسبير , وبعدها قاموا دستور  (21- يونيو) 1793  بقيادة جاك رو في باريس بنص : " ماهي الحرية , عندما تستطيع طبقة من الناس باحتكارها , أن تمارس حق الحياة والموت على أشباهها ؟ حرية , مساواة , جمهورية .. كل هذا لم يعد إلا وهماً .. أن سعر السلع المفرط الذي يتزايد يوماً بعد يوم إلى حد ثلاثة أرباع الموطنين بالكاد يستطيعون اللحاق به , هذا الأمر اليس جديراً بجميع الوسائل بإجراء الثورة المضادة , أكثر الثورات يقيناً وأشدها شؤماً ؟ " (الثورة الفرنسية , ذوقان قرقوط , ص 169)

في حينها طالبوا تلامذة هيبرت في مؤتمر لجنة السلامة بخلق جمهورية مشتركة بين الموطنين , حيث تقسم الثروات بالتساوي وفرض الضرائب على الأثرياء وتقسيم الأراضي , كما أنهم طالبوا بعزل المسيحية , ومن الملفت أن روبسبير حاول بزرع عقيد دخيلة على فرنسا وهي الإيمان بإله واحد لا شريك له سماه "
Etre Supreme" الذات العلية ( ذوقان قرقوط , الثورة الفرنسية , ص  168و حسن جلال , الثورة الفرنسية ص 258) . قاموا الإرهاب بإعدام ماري انطوانيت في 16 أكتوبر 1793 وإبنها لويس السابع عشر ومادام رولان والعالم الفلكي بابي بتهمة الخيانة , وتم إعدام الآلاف في باريس , لكن في هذه الفترة ظهر نابليون بونابارت الذي أرسله روبسبير لوقف التمرد في طولون ومحاربة البريطانيين .

المجرى الثالث: (يوليو 1794 – نوفمبر 1799
(
تم إنهاء النظام الإرهابي المتشدد بالتدريج حتى تم إعدام رئيسهم روبسبير وتم إغلاق نادي اليعاقبة , حيث أن أن البرجوازية المعتدلة تمكنت من العودة وأنشأوا دستور جديد , وقد تم نحالف الثوار مع الجيش حتى برز نابليون بونابارات أعظم إمبراطور في التاريخ الفرنسي وأول رئيس جمهوري منتخب من الشعب .

بسبب سياسة روبسبير القمعية أصدر ديمولين كتابه "كوردليه العجوز" الذي
 دعا فيه إلى الرحمة والاعتدال، فتم إعدام ديمولين ودانتون في إبريل سنة 1794، فكل من عارضه وتجرأ عليه أرسله إلى المقلصة، وبهذا أصبح روبيسبير وحشي وقاسي  ولا يتوقف عن سفك الدماء , ويريد أن يتشبت بالكرسي بأي طريقة .

في 27 يوليو 1794 أصدر أعضاء المؤتمر الوطني قانوناً برئاسة باراس إلى التخلص من روسبي بإعتقالة وأعوانه ليتم الحكم عليه بالإعدام بعد تلك الجرائم التي إرتكبها , وبهذا تم القضاء على الإرهاب.

نلاحظ أن كلمة الإرهاب كانت تستخدم في تلك الفترة , كما أن هذا المصطلح إلتصق بالمتشددين من المسلمين في هذه الأيام , لكن نستفيد من هذا الأمر على أن الإرهاب لا دين له ومرفوض من قبل كل البشر .

بعد التخلص من الإرهاب وضع دستوراً جديداً لتظيم السلطة التنفيذية والتشريعية , ومن هنا نستطيع أن نقول أن فرنسا بدأ صفحتها الجديدة , وتم إنتشار أفكارها إلى دول أروبا , وقاد نابليون إمبراطورية فرنسا بإعتباره الفاتح .

الخاتمة :
قال الله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة : 30] , وقال " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم : 41] , عندنا ندرس تاريخ الثورات , نجد أن كل الثورات لها أسباب مشتركة وهي : الظلم والإستبداد , وقد رأينا أن إستخدام الدين لأغراض سياسية وشخصية يؤدي إلى نفرة الناس من الدين , لأن الدين القائم على العنصرية والطبقية الإجتماعية لا يمكن أن يكون من الله , فنجد أن الملك في نهايته ندم وقال : " ليتني عدلت في الناس ونمت " , لأن الظالم لا ينام ولا يهنأ نومه وهو مهدد طوال الوقت بسقوط عرشه , فما قيمة الحكم إذا الناس لا يريدون الحاكم ؟ وما قيمة الترف الذي يؤدي إلى الأحقاد ؟ .


المراجع :-

1- د. ذوقان قرقوط , الثورة الفرنسية , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت,الطبعة الأولى , 1980م.
2- الدكتور صالح حسن العكيلي , فرنسا بين ثورتين , الوراق للنشر والتوزيع , الأردن , الطبعة الأولى ,2005 م .
3- روبرت بالمر , 1789 الثورة الفرنسية وإمتداداتها , دار الطليعة للطباعة والنشر , بيروت , الطبعة الأولى , 1982م.
4- لويس عوض , الثورة الفرنسية , مطابع الهيئة المصرية العامة للكتب , مصر , 1991 م .
5- حسن جلال , الثورة الفرنسية , مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة , مصر , 1937 م .
6- ألبير سوبول , تاريخ الثورة الفرنسية , مطبعة منشورات عويدات , بيروت , 1970 م .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق